|
التراجيديا المغربية: 1 - كبش الفداء
محمد السلايلي
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 21:15
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التراجيديا المغربية؟ 1- كبش الفداء الخوف من المجهول حالة نفسية واجتماعية رافقت الإنسان منذ العصر البدائي إلى عصرنا الحالي. خوف من عنف الطبيعة و خوف من عنف الإنسان ضد اخيه الانسان. كل الصراعات والنزاعات الكبرى التي شهدتها المجتمعات البشرية، تحضر الأسطورة، بشكل علني أو مستتر، لتعبر عن جدلية القداسة والعنف في أبشع صورها. حتى الحروب الراهنة والمتطورة بفضل التقدم التكنولوجي الهائل، لها أساطيرها، لذلك تتخذ طابعا قدسيا (مثل قدسية الحرب على الارهاب الدولي) ليس مهم أن يعلم ضحاياها من جنود ومقاتلين ان كانوا موتهم قربانا في سبيل مصالح شركات رأسمالية كبرى أم في سبيل معتقداتهم الشخصية؟ و الحروب مثل النزاع الداخلي بين أفراد وجماعات مجتمع من المجتمعات في تمثلها للأساطير، سواء كانت بين دول أو حروب أهلية داخلية. ويعود الفضل للدراسات الحديثة والقراءات الجديدة لأساطير الأولين، في تسليط المزيد من الضوء على ما ظل مخفيا في بنية النزاعات سواء ضد الطبيعة أو ما بين البشر أنفسهم. يوجد بين طرفي النزاع طرف ثالث متخفي، غير مفكر فيه لكنه محدد و فاعل هو :" الأضحية ". في كتابه " العنف و المقدس " * اعتمد رينيه جيرارد على مفهوم " العنف المؤسس "لبلورة نظريته الجديدة للمقدس من خلال إعادة تأويل أساطير التراجيديا الإغريقية .وعلى الرغم من الانتقادات الموجهة للمنهج النفسي البيولوجي، فان أهمية هذا الكتاب تكمن في تأسيس نظرية جديدة للمقدس استطاعت أن تفتح للانتروبولوجية السياسية على الخصوص، طرقا جديدة لتناول ظاهرة العنف وارتباطها بالمقدس. قراءة هذا الكتاب تفتح شهية البحث عن "كبش الفداء المغربي". في تاريخ الصراعات السياسية المليء بالأساطير، سنكتشف ان غالبية الفرقاء، قديما وحديثا، يتكلمون لغات مختلفة ، يسلكون اتجاهات وطرق وحيل متناحرة ، لكنهم يستعملون نفس آليات الدفاع ويتبنون نفس المخططات للوصول إلى هدف واحد وأوحد : تغيير عناصر اللعب دون المس بقدسية قواعد اللعب؟ الأضحية تعبر عن نفسها بطرق مختلفة ومتعارضة أحيانا يستنتج الباحث. وفي حالات أخرى نجدها مقدسة أو على النقيض من ذالك مدنسة. هذه الطبيعة المزدوجة للأضحية، شرعية ولا شرعية، إجرام وتقديس.. هي التي تجعل منها طرفا حاسما في كل صراع أو نزاع. الأضحية لها وظيفة أساسية في العنف، وهو ما يسميه رينيه " العنف ألحشوي" تؤهلها لتلعب دورا مكملا في عملية التبادل التي تجمعها مع القاتل بسبب القرابة. ولولى هذه القرابة مثلا لما تم هذا التبادل. فالقاتل مقدس لأنه يحتكر العنف والأضحية لا تصبح مقدسة إلا عندما تقتل أو تذبح. إن الضحية والجلاد ينتمون إذن لنفس البنية التي تحدد لكل منهما الأدوار وتوزعها بين المقدس والأضحية كمراسيم و طقوس مقدسة. إن الأضحية قبل ان تتحول إلى شكل رمزي في مجتمعاتنا، كانت في العصور القديمة واقعية. تنحصر في بعض الكائنات الحية القابلة للأضحية، ولا زالت بعض المعتقدات الشعبية المغربية تحافظ على رمزية بعضها الذي يعود للعصور البدائية، مثل تقديم الطيور كأضحية ( الدجاج تحديدا ) للوادي من أجل اتقاء شر فيضانه..( لنلاحظ هنا أن تمثل الواد مثلا يأتي في عنفه مرادف لعنف المخزن وفق المثل الشعبي القائل : أربعة يجب اتقاء شرهم، العافية والوادي والحصان الحران والمخزن؟ ). في العصور السابقة كان سكان المغرب يقدمون البشر كأضحية، مثلهم مثل سائر سكان المعمور آنذاك، وكيف تحولت مع مرور الزمن إلى طقس اجتماعي له دور تلطيف أجواء الصراع والنزاع بين القبائل الأمازيغية. فطقس "تاضا" في نشأته كان شكلا من أشكال الأضحية، يتم من خلاله بتر ثدي الفتاة البالغة وتقديمه لزعماء القبائل المتصارعة ليأكلوا منه عربونا على الوفاء بالصلح والتآخي وإنهاء العنف بينهم. وحليب الثدي يرمز للعطاء والتآخي والحب، بينما عملية البثر فإنها تجسد أوحش عمليات العنف. ومع حركية المجتمع وتطوره، ستتغير ال " تاضا" من بثر ثدي المرأة إلى تقديم هدايا لها رمزيتها لتلطيف الصراع وإبرام عقد الصلح، كسرج الفرس مثلا. وبعد ظهور آليات جديدة للوساطة، ستتحول هذه العادة إلى طقس اجتماعي للتعاضد والتضامن من خلال عملية الإرضاع الجماعي، وإلى وقت قريب جدا، ظلت هذه العادة سائدة خاصة بالبادية المغربية وببعض المدن التي عرفت الهجرة القروية . وتؤكد الدراسات الحديثة أن ميكانيزمات العنف تتغير عبر العصور، ولكن ما يجمع عليه العديد من الباحثين، هو أن هذا التغير يحصل بشكل ضئيل بين فرد وأخر وببطء أشد بين مجتمع وأخر.غير أن ما يستدعي الانتباه، هواستمرار هذه العلاقة المتشابكة بين العنف والمقدس في المجتمعات المعاصرة، والكاتب لمح من خلال تشريحه لنماذج من العنف الحشوي بالمجتمع الغربي رغم غياب مظاهر الطقوس الأضحوية، بسب طغيان الماديات وسيادة نوع من العقلانية نتيجة للتجربة التاريخية والمخاض الثقافي والصناعي العلمي الذي شهدته أوروبا منذ القرن 19 . فالعنف ألحشوي موجود لكنه مراقب من طرف المجتمع الحديث ومتحكم فيه.( عقدة أوديب على المستوى النفسي والتوظيف السياسي للهولوكوست- لم يشر لها الكاتب - لخدمة المصالح والأهداف الامبريالية للدول الغربية مثلا). فالعنف كما يقول الباحث، لا يهتم بالأسباب التي أثارته، لذلك فهو عنف غير مشبع، وينتهي دائما الى البحث عن أضحية جديدة بعد استنفاد قدسية السابقة( بعد انهيار جدار برلين، اصبح الاسلام اضحية جديدة في محل الشيوعية). وهذا هو سر بقاء هذه الثنائية بين العنف والمقدس واستمرارها عبر الزمن باتخاذها أشكال جديدة. على العكس من المجتمع الغربي، فان المجتمعات التقليدية، الشبيهة بتجربة المجتمع المغربي، تقوم "الأضحية" بوظيفة مختلفة تماما تحدد إلى حد ما مسار وتطور المجتمع ومؤسساته وأفراده. و تتجلى هذه الوظيفة أساسا وبشكل خطير في تهدئة " العنف الحشوي " لمنع الصراعات من الانفجار. بمعنى، أن الأضحية تسهر من خلال استمرار طقوس القداسة على كبح وردع أية محاولة لزعزعة البنيات المجتمعية والنفسية العتيقة للسلطة القائمة، بالرغم من التمظهرات العصرية و الحديثة التي تنساق فيها هذه المجتمعات بفعل التطور التاريخي واحتكاكها بالنموذج الغربي اساسا، إما عبر الاستعمار أو بالمثاقفة والعولمة. يقول الكاتب" لكي يصبح أحد الكائنات الحية قابلا للأضحية يجب ان يتضح مستوى القرابة معها" وهذا ينطبق على أيضا على الإنسان والتجمعات البشرية .( في العهود القديمة كان الأطفال والفتيات والفتيان غير متزوجين، والأسرى والعبيد، والمهمشبن..يتم اختيارهم كاضحية لمواجهة مختلف أشكال العنف). ان التركيز على العلاقة بين المقدس والأضحية، ليس هدفه الحفر في التاريخ الثقافي والاجتماعي للمجتمع المغربي، أو استعراض مختلف الحركات الاجتماعية وأشكال الصراعات التي شهدها المغرب قديما وحديثا، سينحصر الاهتمام فقط على محاولة فهم أساليب الصراع والحصيلة التي انتهت عندها دون إحداث تغيير عميق في البنيات السياسية القائمة. واضعين نصب أعيننا السؤال السوسيولوجي العريض : لماذا يسود منطق التمرد ويغيب منطق الثورة؟ في سياق مغامرة البحث عن كبش الفداء الملطف للتوترات والمهدئ للنزاعات. جل الدراسات التاريخية والسوسيولوجية تشير الى كثرة الصراعات والمواجهات العنيفة، دون حدوث تغيرات جوهرية في النموذج المغربي، على الرغم من حركية المجتمع وتطور هياكله الاجتماعية المدنية والقروية والاقتصادية والثقافية ؟ * Réné Girard. La violence et le Sacré.éditionsG.Grasset.Paris.1993
#محمد_السلايلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصبار وعنف الدولة المشروع
-
الضرب على الوتر الحساس
-
البكاء على الميت خسارة؟
-
الربيع العربي والجفاف المغربي أسئلة حول علاقة النخبة والشعب
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|