مروان عبد الرزاق
كاتب
(Marwan)
الحوار المتمدن-العدد: 3397 - 2011 / 6 / 15 - 19:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
- بعض الدروس, وردود الأفعال, والمستقبل
في الجزء الأول من هذا المقال, تم البحث في طبيعة الاستبداد للأنظمة العربية الحاكمة, وطبيعة الثورات العربية الراهنة, التي تروي بدماء شهدائها الأرض الخصبة, ليُزهر ربيع الحرية العربي الذي انتظرناه طويلا. وهنا نستكمل البحث حول مسارات الثورة المختلفة وبعض الاستنتاجات الهامة, بهدف رؤية المشهد الراهن كاملا.
تقدم الثورات العربية, منذ انطلاقتها مع بداية العام الحالي, مجموعة من الدروس الهامة بجب التوقف عندها, وتقدير أهميتها المعرفية ودورها في تطوير الفكر السياسي والاجتماعي, وفي صنع مستقبل مُشرق للعالم العربي كله.
الدرس الأول:
طاقة المجتمع لا تنعدم, إنما يمكن لها أن تكون في وضع الكمون أو السكون لفترة من الزمن, والسكون لا يعني الموت, ولا يمكن أن يكون دائما, بل لابد من الانتقال إلى الحركة التي تُظهر من جديد طاقة المجتمع, وتتحقق بالفعل على الأرض حين يتوفر المناخ الملائم. والشعوب طاقة حية متجددة دائما وقابلة للتطور رغم كل العوائق, ورغم السكونية التي تظهر عليها. وهذا موافق للقوانين الطبيعية والفيزيائية. يضاف إلى ذلك أن الإنسان يحمل عقل ومشاعر وأحاسيس, مما يجعله قادرا على الكبت, ويختزن في داخله كل المتناقضات, بنية معجونة بالفرح والحزن, والحب والكره, واليأس والأمل, والغضب والاستسلام...الخ. مما يجعله في كل لحظة قابل لأن ينفجر ويعبر عن غضبه, ويفرغ مكنوناته في وجه الطغيان.
أما الاستبداد, كبنية اجتماعية سياسية وثقافية ونفسية, غير قابل للتطور, والانتقال إلى بنية جديدة مختلفة أو متمايزة عن بنيتها السابقة. قد تتغير آليات وأدوات الاستبداد عبر العصور المختلفة, لكنه لا يمكن أن ينتقل من موقعه الكابح للحرية إلى موقع داعم لها. بمعنى آخر الاستبداد كبنية غير قابل للإصلاح. لأن أي إصلاح جذري يلغي الاستبداد, وهل يمكن لأي مستبد أن يلغي نفسه؟ هل يمكن للمستبد الذي يحسب نفسه إلها أن يصبح بشرا؟ بالتأكيد لا, وتجربة استبداد الأنظمة العربية عبر نصف قرن تثبت ذلك, وهي ليست استثنائية في التاريخ, وبالتالي كل دعوات الإصلاح التي دعت إليها المعارضات العربية فشلت, وستفشل كل الدعوات الإصلاحية المستقبلية في الأقطار التي لم تكنس الاستبداد بعد. من يطالب بإصلاح الاستبداد, كمن يطالب بان يتحول الثعلب إلى دجاجة. فالحرية لا تتحقق بإصلاح الاستبداد, إنما بكنسه وإرساله إلى مزابل التاريخ.
الدرس الثاني:
مع انتصار الثورة الشعبية في تونس ومصر, وفتح الباب لإسقاط النظام الاستبدادي العربي, سقطت مجموعة من المقولات أو المفاهيم التي كانت تملأ الفضاء الثقافي العربي:
أولها: أن الحرية والديمقراطية غير ملائمة للشعب العربي. لأنه مستكين ومتخلف ومتلائم مع الاستبداد, و"كما انتم يُولى عليكم". وان سبب تخلف الشعب العربي هو عقيدته الإسلامية, والعقيدة الإسلامية غير قابلة للتطور. ولاشك إن هذه المقولة عنصرية وخطيرة, والخطورة الأكبر تأتي من ترويج العديد من المثقفين العرب لها. وهذا موضوع شائك وكبير لا مجال لمناقشته الآن.
إنما يمكن القول انه إلى جانب السلفيين على شاكلة القاعدة وغيرها من قاطعي الرؤوس, الذين أنشأهم الغرب(خاصة أمريكا وبريطانيا), ويتكئ عليهم لمحاربة العالم المتخلف, ومن ضمنه العرب, باسم الحرب على الإرهاب منذ سبتمبر-2001-.
يُلاحظ أن الأجيال الجديدة الشابة,, ليست متعصبة دينيا, وهي التي تعمل الآن معا وتصنع الثورات العربية رغم التباين في إيديولوجياتها. وهذا يؤشر على اقتناعها بقبول الآخر والتعايش معه بسلام. وهذا يتم بسبب المناخ العالمي لثقافة الحرية وحقوق الإنسان, والعقلانية والعلمانية, بالإضافة إلى اثر التجارب الديمقراطية العلمانية في الدول الإسلامية مثل التجربة التركية, رغم مظاهر الردة الدينية التي يمكن أن نلمسها عند الجيل الأكبر الهرم المولود عند منتصف القرن الماضي.
من جهة أخرى, يمكن أن نلمس تطور أو إصلاح ولو بنسبة غير كافية, على الإسلام السياسي في العالم العربي. فانتقال الأحزاب الدينية من دعوتها إلى إقامة الدولة الدينية إلى الدولة المدنية, وهي بالطبع غير علمانية, هي خطوة كبيرة على طريق الإصلاح الديني السياسي. وهذا وجدناه عند الإخوان المسلمين في مصر وسوريا, وحركة النهضة التونسية, وهي أكثر تطورا من الإخوان. يضاف إلى ذلك أن كافة الأحزاب الأيديولوجية, القومية واليسارية, استبدلت برامجها القديمة ببرنامج يدعو إلى بناء الدولة الديمقراطية التعددية.
ومن حيث النتيجة, إن التطور الاجتماعي والثقافي, ومناخ الحريات الجديد, يجعل المجتمعات العربية في المستقبل, اكبر من أن يسيطر عليها تيار إسلامي عصبوي تحت شعار "الإسلام هو الحل". أو دولة دينية تحت أي شعار آخر.
إن الديمقراطية لا تستقيم بدون توأمها العلمانية والعقلانية. وهذا لن يتم إلا بعد انجاز إصلاح ديني حقيقي ويتحقق الشعار "الدين لله والوطن للجميع". لأن الدولة الديمقراطية هي تعبير عن الإرادة العامة للمجتمع, وليس عن إرادة أو فضاء يخص فئة من المجتمع مهما كانت صغيرة أو كبيرة. وتاريخ تشكل الدول الديمقراطية العلمانية في العالم كله لم يتم دفعة واحدة. إنما تم عبر مخاض طويل. كما انه في أكثر الديمقراطيات تقدما, يتعرض النظام الديمقراطي في كل مرحلة, طويلة أو قصيرة, إلى تحديث أو إعادة نظر, في آليات النظام وطرائقه, بقصد الارتقاء أكثر في مستوى الحريات ونطاق اتساعها, ومستوى الرفاه الاجتماعي والاقتصادي.
وثانيها: سقطت مقولة أن التغيير, أو إسقاط الاستبداد, لا يتم إلا بواسطة الخارج المتمثل بالغرب "الحر والديمقراطي!" الذي سيعمل على إسقاط الأنظمة العربية الاستبدادية ويقدم الحرية والديمقراطية للشعب على طبق من ذهب! كما حصل في العراق. ورغم مرور ثمانية أعوام على الاحتلال الأمريكي للعراق ورؤيتنا للدمار والخراب الذي أحدثه الاحتلال, وترسيخ آلاف الاستبداديين الطائفيين الجدد, وهم الأخطر من الديكتاتور السابق, لا يزال الكثير من المثقفين يروجون للاحتلال كمخلِص للشعب العربي, ويعبرون عن احتقارهم للشعب وعدم الثقة به.
وبالمقابل بدأت تترسخ مقولة معاكسة وهي: الشعب هو الذي يصنع ثورته بيد أبنائه, وليس بواسطة غيره, مهما كان هذا الغير, تقدميا أم رجعيا, متحضرا أم متخلفا. وليس هناك في التاريخ من صنع ثورة شعبية بدون الشعب نفسه. وتجارب الاستعمار الأوروبي للشعوب الأخرى وادعائه العمل على تحضرها, كلها أدت إلى تدمير هذه الشعوب وثرواتها. وكذلك تجارب الاتحاد السوفيتي في أوروبا الشرقية التي انتهت بالمآسي وليس بالرفاهية الاشتراكية.
وثالثها: وضعتنا الثورات العربية أمام ثقافة جديدة, وهي ثقافة اللاعنف والتي لم تألفها الأجيال السابقة الممتلئة أو المغمورة بالعنف على كافة المستويات,. هذه الثقافة هي نتاج ذروة الحضارة الحديثة, وبواسطتها يمكن للمجتمع أن يعيش بأمان, كما هي المجتمعات الأوروبية. وكذلك أيضا بواسطتها أي "اللاعنف" يمكن التخلص من الاستبداد. وباعتقادي إن إحلال ثقافة اللاعنف, محل العنف الذي يحمله ويختزنه المجتمع العربي في داخله, ولو بشكل تدريجي هو احد المؤشرات المهمة على انتقال مجتمعاتنا العربية نحو الحداثة.
بالمقابل رأينا مدى قوة اللاعنف, وكم تختزن هذه الثقافة من القوة غير المنظورة, وكيف تجسدت قوة اللاعنف الهائلة عندما تحدى الشعب بصدوره العارية, وشعاره "سلمية..سلمية", كل العنف والقمع الوحشي للاستبداد, وكيف انتصرت في تونس ومصر. وكيف ستنتصر في باقي الأقطار. وربما تقدم درسا جديدا في الصراع مع الطغاة, ليس في العالم العربي فقط, إنما في العالم كله.
وعلى النقيض من ذلك, كم هي هشة وكرتونية, قوة الأنظمة الاستبدادية الأسطورية, كما كان يراها سابقا الشعب المغمور بالخوف, أمام اللاعنف الشعبي عندما يكسر جدار الخوف, ويُظهر هذه القوة التي لم تكن مرئية.
الدرس الثالث:
كيف يمكن تفسير انتقال الثورات العربية من قطر عربي إلى آخر؟ من تونس إلى مصر, اليمن, ليبيا, البحرين, سوريا. والقادم في الأردن والجزائر والمغرب والسودان. أما دول الخليج فلها شأن آخر. ولماذا لم تنتقل إلى دول أخرى مثل أفريقيا, وهي القريبة جغرافيا من تونس ومصر؟
لاشك أن السبب الأول: هو المناخ المتشابه لهذه الأقطار, سواء بنية الأنظمة أو بنية الشعوب, أو أزماتها المستعصية, مع بعض التمايزات والخصوصيات التي رسختها الأنظمة, كلٌ في مزرعته. والسبب الثاني: اكتشاف الشعوب لهشاشة الأنظمة وتعفنها. والسبب الثالث: وهنا يكمن الدرس الجديد, وهو الغيرة الثورية الممزوجة بالتعاطف المشترك, التي يمكن أن تنشأ ضمن ما يمكن تسميته البيت العربي الواحد. وخاصة نحن نعيش في مناخ سقوط مفهوم القومية العربية, أو الأمة الواحدة. هذه الغيرة الثورية تؤشر على فشل النزعات الإقليمية, التي حولت الأقطار العربية إلى مزارع خاصة للعائلات المتسلطة الحاكمة, وغلفتها بغلاف الوطنية القطرية كبديل عن القومية-الأمة, التي فشل العرب في إقامتها. والثورات الراهنة ستعيد في المستقبل إحياء مفهوم القومية-الأمة العربية, ولكن على أسس جديدة. أهمها: الاختيار الحر للشعب في التقارب والتوحد لمواجهة تحديات المستقبل المشتركة في المنطقة العربية. وستبرز من جديد المسألة الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي إلى المقدمة. وسيتحقق الرأي القائل: بأنه مع تحرير كل قطر عربي من الاستبداد, يتم تحرير مدينة فلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
الدرس الرابع:
صحيح أن ثقافة الحداثة الأوروبية وما أنتجته من ترسيخ للحريات وحقوق الإنسان وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية, , كان لها الأثر الايجابي الهام, في تطوير ثقافة الحرية وأهميتها وضرورتها, لتطور المجتمعات في بلدان العالم المتخلف التي تبحث عن حداثتها. إلا أن السياسة الأوروبية وأمريكا لم تتخلص بعد من العقلية الاستعمارية التي استعمرت بموجبها العالم المتخلف لقرون عديدة. هي تعمل بموجب هذه الثقافة داخل مجتمعاتها, وتدعي بالكذب الفاضح بأنها تعمل على نقل وتجسيد مبادئها في الحرية والديمقراطية في كل دول العالم. والأمثلة أكثر من أن تُحصى. ولنتوقف عند العلاقة مع العالم العربي. ولنتجاوز المثال التاريخي, اعني الدعم المطلق للاحتلال الإسرائيلي وجرائمه اليومية في فلسطين, منذ ثلاثينات القرن الماضي وحتى الآن. إضافة إلى ذلك فإن الغرب هو الحامي الحقيقي لأنظمة الاستبداد العربي جميعها. من المحيط إلى الخليج. والنظام الذي يرغب بالخروج من دائرة الطاعة ولا يحقق لها مصالح أمريكا والغرب , يكون مصيره كمصير صدام حسين, أو الحصار والعقوبات التأديبية, كأن هذه البلدان ليسوا أكثر من مجرد أطفال قاصرون.
وكان رحيل الرئيس التونسي والمصري مفاجأة لأمريكا والغرب. ورأى كل المراقبون كم كان الموقف الأمريكي والأوروبي مخزيا إلى جانب النظام, ومرتبكا مع بعض العبارات الدبلوماسية بعدم استعمال العنف المفرط ضد المتظاهرين. وعندما انزاح ميزان القوى إلى جانب الشعب, وأصبح سقوط الرئيس حتميا, جاء الموقف الغربي خافتا بأنه على الرئيس أن يرحل. وليس من السهل على الغرب أن يخسر أوائل المستبدين من الحلفاء, وخاصة حسني مبارك الحليف القوي لإسرائيل. لكن بالمقابل تلقت السياسة الأمريكية والأوروبية نقدا شديدا في الصحافة والإعلام, من منظمات حقوق الإنسان, لوقوفها مع الاستبداد, وعدم دعم الشعوب الثائرة.
إلا أن المبدأ الأساسي للغرب هو انه لا يجوز أن تخرج الدول العربية من تحت رايته. لذلك بدأ يتدارك موقفه تدريجيا ويخرج من صدمة المفاجأة, وبدأ بالتعبير عن دعمه للثورتين التونسية والمصرية, وتقديم الدعم اللازم للقيادات المؤقتة الجديدة, طالما أن التغيير الشعبي الديمقراطي قادما رغما عن كل المستبدين وقوتهم, ورغما عن الغرب الداعم لهم..
وجاءت الفرصة للغرب في الوقت المناسب في ليبيا. حيث تعامل القذافي منذ بداية الاحتجاجات الشعبية بالقتل الدموي, وأعلن انه سيقاتل الشعب حتى النهاية, واصفا المتظاهرين بالجرذان. وجاء التدخل الغربي العسكري سريعا, بحجة حماية المدنيين.
إلا أن الحقيقة هي أن التدخل جاء نتيجة أن الغرب فُتحت شهيته على مئات المليارات من الدولارات التي ستجنيها الشركات الأوروبية والأمريكية من ليبيا, وذلك من عقود النفط المغرية, و عقود بيع السلاح وإعادة بناء الجيش الليبي والأجهزة الأمنية الجديدة, وعقود إعادة إعمار ليبيا ومنشآتها بعد تدميرها. وهذا ما صرح به علانية رئيس المجلس الانتقالي. وليس هذا وحسب, إنما ليبيا تستورد كل شيء من الخارج.
بالإضافة إلى السيطرة الاقتصادية, يريد الغرب تعويض ما فاته في تونس ومصر, وذلك بإحكام السيطرة السياسية على الحكومة الجديدة في ليبيا حتى قبل تشكلها. إنها تجربة جديدة للغرب تقارب التجربة العراقية البغيضة.
من حيث الجوهر إن التدخل العسكري الأمريكي والأوروبي حتى لو كان ضد رئيس استبدادي عربي, لن يخدم الثوار, إنما يلحق بثورتهم كل الضرر. فالعنف الاستعماري لن يجلب الحرية والديمقراطية, إنما يدمر الوطن بالكامل ويجعله مادة دسمة للنهب, ويقيم استبدادا من طراز جديد. وتجربة العراق ماثلة أمامنا, والتجربة الليبية بدأت كعراق جديد, ولا احد يعرف مستقبله .
بالمقابل اعتبر الغرب أن دخول درع الجزيرة السعودي لقمع الثورة في البحرين هو أمر داخلي يجب أن لا يتدخل به احد. كما أعرب الغرب كله صراحة عن دعمه الكامل لحكومة البحرين. وكذلك الموقف إلى جانب الرئيس اليمني.
أما جامعة الدول العربية, وهي وليدة أنظمة الاستقلال الاستبدادية, فمن الطبيعي أن تقف إلى جانب الأنظمة, ضد الثورات العربية. وقد عبرت عن نفسها كأجير للسعودية بعد غياب مصر, بتوفيرها غطاء للغرب في مجلس الأمن, وذلك بطلبها من مجلس الأمن إصدار قرار يسمح للغرب بالتدخل العسكري في ليبيا. وربما يعود السبب إلى تصفية حسابات شخصية بين ملك السعودية والخليج كله مع القذافي, وليس رغبة قطر والسعودية والغرب في تحقيق الحرية والديمقراطية.
لكن الملفت للانتباه, موقف حزب الله الذي اكتسب سمعة جيدة عند الشعوب العربية منذ حرب(2006) ضد إسرائيل. وكان موقفه مع الثورات الشعبية مرحبا به. وفي سوريا له شعبية كبيرة, ليس عند الشيعة فقط, إنما عند عموم الشعب السوري. لكن بموقفه مع النظام السوري ضد الانتفاضة السورية, واعتبارها مؤامرة خارجية أمريكية, فقد كل مصداقيته. كما يقول درويش"سقط القناع على القناع". لان الشعب السوري يحق له العيش بحرية وكرامة, كالشعب التونسي والمصري والبحريني التي يؤيد حزب ثوراتها هناك.
الدرس الخامس: مسارات الثورة المختلفة
كما نرى الآن, إن هدف الثورات العربية هو واحد: الحريات وبناء الدولة الديمقراطية . وببساطة, وكما ذكرنا سابقا, لأن الشعوب العربية تعيش منذ نصف قرن, تحت سيطرة مافيات استبدادية متشابهة, تم التعبير عنها بترسيمة الحكم السلطاني(سلطان-حاشية-رعية).
إضافة إلى ذلك, نلاحظ تشابه هذه الأنظمة أيضا في ردود فعلها على ثوارها:
- كل الأنظمة قدمت زيادات في الرواتب, وتخفيض لأسعار بعض السلع الغذائية, بما فيها الأنظمة التي تقع خارج نطاق الثورات الراهنة, كالسعودية ودول الخليج. وكلها لديها رؤية مشتركة, بان الرعية بحاجة إلى بعض الفتات!.
- كما تم وصف الثوار, بالمتآمرين والمرتبطين بالخارج, وبالجرذان, أو "شوية عيال", أو قطاع طرق, ومندسين. وكلها تُعبر عن احتقار هذه الأنظمة لشعوبها. - وكذلك تخويف المجتمع الدولي من الإسلاميين والإرهابيين, بقصد استجداء حمايته من قبل الغرب, الذي يحارب العالم تحت شعار"الحرب على الإرهاب".
- وتخويف المجتمع من الفوضى إذا رحل المستبد. اعتمادا على الرأي القائل بان الرعية تصبح كالغنم السائبة إذا رحل السلطان. وكل الأنظمة عملوا على إشاعة الفوضى وذلك بتجميع الزعران وإعطائهم الأوامر للعبث بأمن المجتمع والنهب والسلب, وقتل المتظاهرين, وكذلك فتح السجون والإفراج عن الجنائيين مقابل قيامهم بأعمال التخريب, وهؤلاء اخذوا أسماء مختلفة بحسب ثقافة المنطقة: "فلول النظام" في تونس, و"البلطجية" في مصر, و"البلاطجة" في اليمن, و"المرتزقة في ليبيا" و"الشبيحة" في سوريا. وكما تم سحب أجهزة الأمن واختفائها خلال الثورة لإعطاء الفرصة للبلطجية بإشاعة الفوضى. كذلك نجد إبداعا جديدا في سوريا, حيث تم تعطيل عمل البلديات والسماح بمخالفات البناء بما فيها الاستيلاء على أملاك الضعفاء وأملاك الدولة, مرفقا بدعاية واسعة موجهة: بان هذه الفوضى هي التي يدعو إليها المتظاهرون الذين يطالبون بالحرية.
- كذلك استخدام البلطجية من اجل عسكرة الثورة, وتحويلها إلى ثورة مسلحة, كي يكون للنظام مبرر بقتل وسحق الثورة باعتبار الثوار متمردين مسلحين. إلا أن النظام المصري والتونسي فشل في ذلك, ونجح القذافي بجر ليبيا إلى حرب أهلية, ومازال النظام في اليمن وسوريا يعملون وفق هذا النهج, لكنهم سيفشلون, لان الشعب في اليمن وسوريا واع لهذه المحاولات ولن يقع في الفخ.
- كذلك نجد أن كل الأنظمة, عندما تشعر بخطر تعاظم الثورة في الشارع, تبدأ بتقديم الوعود بالإصلاحات, مرددين أن مطالب الشعب محقة, وان النظام يقتل المتآمرين المندسين فقط. وأننا نلاحظ أن كل الأنظمة لم تقدم أي إصلاح حقيقي, قبل الثورة أو خلالها. ولان الشعب معتاد على الوعود الكاذبة, سرعان ما يرفع سقف مطالبه من الإصلاح إلى إسقاط النظام, وسط دهشة وغضب المستبد, إلى أن يصبح خارج القصر أو وراء القضبان. وهذا يجعلنا نؤكد من جديد إن المستبد غير فابل للإصلاح.
مع هذا التشابه في أنظمة الاستبداد العربية, يوجد اختلافات عديدة بين الأقطار العربية, حيث لكل نظام بصمته الخاصة في تركيب نظامه, بالإضافة إلى بعض الفروق الهامة, في البنى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية... الخ. وهذا كله سيكون له الأثر الواضح في مسار الثورة, مسار إسقاط النظام الاستبدادي, وإعادة بناء النظام الجديد.
والبداية مع تونس التي ستبقى تحمل شرف المبادرة في فتح باب الربيع العربي نحو الحرية. وكان لمصر بحجمها الكبير, وموقعها الاستراتيجي الهام, فضل التأكيد على هذه البادرة, وإمكانية تعميمها على العالم العربي كله.
ولاشك بأن للمفاجأة, في تونس ومصر, كان لها دورا هاما في سرعة رحيل الطاغية, خلال فترة قياسية قصيرة (28 يوم في تونس, 18 يوم في مصر). اقصد مفاجأة الشعب للمستبد بسرعة تعاظم الاحتجاجات, واتساعها لتشمل أغلبية الشعب, وانتقالها إلى إسقاط النظام السياسي. والأنظمة أيضا لا تملك أي خبرة في التعامل مع ثورات شعبية كهذه تطلب رأسه, لأنها ليست مدرجة في قاموسه العقلي أو التخيلي. حيث كان معتادا على قمع وإنهاء أي حركة احتجاجية مطلبيه, ويزج بها في السجن ببساطة. وليس في جعبته سوى القمع الدموي الذي لم يستطيع إيقاف الثورة. وعندما أصبح من الضروري الاستعانة بالجيش لقمع الشعب, في الوقت الذي أصبح فيه الشعب يسيطر على الشارع, حدث الخلل في بنية النظام الأمنية, لصالح الشعب, عندما رفض الجيش قمع الثورة. ومع موقف الجيش الوطني لصالح الشعب, أصبح رحيل الرأس-الطاغية مؤكدا.
وكانت التخريجة الاولى ليس من الجيش فقط, إنما من النظام كله: التضحية برأس الاستبداد, في محاولة لإنقاذ النظام. لكن الثوار والشعب كانوا ومازالوا واعين لهدفهم: وهو إسقاط النظام كله وليس الرأس فقط. أي كنس القديم كليا, وبناء العمارة على كافة الأصعدة من جديد.
وقد استفاد المصريون من الزخم الشعبي التونسي, وكسرهم لجدار الخوف, في توقيت بدء ثورتهم, وخاصة ان ائتلاف شباب مصر كانوا يعملون على التحضير لثورتهم قبل شهور من الثورة التونسية. بمعنى آخر, شعر المصريون بان جدار الخوف عندهم قد تصدع مع نجاح التوانسة, واستطاع شباب مصر مع كهوله ونسائه حشد أكثر من عشرة ملايين مصري في ساحات مصر خلال ثمانية عشر يوما. وتكررت التخريجة التونسية نفسها: التضحية بالرأس, في محاولة لإنقاذ النظام. وسط دهشة العرب والعالم كله. وبهذا النجاح في تونس ومصر أصبح جدار الخوف متصدعا في كل العالم العربي.
لكن مع ذلك لن يتكرر النجاح السهل للثورة في البلدان العربية الأخرى, برحيل الطاغية كما جرى في تونس ومصر. وذلك بسبب: أولا, عنصر المفاجأة لم يعد موجودا. كل الأنظمة تنبهت لإمكانية أن تواجه ثورة في أقطارها, وتسارع لوضع الخطط للمواجهة, مع ادعاء كل نظام بان أوضاعه خاصة, ولا حاجة للثورة في مزرعته. وثانيا: تركيب السلطة ومكوناتها أي حاشيتها, بما فيها الجيش مختلفة من بلد إلى آخر. وثالثا: التركيب الاجتماعي ودرجة تطوره. ورابعا: تنبه أمريكا والغرب للثورات العربية ووضع إستراتيجية جديدة للتعامل مع الثورات العربية.
فمع بدء الاحتجاجات في ليبيا, أعلن القذافي وأولاده بان ليبيا هي مزرعتهم الخاصة, وأنهم سيقاتلون الشعب حتى النهاية. وكانت طائرات الغرب حاملة قنابل "الحرية"! جاهزة للانتقام بمساعدة الأشقاء العرب, الذين عملوا سابقا على إدخال الأمريكان الى العراق وتدميره. ولأنه لا يمكن الحصول على الحرية وبناء الديمقراطية بواسطة العنف الاستعماري, لذلك يبدو المسار نحو الحرية في ليبيا متعرجا جدا ومعقدا, ومرهونا للغرب, رغم أن رحيل أو قتل القذافي أصبح قريبا جدا.
وبالعكس يتم إخماد الثورة في البحرين بأعصاب باردة وهدوء شديد, ودون أية تغطية إعلامية, , وبدعم من أمريكا والغرب ودول الخليج, أي نفس القوى التي تدعم الثوار في ليبيا, بحجة أن المتظاهرين عملاء لإيران.
أما في اليمن, فالاحتجاجات بدأت منذ أواخر العام الماضي, وكانت المعارضة الجنوبية تعمل على إعادة فصل الجنوب عن الشمال. إلا انه بعد انتصار الثورة في تونس ومصر, تعدل مسار المعارضة, مع تشكل ائتلاف الشباب وبدء ثورتهم السلمية, وأصبحت دعوتهم إلى الحرية وإسقاط النظام, وإقامة دولة مدنية ديمقراطية. إلا أن الرئيس اليمني مازال صامدا وقادرا على حشد أنصاره في الساحات حينا, ومستعملا العنف حينا آخر, دون أن يخطر في باله انه سيرحل. إلا انه يتمتع بالحماية من أمريكا والغرب. وكذلك من السعودية ودول الخليج, لأنه لا يروق لهذه الدول وجود اليمن كدولة حرة وديمقراطية, في خاصرة الخليج العربي.
وليس من المتوقع أبداَ ان يرحل نتيجة ضغط الثورة في الشارع فقط, إنما في قدرة الشارع على تفكيك جهازه الأمني والعسكري, والذي يستخدمه في إشعال حرب اهلية قبلية في محاولة لتحويل الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة بقصد تحويل مسارها والقضاء عليها.
في سوريا الوضع أسوأ من اليمن. كان رد فعل السلطة على الاحتجاجات دمويا منذ اللحظة الاولى, وذلك بقصد ترويع الشعب السوري لئلا يستمر الشعب بالتظاهر ويترك أمر الإصلاح تتولاه وتنجزه السلطة على طريقتها ومقاسها. بحيث أن المتظاهرين في سوريا يحلمون بخراطيم المياه والرصاص المطاطي لتفريق تظاهراتهم بدلا من الرصاص الحي. إلا أن العنف لا يجلب إلا المزيد من الغضب, وتصاعد حركات الاحتجاج واتساعها. وربما لو تعامل الأمن مع أطفال درعا وأهاليهم بطريقة حضارية, ربما كان من الممكن أن يتأجل توقيت الثورة السورية إلى وقت لاحق. وربما يكون مناسبا أكثر, ويكون المناخ العام أكثر نضجا.
ومن المؤكد إن الحل الأمني أو العسكري الدموي, للازمة السياسية بين الشعب والسلطة, والقتل اليومي, يدفع بسوريا إلى خطر الحرب الأهلية, والتي ستكون طائفية قاتلة. لكن المراهنة هي على وعي الشعب السوري الذي لن ينجر إلى حرب قذرة كهذه, وخاصة انه يراها أمامه في العراق منذ الاحتلال الأمريكي, ويعرف مسبقا نتائجها المأساوية. حيث لن يكون فيها غالب ومغلوب, إنما سيكون الجميع مغلوبا.
والسؤال الهام: لماذا تُواجه الثورات السلمية في ليبيا واليمن وسوريا بالعنف الزائد, إلى حد تهديد المجتمع كله بحرب أهلية, وبشكل مختلف كليا عن الذي حصل في تونس ومصر؟.
ربما تكمن الإجابة في البنى الاجتماعية المختلفة, وبالتالي تركيب السلطة, وحاشيتها, ومدى تجذر قوتها, وكيفية العمل على تفكيكها. واعتقد أن مثل هذه المسائل لم يتم مناقشتها من قبل الثوار الشباب في هذه البلدان, والذين يتصدون ببطولة وشجاعة نادرة, بصدورهم العارية لرصاص الطغاة.
حيث تغلب على بنية المجتمع المصري والتونسي صفة المدنية بوجه عام. بمعنى تجاوز المجتمع الأهلي أو القبلي, وما تبقى من مكونات ما قبل المدنية مندمجة في المجتمع, كما انه لا يحتوي على مكونات طائفية إسلامية مختلفة, فالإسلام عندهم ينحدر من مذهب واحد. من جهة ثانية, السلطة العائلية في البلدين مقتصرة على السلطة السياسية والاقتصادية. وربما هنا لعبت المصادفة دورها بان بن علي ومبارك لم ينتميا الى عائلات كبيرة, ولم ينجبوا الكثير من الأولاد, بحيث لم يتمكنوا من السيطرة الشخصية والمباشرة على الأمن والجيش, والتي تُركت لرموز أخرى من الحاشية. وعندما مال ميزان القوى في الشارع لصالح الشعب, قررت الحاشية التخلص من الرئيس, والخروج من موقعها المتذبذب بين الشعب والرئيس, في محاولة لإنقاذ نفسها, ولكسب الوقت كي تعمل رئيس جديد يُلائمها.
اما المجتمع الليبي واليمني, تغلب الصفة القبلية على المدنية الحديثة, مع الملاحظة بان الجنوب اليمني أكثر مدنية من شماله. وتعتبر قبيلة القذافي وعلي صالح هي القبيلة الحاكمة, وتتمتع بالعديد من الامتيازات مقابل القبائل الأخرى. كما أن رموز العائلة القريبة, أي الأولاد والأصهار والأعمام والأخوال, تسيطر بشكل مباشر على الأمن والجيش, وكانت تملك الوقت الكافي لتشكيل فرق الموت الخاصة للدفاع عن النظام. إضافة للتحالفات القبلية القائمة على التزاوج والتقاسم في نهب البلاد. وربما تفسر لنا هذه التركيبة قوة نظام الرئيس اليمني والليبي, المبنية على رابطة الدم, والعصبية القبلية, وقدرتهما على تحويل الصراع بين أجيال الشعب الجديدة والسلطة الاستبدادية, أو بين الشعب والاستبداد, إلى حرب أهلية قبلية, تحمل في ثناياها كل العنف في التاريخ. والتدخل العسكري الغربي في ليبيا سيضفي على الحرب الأهلية الليبية بعدا مأساويا جديدا. وبالمقابل الدعم الكامل للرئيس اليمني يفسح المجال أمامه لتحويل ثورة الشعب اليمني السلمية إلى حرب قبلية.
وتتشارك سوريا والعراق, في الخطوط العامة للتركيب الاجتماعي والسياسي. حزب البعث الحاكم نفسه, عائلة الرئيس تنتمي إلى طائفة الأقلية, مع اضطهاد الطائفة الأكبر, ووجود أقلية قومية كردية غير معترف بها, وأقليات كثيرة جدا مضطهدة كالمسيحيين والأشوريين واليهود والتركمان واليزيديين والاسماعيليين....الخ. وكان يمكن لولا الاستبداد أن يؤلف هذا التنوع مزيجا رائعا, يعبر بشكل حقيقي عن تاريخ بلاد الشام الممتد لآلاف السنين. لكن أنظمة الاستقلال الاستبدادية العصبوية, حرقت لوحة الفسيفساء الجميلة وحولتها إلى رماد.
ولا حاجة للتذكير بمشاهد الصراع الدموي المفجع, والمستمر حتى الآن, منذ أن فجر الأمريكان العراق في(2003). وكل الخوف أن تلاقي سوريا المصير ذاته.
والنظام السوري يعرف أوراقه جيدا. أولا: ورقة الممانعة تآكلت بعد أربعين عاما من حرب تشرين(1973). وهي بالأساس تعبير ملتوي عن الهزيمة. وثانيا: وعود الإصلاح التي قدمتها السلطة منذ أكثر من عشر سنوات ولم يتحقق منها شيء, لم يعد يصدقها الشعب. وثالثا: استمرت رؤية الابن للشعب على انه "رعية", ولم تختلف عن رؤية وسياسة الأب-المأساة. ورابعا: تحالفه مع إيران يجعله معزولا إلى حد ما عربيا ودوليا. وحتى علاقته الجيدة مع تركيا تم نسفها بسبب القتل الدموي للمتظاهرين المطالبين بالحرية. وخامسا: لن ينجز النظام الإصلاح السياسي المطلوب. ليس لأنه غير قادر على الإصلاح, بل لان بنيته لا تسمح له بذلك, لأن أي إصلاح حقيقي يعني نفي النظام لذاته, وهذا غير ممكن, لأنه يعني بالنسبة له كالانتحار الطوعي. وبالمقابل الشعب لم يعد يقبل بترقيعات إصلاحية.
بعد ثلاثة أشهر على بدء مظاهرات الثورة السورية, يبدو المشهد السوري مأساويا, يحكمه النظام من جهة, وليس لديه سوى العنف وتمشيط المدن لوقف التظاهرات, وشباب يريدون بصورهم العارية إسقاط الاستبداد, ومعارضة هرمة غير قادرة على تقديم الدعم السياسي أو المادي المطلوب للمتظاهرين. والنظام مازال قويا, ويستمد قوته ليس من الحاشية, أي الحزب أو مجلس الشعب أو مجلس الوزراء, إنما يستمد سيطرته من سيطرته العائلية المباشرة على الجهاز الأمني والعسكري, والتي ورثها من الأب. وهذه السيطرة العائلية تجعله متماسكا بوجه الشعب. ولن يكون قادرا على المساومة. ولذلك لا يملك سوى الحل العسكري الذي سيدفع بالوطن إلى حرب أهلية على الطريقة العراقية, أي تدمير الوطن. لكن نعيد القول الأمل كبير, بأن الشعب السوري قادر بوعيه أن يتجاوز هذا المأزق, وستكون تلك المفاجأة الأخيرة للنظام.
في النهاية يمكن أن نقف عند بعض التساؤلات التي أفرزتها الثورات العربية:
1- إذا كانت كل الثورات بعد تونس ومصر, تأخذ مسارا دمويا تجهز له الأنظمة العربية قبل اندلاع الثورات في أقطارها, فهل سيخمد أو ينطفئ ربيع الحرية العربي؟
بالتأكيد لا. لن يخمد بريق الثورات العربية, لكن الثمن سيكون باهظا. وسنراه أكثر دموية في الأردن والمغرب والجزائر والسودان. أما في السعودية والخليج, فتلك حكاية أخرى. لكن المؤشر عظيم الدلالة في السعودية الأكثر ظلامية, حيث قامت سيدات سعوديات بقيادة السيارة, وهم يعرفون أن مصيرهم في السجن, لمخالفتهم القوانين الملكية الأكثر رجعية في العالم كله.
2- اذا كانت الأنظمة تدفع بمسار الثورة السلمي نحو العنف والحرب الأهلية, فهل سيراجع الثوار إستراتيجيتهم, وينتقلوا من الثورة السلمية إلى الثورة المسلحة؟
أيضا بالتأكيد لا. لأن الثورة السلمية أكثر قوة, وهي قابلة للتراكم الكمي والكيفي. ومن جهة ثانية, الحرب الأهلية لا يمكن لها أن تنتج مجتمع حر ودولة ديمقراطية, وخاصة في مجتمعاتنا المغموسة بالعنف من رأسها حتى أخمص قدميها, والتي تحتوي على طوائف وقبائل واثنيات وقوميات عديدة. والمطلوب أكثر ترسيخ ثقافة اللاعنف.
3- هل المطلوب من شباب الثورات القادمة أن يستفيدوا من دروس الثورات الراهنة, كي يكون مسار الثورة أكثر وضوحا واقل ثمنا؟
بالتأكيد نعم. وهنا يمكن أن نعيد القول- بحسب مقولة لينين- بان ما تعلمناه في الأشهر الستة الماضية, يفوق ما تعلمناه في العقد الماضي كله. والمطلوب من الثوار الشباب الاستفادة من دروس الثورات الراهنة, من اجل الثورات القادمة, وفتح نقاش واسع حولها وعلى كافة الأصعدة,على سبيل المثال: اختيار التوقيت المناسب, الوضوح في الأهداف, وجود رؤية للتحالفات, ورؤية واضحة لبنية النظام وآلياته وردود أفعاله, الاهتمام بالجانب الإعلامي, وإضافة آليات إعلامية جديدة إلى الفيس بوك, وانتخاب قيادة قادرة على تشكيل غطاء سياسي وإعلامي, بالإضافة إلى لجان التنسيق الميدانية....الخ وغيرها من المسائل المهمة. وبذلك يصبح المسار أكثر وضوحا لكيفية تفكيك آليات الاستبداد وإسقاطه.
--------------------------------------- 14-6-2011
#مروان_عبد_الرزاق (هاشتاغ)
Marwan#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟