أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - ثقافة الكبت والعنف














المزيد.....

ثقافة الكبت والعنف


منير شحود

الحوار المتمدن-العدد: 1011 - 2004 / 11 / 8 - 08:25
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أثار تعبيرٌ أوردتُه في إحدى محاضراتي حول واجب الطبيب الأساسي في صيانة الحياة, كالتزام أساسي يقسم عليه عند تخرجه, وعن عدم جواز التحريض على العنف والقتل, أي كان هدفه...أثار بلبلة وعاطفة وحماسا, انقلب سيلا من الأسئلة التي طرحتها فتيات في عمر الورود, طالبات في كلية الطب:
هل أنت ضد العمليات الاستشهادية في فلسطين والعراق؟ (استخدمت كلمة الاستشهادية للتعبير عن الحالتين الفلسطينية والعراقية دون أدنى تفريق)؟ وهل أنت ضد ذبح الأمريكان؟...لا بل اعتبرت إحداهن أن سقوط النظام العراقي كان بسبب مؤامرة الخونة....., مخوِّنة شعبا برمَّته. وتشعَّبت الأسئلة عن أحوال الإسلام والمسلمين, وكان الحماس المشوب بالقلق جليا, فثمة خوف على الإسلام بعامة, يُترجم عند أي انتقاد يوجَّه إلى تاريخ المسلمين وحاضرهم, وثمة خوف كبير على دين الإسلام, يسارع متحسسُه إلى تحميل المسلمين السبب في أوضاعهم الحالية, مخافة أن يكون السبب في الإسلام ذاته. فالخوف هنا لا شعوري وعاطفي, ويتخذ الهجوم وسيلة للدفاع, مع أنه لا يمكن تحميل الدين بحد ذاته مسؤولية ما يحصل في بلدان الإسلام, بصورة منفصلة عن حاملي رايته, والذين لم يتمكنوا من الارتقاء بدينهم, كما ارتقى بهم في الماضي, وهو فعل بشري, ومضماره الحياة المعاشة قبل كل شيء.
وثمة من يعتقد بأن كل هذا الحماس والهيجان ردٌّ منطقي على الاحتلالين, الإسرائيلي لفلسطين والأمريكي للعراق, ولكن ذلك أحد الأسباب وحسب, وهو يطمس واقع الحال أكثر مما يعبر عنها؛ وذلك لأن مناخ الكبت السياسي والشحن العاطفي جعل العواطف كلها تصب في طاحونة العنف, بسبب القمع والكبت. وبدأت هذه العواطف العنيفة بالتعبير عن نفسها من خلال الثقب الذي انفتح أو فُتح لتنفيس الاحتقان الداخلي نحو الخارج, ما يعطي للإفلاس السياسي الرسمي والديني المتحالف معه بعض الوقت لالتقاط الأنفاس.
برز تحالف قوى الإسلام السياسي الأقرب إلى التطرف, والتيارات القومية الاستبدادية الواصلة إلى حد الإفلاس السياسي, موضوعيا بعد الاحتلال الأمريكي للعراق. وينعكس هذا التحالف تحميسا عاطفيا انفجاريا لفئات شعبية مكبوتة سياسيا. ويستخدم هذا التحميس العاطفي لغة مرحلة سابقة قادتنا إلى هزائم متتابعة, وهي تختلف عن الظروف الحالية المتمثلة بمستجدات تتداخل فيها الأحلاف والمصالح لتكوِّن منظومة عالمية جديدة. والخطاب العاطفي الغريزي هو أساس ما يمتلكه هذا التحالف من مقومات يصارع بها الخارج – الأمريكي خاصة, بعيدا عن أي عقلانية في الإعداد لامتلاك وسائل القوة الحقيقية التي تؤهل شعوبنا للتنافس الإيجابي مع العالم. ويجري في هذا السياق استغلال عواطف المتدينين الصادقة, والتي تبقى هشيما عاطفيا يشتعل وينطفئ, ولا يمكن التحكم بها دوما, فضلا عن استحالة البناء عليها.
إنها لعبة خطيرة وأخيرة للسيطرة على المجتمع, وقد بدأت تتكشف الساحة الوطنية المفترضة عن فسيفساء من الانتماءات ما قبل الوطنية, بدءاً من العشيرة, ووصولا إلى الأقوامية والقومية, مرورا بالطائفية. وصرنا نرى الهبات من هذا النوع على أرض الواقع, مثلما حدث في بعض المناطق السورية مؤخرا.
ومثل أي ظاهرة طبيعية, يؤدي الركود الاجتماعي والقمع السياسي إلى التفسخ الروحي والقِيَمي, وانبعاث الأفكار والعواطف المشوَّهة انطلاقا من هذا الواقع. وفي المرحلة الأولى من التعبير عن الرأي سيكون المحتوى الفكري تنفيسيَّا عاطفيا للاحتقان, بدأت معالمه بالظهور مؤخرا, تليه مرحلة ضياع وفوضى, قبل أن يتم الاصطفاف السياسي والفكري والرغبة في التعايش بين الجميع, والاعتراف للآخرين بالحق الذي نبيحه لأنفسنا.
ونتساءل هل يمكن أن تفكر (إن كان ثمة بعض الفكر) فتيات رائعات بهذه الطريقة, والتي نسين في خضمها أنهن مشاريع أمهات منجبات وصانعات للحياة نفسها, فضلا عن كونهن مشاريع طبيبات مسؤولات عن صيانتها... لولا الفراغ السياسي الذي امتلأ بمثل هذه العواطف الدينية العنيفة التي لم تنضج وتتسامى إلى علياء الحب والرحمة والتسامح؟ وهل كنَّ سيفكرن بهذه الطريقة في مناخ ديمقراطي يقبل بالتسامح وتعدد الآراء والحوار, ويقونن العملية السياسية, ويسمح بالتعبيرات عنها في أُطُرٍ حزبية ومؤسساتية؟
يبين ما سبق حاجتنا الماسة إلى إطلاق حرية التعبير السياسي في سوريا وتعميقه, وصولا إلى الصيغة الديمقراطية المناسبة, فهي الطريق الوحيدة للارتقاء بحواراتنا والتدرُّب عليها. والبديل عن ذلك سيكون متتالية من الهبات العقائدية والمذهبية التي تختمر ببطء.



#منير_شحود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموالاة والكفاءة والفساد
- هل ستنمو براعم الليبرالية في سوريا؟
- إيزو في الديمقراطية للبنان وسوريا
- العداء في السياسة, والعداء كسياسة
- تفاؤل استراتيجي وتشاؤم تكتيكي
- لا تتحقق السيادة إلا في ظل الديمقراطية
- انطباعات أستاذ زائر عن حلب وجامعتها
- تفكيه السياسة السورية وتنكيهها
- طلب انتساب
- التديُّن العُصابي والتديُّن الراقي
- عن الأستاذ الجامعي مرة أخرى
- قومجة وأمركة ومقاومة
- كيف ينصر بعض السوريين -عراقييهم-؟!
- -الرجل المريض- عربيا
- قدر العراق أن يكون الأنموذج, فهل يكونه؟
- أشباح يحرسون الخطوط الحمر
- التعليم الجامعي في سورية... آلام وآمال
- مأسسة الأمن, أم أمننة مؤسسات الدولة؟
- مبادئ التربية الجنسية
- الصحة الجنسية


المزيد.....




- كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
- إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع ...
- أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من ...
- حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي ...
- شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد ...
- اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في ...
- القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة ...
- طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
- الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
- الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منير شحود - ثقافة الكبت والعنف