جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3398 - 2011 / 6 / 16 - 22:34
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كل ما ينتجه العربُ المسلمون من فنون ومن آداب على ضحالتها فهي فوق كل هذا وفوق كل ركاكتها وهشاشتها لا تعبر تعبيرا صادقا عن أرض الواقع الذي نشأت عليه, وفي كتاب (في الأدب الجاهلي) كان طه حسين قد طرح في هذا الكتاب سؤلا مهما عن الشعر الجاهلي الذي لم يعبر عن روح العصر الذي كُتب به, ومن ضمن الأسئلة قال طه حسين( لماذا لم يُذكرْ البحر الذي كان يحيط بالجزيرة العربية؟) وفعلا هذا السؤال دائما ما يخطر ببالي فكم تبعد مثلا مكة عن البحر؟ إنها 80 كيلو متر, وعلى هذا المدى المتقارب كانت بيوت العرب تنتشر هنا وهناك فأين مثلا البحر من أشعارهم وآدابهم النثرية؟ إنه سؤلا ليس معقد بل سؤال يذكرنا بأن تلك النصوص الأدبية من نثر وشعر لم تكتب في تلك البقعة الجغرافية, حتى أن قصص البحر قد خلت من آداب الجاهليين, فأين المغامرات البحرية التي تشبه مغامرات (الشيخ والبحر) أو مغامرات السندباد, أين الوقائع التاريخية والقصص والحكايات ؟ألم يركبوا البحر؟ ألم تحدث على أطرافه القصص والحكايات؟ طبعا راح طه حسين يقول ويلمح على أن هذا الأدب الذي نسميه جاهليا لا ينتمي إلى روح العصر الذي نشأ به.
وتصريح طه حسين يجب أن نأخذه على محمل الجد في كل الجوانب فليس الموضوع متعلق بالبحر وبالفترة المسماة (أولية الشعر الجاهلي) وهي قرابة 200-أو-150-عاما قبل البعثة, بل الموضوع أبعد من ذلك إنه يمس واقعنا فحتى اليوم نحن كل آدابنا لا تعبر عن روح العصر, لنقرأ مثلا صحيفة أردنية أو سعودية أو يمنية أو بحرينية أو سورية,إن كل ما فيها من مواد أدبية من مقالةٍ وقصة وشعر ودراسات لا تتصل بأرض الواقع وتكاد أن تكون كل الكتابات عبارة عن تزييف عاد متعمد للواقع وللواقعية ,ويبدوا أيضا أن الكعبة وطريقة بناءها التي سردها المؤرخون لا تعبر عن روح العصر الذي كانت به, فكيف بأمة وثنية يأتيها رجل من بعيد فيبني فيها بيتا يعبد فيه ألله وتمارس حوله ديانة التوحيد في مجتمع هو بالأصل مجتمع غير موحد ولا يمارس التوحيد؟ بقدر ما هو مجتمع ديني(كونفدرالي) وهو اتحاد إله قوي مع إلهين أو ثلاثة أو أربعة تكون له الغلبة عليهم بالترجيح أي كالرئيس الذي يعتبر صوته بصوتين أو ثلاثة أصوات ,علما أن محمد حين أراد أن يمارس دينه الجديد وهو التوحيد فواجه تعنتا ومقاومة, فلماذا مثلا لم يواجه إبراهيم في مكة مقاومة من قبل مجتمع مكة؟ أو (مقة)؟ يبدو لنا أن النتيجة كالتالي:
أن مجتمع مكة لم يكن في يوم من الأيام بدون سكان فهذا الكلام يكاد أن يكون عاريا عن الصحة وإبراهيم لم يرد مكة أبدا ولم يكن هنالك صلة بين إبراهيم وبين العرب, ولم يبنِ إبراهيم الكعبة إطلاقا وقد عمد الدين الإسلامي إلى ربط قصة إبراهيم بالكعبة من أجل ربط الدين الجديد بالدين الإلهي باليهودي لكي يقول أصحابه بأنه امتداد لدين إبراهيم أو الدين اليهودي؟ وهذه القصة ما زالت تتكرر فحتى اليوم ينسب الحكام العرب صلتهم بمحمد وقريش من أجل استعطاف الناس وأخذ الشرعية وإضافة صفة القداسة على حاضرهم من خلال انتسابهم للماضي المقدس.
وهنالك أيضا تساؤلا آخر وهو: لماذا لم تذكر الآداب القديمة على الإسلام أسماء إبراهيم ويعقوب , ولماذا لم تتطرق كل تلك الآداب الشفوية التي تم حفظها وأرشفتها وروايتها شفويا,نعم, لماذا لم تذكر تلك النصوص والقصائد شيئا عن بناء إبراهيم للكعبة وقصة سارة وإسماعيل وهاجر, يبدو مرة أخرى أن القضية كلها تلفيق في تلفيق, فليس هنالك شخصية اسمها إبراهيم بنت الكعبة أو رفعت القواعد من البيت كما يقول بعض المفسرين الذين يؤكدون بأن (الرفع) يختلف عن (البناء) لغة ومعنى, بحيث يكون الرفع لشيء مبني من قديم الزمان يعاد ترميمه أو تشكيله أو صياغته في قالب جديد, أما البناء فمعناه إنشاء بناء مقترح.
وفي تفسير أنطولوجي آخر يقول: بأن ألله غضب على الملائكة حينما جادلوه في مسألة خلق خليفة له في الأرض, وحتى يكفروا عن خطيئتهم طافوا حول عرشه يستغفرونه وحين رضي عنهم قال لهم: ابنوا لي بيتا في الأرض يطوف به كل من يذنب ويخطأ فبنو له على نفقتهم الخاصة البيت المعمور وهو الكعبة, وحين جاء إبراهيم أتم البناء أو الرفع على نفقته الخاصة, أما القصص الأركيولوجية والأنثربولوجية فتؤكد أن أسلوب البناء للمعابد كان عبارة عن بناء القواعد فقط لا غير, دون الجدران ودون الأسقف.
وإن ما يهمنا معرفته هنا هو أن العقيدة الإسلامية حاولت إقامة تشبيك علاقات بينها وبين الدين اليهودي لتستمد من أنبياء ورسل اليهود شرعتها وصلتها بهم لتؤكد صدقها وصدق دعوتها وقد نجحت في ذلك التشبيك من العلاقات واستقطبت لذلك كل المهوسين بالقصص عن الرسل والأنبياء, علما أن القصة كلها من أولها لآخرها لا تدخل لا العقل ولا المخ نهائيا.
هذا الربط وهذا التلفيق لا نجده فقط حول المجتمع المكي فقط لا غير بل نجده أيضا اليوم ماثلا في حياتنا العامة واليومية والثقافية والسياسية, حيث أن الكتابات العربية كلها ليس لها صلة بالواقع العربي أو بواقع المجتمعات العربية والمنظمات العربية الحقوقية وتقاريرها كلها بعيدة عن الواقع والانتخابات ونتائجها بعيدة عن الواقع ولا تتطابق مع الواقعية وكذلك نتائج البحوث العلمية أو ما يُسمى علمية أيضا بعيدة عن أرض الواقع, كل ذلك بعد عن أرض الواقع , فالكتابات عندنا عبارة عن كتابات مزيفة لا تعبر عن روح العصر الذي نحن به ولا تعبر عن روح المعاناة التي نعانيها, إننا ما زلنا نكذب على أنفسنا بحيث مجالس النواب والبرلمان وكل أعضائها لا يعبرون عن الواقع الحقيقي لما يريده المواطن العربي, نعيد ونكرر من موقع التأكيد أن الأدب العربي والكتابات العربية كلها غير صادقة منذ المعلقات العشر أو السبع حتى يومنا هذا كلها مزورة ولا تعبر عن الواقع الحقيقي.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟