|
لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق البعثيون يغدرون بالحركة الكوردية ويشنون الحرب على الشعب الكوردي
حامد الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1012 - 2004 / 11 / 9 - 08:56
المحور:
القضية الكردية
أولاً : البعثيون يشنون الحرب على الشعب الكوردي :
بعد أن تمكن البعثيون وحلفائهم القوميون من تثبيت أقدامهم في السلطة بدأوا يكشرون عن أنيابهم المتعطشة للدماء الكوردية وظهروا على حقيقتهم التي حاولوا إخفائها عن القيادة الكوردية، وتكشفت نواياهم الشريرة لقمع الحركة الكوردية. ففي العاشر من حزيران 1963 أذاعت الحكومة بياناً تضمن إنذاراً للقيادة الكوردية ،ومعلنة فيه قيام الحركات العسكرية في الشمال، متهمة البارزانيين بأنهم يقودون حركة انفصالية رجعية استعمارية مرتبطة أشد الارتباط بمصالح الدول الأجنبية هدفه تهديد استقلال العراق ووحدته الوطنية ، وعليه فقد قررت المباشرة بتطهير المناطق الشمالية من فلول البارزانيين وحلفائهم، كما اعتبر البيان كافة المناطق الشمالية منطقة حركات فعلية ، وأنذرت البارزانيين بضرورة إلقاء السلاح خلال 24 ساعة من إذاعة هذا البيان، لكن قيادة الحركة الكوردية قررت التحدي ومقاومة الحملة العسكرية . (1) وهكذا بادر البعثيون وحلفائهم القوميون إلى شن حملة عسكرية واسعة النطاق ضد الشعب الكوردي ولما يمضي أربعة أشهر على انقلابهم المشؤوم ، مستخدمين أبشع السبل للتنكيل بالشعب الكردي ،وهدم مدنهم وقراهم ،وتقتيل الآلاف من أبنائهم . وقد استخدمت حكومة الانقلابيين الكثير من المرتزقة من العشائر الكوردية التي أطلقت عليها [فرسان صلاح الدين ] ومجموعة أخرى من العشائر العربية التي أطلقت عليها [ فرسان الوليد ] ، وفي الوقت نفسه أطلق الشعب الكوردي على هذه المجموعات اسم [ الجاش ] جراء عملهم المعادي لطموحات الشعب الكردي، وخيانة القضية الكوردية . كما استقدم الانقلابيون قوات عسكرية سورية بقيادة اللواء [ فهد الشاعر] التي شارت في الحرب على الشعب الكوردي . وقد بادرت الحكومة السوفيتية في بيان أذاعته وكالة تاس إلى استنكار الحملة العسكرية على كردستان ، معلنة أن الاتحاد السوفيتي ليس في وسعه أن يظل غير مكترث بما يجري حالياً في العراق لأن السياسة الحالية للحكومة العراقية إزاء الكورد تساهم في تكدير سلام الشرق الأدنى ، ودعت الحكومة العراقية إلى وقف الحرب وإيجاد حل سلمي للقضية الكوردية .
كما سلم وزير الخارجية السوفيتية في 6 حزيران 1963 مذكرات حول الموضوع لكل من سفراء العراق وتركيا وإيران وسوريا ،وحذر البلدان الثلاثة من مغبة التدخل في الحرب في كوردستان إلى جانب الحكومة العراقية .(2) كما وقف الشيوعيون العراقيون إلى جانب الشعب الكوردي ،وحملوا السلاح ضد القوات البعث الفاشية المعتدية وأبلوا بلاءاً منقطع النظير. بدأت الحرب بمهاجمة قطعان الفاشية ،وعلى الطريقة النازية، لمواقع الثوار في جنوب وغرب كوردستان بدءاً من مناطق جوارته ، فالسليمانية وكويسنجنق حتى العمادية ودهوك في الغرب ، وقد حقق الهجوم بعض التقدم ، واستولى على بعض المواقع الستراتيجية كمضيق[ كلي علي بك] قرب راوندوز. كما حاصرت قوات الحكومة ومعها الآلاف قوات الجاش الكورد قوات البشمركة التي كان يقودها الزعيم مصطفى البارزاني في[ جبل بيرس ] بالقرب من عقرة ، وقامت الطائرات العسكرية العراقية والسورية والتركية والإيرانية والبريطانية القادمة من قبرص بقصف مواقع البارزاني مستخدمة قنابل النابالم ونيران الرشاشات ولم يسلم من تلك الغارات المدنيين بل وحتى المواشي.(3) لكن الشعب الكوردي وقوات البيشمركة قاومت بضراوة ذلك الهجوم ، وتمكنت في 15 حزيران من تحقيق نصر كبير على القوات الغازية بقيادة البارزاني ، واستولت خلالها على 7 دبابات ، وأحرقت 13 دبابة أخرى ، وأسقطت طائرة أليوشن وقتل 130 من القوات الحكومية ، أما في جبهة دهوك فقد هزّم الثوار كتيبة عراقية كما توجه البارزاني مع مجموعة من قواته نحو السليمانية لنجدة الثوار فيها حيث كان الجلاد أمر اللواء العشرين صديق مصطفى ينكل بالشعب الكوردي . (4) لقد شهدت بأم عيني ما فعله الإنقلابيون الفاشيين في مدينة السليمانية ،حيث كنت مدرساً فيها آنذاك قبل وقوع انقلاب 8 شباط ، ففي فجر اليوم الأول من أيار 963 طافت سيارات عسكرية تحمل مكبرات الصوت تدعوا الناس إلى عدم مغادرة منازلهم ، وتعلن منع التجول ،وبنفس الوقت ، تحركت قطعانهم العسكرية ، تداهم المنازل ، منزلاً بعد منزل ،وحسب الأرقام ، وتفتشها تفتيشاً دقيقاً ، وتعتقل كل شخص تجاوز السادسة عشرة من عمره . وكنت في ذلك الوقت متخفياً في السليمانية ،منذُ وقوع انقلاب 8 شباط ،هرباً من بطش الانقلابيين ، وتمكنت بأعجوبة من الإفلات من قبضتهم بمساعدة الأخوة أبناء الشعب الكوردي الطيب ومكثت في حمايتهم أكثر من ستة أشهر. لقد أعتقل الانقلابيون الآلاف من أبناء الشعب الكردي ،ولم يسلم من الاعتقال الحكام ، والأطباء والمحامين ، والمهندسين وسائر الموظفين ، وقاموا بإجراء عملية فرز للمعتقلين ، فمنْ كان ، بارتياً أو شيوعياً أطلقوا عليه الرصاص في الحال ، دون محاكمة ،حيث استشهد منهم المئات ،وكان من بينهم العديد من زملائي الوطنيين الشرفاء ، وقام الانقلابيون بحفر خنادق كبيرة بالبلدوزرات العسكرية ،وتم دفنهم بصورة جماعية ، بصورة سرية ،في مكان قريب من معسكرهم . أما الذين بقوا رهن الاعتقال في معسكرات الجيش ، فقد أبقاهم الانقلابيون ثلاثة أيام متوالية دون طعام أو شراب ، ومنعوهم من أخذ أي شيء معهم إلى المعتقل ،ومكثوا في الاعتقال عدة اشهر ،ويوم خروجهم من المعتقلات كانت لحاهم ، وأظافرهم تبدو وكأنهم من أصحاب الكهف ، فلم يسمح لهم الانقلابيون بأخذ أي شيئ معهم حين اعتقالهم . . لقد قام الانقلابيون أثناء حملة التفتيش للمنازل بقتل العديد من الوطنيين الكورد أمام عوائلهم ، ومنعوا ذويهم من الخروج لدفنهم ،مما اضطرهم إلى دفنهم في فناء منازلهم ، كما جرى نهب العديد من المحلات التجارية وحرقها ، وكل هذا ليس إلا غيظ من فيض من الجرائم التي أرتكبها البعثيون في كردستان بحق الشعب الكوردي . واستمرت الحرب ضد القطعان الفاشية ، واستبسلت قوات الحركة الكوردية في الدفاع عن المناطق التي كانت تحت سيطرتها ،بل واستطاعت توسيع سيطرتها لتبلغ ما يقارب 40 كيلومتر مربع ، على الرغم من الدعم العسكري من حكام سوريا البعثيين .
ثانياً:انقلاب عبد السلام عارف وتوقف القتال وانشقاق البارت:
أستمر لهيب الحرب في كردستان ،واستمر الفاشيون البعثيون وحلفائهم القوميين من زمرة عبد السلام عارف ينكلون بالشعب الكوردي ،ويهدمون مدنهم وقراهم حتى سقوط حكمهم على يد عبد السلام عارف وزمرته في انقلاب 18 تشرين الثاني من عام 1963 ، وتولي عبد السلام السلطة في البلاد ، حيث توصلت القيادة الكوردية وعبد السلام عارف ، عبر وساطة الرئيس عبد الناصر ، في 10 شباط 964 إلى إيقاف القتال ، واللجوء إلى الحوار مع القيادة الكوردية من أجل تأمين الحكم الذاتي للشعب الكوردي . أحدث قرار قائد الحركة الكوردية مصطفى البارزاني أسى وذهولاً واستنكار شديد من لدن القيادة المدنية للحزب المتمثلة باللجنة المركزية والمكتب السياسي التي أعلنت أن السيد البارزاني أوقف القتال دون أن يحصل على أي شيئ من حكومة عارف . (5)
وأسرع السيد إبراهيم أحمد سكرتير الحزب إلى الدعوة لعقد كونفرانس للحزب في 4 نيسان 1964 ، وحضره 67 مندوباً من جميع فروع الحزب الخمسة ، من دون أن يتم دعوة البارزاني . افتتح السيد إبراهيم أحمد الكونفرانس بتقرير سياسي انتقد فيه سياسة البارزاني ، واصفاً قرار وقف القتال بكونه صفقة بيع خاسرة للثورة والحزب لقاء مبلغ قدره ربع مليون دينار ، ودعا الحاضرين إلى دراسة بيان الحكومة وبيان البارزاني والتأمل في ممارساته مؤكداً أنه يريد حل الحزب طالباً إدخال ما ادعاه في جدول الأعمال للمناقشة . وفي اليوم الأول توصل الكونفرانس إلى أن قرار وقف القتال ليس في صالح الشعب الكوردي ، ولا يستقيم مع أهداف الحزب ومنهاجه ، و أصدر المؤتمرون بياناً بعنوان [ أسلم أم استسلام ؟ ] وبذلك ظهرت الخلافات بين القيادة المدنية والقيادة العسكرية إلى العلن لأول مرة .(6) وفي اليوم التالي اقترح المكتب السياسي على المندوبين اتخاذ القرار التالي :
{ بما أن البارزاني ما زال يستخدم صلاحياته كرئيس للحوب وقائد للثورة ، وبما أن ذلك يلحق بكليهما ضرراً خطيراً ، ويهدد كيانهما ، فإن المكتب السياسي يقترح على المؤتمر تجريده من صلاحياته كافة وعزله } ، وقد نال الاقتراح موافقة 66 مندوباً ، وعارضة مندوب واحد هو السيد [علي السنجاري] مسؤول الفرع الخامس .
لكن المفاجئة بالنسبة للمكتب السياسي جاءت على الفور بتأييد القيادات العسكرية للسيد البارزاني ما عدا قيادة السيد الطالباني عضو المكتب السياسي للحزب ، مما اسقط في يد المكتب السياسي بعد أن تم تجريده من أي دعم عسكري قوي لموقفه . وسارع السيد البارزاني إلى الدعوة لعقد المؤتمر السادس للحزب في الأول من تموز 1964 في [قلعة دز] ، وتم في ذلك المؤتمر طرد أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية باستثناء عضوين هما صالح اليوسفي وهاشم عقراوي ، وجرى انتخاب لجنة مركزية جديدة وتم انتخاب السيد[ حبيب محمد كريم] سكرتيراً للمكتب السياسي والسادة [ محمود عثمان ] و[ محمد أمين علي ] و [هاشم عقرواي ] و[ علي السنجاري ] أعضاء في الكتب السياسي . كما انتخب كل من نعمان عيسى ،و صالح اليوسفي ،و عكيد صديق ،و يدالله عبد الكريم و وشيخ محمد هرسين ،و بابا طاهر شيخ جلال، وعمر شريف ،وعزيز عقراوي ، ومصطفى قرداغي ، واسماعيل ملا عزيز، و فؤاد جلال ،ورمضان عقراوي أعضاء في اللجنة المركزية . (7)
لم تفلح الهدنة التي تلت وقف القتال مع قوات حكومة عارف إلى إي نتيجة ، بسبب تباين التطلعات القومية لدى القوميين العرب والقيادة الكوردية مما جعل من المستحيل استمرار تلك الهدنة الهشة بين الطرفين ، فقد كان عبد السلام وزمرته من الضباط الممسكين بالسلطة غارقين في شوفينيتهم وكراهيتهم الشعب الكوردي ، ولم يكن لديهم أي استعداد لحل القضية الكوردية حلاً عادلاً ومرضياً وبذلك أصبحت الحرب بين الطرفين ليس أكثر من مجرد وقت ، وكانت الهدنة فترة لجر الأنفاس لكلا الطرفين بعد تلك المعارك القاسية التي جرت بين قوات حكومة البعث والقيادة الكوردية وهذا ما أكده السيد البارزاني عندما أمر بوقف القتال فقد كان الشعب الكوردي قد تحمل من الأهوال والمصائب ما لا يتصوره الإنسان فكان لا بد من فترة للراحة وجر الأنفاس ، وفي الوقت نفسه السعي مع الحكومة الجديدة تحقيق مطالب الشعب الكوردي ، ووضع حد للحرب .
ثالثاً : تجدد القتال في كردستان من جديد :
لم يمضِ سوى أربعة عشر شهراً على توقف القتال بين الطرفين حتى اندلع من جديد في 5 نيسان 965 ، وعلى عهد عبد السلام نفسه الذي زج بالمزيد من قطعات الجيش ،وقد تملكه الحقد الدفين على الأكراد، وأعلن تصميمه على قمع الحركة الكوردية وتصفية قيادتها بالقوة المسلحة. لكن عبد السلام وزمرته الضباط القوميون المتعصبون فشلوا في تحقيق نصر حاسم ضد الحركة الكوردية ،واستمر القتال بين الطرفين حتى بعد مقتل عبد السلام عارف في حادثة سقوط طائرته السمتية بتاريخ 13 نيسان 1966 ، وتولي شقيقه عبد الرحمن عارف السلطة في البلاد من دون أن يستطيع أي من الطرفين حسم الحرب لصالحه . وجاءت معركة جبل هندرين التي استطاعت فيها قوات البيشمركة، وقوات حركة الأنصار الشيوعيين دحر قوات الحكومة مكبدة إياها خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات لتلقي بظلالها على حكومة بغداد ، وتدفعها للتفكير في عقد هدنة جديدة ، والشروع بوضع حل مرضٍ للقضية الكوردية (8) ففي 7 أيار 1966 باشر رئيس الوزراء العراقي السيد [ عبد الرحمن البزاز ] مفاوضات جديدة مع قائد الحركة الكوردية السيد مصطفى البارزاني لإقرار السلام في كوردستان وإيجاد حل مرضٍ للقضية الكوردية ، وتم الاتفاق على وقف القتال بين الطرفين في حزيران 1966 . لكن العسكريين المتنفذين في السلطة ، والذين تبنوا الحل العسكري لقمع الحركة الكوردية تآمروا على حكومة عبد الرحمن البزاز، وفرضوا عليه الاستقالة . واستمرت الهدنة بين الطرفين حتى شهر أيلول 1968 ، ووقوع انقلاب 17 تموز من هذا العام ، من دون أن تقوم الحكومة بأي إجراء من شأنه تحقيق طموحات الشعب الكوردي في الحكم الذاتي ، وعاد حزب البعث الفاشي إلى الحكم ليشعل نيران الحرب من جديد .
رابعاً : انقلاب 17 تموز 968 ،وعودة حزب البعث للحكم من جديد:
كان تدهور الأوضاع السياسية في العراق قد سبب القلق الشديد للأمريكيين والبريطانيين على مستقبل مصالحهم في المنطقة،وجعلتهم يفكرون في استباق الأحداث ، وتفتق ذهنهم بتدبير انقلاب ضد حكومة عبد الرحمن عارف ،وتسليم السلطة لقوى تستطيع حكم العراق بيد من حديد ، مع ضمان مصالحهم ، وكان أهم تلك العوامل التي دفعتهم لذلك ما يلي : 1 - ضعف سلطة عبد الرحمن عارف ، وتنامي النشاط الشيوعي من جديد ، وظهور اتجاهات لدى الحزب ، و القيادة المركزية ، للسعي لقلب الحكم بالقوة، واستلام السلطة ، مما أثار قلق الإمبرياليين الذين وضعوا في الحسبان إمكانية إسقاط ذلك النظام الهش ، الذي يفتقر لأي سند شعبي ،وتتآكله الصراعات بين الضباط المهيمنين على السلطة ، وانشغالهم في السعي للحصول على المكاسب ، والمغانم ، مما جعل الحكم في فوضى عارمة يمكن أن تُسّهل عملية الانقضاض عليه ، وتوجيه الضربة القاضية له . 2 ـ محاولات القوى الناصرية تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة ، كانت تسبب لهم المزيد من القلق على مصالحهم في الشرق الأوسط والخليج .
2- قرار حكومة طاهر يحيى ، في 6 آب 967 ، باستعادة حقل الرميلة الشمالي من شركة نفط العراق ،وإلحاقه بشركة النفط الوطنية، ومعروف أن هذا الحقل غني جداً بالنفط ، مما أثار حنق شركات النفط الاحتكارية التي اعتبرته تحدياً جدياً لمصالحها .
3 - عقد اتفاقية نفطية مع الاتحاد السوفيتي ، بتاريخ 24 كانون الأول 967 ، تعهد الاتحاد السوفيتي بموجبها بتقديم كل المساعدات التقنية وتجهيزات الحفر لحقل الرميلة الشمالي ، واستخراج النفط وتسويقه لحساب شركة النفط الوطنية ، وقد اعتبرت الإمبريالية هذا الأمر تغلغلاً سوفيتياً في هذه المنطقة الهامة التي تحتوي على واحد من أكبر الخزين من الاحتياطات النفطية في العالم، واتخذت قرارها بالتصدي لهذا التغلغل المزعوم .
4 ـ إقدام حكومة عارف على عقد اتفاقية نفطية مع شركة [ إيراب ] الفرنسية للتنقيب والحفر واستخراج النفط في منطقة تزيد مساحتها على [ 11000] كم مربع تقع في وسط وجنوب العراق ،وذلك بمعزل عن الاحتكارات النفطية البريطانية والأمريكية ، حيث اعتبر ذلك تجاوزاً على مصالحهما النفطية في المنطقة . 5 - رفض حكومة عارف منح شركة [ بان اميركان ] الأمريكية امتيازاً لاستخراج الكبريت في العراق ،حيث اكتشفت كميات كبيرة منه على نطاق تجاري مما أثار نقمة الحكومة الأمريكية . (9) وهكذا سارعت الولايات المتحدة إلى تدبير انقلاب عسكري بالاتفاق مع حزب البعث وبعض العناصر العسكرية بقيادة [عبد الرزاق النايف] معاون رئيس الاستخبارات العسكرية و[ عبد الرحمن الداوود] آمر الحرس الجهوري ، حيث تم تنفيذ الانقلاب في 17 تموز 1968 ، وقد استسلم الرئيس عبد الرحمن عارف للانقلابيين دون إراقة الدماء وجرى تسفيره إلى تركيا، ونصب الإنقلابيون العقيد[احمد حسن البكر] رئيسا للجمهورية فيما أصبح المقدم[عبد الرزاق النايف] رئيساً للوزراء ، والمقدم[إبراهيم عبد الرحمن الداود] وزيراً للدفاع . لكن البعثيين غدروا بشريكهم عبد الرزاق النايف بعد 13 يوماً من نجاح الانقلاب ، وانتهزوا فرصة غياب وزير الدفاع عبد الرحمن الداود خارج البلاد ليدبروا انقلاباً ثانياًٍ لعب فيه صدام حسين الدورالرئيسي مما أهله ليصبح الشخصية الثانية في السلطة البعثية الجديدة ،وتولى منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة ،وتصاعد دوره في الحكم حتى غدا الحاكم الحقيقي للبلاد ، وتم لحزب البعث إزاحة عبد الرزاق النايف وتسفيره إلى لندن ، واستلامه لكامل السلطة في البلاد . خامساً : البعثيون يحاولون التقرب من الشعب وقواه الوطنية :
أصيب الشعب العراقي وقواه الوطنية ،العربية منها والكوردية ، بصدمة كبرى وذهول شديد لعودة حزب البعث إلى السلطة من جديد ، فالجرائم البشعة التي اقترفها هذا الحزب بعد انقلابهم الأول في 8 شباط 1963 ما تزال عالقة في أذهان الجميع . لكن ردة فعل الشعب وقواه السياسية لم يكن في مستوى الحدث الخطير، مما مكن الانقلابيين من تثبيت أقدامهم في السلطة ، وإحكام سيطرتهم على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ، وقد تعلموا الدرس من تجربتهم السابقة في انقلاب 8 شباط 1963 وتحالفهم مع زمرة عبد السلام عارف والذي انقلب عليهم وأسقط حكمهم في انقلاب 17 تشرين الثاني من نفس العام . وحاول حزب البعث التخفيف من شعور الشعب وقواه السياسية المتسم بالريبة والقلق من عودة البعث للسلطة ،وحاول البعثيون تبييض صفحتهم السوداء في عيون الشعب ،عن طريق القيام بعدد من الإجراءات التي يمكن أن تُكسبهم شيئاً من السمعة ،و الاطمئنان إليهم ، وبشكل خاص ما يتعلق بالقضية الكوردية ، حيث أعلنوا عن عزمهم إيجاد حل عادل للقضية الكوردية !!.(10)
سادساً : بيان 21 آذار حول القضية الكوردية :
كان في مقدمة تلك الإجراءات التي اتخذها البعثيون الإعلان عن عزمهم لإيجاد حل للمسألة الكوردية التي كانت تقلقهم كثيراً ، وتستنزف الكثير من موارد البلاد ، إضافة إلى الخسائر البشرية الجسيمة ،ولذلك فقد سارعوا إلى إصدار بيان 21 آذار المعروف ،و أعلنوا اعترافهم بحقوق الشعب الكردي وعزمهم على تلبيتها . لكنهم لم يكونوا جادين في توجههم هذا ،وقد أثبت الأحداث فيما بعد عدم إيمانهم الجدي بحقوق الشعب الكوردي إطلاقاً ،ولجوئهم إلى أبشع الأساليب الإجرامية لكسر شوكة حركتهم ،في حملات عسكرية متتالية ذهب ضحيتها مئات الألوف من أبناء الشعب الكوردي . كما حاول البعثيون كسب جماهير الشعب ،من خلال مسألة النفط ،والعلاقات مع الشركات النفطية ،ومسألة استغلال حقل الرميلة الشمالي وطنياً . ففي نيسان 1972 ،بدأ العراق بالإنتاج في الحقل المذكور ،بمساعدة الاتحاد السوفيتي ،مما أثار حنق الشركات النفطية الاحتكارية ،العاملة في العراق ،والتي قررت معاقبة العراق ، ولجأت إلى تخفيض الإنتاج في حقول كركوك ،من 57 مليون طن سنوياً إلى 30 مليون ،وقد أدى ذلك الإجراء إلى انخفاض كبير في دخل العراق من واردات النفط، وكان له بالغ التأثير على الوضع الاقتصادي للبلاد . حاول البعثيون إقناع شركات النفط بالرجوع عن قرار خفض الإنتاج دون جدوى ، مما دفع حكومة البعث ، بعد مفاوضات طويلة مع شركات النفط الاحتكارية ، إلى الإقدام على تأميم شركة نفط العراق في 1 حزيران 1972 ، وأدى هذا القرار إلى تصاعد حمى الصراع ،وإعلان مقاطعة النفط العراقي ، مما سبب للعراق أزمة اقتصادية خانقة عكست آثارها على حياة جماهير الشعب ،حيث أقدمت حكومة البعث على اقتطاع 10 % من دخول الموظفين ، وسائر العاملين في قطاعات الدولة تحتسب كدين لهم على الحكومة ، كما قامت الحكومة بالعديد من الإجراءات التقشفية ،واستمر الحال على هذا الوضع حتى آذار 1973 حيث توصلت الحكومة وشركات النفط إلى نوع من التسوية ،وبقى النفط تحت سيطرة العراق . أثار اتفاق التسوية مع شركات النفط ، مع بقاء النفط تحت سيطرة العراق ، موجة عارمة من الفرح لدى القيادة البعثية ،حيث أبرزت دعاياتهم وكأن حزب البعث قد نازل شركات النفط الاحتكارية والدول التي تدعمها وانتصر عليها ،وحقق حلم الشعب العراقي في استغلال نفطه وطنياً ،وادعى البعثيون لأنفسهم صفات الوطنية ، واستطاعوا بالفعل جر أوساط عريضة من الشعب إلى جانبهم ،لا بل استطاعوا خداع الحزب الشيوعي وجره للتعاون معهم ،في إطار ما سمي آنذاك {الجبهة الوطنية ، والقومية التقدمية } !!!. لكن البعثيين لم يكونوا مؤمنين حقاً لا بالجبهة ولا بالتعاون ،ولا بتحقيق حل عادل للقضية الكوردية وأثبتت الأحداث أن خطواتهم تلك كانت تكتيكية محضة، كي يتمكن الحزب من تثبيت أركان حكمه تمهيداً للشروع في حملة عسكرية جديدة لقمع الحركة الكوردية من جهة ، ولتوجيه الضربة القاضية للحزب الشيوعي ،على غرار الضربة التي وجهوها له بعد انقلاب 8 شباط 1963،وهذا ما جرى فعلاً ما بين عامي 9781 ـ 979 1.
سابعاً :عقد اتفاقية 11 آذار مع قيادة الشعب الكوردي :
كان استمرار الحرب في كردستان يشكل أحد المخاطر الجسيمة على السلطة البعثية في أيامها الأولى ، ولذلك فقد سعت هذه السلطة للتفاوض مع القيادة الكوردية للوصول إلى وقف القتال ، وقد أثمرت اللقاءات التي جرت بين قيادة حزب البعث وزعيم الحركة الكوردية السيد [ مصطفى البارزاني ] إلى ما سمي باتفاقية [11 آذار للحكم الذاتي ] عام 1970، وتنفس البعثيون الصعداء في تلك الأيام ووجدوا تعويضاً لهم عن العلاقة مع الحزب الشيوعي ، وقد بدا الوضع السياسي في تلك الأيام وكأنه لا يوجد في الساحة السياسية غير حزب البعث ،والحزب الديمقراطي الكردستاني ،وتعرضت العلاقة بين البعثيين والشيوعيين إلى الانتكاسة عند إقدام حكومة البعث على تفريق تجمع للشيوعيين يوم 21 آذار احتفالاً بعيد النوروز بالقوة ، كما تم في تلك الليلة اغتيال الشهيد [ محمد الخضري ] عضو قيادة فرع بغداد للحزب في أحد شوارع بغداد ، ورغم إنكار البعثيين صلتهم بالجريمة إلا أن كل الدلائل كانت تشير إلى أنهم هم مدبريها ،وقد أتهمهم الحزب الشيوعي بالقيام بحملة اعتقالات ضد العديد من الشيوعيين في أنحاء البلاد المختلفة. وفي 1 تموز عقد الحزب الديمقراطي الكردستاني مؤتمره العام ، وألقى السيد [ كريم أحمد ] عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي كلمة في المؤتمر دعا فيها إلى إيقاف الإجراءات القمعية للسلطة ضد العناصر الوطنية ،وركز على شعار الحزب الداعي للديمقراطية للشعب العراقي ،والحكم الذاتي لكردستان ، وقامت صحيفة الحزب الديمقراطي الكردستاني [ التآخي ] بنشر نص الخطاب مما أثار رد فعل قوي من جانب السلطة البعثية الحاكمة ،حيث عقد رئيس الجمهورية احمد حسن البكر مؤتمراً صحفياً في 20 تموز حذر فيه الحزب الشيوعي بما اسماه [ اللعب بالنار] و [ استغلال الحرية ] و [نكران الجميل ] وكال البكر جملة من التهديدات لقيادة للحزب .(11) لكن الغزل استمر بين حزب البعث والحزب الشيوعي لإقامة جبهة الاتحاد الوطني ، واستمرت حكومة البعث بالضغط على الحزب الشيوعي للقبول بالشروط التي وضعتها لقبول التحالف معه .
سابعاً: توقيع ميثاق العمل الوطني ،وقيام الجبهة الوطنية :
في السابع عشر من تموز1970، وقع الرئيس أحمد حسن البكر ،نيابة عن حزب البعث وعزيز محمد ،السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي، ميثاقاً للعمل الوطني،وبذل الطرفان جهوداً واسعة لإدخال الحزب الديمقراطي الكردستاني معهم في ما سمي ب{الجبهة الوطنية والقومية التقدمية }!! التي انبثقت بعد توقيع الميثاق،إلا أن جهودهما لم تسفر عن نتيجة بعد أن أدركت القيادة الكوردية أن النظام العراقي غير جاد تحقيق طموحات الشعب الكوردي. ومن دراسة مواد الميثاق الوطني نجد أن البعثيين لم يقدموا تنازلات جوهرية للحزب الشيوعي ، وكان أهم ما قدموه له ما يلي : 1 ـ حصول الحزب الشيوعي على الشرعية القانونية لمزاولة نشاطه العلني ، وإصدار صحيفته المعبرة عن سياسته [ طريق الشعب ] حيث صدرت بالفعل وكانت توزع على نطاق واسع ، لكن مساحة الحرية الممنوحة لنشاط الحزب الشيوعي كانت محدودة جداً . 2 ـ إطلاق سراح السجناء السياسيين والمعتقلين ، وهدم [ قصر النهاية] السيئ الصيت الذي كان مقراً لتعذيب الشيوعيين ،وسائر الوطنيين المعارضين لحكم البعث ، لكن الملاحقات ضد الشيوعيين لم تتوقف أبداً، بل لقد أقدم النظام البعثي على إعدام 35 من رفاق الحزب بتهمة النشاط في صفوف الجيش . 3 ـ مشاركة الحزب الشيوعي في الحكومة بوزيرين ،لكن تلك المشاركة في الوزارة لم تكن جوهرية ،وذات تأثير على سياسة الدولة ،هذا بالإضافة إلى أن مجلس قيادة الثورة الذي ينفرد به البعثيون هو الذي يقرر سياسة الدولة ،ويتمتع بكافة الصلاحيات التشريعية ،والتنفيذية ،وحتى القضائية . وفي المقابل قدم الحزب الشيوعي للبعثيين تنازلات واسعة،وجوهرية كان منها : 1 ـ إقراره بأن انقلاب 17 ـ 30 تموز ثورة وطنية ديمقراطية اشتراكية !! . 2 ـ الإقرار بمبدأ قيادة حزب البعث للجبهة . 3 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على بقائه بعيداً عن الجيش والقوات المسلحة الذي أصبح مقفلاً لحزب البعث . 4 ـ إعلان موافقة الحزب الشيوعي على الدور القيادي لحزب البعث لكافة المنظمات النقابية ، والجماهيرية والاتحادات العمالية والفلاحية والطلابية 5 ـ تأييد الحزب الشيوعي مواقف حزب البعث من قضية فلسطين وقضية الوحدة العربية . وهكذا يتبين لنا أن الحزب الشيوعي قد خسر الكثير من المواقع ،وقدم للبعث الكثير من التنازلات ،في حين لم يحصل على دور هام وأساسي في تسيير سياسة البلاد . أحدثت موافقة قيادة الحزب الشيوعي على شروط البعثيين وتوقيعه على ميثاق الجبهة شرخاً كبيراً بين القيادة من جهة والكادر وقواعد الحزب من جهة أخرى ،حيث لم تستطع قواعد وكوادر الحزب هضم تلك الشروط ،وكان الشعور بخيبة الأمل ، والقلق على المستقبل ،وعدم الثقة بالبعثيين سائداً صفوف الحزب وجانباً كبيراً من كوادره ،ولاسيما وأن تلك الجرائم التي أرتكبها البعثيون بحق الشيوعيين بعد انقلاب 8 شباط 963 ، ما تزال ماثلة أمام عيون الجميع ،فتلك المآسي لا يمكن أن يطوها الزمن بهذه السرعة وعِبَر هذه الجبهة التي قامت على أسس غير متكافئة على الإطلاق. كان الشعور العام لدى كل متتبع لسياسة البعثيين هو أن هذه الجبهة لن يكتب لها النجاح ،وأن البعثيين لا يمكن أن يضمروا للشيوعيين الخير ،لكنهم لجاءوا إلى إقامة الجبهة معهم لمرحلة معينة يستطيعون خلالها تثبيت أركان حكمهم ،وإحكام سيطرتهم على الجيش ،والقوات المسلحة الأخرى وأجهزة الأمن فالجبهة في الحقيقة لم تكن هدفاً إستراتيجياً لحزب البعث ،وإنما كان تكتيكياً يمكنهم من العبور إلى شاطئ الأمان ، وتثبيت حكمهم ،ولم يكفّ البعثيون عن مضايقة الشيوعيين وتقليص نشاطهم وتحجيمه ،واستمرت أجهزتهم الأمنية في ملاحقة واعتقال العديد منهم بحجج وتبريرات مختلفة ،حتى وصل الأمر إلى أن تصبح اللقاءات مع قيادة البعث تدور حول الانتهاكات والتجاوزات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية ، وقد سبب ذلك في تنامي خيبة الأمل لدى قواعد الحزب من مستقبل الجبهة ،لا بل بدأت الأصوات تظهر وتعلوا شيئاً فشيئاً متهمة قيادة الحزب باليمينية ،وبالتفريط بمصالح الحزب وجماهير الشعب ،وبدت الجبهة مجرد اتفاق بين قيادة حزبين تفتقد تماماً إلى أي قبول جماهيري وكلما مرت الأيام كلما كان التباعد بين قواعد الطرفين يزداد تباعداً ،وبدأت الأصوات تحذر مما يخبئه البعثيون للحزب الشيوعي في مستقبل الأيام . ولم تمضي فترة طويلة من الزمن حتى بدأ التناقض يتصاعد بين قيادة الحزب وقواعده وأخذت الانتقادات لسياسات الحزب تظهر للعلن. لقد كان واضحاً أن قيادة الحزب كانت غير بعيدة عن توجيهات قيادة الحزب الشيوعي السوفيتي ،بل وفرض إرادته على مجمل سياسته،ولاسيما بعد أن وقع البعثيون معاهدة صداقة وتعاون مع الاتحاد السوفيتي في نفس العام ،وقام الاتحاد السوفيتي على أثرها بتزويد حكومة البعث بالأسلحة الحديثة والمتطورة ،ومدت الجيش العراقي بالخبراء العسكريين حيث استخدم البعثيون تلك الأسلحة بعد ذلك في قمع الشعب العراقي عرباً وأكراداً ،وأقدموا على إنهاء ما كان يسمى بالجبهة الوطنية والقومية التقدمية ،التي أقاموها مع الحزب الشيوعي ،مصحوبة بأعنف حملة اعتقالات وتعذيب وقتل للعناصر الشيوعية وكل مناصري الحزب ،ومتنكرين لاتفاقية 11 آذار حول إقامة الحكم الذاتي لكردستان ،وشن الحرب الإجرامية الشعواء على الشعب الكردي ،وفي العدوان على إيران ،والكويت ،وزج العراق في حروب مدمرة .
ثامناً : موقف القيادة الكردية من الجبهة :
أحدث إعلان قيام الجبهة بين الحزب الشيوعي وحزب البعث تصدعاً في العلاقات بين قيادة الحركة الكردية والحزب الشيوعي ، فقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة السيد مصطفى البارزاني ،كانت قد أصيبت هي الأخرى بخيبة الأمل من سياسة البعثيين فيما يخص تطبيق اتفاقية الحكم الذاتي ،التي حُدد لتنفيذها مدة 4 سنوات . وبالرغم من قيام حكومة البعث بتعين عدد من الوزراء الأكراد في الحكومة ،وإجازة الحزب الديمقراطي الكردستاني ،وتوسيع الدراسة الكردية ،وزيادة البرامج الكردية في إذاعة بغداد وتلفزيون كركوك ،وتشكيل وحدات حرس الحدود من قوات البيشمركة الكردية ،إلا أن البعثيين قاموا ، وعلى النقيض من ذلك بأعمال لا تدل على الإخلاص لمبادئ اتفاق 11 آذار للحكم الذاتي . فلقد لجأ البعثيون إلى محاولة تعريب محافظة كركوك بإسكان قبائل عربية بغية تغيير طبيعتها الديمغرافية ، كما شجعوا المواطنين العرب من مختلف أنحاء العراق على السكن في كركوك ،وتعهدوا بمنح كل عائلة توافق على السكن هناك قطعة أرض مجاناً مع منحة مقدارها عشرة آلاف دينار لبناء دار عليها ،كما فعلوا نفس الشيء في خانقين ،وسنجار والشيخان حيث قاموا بتشييد مجمعات سكنية أطلقوا عليها أسماء عربية لإسكان عشائر عربية فيها . وفي الوقت نفسه منع البعثيون المواطنين الأكراد من بناء دور جديدة ،وحتى ترميم دورهم القديمة ،ووصل الأمر بهم إلى تزوير سجلات النفوس إحصاء عام 957 ، والتي تم الاتفاق على اعتمادها أساساً لإحصاء السكان . وأخيراً لجأ البعثيون إلى طرد الألوف من الأكراد الفيلين من العراق ،ومصادرة أموالهم وأملاكهم ، بحجة كونهم من أصل إيراني ،وهكذا أخذت العلاقات بين القيادة الكوردية وحكومة البعث تتباعد شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى أقصى درجات التقاطع ، وعدم الثقة في التطبيق الحقيقي لاتفاقية آذار ،وبدا للقيادة الكردية أن البعثيين غير جادين في اتفاقهم ،وأنهم يكسبون الوقت لتثبيت حكمهم ،وتوجيه ضربة جديدة للحركة الكردية ،وجاءت محاولة اغتيال الزعيم [مصطفى البارزاني ]عام 971 ،لتهدم كل الجسور التي بناها الطرفان في 11 آذار 970 . ولهذه الأسباب ،اعتبرت القيادة الكردية أن دخول الحزب الشيوعي في جبهة مع حزب البعث ،في ذلك الوقت ضربة موجهة لهم ،وأخذوا يوجهون اللوم والانتقاد للحزب ،وتطور النقد على صفحات جريدة الحزب الرسمية [ خه بات ] . و راح الحزب الشيوعي يحث القيادة الكردية على الانضمام للجبهة ،والنضال من خلالها ، إلا أن جهوده لم تثمر في هذا الاتجاه ،بل على العكس توترت العلاقات بينهما إلى درجة خطيرة ،وتصاعدت بسرعة إلى حد التصادم المسلح بين الحزبين في كردستان ، وشنت صحافة الحزبين حملات إعلامية ساخنة على بعضها البعض ، مما صعد الصراع بين الطرفين ،ولعب حزب البعث دوراً كبيراً في إذكاء الصراع ،وتسعير نيران الاشتباكات بين الطرفين في كردستان . وفي آذار 1974 قام عملاء السلطة بتفجير سلسلة من القنابل في مدينة أربيل ، مما جعل إمكانية تلاقي القيادة الكردية وحكومة البعث بعيد المنال .
التوثيق (1) الحرب الكوردية وانشقاق عام 64 ـ جرجيس فتح الله ـ ص 244. (2) حركة التحررالوطني الكردستانية ـ دكتور خليل جندي ـ ص 151. (3) المصدر السابق ـ ص 149 . (4) نفس المصدر ـ ص 150 . (5) الحركة الكوردية وانشقاق عام 64 ـ جرجيس فتح الله ـ ص 36 . (6) المصدر السابق ـ ص 43 . (7) نفس المصدر ـ ص 59 . (8) حركة التحرر الوطني الكردستانية ـ دكتور خليل جندي ـ ص ـ 172 (9) العراق ـ حنا بطاطو ـ الجوء الثالث ـ ص ـ 390 . (10)كردستان ودوامة الحرب ـ محمد احسان ـ ص 64 . (11) المؤتمر الصحفي للرئيس أحمد حسن البكر في 20 تموز 1970 .
#حامد_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الساد
...
-
ثلاثة مقابل كل واحد من الشهداء ياسيادة رئيس الوزراء
-
لمحات من تاريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الخام
...
-
مقتل أفراد الجيش الخمسين جريمة كبرى لن تمر دون عقاب
-
أين برامج الأحزاب التي ستتوجه للانتخابات بموجبها ؟
-
لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الراب
...
-
لمحات من حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الثالثة
-
الدكتور سلمان شمسة ، رحيل قبل الأوان ـ قصيدة رثاء
-
موقف أمريكا بمجلس الأمن يصب في خانة تشجيع الإرهاب
-
لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الثان
...
-
لمحات من تأريخ حركة التحرر الكوردية في العراق ـ الحلقة الأول
...
-
الإرهاب الفكري مدرسة لتخريج القتلة والمخربين
-
الإرهاب خطر جسيم يهدد العالم أجمع ولا حياد في التعامل معه
-
الحزم هو السبيل الوحيد لمجابهة الإرهابيين ولا ديمقراطية لأعد
...
-
القوى الديمقراطية في العالم العربي والموقف من الأزمة العراقي
...
-
مبروك لوزارة التربية ،مدير تربية البصرة يربي لنا جيلاً ديمقر
...
-
الرضوخ لمطالب الإرهابيين يشكل ضرراً بالغاً لأمن العراق وشعبه
-
مقطوعة شعرية لن أحيد
-
مخاطر الإرهاب والسبل الكفيلة للتصدي له
-
حكام إيران يلعبون بالنار
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|