|
مارك فلوباييه:إعادة تأسيس المساواة هي في نفس الوقت استحالة تأسيسها
عذري مازغ
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 19:33
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
يقول مارك ليست الثورة الإشتراكية هي الحل لكن يستثيره القول حين يرى أن الأمر يسير في اتجاه آخر لا يبتغيه أيضا وهي كما سبق القول “الإندفاع الديموقراطي”، لكن في نفس الوقت يلوم غياب النظام الإشتراكي لأنه أتاح انفتاحا آخر أدى إلى تشويه مفهوم العدالة الإجتماعية أي أن سقوط الماركسية هو الذي أدى إلى تشويه هذا المفهوم وهو تناقض سارخ في نفس الجملة أيضا: الماركسية غير مجدية لكن سقوطها شوه مفهوم العدالة ومعنى هذا أن سقوطها أخرج الوحش من عقاله، لكن مارك بغبائه الغريزي لا يستطيع ان يقر بهذا، لانه سيؤدي لو شرح لنا كيف ادى سقوط الماركسية إلى استغلال مفهوم العدالة الإجتماعية، لأن في الامر خروج عن سرامة الرفض لأجل الرفض، ولأن مجتمح الرفاه، المجتمع الشقي بغناه كما سبق هو من شوه مفهومه الخلاق، ومعنى هذا ببساطة أن العدالة التي كانت سائدة كانت فقط لمحاصرة المد الشيوعي، وهنا بالفعل يمكن أن تكون «أسطورة العدالة»، المساواة الصافية والبسيطة، دافعا إلى البحث عن صيغة اكثر تعقيدا للعدالة التي رأى مارك فيها تهربا وحجة لتبرير اللامساواة، هذا التنقل العجيب في مستوى دلالة المفاهيم لا يقدم ولا يؤخر في توضيح مايريد مارك قوله، فهو لم يقل لنا شيئا عن أسطورة العدالة غير أنها بسيطة وصافية وهو قول ضمن التلذذ بالقول اكثر مما يوهم حقا انها كانت سائدة على الأقل في مجتمع الرفاه وهي الآن في سياق انها « ليست مثالا شرعيا» حسب هؤلاء الذين يستعملونها حجة للتهرب من المسؤولية والتي يحاول مارك أن يوضح لنا بقفزة أخرى إلى موضوع عام بحثا عن رؤى تناولت المساواة ضمن سياق العدالة، وطبعا لأنه يريد أن يعرض مختلف هذه التصورات ونقدها، يتوخى خروجا بخلاصة ما، تؤسس لما بعد «أسطورة العدالة» التي يراها عند الفيلسوف المساواتي الأمريكي جون راولس (John Rawks) ، الذي يرى والقول هنا لمارك:«أن إعادة التوزيع مسألة مركزية للعدالة الإجتماعية وأن تساوي المصادر المعطاة لكل فرد هي أفضل التوزيعات الممكنة» وفي قول آخر في نفس السياق يعترف هذا الفيلسوف حسب استشهاد مارك نفسه به بأن « المساوات المطلقة غير مرغوب فيها إذا أدت إلى تسوية من القاعدة» معنى هذا انه يرفض المساواة المطلقة ويقر بالنسبية فيها حتى لا نقول يرفضها بالمطلق، وهي أن يكون المن من القمة، لكنه أيضا رفض من مارك دون اي تبرير، لكن ليس الأمر تماما أيضا إذ يجب من احد ان يعطي والعاطي هو الله كما في مثلنا الشعبي المغربي، هذا الديكتاتور العطوف عند مارك كما رأينا سابقا، لكن رفض تسوية من القاعدة ترتبط اساسا بفهم خاص هو الفهم الماركسي للتوزيع، أو هو رفض يرتبط كما سنرى لاحقا بكوارث “الدفع الديموقراطي” لماذا؟ ببساطة لأن الذي يخشاه مارك ومعه فيلسوفه الرائع هو ان الدفع الديموقراطي هذا هو الوجه الآخر لعملية التوزيع من خلال تساوي المصادر المعطاة للفرد، لكن لا يقف الأمر عند هذا الحد فقط بل يتعداه لان سمة الرأسماليين هي أنهم يبحثون عن الحوافز المشجعة للإستثمار هروبا من التكاليف المؤرقة التي تفرضها دول المركز، ومن خلال ماتتيحه الديموقراطية من التحكم في الشأن المحلي من خلال تسيير الناس لشأنهم والتحكم في مصادرهم، وبعبارة أخرى، بما توفره من الحوافز لدى المستثمرين لانتعاش اقتصادياتها المحلية، (تجربة الحكومات المحلية بالدول الأوربية والولايات المتحدة، حيث تعرف الشركات هروبا إلى الحكومات التي توفر سلاسة في التعامل وضرائب أقل، نتكلم هنا عن الحكومات المحلية داخل فيديراليات الدول الغربية، الحكومات الجهوية عندنا) فهو يريدها أن تكون من فوق تتمركز فيه سلطة القرار التي هي في مضمون التحليل ضبط عملية التوزيع للإنتاج الرأسمالي لا من تحت،أقصد القاعدة، (وهنا لن أدخل في جدال مع مارك لأنه يناقش الأمور في سياق نمط الإنتاج الرأسمالي،وحتى دعوته لإعادة تأسيس المساوات هي ضمن هذا النمط ولا يناقشها في إطار مقارنتها في سياقها الماركسي، ربما لأن نزع وسائل الإنتاج خط احمر أثبت إفلاسه في تجربة الإتحاد السوفياتي، رغم ان تجربتها في سياقها السوفياتي هذا فيه أكثر من وجهة نظر) من هنا يخلص مارك إلى الوجه الآخر للمساواة من خلال الأولوية للأكثر احتياجا، أو قل للدقة كما يحبها مارك «المساواة بصيغة العدالة»، المساواة في استنادها إلى هذا التعميم الفينوميني الرائع الذي يؤسس لعالم مابعد الرأسمالية: مساواة الأولويات على أساس العدالة، والعدالة هذه يراها وفق «إمكانية أحسن للأكثر فقرا»، لكن هذه الإمكانية للأحسن غير مضمونة أيضا أن تكون «حالة مثلى عادلة بسبب قلة الإغراءات» هنا مربط الفرس، فوسائل الإنتاج هي للعاطي صاحب الحوافز وموزع الإغراءات، لكن دون ان نتساءل عما هو هذا الأحسن للأكثر فقرا لأن الدلالة توضح ذلك وهي لمارك في قول آخر بديهي هي أن الفقير يسعد بما يرضيه، فالمعيار القيم للتوزيع هو أن ياخذ بعين الإعتبار توزيعا للإنتاج يحفز الفقراء الأكثر مكرا للعمل، وهو «امتياز هو كل شيء إلا الإهمال» حسب استنتاج مارك. قلت لن أتطرق للتصورات المختلفة التي تناولتها السوسيولجية الغربية والتي عرضها مارك فلورباييه في مجمل صفحات كتابه (عرضها بشكل مقتضب على شكل خلاصات ينطلق منها) التي تختصرها جزئيا نظرية المساواة عند جون راوكس، والتي ترتكز على مقارنات تؤكد في مجملها استحالة المساواة وتصل بالكاتب إلى الخلاصة النهائية التي مفادها «أن المساواة في العلاقات الإجتماعية متلائمة مع تنظيم سلطوي مستبد في مختلف النشاطات الإنسانية»، لكن هذا التنظيم السلطوي المستبد يؤمل فيه تقديم «حرية كبيرة في الإختيار لدى الأفراد بفضل فكرة الإستقلالية والمسؤولية» متعة لفظية رائعة تضاهي في إعجازها إعجاز القرآن لولا أن القرآن فيه من الوعيد ما لا يحتمل، لكن لهذا القول متعته الدلالية والإنسانية في نمط الإنتاج الرأسمالية، هي سرامة القول عند الكاتب حين يطلقها كخلاصات لا تقبل الجدل من موقع النقيض، في الصفحة 26 يقول الكاتب:«نستطيع القول إن تساوي الفرص مثالية غير متكاملة: من غير المطلوب فرص متساوية فقط،بل يجب ان تكون الفرص مساواتية في مضمونها» ليس المطلوب فعلا هو المساوات في كليتها بل فقط في مضمونها الفلسفي الرأسمالي، والمضمون هذا كما قال هو ان لا يجازف الأفراد في الوقوع في العوز وتحت سيطرة الغير أي أن العامل البسيط او الموظف غير المتخصص والأقل حظا كما يسميه مارك كناية للمستخدمين في أوربا الذين وفي إطار عملية التوزيع التي تتيحها العولمة الجديدة، يقومون باعمال بسيطة، على هؤلاء القليلي الحظ، أن لا يجازفوا في التبذير لعدم الوقوع تحت سيطرة الغير وفقدان المساواة في الإستقلالية، إن البديل الذي يقترحه مارك للمساواة من حيث هي مثالية وغير ممكنة هي هذه الإستقلالية للفرد التي تتحدد فيها المسؤولية الفردية للأشخاص بناء على قاعدة العوز: أن يحافظ المرء على استقلاليته هو ان يمنع نفسه مما يوقعه تحت سلطة الآخر، والمنع هذا هو ما يقرر له مساواة على مستوى الإستقلالية التي هي البديل عن المساواة في الفرص، والإستقلالية هذ وإن بدت في شكلها السياسي الذي يسرده مارك في كثير من المرات: حرية القرار والإختيار وما إلى ذلك إلا أنها على المستوى الآخر مرهونة بحالة العوز الإقتصادي، لكن وبنبرة تبدو إنسانية لمارك يقترح في موقع آخر شكلا من التسامح:« إعطاء أولوية للذين لديهم استقلالية أقل دون الموافقة على فكرة أن فقدان الإستقلالية يمكن أن يبرر بإدارة سيئة...» ويقصد مارك هنا الإبقاء على المساعدات لهؤلاء الأقل استقلالية حتى وإن لم يتصرفوا بناء على مبدأ العوز. ما يثير هنا هو الإقتراح البديل لتساوي الفرص الذي هو تساوي الإستقلالية، لكن هذه الإستقلالية أيضا مرهونة بتساوي الفرص وبعلاقة إعادة توزيع الإنتاج الرأسمالي وهذا ما سنراه في موضوع الديموقراطية عند مارك فهو يحكم منطقه الهيجلي بسلسلة من التنافي تعيدنا في الأخير إلى جوهر الإستغلال في الرأسمالية، لكن هذه السلسلة اللامتناهية من استحالة تأسيس المساواة في أي شيء يقترح بدائل هي الأخرى ليست سوى أوهام مساواة لا يلبث ينطلق في تأكيدها حتى يقر باستحالة وقوعها لكن ما يهمنا في هذا الموضوع هو توضيح منطق التناقض العام الذي يحكم علاقة الشمال بالجنوب في إطار العولمة والتي هي عند البعض من متمركسي العالم العربي غير قائمة اساسا انطلاقا من بيان رامبوييه الذي توقف التاريخ عند هؤلاء المتمركسين بسبب إعلانه.
يتبع
#عذري_مازغ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صلاة لأجل المرأة
-
الماركسية في توجسات مارك فلورباييه
-
يا لربيع الثورات عندنا
-
إسبانيا: ولغز 15 ماي
-
ليسقط مثلث برمودا
-
حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو (3)
-
حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو (2)
-
حكايا من المهجر: لقاء مع بيكاسو
-
الثوابت الخرافية في المغرب
-
التحول في الثبات
-
المؤامرة حين تتأسطر عند الأنظمة
-
شظايا خواطر
-
ملح الثورات العربية
-
قراءة في الهيكل الإقتصادي لوليد مهدي
-
وليد مهدي: قراءة ماركسية في الهيكل الإقتصادي
-
المغاربة عندما يكتبون بالنجوم
-
ليبيا والمؤامرة الدولية
-
ثورة الشعوب العربية والإسلام السياسي
-
القذافي، الهلوسة وخطاب الإحتضار
-
التنوع في وحدة الهم
المزيد.....
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|