|
العلم و المواطنة و دحض فكر-الكل لغز -
محمد حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 3394 - 2011 / 6 / 12 - 16:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
لقد ناضل علماء عصر الأنوار ضد مقولة فكر القرون الوسطى "الكل لغز " و الآن نعرف الثورة التي خلقها التصدي لهذه المقولة ، فتشتيت اللغز في الحياة العادية – يحرض على الكسل الثقافي ، و الاعتقاد باللغز الموجود في كل مكان ينشر الثقة العمياء في الزعيم ، صاحب "البركة " و في المشعوذين و الدجالين ... و بالتالي ينجم عن هذا ، فكر التعصب بنتائجه الكارثية .
لقد شكل علماء عصر الأنوار القطيعة مع علوم القرون الوسطى و العلوم الوسيطة العربية بالابتعاد عن فكر الميتافيزيقيا الذي يصنع هدفا لنفسه اكتشاف المبدأ الأخير ، الذي يحكم الكون في جمعه ، أي رد العالم إلى علة أصلية أو بعبارة أخرى البحث عن " الحقيقة المطلقة "
مع علماء عصر الأنوار بدأ العلم الحديث يهتم باكتشاف الحقائق الجزئية أكثر من اهتمامه " بالحقائق المطلقة " ، فبدأ تحول مجتمعي شامل تمظهر في استقلالية المجتمع المدني ن كنتيجة لفصل الحياة الاقتصادية عن السلطة .أما العلمانية – بمعنى فصل الدين عن الدولة – فهي بدورها نتاج مباشر عن استقلالية المجتمع المدني .
مع علماء الأنوار انطلق العلم " الموضوعي " و تحرر العلم من تأثير الحواس و المحيط القريب /، و أحدث القطيعة بين "الفيزيقا " و" الميتافيزيقيا" فهذا كوبرنيك ينهي الأسطورة اللاهوتية للأرض مركز الكون ومن بعده غليلي يدمر ما تبقى من المقولات اللاهوتية القديمة و من بعدهم إسحاق نيوتن صمم كونا مازال موجودا حتى الآن مع بعض التعديلات الإبستمولوجية ومع داروين أصبح البراد يعم الجديد للحياة أكثر موضوعية وعلمية ، مما أعطى للحياة عمقا في التاريخ و أصبح التطور محركا للحياة مع علماء عصر الأنوار أيضا أصبحت النظرية و التجربة في تناغم ، ومن تم انطلقت التقنية كفكرة و أداة للتحرر و للمكاسب المادية و لتسخير الطبيعة و بموازاة مع هذا ولد الإنسان الراشد بالمفهوم " الكانتي " و المسؤول عن المدينة و المتعاقد اجتماعيا و سياسيا وولد الإنسان الحديث و نشأت معه المجتمعات الحديثة مجتمعات تضم نظاما قانونيا كليا ، و ترابطا ديمقراطيا في شكليه العام و الخاص . فالفرق بين المجتمع الحديث و المجتمع التقليدي يكمن في السيطرة الكبيرة للإنسان الحديث على بيئته الطبيعية و الاجتماعية، وترتكز هذه السيطرة على توسع المعرفة و التكنولوجيا. إن الجراح التي تسببها الحداثة كعملية ثورية تقدمية و منهجية و عولمية في المجتمعات التقليدية ( كمجتمعنا ) كثيرة و عميقة ، ولكن التحديث في نهاية المطاف ليس أمرا لا مناص منه فحسب ، بل إنه أيضا ضرورة . إن تكاليف آلام فترة الانتقال خصوصا في المراحل المبكرة كبيرة فالانتقال إلى النظام الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي الحداثي و الديمقراطي الجديد جدير بدفع ضريبة هذا الانتقال لأن الحداثة تعزز على المدى البعيد سعادة الإنسان حضاريا و معنويا و ماديا . إن الإرادة الفعلية لحسم الترددات ولدمقرطة و تحديث الدولة و المجتمع بمداخلهما السياسية و الثقافية ، تتطلب أولا إعادة النظر لمفاهيم أساسية في الفكر و التحليل، وذلك بالوعي بخصوصيات التأخر التاريخي الذي يعيشه المجتمع المغربي ، حيث التخلف و التأخر ظاهرة اجتماعية شاملة ، لاتمس طبقة دون أخرى بل كل العمارة الاجتماعية بجميع طبقاتها :" المجتمع المغلوب على أمره ، المسيطر عليه ، هو مجتمع مشتت في ذاته مقوطعة فيه علائق التسبب ، تتجاوز فيه الأزمنة و الحقبات التاريخية ، فالقاعدة الاقتصادية تتوزع إلى مجالات متفاوتة ... و الفئات الاجتماعية ترتبط إلى قواعد اقتصادية مختلفة و الإيديولوجية تنتمي إلى أصول تاريخية متنافرة . إن تجاوز تأخرنا التاريخي و الانتقال إلى المجتمع الديمقراطي الحداثي و المتضامن يتطلب أيضا إعادة الاعتبار لليبرالية كمضمون ، والتي لم تكن سوى فلسفة الأنوار للقرن 18 التي نوه بها ماركس . فالحداثة تتطلب وعيا سياسيا وحركة اجتماعية تقتضي تغيرات في طموحات الأفراد و الجماعات و المجتمع . و تقتضي الحداثة السياسية عقلنة السلطة ، واستبدال عدد كبير من السلطات التقليدية و الدينية و العائلية و العرقية السياسية بسلطة سياسية وطنية علمانية . ويعني هذا التغيير إن الحكومة هي من إنتاج الإنسان ككائن سياسي . إن النظام السياسي الحديث لا يتطلب درجة عالية من المشاركة السياسية فقط و لكن أيضا مستوى عاليا من " المأسسة " السياسية و تنظيم السياسة . إن بناء انتقال فعلي إلى دولة الديمقراطية و الحداثة في مجتمعنا يتطلب القطع مع الفكر التقليدي المخزني و الثقافة الماضوية و عقلية الإحالة إلى الماضي و الثقافة السياسية التقليدية التي تخترق أغلب النخب السياسية التي تدعي الحداثة و القطع أيضا مع ثقافة الانفصام بين الواقع المادي ، الذي يشتغل وفق قوانين وضعية و الفكر السياسي ( الثقافة السياسية ) الذي لا يتوفر فيها العقل على وضع مستقل من شأنه أن يسمح بشرعية و إقرار نموذج إنساني و للسلطة و توفير الأرضية لتأسيس مجال سياسي مستقل فرغم خطاب التحديث و الدمقرطة فلازلنا نعيش خصوصية " ديمقراطية " حاضنة للتقليد السلطوي بأدوات ديمقراطية و بمؤسسات مجازية . إن معضلة المغرب السياسية تكمن أولا في غياب مبدأ المسؤولية / المحاسبة ، أو المراقبة الديمقراطية ، لان انتخاباتنا لا علاقة لها بالتنافسية التي تستهدف الحسم و الفصل بين مختلف الفرقاء السياسيين و برامجهم و إفراز نخب لتحكم .
فرغم حمولة خطاب الانتقال الديمقراطي في المغرب ، فإن تحليل التحولات الراهنة من منظور الانتقال الديمقراطي يوضح أن ما نعيشه في المغرب بعيد عن البعد البراديغمي لمفهوم الانتقال الديمقراطي فالمغرب لم يعش انتقالا ديمقراطيا منسجما مع بل يعيش انتقالا سلطويا بهامش ديمقراطي واسع ، إننا لم نعش بعد مرحلة الخروج من السلطة السلطوية و لا تراكم حقيقي في تفكيك النسق السلطوي بالمغرب ، بل يعيش أدلجة لمفهوم الانتقال ، إن أدلجة الانتقال الديمقراطي لن يقدم النضال من اجل انتقال إلى الديمقراطية بل يجرد هذا المفهوم من دلالته الحقيقية و تعويمية ليصبح أشبه بغلاف فارغ يمكن أن يستوعب أي مضمون يوضع فيه . فإذا كان الانتقال الديمقراطي سيرورة من التحولات التي يفترض أن ينتهي إلى بناء ديمقراطي شكلا و جوهرا فإن الأدلجة تستهدف الاستفادة من جمالية الشكل و التخلص من عبء الجوهر .
#محمد_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإصلاحات الديمقراطية و مجتمع العلم و المواطنة .
-
إضراب هيئة التدريس و البحث و سؤال الجامعة الوطنية العمومية
-
اليسار و أزمة المهام النضالية
-
علم و مواطنة : تأملات حول العدالة و القانون
-
حُراس الهيكل (تاج السر عثمان نموذجاً )
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|