|
في حرية العقيدة مرة أخرى
التهامي صفاح
الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 22:31
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نشرت الجريدة الإلكترونية مرايا بريس خبرا مؤرخا بالإثنين 13 يونيو 2011 مفاده أن أحد "زعماء" حزب "إسلامي" مغربي هدد بالتصويت ضد الدستور المغربي المعدل في حال تضمن حرية العقيدة".و تساءل هذا الزعيم يقول الخبر قائلا:" ماذا تعني حرية العقيدة؟ السماح بالإفطار علنا خلال شهر رمضان؟ إشاعة الحرية الجنسية و الشذوذ الجنسي بين عامة الناس؟" و هو الخبر الذي إذا كان صحيحا و بغض النظر عن الجدل العام الدائر حول التعديل المرتقب للدستور المغربي ، لا يمكن إلا أن يدعو للإستغراب من موقف من سماه الخبر زعيما لحزب إسلامي يجهل نصوص القرآن التي تنص على حرية العقيدة بوضوح تام أو يتجاهلها و هو الذي ينصب نفسه مدافعا عنها. من هذه النصوص : لا إكراه في الدين لكم دينكم و لي دين من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر و لو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين إلخ... بعد هذه النصوص القرآنية الواضحة التي لا مجال فيها للتحايل على النص أو التدليس لا أعتقد أن ذلك "الزعيم" أو غيره ممكن أن يأتي بنصوص مضادة من مصادر أخرى كالحديث أو غيره لينفي حرية العقيدة المنصوص عليها هنا في القرآن.لأن المجئ بهذه النصوص المضادة لحرية العقيدة المنصوص عليها بصريح العبارة معناه التناقض والتحايل على النص القرآني .و لا يمكننا أن نُرجع التناقض إلا للبشر.و لا يمكننا أن نقبل التناقض من البشر فمابالك أن نقبله مما يُنسب لإله. و سيكون كلام هذا الزعيم أو غيره كلاما باطلا و لا مصداقية له و لا قيمة و من فعل البشر.كما سيكون كذلك أي نص كيفما كان نوعه إذا تضمن هذا التناقض أي التنصيص على حرية العقيدة ثم نفيها. وإذا كان ذلك الزعيم يريد أن يعترض على الدستور الذي هو من فعل البشر إذا تضمن حرية العقيدة و الحال أن مسودة الدستور لم تظهر بعد ،فإننا نحيله على القرآن الذي ظهر منذ 13 قرنا و يتضمن هذه الحرية إذا كان يريد الإعتراض عليها..فليعترض إذا شاء أو إستطاع ... من الناحية العملية فالإعتقاد نشاط ذهني داخلي يحدث في الدماغ و لا سبيل للسيطرة عليه أو معرفته مهما تعددت المظاهر و هو يخص الفرد و لا يجوز لأي كان التدخل فيه.لأن التدخل في الشؤون الإعتقادية للأفراد كالتدخل في الشؤون الداخلية للدول.و هو التدخل الذي لا يقبله أحد. و بما أن الدماغ جزء لا يتجزأ من جسم الإنسان فإن التدخل في نشاطه يعتبر إستعمارا لهذا الجزء من الجسم البشري (الذي يجب توقيره في وحدته الكاملة حيا كان أو ميتا) و تدخلا في سيادة الناس على أبدانهم و مسا بإستقلاليتهم.و هو الإستعمار الفكري الإكراهي الذي لا أصل له في القرآن حسب النصوص التي سقناها قبل قليل و يفسر تخلف البلدان التي توجد جنوب القارة الأوروبية.فحرية الإعتقاد هي حق طبيعي للبشر و هي الأصل في حرية التعبير التي هي أيضا حق طبيعي للبشر و مصدرا للكثير من الإنجازات التي حققها الناس الأحرار.أما المكبلون بقيود الغابرين فلا يمكنهم تحقيق أي إنجازات . و إذا كان ذلك "الزعيم" يريد أن يَظهر الناس على عكس ما يعتقدون أي على غير حقيقتهم ، فمعنى ذلك أنه يدعو لإنتشار النفاق و الكذب في المجتمع .و ليس أفظع من الكذب و عدم الصدق مع الناس في الفتك بالمجتمع و إشهار فساده و نشر عدم الثقة بين مكوناته. إن علاقات الإكراه هذه هي ما أدى بمصعب حسن يوسف إبن أحد مؤسسي حركة حماس الفلسطينية إلى إعتناق المسيحية .ولو كانت هناك علاقات حرية في المعتقد ما غيرمصعب دينه.و رشيد المغربي الذي يظهر في قناة الحياة المسيحية كل خميس إبن الفقيه المغربي و غيره كثيرون بل هناك من الناس النافذين في مجتمعاتهم يتظاهرون بالإسلام و هم أعضاء في المحفل الماسوني.فماذا نقول؟حرية عقيدة أم إسلام ؟؟؟؟ نستنتج أن موقف "الزعيم" الآنف الذكر لا يخصه إلا هو و لا قيمة له. وماحصل له يشبه ذلك الكتكوت الذي لما فتح عينيه رأى أن أمه دجاجة فإعتقد أن كل الأمهات دجاجات . أتمنى أن يفهم ولا يردد مع الببغاوات من عصابة القاعدة تلك النصوص التي تتناقض مع حرية العقيدة المنصوص عليها في القرآن إذا كان يؤمن حقيقة بالقرآن.و في حالة العكس فنحيله على المادة 18 للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي تنص على حرية العقيدة والتي صادق عليها المغرب.زيادة على أن ذلك الزعيم لن يدخل مع أحد لقبره أو مكانه ..و هناك مثل مغربي يقول "كل شاة تُعلق من كراعها". أما بالنسبة لحديث "الزعيم" عن ما أسماه "الإفطار العلني في رمضان" .فالمسألة ليست إفطارا لأن المواطنين الذين لا يعتقدون في عقيدة الصيام لا تعنيهم هذه المصطلحات .فهم بعبارة واضحة ليسوا مسلمين و لكنهم مواطنون مغاربة راشدون أحرار و طبيعيون شاء من شاء و أبى من أبى لا يجوز منعهم من إستعمال الفضاءات العمومية في تمييز واضح بقوانين بشرية تتناقض مع النصوص "المقدسة" التي تؤكد على حرية العقيدة والتي كان يجعلها أساسا لوجوده من أصدر تلك القوانين البالية.و حين يمارسون الأكل و الشرب و أشياء أخرى في نهارات رمضان فهم يأكلون من أرزاقهم الخاصة و ليس من رزق هذا "الزعيم" ولا يؤذون أحدا و يمارسون حقا طبيعيا من واجبات الإستمرار في الحياة. في حياتهم هم لا حياة غيرهم.كما أنهم لم يأخذوا إذنا من هؤلاء الذين لا نعرف من ولاهم علينا ليفتوا لنا في أمور حياتنا و هم غارقين حتى الأذنين في أمور حياتهم ، إذنا بالتواجد في هذه الحياة .و لهم في تركيا التي يحكمها حزب إسلامي خير مثال في هذا الصدد عن حرية العقيدة وهناك دول كثيرة أخرى . و المغرب قبل 704 ميلادية أي قبل الغزو العربي القديم لأرضه لم يكن مسلما لآلاف السنين و ليس لقرون فقط.و يعد الثراث المسيحي اليهودي جزءا من ثراثنا الديني و لدينا مواطنون يهود و مسيحيون و بهائيون و ملحدون و شيعة و أحمديون وغيرهم.و هم مواطنون أحرار في عقيدتهم يستحقون كل إحترام و تقديرطالما إحترموا القانون الذي يتم به التشريع في المغرب و لهم الحق في إستعمال الفضاء العام بكل حرية سواء كانوا متديننين أم لا طيلة حياتهم .و الدولة هي أم لكل هؤلاء فهل يجوز للأم أن تمارس التمييز بين أولادها؟ إن حرية العقيدة التي نقصد ليست الفوضى بل الحرية التي لا تؤذي الآخرين .فلست حرا أن تروج لمفاهيم دينية تحض على الكراهية أو العنصرية أو العنف أو الحرب أو المس بإستقرار البلدان.لأنك في حضرة القرن الواحد والعشرين قرن الحضارة والمدنية. الدولة المدنية تبدأ من هنا من حرية العقيدة و كل الحريات و إحترام حقوق الإنسان للنهضة و البناء.أما تقسيم العالم إلى مؤمنين و كافرين فهو أمر مرفوض و متخلف و غير منطقي و عسكرة الناس و تنميطهم على شكل واحد هو أمر مستحيل. لأن إختلاف الناس شيء طبيعي و إرادة إلهية لا دخل لهم فيه حيث تتحكم المادة الوراثية التي يرثها كل فرد جديد من أبويه في سلوكه المستقبلي. لذلك فالوقوف ضد حرية العقيدة هو وقوف بشري جاهل و شرير و باطل ضد الإرادة الإلهية العظمى التي نؤمن بها و التي خلقت الإختلاف و التنوع ليس فقط بين الأنواع الحية بل حتى داخل نفس النوع و خطأ في الموعد مع التاريخ و التحرير المؤدي للتنمية و الديموقراطية و عقلنة الفعل السياسي و مصيره الفشل الذريع ومهملات التاريخ و سيذهب المصرون عليه مباشرة نحو الهاوية حيث يعتقدون أن لا هاوية. و أخير أتساءل بشأن تصريحات من هذا النوع هذا التساؤل الإنكاري الذي لا يحتاج لجواب : هل الإيمان بوجود خالق يؤدي لكل هذا الغباء و المناقشات البيزنطية و تعطيل العقل و إنكار العلوم الحديثة ؟
#التهامي_صفاح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في الشرعية السياسية
-
حرية الإعتقاد و الدولة العصرية
-
أيها المستبد
-
أيها المستبد
-
متى؟
-
حيادية الدولة المنقذ للإصلاح السياسي
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|