|
ماذا يدعى ان تتقنع بالدين وجوه التجار الأمويين ؟!
رامز النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 20:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نعلم يقينا لا يخالطه شك أن الثورات هي تجسيد واقعي لصيرورة البشرية ..
وحتمية تاريخية كفيلة بالحفاظ على حركة التاريخ البشري واستمرارية تقدمه...
تقتضي بتجميد كافة التناقضات الثانوية في المجتمع، وتصعيد التناقض الأساسي مع السلطة ...
مخطأ من ظن أن صمت الشعوب عن الظلم والاستغلال والتهميش هو مدعاة للرضوخ...
بل هو استجماع للقوى تحركها وقود التراكمات التي كرسها المستبد..
والى ان تدق ساعة الحسم...
حينها وحينها فقط..
تتجلى عفوية الكادحين والمظلومين، فعود ثقاب (بوعزيزي) كفيل باشعال فتيل ثورة تقتلع الأخضر واليابس..
يتنهد فيها المخلوق الرازح تحت وطاة الاستبداد والكبت..
وتدوي صرخات احتجاجه على الشقاء الواقعي الذي يفرضه المستغِلُ على المستغَل، والحاكم على المحكوم...
لتعلن عن اندلاع ظهيرة حاسم في يوم حرية...
في هذا الصفيح الضيق المتمزق الحالم ..
فمن قال أن عصر الثورات قد انتهى.. فهو يهذي..
فمن أرادها انهزامية ... فلن تكون !
....................
...
..
.
بعد سقوط رأس الهرم السلطوي في كل من مصر وتونس، واقتراب سقوطه في اليمن وليبيا..
خلقت حالة من التعددية السياسية لم تعهدها شعوب تلك الدول من قبل..
وظهر حجم الهوة بين القوى السياسية بشتى تياراتها الفكرية..
كما اهال الغبار عن شرذمة من الراديكاليين اعتقدوا فيما اعتقدوا أن الفرصة مواتية لاقامة حكم ديني متشدد يتشدق بعصور بائدة، وبثوابت عفا عنها الدهر تغذيها هرطقة بعض رجال الدين المزعومين، وبتمويل بترو-وهابي خارجي من دعاة الدين الأمريكي بمكة..
ولسنا بصدد ذكر تلك الفئة الضالة والبعيدة كل البعد عن كل معطيات التقدم والحداثة..
كل ذلك، أفرز حالة من الضبابية في الأفق السياسي..
أفسحت المجال لقوى الشد العكسي المعادية للثورة، سواء أكانت من فلول الأنظمة البائدة في تلك الدول، والتي ما زال كثير من أصحاب الرأسمال السياسي يؤثرون على دوران عجلة الاقتصاد فيها وعلى مطابخ صنع القرار فيها، أو من تيارات ستتضح ملامحها جليا فيما بعد..
لا شك ان أذرع الامبريالية والرجعية العربية في الخليج وما جاورها تدير قواعد اللعبة بعناية فائقة..
مستغلين انشغال العالم بالمد الثوري العاتي الذي هبت رياحه الى سوريا، والحبل على الجرار..
فثمة مأزق حقيقي تعيشه الثورات العربية في تحديد هوية الدولة القادمة وطبيعتها، فيما ستكون دولة مدنية أم دولة دينية ؟ ولذا نرى تأخرا واضحا في تنفيذ المطالب التي أجمعت عليها قوى الثورة الشعبية في تونس ومصر، وعلى النقيض الأخر برز دور الجماعات الاسلامية وتحالفت مع السلطات الانتقالية في كلا الدولتين، وأيدت تعجيل الانتخابات قبل أي تعديلات دستورية جذرية، في دلالة واضحة على انتهازية تلك الجماعات التي توظف الدين خدمة لمصالحها ورغباتها في الوصول للسلطة بكافة السبل والوسائل الممكنة..
ولا أبالغ حين أقول أن هذه الجماعات فرضت نفسها كقوى شد عكسية مضادة للثورة، فالمتابع الحثيث لثورة بلاد النيل وتداعيات ما بعد سقوط مبارك، يرى تخبطا في سياسات الاخوان، فهم بداية رفضوا النزول للشارع ومواكبة المد الثوري بدءا من اشعال شرارتها الأولى في 25 يناير، ومن ثم سعوا لركوب الموجة بعدما أدركوا تخلفهم عن الشارع المصري، فبادروا لانتزاع الشرعية الثورية من عنق الزجاجة، عبر أداء طقوس دينية في ميدان التحرير وتأدية صلاة الجماعة وجذب عدسات كاميرات الفضائيات المرموقة كالجزيرة وغيرها كنوع من (البروباغندا) الاخوانجية، ومن ثم جلبوا المذهبي والطائفي الأول في العالم العربي يوسف القرضاوي ليخطب في الجماهير باسمهم..
ما ان سقط مبارك، حتى سارع الاخوان لتجييش البسطاء من المتدينين عبر مطالبتهم بتعجيل الانتخابات واستخدام الخطاب الديني (الدوغمائي) كوسيلة ناجعة في حصول التعديلات الدستورية على أكثر من 70%، اذ كانوا يسرون في أذان المتدينين والبسطاء بأن من يقول "نعم" سيدخل الجنة، ومن يقول "لا" سيدخل النار !!
لم يكتفوا بتلك الدعاية الفاقدة للحد الأدنى من النزاهة والأخلاق، بل تعدوا في ذلك لاستخدام بعض المساجد ودور العبادة للتحريض على التيارات والأيدولوجيات غير الاسلامية ووصفهم بالكفرة والزنادقة والخارجين عن الملة !! وفي ذلك تعدي سافر على قدسية تلك الأماكن واستخدامها كأداة للحشد السياسي، ومنابر للتحريض الأرعن، لا سيما بعد مطالبات بعض القوى اليسارية والليبرالية والعلمانية بجمعة غضب ثانية ضد المجلس العسكري الانتقالي الذي لم يجد الاخوان أي مانعا من التحالف معه وتأخير اي اصلاحات دستورية مرتقبة ..
وذلك يبدو مستهجنا للوهلة الأولى، نظرا للتاريخ النضالي المزعوم لتلك الجماعات، الناظرة بمنظور استعلائي لباقي القوى والأحزاب المعارضة، فهم يعتقدوا ان صفة النضال حكرا لهم، ولو أن قناعهم الزائف سقط سقوطا ذريعا بمجرد رفضهم للنزول الى الشارع في بدايات الثورة المصرية المجيدة، ولا ضير من التذكير بوقوف الاخوان في وجه الزعيم العربي الراحل جمال عبد الناصر، وتحالفهم مع الرجعية العربية المتمركزة في الخليج والامبريالية للحيلولة دون تقدم أي مشروع نهضوي يحقق الوحدة العربية التي يرجوها الجميع الا هؤلاء.
واما عن رؤى تلك الجماعات الاسلامية وبرامجها السياسية فتندرج تحت الاطار التالي:
المطالبة بأسلمة المجتمع وأدلجته ادلجة دينية، والحكم على نهج الشريعة الاسلامية التي لا تحتمل أي بديل أخر، وربط تخلف الأمة وانحدارها بقدر ابتعادها عن شرع الله..
وتتبلور جل مطالبهم في شعارهم غير الملموس والمبهم "الاسلام هو الحل" ؟
وثمة تساؤلات عديدة يعجزوا عن ايجاد اجابات مقنعة عليها، تتمحور حول النقاط التالية:
ما هي منظومة الحكم بشرع الله، ومن المكلف بتنفيذه، وهل المكلف بذلك يتخاطر مع رب العباد ذهنيا مثلا ليحكم باسمه ؟! وما الحيز المخصص للاجتهاد العقلاني في ظل نظام حكم كهذا ؟ ومدى صلاحيته لمواجهة سلطة النص المطلقة التي يحتكرها رجال الدين دون غيرهم ليؤولوا التفسيرات والأحكام كيفما شاءت أهواءهم ؟
هل تبلور نظام اقتصادي معين في أجندة هؤلاء؟ فكل المؤشرات والتحليلات الاقتصادية تشير الى انحياز برنامجهم الاقتصادي لليبرالية الاقتصادية ، باتاحة المجال للملكية الخاصة غير المنضبطة والاستثمار اللامحدود، ولا عجب على تصدي الاخوان المستميت لعبد الناصر بعد ثورة يوليو 52، لا سيما بعد قضائه على الاقطاع وتأميم قناة السويس، وتلك دلالة واضحة على ما يضمره هؤلاء..
شخصيا، اعتبر نظام هؤلاء الاقتصادي لا يتعدى أكثر من كونه (رأسمالية ملتحية) تتستر بشعارات براقة على شاكلة (الاقتصاد الاسلامي) وتقديم حلول اخلاقية كتحريم الربا دون الاستناد لمراجع اقتصادية علمية متينة.. ما مدى قدرة أولئك على تدشين أساسات متينة للديموقراطية وما الدور الذي سيلعبه الشعب بشتى أطيافه في حالة وصول أي منها للحكم ؟ أم انهم سيكتفوا بمبدأ الشورى الذي يتنافى تماما مع جوهر الديموقراطية ويفقد الشعب أدنى صلاحيات الحكم وتقرير المصير. هل ثمة ضمانات يقدمها اولئك للأقليات الطائفية والاثنية لا سيما في مجتمعات المشرق العربي الغارقة في مستنقع الاحتقان الطائفي ؟ كل المؤشرات تشير الا أن الطائفية جزء لا يتجزأ من خطابهم السياسي والديني، يدّعون أنهم يمثلوا منهج أهل السنة والجماعة، ويرفضوا في الباطن الطوائف الاسلامية الأخرى، فهم منبع الخير الأسمى والحق المطلق من منظورهم الخاص.. ما الضمان الذي يقدمه هؤلاء للحريات والحقوق التي كفلها منظمات حقوق الانسان العالمية، وأهمها الحق الكامل لكل انسان في حرية الاعتقاد والتدين، هل ستعود محاكم التفتيش بشكل جديد، ويعود البعض لممارسة هوايته المفضلة في قذف تهم الزندقة والكفر بحق الأخر المخالف له، ويقضى على أي فكر فلسفي تنويري سيرا على مبدا "من تمنطق فقد تزندق" ؟
...........
في المقابل يبرز خيار الدولة المدنية الديموقراطية كخيار تقدمي ومعيار للحداثة، فالدولة المدنية تعرف كل مواطنيها على أساس المواطنة فقط، دون النظر لطوائفهم وأعراقهم واثنياتهم ومذاهبهم، وتتيح حرية الاعتقاد والتدين المطلقة لكل مواطنيها، والشعب هو مصدر السلطات والتشريع فيها وله السلطة الطاغية عن كل الاعتبارات الأخرى، بحيث تحدد فترة الرئاسة بمدة محدودة للحيلولة دون استبداده وتعديه على الشرعية الدستورية التي تمثل ارادة الشعب الحرة بالأساس، وهي تقضي على جذور الطائفية والصراعات الاهلية التي يغذيها تسييس الدين والطائفة، فلا امتيازات لطائفة دون غيرها، وتذوب كل الروابط الوشائجية في الدولة المدنية التي كانت تربط بين النظام (الدكتاتوري) مع الطائفة او العشيرة أو القبيلة..
فالدولة ينبغي أن تكون مؤسسة خدمات لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، تتخذ موقفا حياديا من الدين، وتفسح المجال للارادة لشعبية الحرة للتشريع واقرار القوانين والأنظمة والتشريعات، وهي ملك لجميع مواطنيها دون استثناء، دون أن تبرر أفعال ساستها بشرعية دينية، بحيث لا تضفي أي طابع قدسي أو الهي لحاكمها تبرر أفعاله وتزيل عنه العائق الرقابي الذي تكرسه الديموقراطية، فالحاكم فيها موظف وجزء حيوي من كينونة النظام ويستمد شرعيته أساسا من شعبه، ولا يستعيض عن شرعيته ان فقدت مستقبلا بشرعية قدسية (دينية) أو عبر تغذية الصراعات الطائفية والقبلية (فرق تسد)
.....
كل المعطيات والظروف المعاصرة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أفضلية الدولة المدنية وملائمتها للعصر الحالي، فهي السبيل للتقدم ولبناء الأمم المحصنة من أي خطر خارجي، ولتحقيق الوحدة العربية الضامن الوحيد لاستنئاف مسيرة التحرر من الهيمنة الأمريكية والخطر الصهيوني..
طالما أن السياسة تحكمها ظروف موضوعية، فلا بد من اسنادها لمرجع عقلاني وضعي..
والا فان تلك الثورات لن تفضي الى شيء، وقد يتكرر نموذج طالبان في أفغانستان والنظام الايراني (ولاية لفقيه)..
وتتحول الأقطار العربية لخرابات خاوية على عروشها تصلح كقواعد أمريكية، وتعود لترضخ من جديد للحكم الشمولي المتستر بعباءة الدين ،حينها سيتأكد للبعض أن خيار الدولة المدنية فرط به، وستحتاج الأمة لعقود أخرى للتحرر من جديد وبناء دول حديثة متماسكة قادرة على بلورة مشروع عربي موحد ضد الأخطار الخارجية..
فالتحقيق شرط للتجاوز كما قال الفيسلوف التنويري (هيجل)..
#رامز_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
وفد -إسرائيلي- يصل القاهرة تزامناً مع وجود قادة حماس والجها
...
-
وزيرة داخلية ألمانيا: منفذ هجوم ماغديبورغ له مواقف معادية لل
...
-
استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان
...
-
حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان
...
-
المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
-
حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب
...
-
ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر
...
-
ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين
...
-
قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|