ماجد احمد الزاملي
باحث حر -الدنمارك
(Majid Ahmad Alzamli)
الحوار المتمدن-العدد: 3395 - 2011 / 6 / 13 - 17:17
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
ماجد احمد الزاملي
السياسة غير الجنائية للحد من جرائم العنف ألإرهابي
ان منع الجريمة لايتوقف على ما تقوم به الدولة من اجراءات لمعاقبة مرتكبها,انما ايضا بما يقدمه اليها المجتمع
الدولي من دعم ومساندة وتنمية قدرتها الاقتصادية وتحسين اوضاعها السياسية وتحقيق الحريات الاساسية والديمقراطية وحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية الراسخة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان ووضع استراتيجيات اجتماعية لحماية الاقليات المعرضة لخطر الارهاب بسبب اصلها العرقي او معتقداتها الدينية ومكافحة اتجاهات قيم التعصب وتنفيذ الدول لالتزاماتها في تطبيق الاتفاقيات الدولية لدعم سيادة القانون الدولي وزيادة فعاليتها بغية استقرار الحكومات والدول وعدم تنصلها من التزاماتها الدولية بالتذرع باية اعتبارات او تقاليد .
من جانب اخر ليس كل استخدام للقوة والعنف وما يؤدي اليه من اثارة الخوف والفزع والرعب هو ارهابا.
فهناك من الجرائم تستخدم فيها القوة ويفضي ذلك الى الرعب والخوف ومع ذلك لاتعتبر جريمة ارهابية انما تنطبق عليها اوصاف جريمة اخرى كالاعتداء المسلح وغير المبرر الذي تقوم به دولة ضد دولة اخرى ومايتضمنه الاعتداء من تقتيل واستعمال لمختلف انواع الاسلحة وماينجم عنه من بث الرعب والخوف في نفوس ابناء الدولة المعتدى عليها.هذه الاعمال الاخيرة وان تشابهت مع الارهاب في الوسائل والنتائج الا ان المشرع الدولي اعتبرها جريمة مستقلة تمثل عمل غير مشروع يفترض ايقاع الجزاء على الدولة المعتدية واطلق على هذه الاعمال (العدوان).اضافة لوجود اعمال يستخدم فيها العنف لتحقيق اهداف سياسية الا ان الشرائع الدولية قد اقرت هذه الاعمال كالكفاح المسلح لتقرير المصير والدفاع عن استقلال البلاد سواء اكان ذلك بدافع من حكومة البلد المحتل اوبدافع الوطنية للشعب المحتل .
تعد حقوق الانسان من المواضيع المهمة والحيوية في المجتمعات الانسانية التي فيها انظمة حكم ديمقراطية قائمة على احترام القانون والتعددية السياسية ونظام المؤسسات الدستورية.ذلك لان للانسان قيمة عليا في المجتمع وتسخر كل الامكانيات لراحته .وتزداد هذه الاهمية في العالم يوما بعد يوم حتى اصبح مقياس رقي الشعوب والدول في مدى الاحترام الطوعي للقانون والالتزام بهذه الحقوق وفي توفير سبل الحياة والاحترام للبشر.واضحت مسألة وجود الاحترام لحقوق الانسان في الواقع العملي قضية مهمة تتابعها الاطراف الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ونشأت المحاكم المتخصصة في العديد من الدول وبخاصة في اوروبا لهذا الغرض,بسبب الانتهاكات البليغة لحقوق الانسان واهدارها من مختلف الانظمة السياسية وبخاصة المستبدة منها حيث اصبح عدد البشر الذين يعا نون من هذه الانتهاكات حوالي25 مليون نسمة بفعل الحروب والاستبداد والظلم من الانظمة الديكتاتورية التي لم تحترم التزاماتها القانونية حتى ان البعض من هذه الدول صارت معروفة بسجلها السيئ في ميدان اهدار حقوق الانسان.(1
ولاشك ان وضع حقوق الانسان في ظل النزاعات المسلحة والاحتلال والصراعات الداخلية تتدهور بصورة كبيرة ويصبح من الصعب الزام الاطراف باحترام المعايير الدولية خاصة في المناطق التي يحصل فيها التطهير العرقي او التمييز الطائفي او الاقليمي او القبلي او الصراع على النفوذ.)2)
وحقوق الانسان هي التي تثبت للبشر لمجرد الصفة الادمية وهي لصيقة بالانسان لانها من الحقوق الطبيعية الثابتة للانسان قبل وجوده مهما كانت ديانته او قوميته او جنسه او لونه او معتقداته وسواء اكان الشخص وطنيا او اجنبيا.وقد ارغمت هذه الانتهاكات التي مارستها وتمارسها الدول الاستبدادية في انشاء محكمة جنائية دولية خاصة للنظر في محاكمة المجرمين الدوليين الذين غالبا ما يفلتوا من العقاب والعدالة الدولية .
هذا وقد جاء في مقال بقلم(ان-سيسيل روبير)ترجمته زينب محمد عن جريدة المدى العراقية بتاريخ 1/11/2005 ان دولة القانون اصبحت معيارا لقياس الديمقراطية في العالم,تلجأ اليه المنظمات الدولية كالامم المتحدة,والاتحاد الاوروبي,والبنك الدولي بشكل خاص لتقييم التقدم في عمليات التحولات السياسية في الشرق الاوسط او في افريقيا وتقدم مساعداتها المشروطة...وهي جزء من المعايير التي على الدولة الالتزام بها لتكون جزءا من اوروبا مثلا وعليها الالتزام ببعض الشروط الاخرى ومنها عدالة الانتخابات وحماية حقوق الانسان واستقلال القضاء,واقتصاد السوق,وعندما يحقق البلد كل هذه المعايير ويلتزم بها يدخل نادي الديمقراطيات المعاصرة .
ان الانظمة السياسية التي تعتمد في البقاء في السلطة على تدعيم المؤسسة العسكرية والاساليب الاستبدادية لفرض سيطرتها على ارادة الشعوب يزداد بها الغضب الشعبي وظهور حركات المعارضة المسلحة وجبهات الخلاص,ومن هنا تحدث الاعمال الارهابية وتشتعل الحروب الاهلية التي تهدد السلام الدولي,الامر الذي دفع الامم المتحدة في بعض الحالات الى التدخل العسكري لانهاء الحروب الاهلية,كما حدث في الصومال وانجولا وافغانستان وغيرها من الدول.وازاء فرض السلام وزيادة التضامن الانساني العالمي اصبح المجتمع الدولي يتجه نحو تدويل قضية الديمقراطية وحقوق الانسان التي تشهد انتهاكات في العديد من الدول,فلم تعد شأنا داخليا لايجوز التدخل فيه.وهذا يفسح المجال امام المجتمع الدولي ان يفرض التزامات واجبة التنفيذ على الدول لإقرار الديمقراطية واحترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية ولايتعارض هذا الاتجاه مع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والسيادة الوطنية,لان هذه السيادة ليست مطلقة في ظل الطلب المتزايد للشعوب لحرياتها وحقوقها .كما ان التطورات الدولية جعلت الامم المتحدة مسئولة عن انهاء الصراعات الداخلية والقضاء على اسبابها التي من اهمها العنف السياسي بأشكاله المتعددة من اضطرابات وانقلابات وحروب اهلية التي يكون ضحاياها من المدنيين,مما يوجب على الامم المتحدة ان تولي اهتماما خاصا بجميع ممارسات الدول التي تنطوي على انكار للديمقراطية,وانتهاك صارخ لحقوق الانسان والحريات الاساسية التي تولد الارهاب وتعرض الامن والسلم الدوليين للخطر.فمنع الارهاب يتأتى في ظل النظام العالمي الجديد من خلال نشر الديمقراطية وحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية,فبالرغم من ان ممارسة افراد الشعب للديمقراطية وتمتعهم بالحريات الاساسية مسألة داخلية,فانه يقع على الدول التزام حماية حقوق الافراد في الفكر والمشاركة في الحياة السياسية والتعبير عن الرأي من اجل تحقيق الامن والاستقرار في المجتمع الدولي ومكافحة موجات الارهاب التي تتنامى بسبب القيود المفروضة على حريات الافراد وانكار حقوقهم الاساسية,واخضاعهم لاساليب الحكم الاستبدادي في وقت تزايد فيه وعي الشعوب وتصاعدت مطالبهم بالديمقراطية التي تتمركز في حق الشعب في اختيار حاكمه والاستغناء عنه في مواعيد محددة وكراهية الانظمة الاستبدادية وعداء الحكم الدائم.
وقد تضمن النظام الدولي لحقوق الانسان نصوصا تتعهد بمقتضاها الدول الاطراف في هذا النظام حماية الحريات المنبثقة من الديمقراطية(3),وهذه النصوص تفرض التزاما على عاتق كل دولة بتوفير الديمقراطية بمقتضى دستورها وتكفل حماية الحقوق والحريات الاساسية لجميع مواطني الدولة والتي ترتكز في ان ادارة الشعب هي مصدر السلطة التي يعبر عنها من خلال الانتخابات الحرة النزيهة او اي تنظيم ديمقراطي.
فاذا خلا النظام الاساسي للدولة من تنظيم لممارسة الحرية السياسية او لجأت الدولة الى اساليب غير ديمقراطية لحكم البلاد رغما عن ارادة الشعب فان من واجب المجتمع الدولي التدخل لضمان تمتع الشعب بحريته وخلق مجتمع ديمقراطي تسوده المساواة امام القانون وحرية اختيار الحكام.وقد يكون هذا التدخل عن طريق فرض عقوبات اقتصادية او عسكرية على الدول المنتهكة لمبدأ الديمقراطية كأحد مبادئ حقوق الانسان.ولكن هذا التدخل يثير الكثير من الاشكاليات,فالعقوبات الاقتصادية تضر بالمواطنين الابرياء اكثر من اضرارها بالقيادة السياسية المسئولة عن انتهاك مبدأ الديمقراطية,كما ان التدخل العسكري قد يودي بحياة الكثيرين من الابرياء بسبب عدم تقيد الجيوش باساليب القتال والابتعاد عن الاسلحة المحظورة,فضلا عن ذلك فان بعض الدول كالولايات المتحدة الاميركية تسئ استخدام حق التدخل لصالح الانسانية وترسيخ الديمقراطية بان تعمل لتحقيق مصالحها وفرض سياساتها على الدول وتبرر تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في شؤون الدول بحجة انتهاكها للديمقراطية وردع الدولة المخالفة.لهذا ينبغي ان يقوم مجلس الامن بتدعيم سلطاته فيما يتعلق بحماية حقوق الانسان,وترسيخ الديمقراطية بنهج سياسة ثابتة وموحدة في معالجة انتهاكات مبدأ الديمقراطية والا يسمح للدول الكبرى ان تتدخل في شؤون غيرها من الدول من خلالها باسم المجتمع الدولي لتسوغ تدخلاتها العسكرية وغير العسكرية في شؤون الدول الاخرى,والا يصبح ستارا قانونيا لاطلاق يد الدول الكبرى في التدخل بدعوى حماية الديمقراطية او اعادتها كما حدث في هايتي عام 1993م,اذ ان الكثير من قرارات مجلس الامن بشأن فرض عقوبات على الشعب الهايتي كانت من ورائها امريكا التي كانت تسعى للاطاحة بالنظام الحاكم.
ولكن لا شك بان العجز الذي يعانيه مجلس الامن حاليا يجعل الدول الكبرى هي التي تتصدى لظاهرة غياب الديمقراطية التي تسود رقعة واسعة من العالم والتي تجعل مقاليد الحكم في ايدي قلة يمارسون الدكتاتورية وينتهكون حقوق الانسان,ولا نريد ان يتراجع مجلس الامن عن اهتمامه الدولي بحالات انتهاك مبدأ الديمقراطية,الامر الذي يؤدي الى موت الكثير من الضحايا المدنيين نتيجة فرض الحكومات لسيطرتها على الصراع والقضاء على المعارضة المنادية بالديمقراطية وحقوق الانسان,ولا ان تحل الدول الكبرى محل مجلس الامن في نشر الديمقراطية عن طريق التدخلات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق مأربها ومصالحها,انما ينبغي ان يواجه انتهاك الديمقراطية طبقا لميثاق الامم المتحدة ومن خلال اجهزة الامم المتحدة واللجان التي تشكلها لتدعيم الديمقراطية .
وانتهاكات الدول لحقوق الانسان داخل اراضيها بسبب العنصر او اللون او اللغة او الدين احدثت ومازالت تحدث ردود فعل عنيفة تمثلت في اعمال ارهابية دامية في مواجهة الحكومات لإرغامها على تطبيق مبدأ عدم التمييز اومن اجل الانفصال عنها مما يهدد كيان الدولة واستقرارها ويعرض الامن والسلم الدوليين للخطر. وازاء
تصاعد افعال التفرقة العنصرية ضد الاقليات في العديد من الدول وارتفاع جرائم العنصرية والصراعات العرقية بين فئات الشعب وتنامي الاضطرابات الاجتماعية واحداث الاعمال الارهابية من جانب الاقليات باعتبارها مقاومة مشروعة في مواجهة ارهاب الدولة لذلك ادركت الجماعة الدولية بان مشكلة الاقليات كانت من اهم الاسباب المؤدية الى الارهاب والحروب الاهلية,بسبب الظلم والاضطهاد في الدول التي وصل اليها مصير الاقليات الى هذه الحالة .
من هنا رأت الدول أعضاء الجماعة الدولية ضرورة وضع قواعد لحماية الاقليات باعتبارها من الحقوق الاساسية للانسان وخشية ان يؤدي ظلم واضطهاد بعضها الى تعريض السلم العا لمي للخطر. (4) لذلك اصبحت حماية الاقليات وحرياتها تأتي في مقدمة اهتمامات المجتمع الدولي بأن انشأت لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة لجنة فرعية لمنع التمييز وحماية الاقليات سنة 1947 ,وتناول الاعلان العالمي لحقوق الانسان تصاعد افعال التفرقة العنصرية ضد الاقليات في العديد من الدول وارتفاع جرائم العنصرية والصراعات العرقية بين فئات الشعب وتنامي الاضطرابات الاجتماعية واحداث الاعمال الارهابية من جانب الاقليات باعتبارها مقاومة مشروعة في مواجهة ارهاب الدولة لذلك ادركت الجماعة الدولية بان مشكلة الاقليات كانت من اهم الاسباب المؤدية الى الارهاب والحروب الاهلية,بسبب الظلم والاضطهاد في الدول التي وصل اليها مصير الاقليات الى هذه الحالة .
ان يكون الدافع من وراء ذلك هو حملها على احترام حقوق الانسان وحرياته الاساسية.(5)
ترتكز الاستراتيجية الجنائية,ضمن المقومات التي تعتمد عليها على مجموعة من القيم الفكرية التي ينبغي ان تنظم الحياة الاجتماعية,وتوجه مسيرتها لتستطيع في النهاية من تحقيق اسعاد الانسان في اطار من الخلق القويم الذي يكفل استقامته,ويحول في النهاية دون انحرافه,ويقصد بتلك القيم مجموعة المبادئ المستمدة من التراث الاجتماعي للمجتمع,والتي تنير له طريقه ويحرص على ارسائها في نفوس افراده لتعصمهم من الزلل,وتعينهم على سلوك الطريق السوي القويم .
ومما لاشك فيه ان تلك القيم رغم انبثاقها من ظروف كل مجتمع بحيث تأتي افرازا طبيعيا لظروفه,وتعبيرا حتميا عن واقعه,الا انه من المفروض اتفا قها في غالبيتها في شتى المجتمعات بحيث يمكن القول بوجود سياج عام ينظمها ويحتويها,ويعبر عنها,ولعل ذلك كله امر طبيعي ناجم عن الفطرة السليمة التي خلق الله الناس عليها,بحيث تتوحد بالنسبة لهم في النهاية-وفي كل زمان ومكان-رؤيتهم بالنسبة لتلك القيم وفهمهم لها,وذلك بالطبع اذا تركت فطرتهم سليمة كما خلقت دون تدليس او تدنيس,بيد ان تسلل العديد من العوامل والاعتبارات الى حياة الامم والافراد اسفر في النهاية عن تلون تلك القيم بصبغات مختلفة باعدت كثيرا بينها وبين تلك الفطرة بكل ما تحويه من صفاء ونقاء,ومن ثم اصبحت في النهاية موجهة لتدعيم غايات قد لاتخدم تلك الفطرة القويمة او تؤدي الى صيانتها,بل وتؤدي الى الاضرار بها وتضليلها في الحياة بسبب ذلك التناقض الذي اصبح يباعد بينهما,ولقد ترتب على ذلك مجيء خطط تلك الامم واستراتيجيتها الجنائية معبرة عن مصالح غير حقيقية وغير قويمة راح ضحيتها في النهاية الانسان والمجتمع,ومن ثم انفرجت نتيجة لتلك الفجوة الفاصلة بين الخطط والقوانين من ناحية والاخلاق القويمة من ناحية اخرى,تلك الفجوة التي يتلاشى يقينا وجودها في المجتمع المسلم بسبب التطابق التام بين التشريع والاخلاق,ويصبح تبعا لذلك كل حرام مجرما ويأباه في الوقت ذاته الخلق الاسلامي القويم لدى الفرد والمجتمع على السواء.(6)
وتأسيسا على ذلك فان ثمة قدرا من القيم الفكرية التي تعتبر-وبحق-من اهم مقومات الاستراتيجية التي تعتمد عليها كركيزة اساسية لتحقيق اهدافها في مكافحة الجريمة وارساء الاستقرار الامني في المجتمع,ويمكن القول بأتسام تلك القيم بقدر كبير من العمومية والشمول لتطابقها مع الخلق القويم النابع-كما اشرنا-عن الفطرة السليمة المطبوعة على حب الخير ونبذ الشر,وتبني الفضيلة والترفع عن الرذيلة . .
ويتم حسن التنشئة من خلال ارساء القيم الخلقية الفطرية القويمة المستمدة من الدين والاخلاق في نفوس الافراد منذ صغرهم,وتهدف الاستراتيجية الجنائية والامنية الى مكافحة الجريمة ومواجهة اسباب الاختلال الامني,والحيلولة قدر الامكان دون حدوثه ابتداءا اي الى منعه بأعتبار ان ذلك افضل بكثير من التهاون الذي قد يؤدي الى وقوع الجرائم او الاختلال بالامن ثم محاولة مواجهة ذلك وقمع المجرمين,ومما لاشك فيه ان التنشئة الدينية والاخلاقية القويمة تعتبر من اهم الاسس التي ترتكز عليها الاستراتيجية,وتعنيها لتستطيع على تحقيق اهدافها المرسومة لها في يسر وسهولة.وقد حرصت شريعتنا الغراء على مراعاة تلك القيمة فجاءت معتمدة على الضمير الانساني,مرتكزة على ضرورة ايقاظة وحمايته من اي حجب اوتدليس,على اساس ان اتصال الحكم الدنيوي بالضمير الديني يجعل المؤمن يحس بانه في رقابة مستمرة,وانه وان خفي عن اعين الناس لايخفى على الله من عمله خافية,انه سبحانه وتعالى (يعلم خائنة الاعين وماتخفي الصدور),ان اتصال القوانين بالضمير له مزايا جليلة,فهو يجعل الفرد في وقاية نفسية من الجرائم,فيمنع وقوع الجريمة لخشيته من الله سبحانه وتعالى,لاحساسه ان الله مطلع على مايفعل,وان عليه ان يخشى الله تعالى اكثر من خشيته الناس,وان الضمير الديني يجعل المسلم مطمئنا راضيا بقضاء الله وقدره,ويستقبل الامور برضا وقناعة,وان لم يكن فيها كل ما يشتهيه ويهوى,وبذلك لايكون منه حقد على احد,ولايفكر في العدوان على احد,واذا لم يمنع الضمير الجريمة من الوقوع بان لم يرق الى قوة المنع,فانه يؤدي وظيفة اخرى لها نفس الاهمية حيث يسهل على الاقل من عملية الاثبات,واذا كانت الجرائم لاتقع الا في كنف الظلام مستترة غير ظاهرة,فان الضمير الديني قد يدفع الى الاعتراف ومن ثم يحول دون استشراء الاجرام ويمنع تطاير شرره.(7)وعلينا ان ننظر الى الافعال ألإرهابية المشينة التي تحدث في ارجاء العالم والتي تقوم بها جماعات من شذاذ الآفاق باسم الدين لإخفاء نواياهم الشريرة والغير شريفة باسم الاسلام والاسلام منهم براء ,الاسلام دين الرحمة والتسامح واحترام الانسان (وكرمنا بني ادم وحملناه في البر والبحر),وجاءت عبارة بني ادم عامة تشمل كل ابناء الارض سواء كانوا مسلمين او غير مسلمين.
واسهام المواطن والاسرة في حماية انفسهم والمجتمع من الجريمة وتصديهم لمكافحتها له الدور الكبير في الحد من الجريمة بشكل عام والجريمة الارهابية بشكل خاص.وذلك سواء بمقاومتهم لاسبابها وكافة العوامل المؤدية لها,وتحصين الافراد ضدها للحيلولة دون ترديهم في هاوية الجريمة,سواء بتصديهم للشارعين فيها او مرتكيبيها والحيلولة منهم دون اتمامها,اوسرعة القبض عليهم,وتقديمهم للسلطات او ابلاغها بكافة مالديهم من معلومات تتعلق بالاعداد لارتكاب الجرائم او تتعلق بكيفية اتمامها ,اوكشف غموضها.(8)
وينبغي عند تطبيق الاستراتيجية الجنائية على الاحداث الامنية بمختلف مستوياتها لا يمكن ان يرخص اطلاقا بأمكان التحلل من قواعد المشروعية,وتبني مبدأ ان الغاية تبرر الوسيلة كبديل لها اي للمشروعية,ذلك ان نطاق المشروعية بما يعنيه من ضرورة مراعاة كافة القواعد الاجرائية التي تضمن للمتهم المحاكمة العادلة وقبل كل هذا احترام حقوق المتهم كأنسان اخطأ وعلى الدولة اصلاحه .
وفي اطار السياسة الاجتماعية المناهضة للاسباب والعوامل التي تهيئ فرص ارتكاب الجريمة بصفتها ظاهرة اجتماعية مرضية تنتج عن عوامل ذاتية وبيئية واجتماعية يمكن اتخاذ تدابير واجراءات وقائية بعد تقصي وتتبع تلك العوامل وتشخيص مكمن دائها ووصف العلاج الملائم لازالتها او تحجيمها.
والوقاية الناجحة تتطلب اتخاذ تدابير واجراءات مناسبة لمواجهة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بعد تشخيصها باستنتاج الاتجاهات والدلالات عن طريق تحليل ودراسة المعلومات التي توفرها الاحصاءات الجنائية,ومن ثم التنبؤ بالمتغيرات الاجتماعية مع الاستفادة من البحوث والتجارب في مختلف الدول ومن اهم تدابير الوقاية دعم وترسيخ المهام الاجتماعية للشرطة واجهزة الامن وتوثيق صلتها بالجمهور وتمتين الروابط بينها وبينه فان مدار تحقيق الامن والاستقرار يقوم على الثقة والتعاون المستمر بين الشعب واجهزة الامن ولايخفى دور التنمية الاقتصادية وزيادة الموارد وحسن توزيع الثروة ومحاربة البطالة والفقر وملء اوقات الفراغ بالاصلح والانفع ورعاية الشباب وبخاصة العناية بالاحداث المنحرفين منهم او المعرضين للانحراف.والحرص على سد منافذ التهريب البرية والبحرية وتأمين الطرق والالزام بشروط السلامة وحراسة الاماكن الحساسة والشخصيات الهامة ومحاربة المسكرات والمخدرات ومنع اسباب انتشار التدمير الثقافي والاخلاقي.على العموم فان تدابير الوقاية لحل المشاكل الاجتماعية المختلفة ومعالجة العوامل والامراض المولدة للجريمة كالبطالة والفقر والتفكك الاسري او التي تساعد على نمو الشخصية الاجرامية او انحراف الشخصية السوية فان فائدة سياسة الوقاية غير خافية فهي تدفع عن المجتمع كثيرا من الاضرار والخسائر.(9)
تهدف سياسة المنع في كل دولة الى اجتثاث العادات الانحرافية والقضاء على العوامل التي تهيئ الفرص لارتكاب الجرائم,لان الجريمة ظاهرة اجتماعية –كما اسلفنا-تتغلغل في بنية وتركيب كل شعب من الشعوب في المجتمعات المختلفة بسبب خلل في البنية او التركيب او العلاقات الانسانية والقيم الاخلاقية السائدة وهو مايسمى(بالخطورة الاجتماعية),او المسؤولية الاجتماعية وهذه الخطورة عرفها (جاروفالو),بأنها(احتمال اقدام الشخص على ارتكاب الجريمة لاول مرة),وقيل ان (جاروفالو) قد وسع مدلول الخطورة الاجتماعية ليشمل ايضا امكان تجاوب المجرم مع المجتمع اذا ماتوفرت الظروف الاجتماعية التي تدفعه الى العدول عن احتمال ارتكاب الجريمة بالخطورة الاجتماعية او المسؤولية الاجتماعية وتسمية الخطورة التي تكمن في الشخص بعد ارتكابه لجريمة سابقة بالخطورة الجنائية.(10)
ولايحتاج اكتشا ف الخطورة الاجتماعية الى وقوع جريمة سابقة وانما يتم اكتشافها بواسطة امارات وعلامات وصفات يشخصها الفحص الطبي والنفسي والاجتماعي حسب المنهج العلمي, الذي ينتهي الى اثبات وجود مسببات ودوافع وعوامل اجرامية كامنة في ذات الشخص وفي بيئته ومحيطه الاجتماعي .
ولمواجهة الخطورة بنوعيها الاجتماعي والجنائي لابد من اتخاذ تدابير وقائية واخرى منعية تنفيذا لسياسة الدفاع الاجتماعي التي تهدف الى اجتثاث العادات الانحرافية والعوامل التي تهيء الفرصة للافعال الضارة التي تعكر صفو الامن والسكينة والاستقرار والعمل على تطوير المجتمع في نظمه الاجتماعية والقانونية وحماية البيئة من التلوث وترسيخ القيم الفاضلة وعلاج المنحرفين والعودة بهم الى حظيرة المجتمع وتقويمهم وتربيتهم التربية الصالحة.(11)
وبسبب طغيان النزعة المادية والاقبال على زيادة الموارد الاقتصادية بشراهة,ادى ذلك الى التفكك العائلي في عدد كبير من المجتمعات.فاصبح الجميع يلهث وراء المزيد من الدخل المالي,وكل ذلك افضى الى ضعف رابطة الابوة والبنوة والرحم وكان هذا الضعف على حساب الاطفال الذين فقدوا الدعم الذي يحتاجون اليه والحنان والتوجيه الضروري لتنمية شخصياتهم مما ادى الى الفشل الدراسي والتسرب المدرسي والانفصال المبكر عن ذويهم والعيش في حياة مستقلة دون رقابة وتوجيه وهو ما ساهم في انحدار القيم وشيوع الشذوذ والانحراف بين الاحداث وانتشار الجريمة في المجتمعات. .
وقد يعتمد كشف الحقيقة وانصاف المتهم على مدى احترام القوانين وضمانات الحرية الشخصية من قبل القائمين عليها لكن الذي يحدث ان بعض الجهات ذات الصلة بالتحقيق والحكم والتنفيذ تستهين بالقوانين وتهدر الضمانات فيفضي ذلك الى طمس الحقيقة وعدم ظهورها ولاشك ان عدم كشف الحقيقة يؤدي الى افلات كثير من ذوي الجرائم الخطيرة من العقوبة والحصول على البراءة تارة والى ادانة الابرياء تارة اخرى وفي ذلك من الشعور بعدم العدل والجور والظلم والحيف ما قد يدفع الى الاجرام والانتقام.
كذلك الخلافات الدينية والعرقية والسياسية تساهم وبشكل كبير في افساد الشباب,حيث تعمل بعض الجهات على نشر الفساد والدعوة الى الرذيلة بمختلف الوسائل ظنا منها ان ميل الشباب الى المجون واللهو والعبث يبعدهم عن الصراع السياسي والفكري لكنهم من حيث لايعلمون يدفعونهم الى الانحراف واحتراف الجريمة ,كما ان النزاع الطائفي والديني والسياسي يتخذ في بعض الاحيان صورا من العنف والارهاب والصراع المستمر والقلق الدائم والتناحر المفزع .
والمعدلات الكبيرة لتزايد الاجرام وتضاعفه ينذر بمصير قاتم وعواقب وخيمة للمجتمعات الانسانية ولهذا تضاعف الاحساس بضرورة مواجهة الجريمة,وقد دقت المؤتمرات الدولية المتتالية ناقوس الخطر وطالبت بمواجهة جادة ووقفة صارمة واتخاذ التدابير وتعزيزها على الصعيدين الوطني والدولي لمنع الاجرام وحصر نطاقه .
وينبغي التخطيط عند وضع استراتيجية مواجهة الاجرام,اي مواجهة الظاهرة الاجرامية بعمل مدروس نابع من سياسة جنائية عامة تضعها الدولة وتعمل على تنفيذها من خلال اجهزتها المتخصصة.(12)
فالتخطيط وسيلة الى تحقيق اهداف السياسة الجنائية عن طريق تيسير العمل على من تناط بهم مسؤولية تشريع القوانين او اتخاذ القرارات في مجالات تنفيذ الاستراتيجية ,كما تشتد الحاجة اليه في تحديد الوسائل اللازمة للتنسيق بين القطاع الجنائي والقطاعات المختلفة العاملة في مجال النشاط الاجتماعي والاقتصادي وتحديد دور كل قطاع بالتعاون مع غيره من القطاعات والنهوض بها جميعا وتوفير الشروط الضرورية للقيام بالعمل المطلوب لمكافحة الاجرام وتحقيق الاهداف التي حددتها السياسة الجنائية.(13)
1-انظر تفصيلات اكثر في المقابلة الصحفية التي اجرتها صحيفة الزمان في لندن في اكتوبر1999مع الدكتور عبد الحسين شعبان-رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان-فرع لندن.
2-انظر تقرير منظمة العفو الدولية(نقض العهود واهدار حقوق الانسان في كردستان—العراق)شباط.1995
3-راجع في ذلك ميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان.
4-لقد تجلت عملية الارهاب العنصري في جنوب افريقيا حيث قامت الاقلية البيضاء المتمسكة بالسلطة بافعال القتل باعتبارها الوسيلة الناجمة للاحتفاظ بالسلطة وقمع كل القوى المطالبة بالمساواة والعدالة.وقد شهدت جنوب افريقيا العديد من موجات الغضب الشعبي لاسقاط النظام العنصري فيها.
5-راجع تفصيل ذلك لدى الدكتور محمد عزيز شكري,الارهاب الدولي,دار العلم للملايين,الطبعة الاولى,1992,ص12وما بعدها. كذلك راجع أ .مصطفى دبارة,الارهاب الدولي,منشورات جامعة قاريونس,الطبعة الاولى,سنة1990,ص36 ومابعدها.
6-لمزيد من التفصيل حول ذلك انظر الامام محمد ابو زهرة,الجريمة والعقوبة في الفقه الاسلامي,القاهرة 1970,ص25ومابعدها
7-ابو زهرة-المرجع السابق-ص20 وما بعدها
8-لمزيد من التفصيل حول دور الجمهور في منع الجريمة انظر اعمال مؤتمر الامم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين ميلانو من 26 أغسطس الى 6 سبتمبر 1985 ألبند-د-.الفقرات من 22 الى127. ص42 وما بعدها.
9-محمد محي الدين عوض-القيم الموجهة للسياسة الجنائية ومشكلاتها المعاصرة-محاضرات بالمعهد العالي للعلوم الامنية بالمركز العربي للدراسات الامنية والتدريب,1993-ص27-30
10-الدكتور احمد فتحي سرور,اصول السياسة الجنائية ,دار النهضة العربية ,القاهرة 1977-,وانظر علي راشد,المفهوم الاجتماعي للقانون الجنائي المعاصر,مجلة العلوم القانونية والاقتصادية-العدد الثاني ,1968 ,ص 490
11-محمد شلال حبيب-دراسة شخصية المجرم في الفلسفة الجنائية المعاصرة- , وانظر محمد محي الدين عوض-مرجع
12-مصطفى العوجي-دروس في العلم الجنائي-الطبعة الاولى ,مؤسسة نوفل,بيروت 1988.
الدكتور احمد فتحي سرور,المشكلات المعاصرة للسياسة الجنائية . -13
#ماجد_احمد_الزاملي (هاشتاغ)
Majid_Ahmad_Alzamli#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟