|
المشتبهات في حرِّيتنا الإعلامية!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 3400 - 2011 / 6 / 18 - 15:48
المحور:
الصحافة والاعلام
في عالَمنا الصحافي والإعلامي الأردني، نتحدَّث كثيراً عمَّا يسمَّى "السَّقْف العالي" للحرِّية الصحافية، والذي على عُلوِّه (المتفاوِت بين الصحف، أو بين وسائل وأدوات الإعلام المختلفة) يظل دون ما يطيب لنا تسميته "السَّقْف السماوي للحرية (نفسها، أو على وجه العموم)"؛ فنحن "مكتشفو" أنْ لا سَقْف للحرِّية؛ لأنَّ السماء هي سَقْفها؛ و"السماء"، على ما نَعْلَم، أو على ما بِتْنا نَعْلَم، هي "بناء" لا سَقْف له، ولا أرضية، ولا حيطان.
نحن البشر لا نَعْلَم لو لم يُعْلِمنا الله أنَّ "الحلال (المحض)" بيِّن، و"الحرام (المحض)" بيِّن، وإنْ ظلَّ بينهما أمور مشتبهات، أي أمور تشتبه على كثير من الناس هل هي من "الحلال" أم من "الحرام"؛ لكنَّ "الرَّاسخين في العِلْم" يجب ألاَّ تُشْتَبَه عليهم هذه الأمور.
وفي أمْر تمييز (وضرورة تمييز) عُلُوَّ سَقْف الحرِّية الصحافية من هبوطه، ينبغي لنا ألاَّ نضرب صفحاً عمَّا بين هذا وذاك من أمور مشتبهات؛ فليس كل ما يلمع ذَهَبَاً؛ وليس كل ما نَعْتَده سَقْف حرِّية صحافية أو إعلامية عالٍ هو كذلك.
نحن جميعاً، وعلى ما نَزْعُم، وإنْ ليس كل زَعْمٍ صادِقاً، في حربٍ (لا هوادة فيها) على الفساد، وعلى الفاسدين والمفسدين؛ ولو قُيِّض لنا أنْ نمضي في حربنا على الفساد حتى نهايتها، مُعيدين كل سَيْفٍ آخر إلى غمده، لاكتشفنا أنَّ ما اعْتَدْنا فَهْمُه على أنَّه من مطالب وشعارات أقرب إلى منطق الثورة منها إلى منطق الإصلاح قد تحقَّق في سياق الحرب على الفساد، وقبل أنْ تَضَع هذه الحرب أوزارها؛ ذلك لأنَّ هَزْم الفساد والفاسدين والمفسدين (إنْ أرَدْنا أنْ نكون صادقين في زَعْمِنا ذاك، ولا نُعلِّل أنفسنا بالأوهام) يَسْتَلْزِم ثورة لا تَقِلُّ شأناً وأهميةً ووزناً عن الثورة الفرنسية العظمى (سنة 1789).
والحرب على الفساد عندنا (والتي لا يُمْكنني فهمها، حتى الآن، وفي المقام الأوَّل، إلاَّ على أنَّها صراعٌ، مستتر تارةً، وصريح طوراً، بين أجنحة وزعماء "حزب الفساد" نفسه) تحتاج إلى إعلام صادق وجاد ومُخْلِص في حربه على الفساد؛ فهل لدينا مثل هذا الإعلام؟
إنَّنا نستدل على عُلُوِّ سَقْف الحرِّية (الصحافية والسياسية) في بعضٍ من إعلامنا بما يُفجَّر من قنابل إعلامية (على الصفحة الأولى) هي كناية عن ملفَّات ومعلومات ووثائق وأدلة وبراهين (كانت حبيسة "صندوق أسود" في حوزة أحد المسؤولين الكبار في جهاز الدولة، أو البلاد) تُعْطى لصحيفة لنشرها (في طريقة متَّفَق عليها) فتَظْهَر إلى العَلَن "فضيحة فساد (جديدة)"، تشغل المواطنين، أو جمهوراً منهم، بعض الوقت؛ ثمَّ تَظْهَر لهم "فضيحة فساد أخرى"؛ أمَّا النتيجة العملية والنهائية لهذه الحرب الإعلامية على الفساد (أو لكل جولة من جولاتها) فتظل هي نفسها التي اعتدناها وألفناها؛ إنَّها "الصِّفْر" إذا ما حسبناها من حيث ما لَحِق بـ "حزب الفساد" من هزائم، وما تكبَّده من خسائر؛ وإنَّني لا أغالي إذا ما قُلْت إنَّ الفساد، بظواهره كافة، وبقادته وجنوده، يزداد قوَّةً وبأساً بعد، وبفضل، كل فضيحة إعلامية له؛ وكأنَّ الغاية الكامنة في أساس الحرب عليه هي كالتي نراها في صراع البورصة، يَخْسَر أحدهم ليربح الآخر، في الوقت نفسه، وليَظل قَدْر الخسارة وقَدْر الربح متساويين.
إنَّها حرب لا تنال (وليس من غايتها أنْ تنال) من قوَّة "حزب (أو مؤسَّسة) الفساد"؛ لكنَّها تسمح، أو قد تسمح، بترجيح كفَّة أحد حيتان الفساد على كفَّة الآخر؛ و"السَّقف" لا يَعْلو، إنْ علا، إلاَّ في هذه اللعبة، وبها؛ فشتَّان ما بين صحافة تخوض حرباً لا هوادة فيها على الفساد، بظواهره كافة، وبحيتانه جميعاً، وصحافة يتَّخِذها (وتَقْبَل أنْ يتَّخِذها) بعض حيتان الفساد أداةً في صراعهم وحربهم ضدَّ منافسيهم وخصومهم من الحيتان أنفسهم.
وشتَّان ما بين صحافة تَغْتَنِم (ومن حقِّها، وينبغي لها، أنْ تَغْتَنِم) هذا الصراع بين حيتان وأئمة الفساد، فتَحْصَل من بعضهم على ما تَحْصَل عليه من ملفَّات ومعلومات ووثائق وأدلة وبراهين، لتوظِّفها وتستخدمها (إعلامياً) على خير وجه في حربها على الفساد بحيتانه جميعاً، وصحافة تتحالف إعلامياً (وسياسياً) مع جناح ضدَّ جناح، وحوت ضدَّ حوت، من "حزب الفساد" نفسه.
لِنُؤجِّج نيران الصراع بينهم، ولنَسْكُب مزيداً من الزيت عليها، من أجل أنْ نحرقهم جميعاً، لا من أجل أنْ نحترق معهم، أو من أجلهم، ولا من أجل أنْ نصبح وقوداً لصراعهم التافه والحقير؛ فهؤلاء، ومهما تصارعوا، وكادوا لبعضهم بعضاً، يظلُّون متَّحِدين ضدَّ ضحاياهم من الشعب.
إذا كنتُ (لا سمح الله ولا قدَّر) من هؤلاء الحيتان، وقضت مصلحتي (الشخصية أو الفئوية التافهة) أنْ أسحق خصماً لي (من رفاقي في الحزب نفسه) وأنْ أزيحه من طريقي، أو أنْ أجعل ميزان القوى بيني وبينه يرجح لمصلحتي، فإنَّني، عندئذٍ، لا أتورَّع عن الزجِّ بكل قواي وأسلحتي في الصراع ضدَّه، فالحرب تمنح الشرعية حتى لغير الشرعي من الوسائل والأساليب والأسلحة. إنَّني أُفْرِج الآن عمَّا أحْتَبِس في صندوقي الأسود من ملفَّات ومعلومات ووثائق وأدلة وبراهين (أراها ضرورية ومفيدة لصراعي هذا) ما كان لي أنْ أحصل عليها لو لم أكُنْ من جهاز الدولة، أو من أقربائه وأصدقائه، أو من ذوي النفوذ فيه. وإنَّني أختَصُّ بهذا "الكنز من المعلومات"، والذي لحيازته يسيل لعاب صحافيي وصحف، أحد "أصدقائي" من رجال الإعلام، عملاً بمبدأ "العطاء المتبادل"؛ وأخيراً، أُفجِّر عن بُعْد هذه القنبلة الإعلامية، ويملأ دخانها السماء.
وإنَّه لدخان يحجب الحقيقة عن الأبصار والبصائر، فنتوهَّم نحن معشر الصحافيين والإعلاميين أنَّنا خير جيش في الحرب على الفساد والفاسدين، ونشرع نتغنَّى بـ "السَّقْف العالي"، وبالحرِّية الإعلامية التي ننعم بها؛ فإذا تبدَّد الدخان، وصَفَت السماء، رأيْنا الحقائق عارية من الأوهام، فالحرب التي خُضْناها ضدَّ الفساد لم تكن ضدَّه؛ والدليل العملي والحي على ذلك هو أنَّ الفساد خرج منها أكثر قوَّة، وأشد بأساً؛ وإنَّ أحداً من أربابه، ولو كان من معسكر الخاسرين، لم يلقَ العقوبة التي يستحق، أو لم يلقَ من العقوبات إلاَّ ما يغريه بالثبات على النهج نفسه، نهج الفساد.
كانت، والحقُّ يقال، حرباً انتصرنا فيها لفاسِدٍ ضدَّ فاسِد، فَنَعِمنا بما نَعِم به المنتصِر؛ وظلَّ الشعب هو المهزوم أبَدَاً في هذه الحرب (الإعلامية) على الفساد؛ وظلَّ انشغال واهتمام الصحافة بالمصالح والحاجات الحقيقية للشعب يَبْعُد عن "السَّقْف العالي" بُعْد السماء السابعة عن السماء الدنيا التي فيها يعلو "السَّقف".
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فلسفة -الراتب-!
-
الأُمَّة بصفة كونها -مَصْدَر السلطات-!
-
سورية.. حتى لا يتحوَّل -الربيع- إلى -خريف-!
-
-الاقتصاد السياسي- للإعلام!*
-
جبريل يقود -الفرقة الرابعة- في مخيم اليرموك!
-
ما معنى -أيلول- المقبل؟
-
معنى ما حَدَثَ في الجولان!
-
-إصلاح- يسمَّى -إحياء عصر الجواري-!
-
من يونيو 1967 إلى يناير 2011!
-
نظرية -الثقب الأسود-.. كوزمولوجيا يخالطها كثير من الميثولوجي
...
-
رد على الأستاذ نعيم إيليا
-
كيف نفهم -المفاهيم-؟
-
-الربيع العربي- إذا ما ألْهَم شعوب الغرب!
-
الطفل حمزة يجيب عن سؤال -إصلاح أم ثورة؟-
-
سيِّد نتنياهو.. اسْمَعْ ما سأقول!
-
خطاب يشرح خطاب!
-
-الحرِّية- هي مجتمع لا يُنْتِج ظاهرة -مخلوف-!
-
ثلاثة مواقف فلسطينية لا بدَّ منها
-
-المُؤْمِن- و-المُلْحِد-.. و-ثالثهما-!
-
-العفو- شعار الثورة المضادة!
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|