|
انهم يهينون الثورة المصرية
أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .
(Ahmad Hamdy Sabbah)
الحوار المتمدن-العدد: 3392 - 2011 / 6 / 10 - 21:33
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أحمد حمدي سبح كاتب ومحلل استراتيجي مدير محافظ مالية
ردآ على امتهان مهنة جديدة أضحت رائجة بين كثير من أبناء الشعب المصري خاصة من كبار السن وممن لم يشاركوا في الثورة اما جبنآ وخنوعآ واما استسلامآ لحقيقة أنهم أصبحوا لا يقبلون أن يعيشوا في حرية وديموقراطية ، فيجب أن نعي أن الثقافة المصرية للأسف تجنح دومآ الى شخصنة الأمور والمسائل العامة ، كنوع من الانفصال التام بين فئة عريضة من المواطنين والوطن فمن يؤدي لهم خدمات خاصة أو يوفر لهم وسائل الراحة الخاصة بهم دون غيرهم أيآ كان نوعها ، فهو بالنسبة لهم وطني ابن وطني ولا يوجد في مصر كلها من هو أفضل منه ، وهو الشريف طاهر اليد حتى لو كان هو نفسه يأخذ منهم أموالآ ورشاوي نظير ما يقدمه ويخصصه لهم من منافع عامة ملك للشعب .
وأمثال هؤلاء ينسبون الى الثورة المصرية السبب فيما يعانوه من مصاعب حياتية وكأنهم كانوا يتمرغون في النعيم أيام مبارك ، ولا يشتكون من غلاء المعيشة وارتفاع البنزين وأسعار السلع والخدمات المختلفة وانتشار الرشوة والمحسوبية والفساد في كل أرجاء البلاد ، وأنه لم تكن توجد في عهد مبارك أية أزمات في السولار والبوتاجاز ورغيف العيش والتدهور الحاد جدآ في الخدمات الصحية وغرق العبارة ومعها قرابة الألف وخمسمائة قتيل مصري وتسهيل هروب صاحبها أحد أعوان آل مبارك .
وتسمع أمثال تلك الشكاوي وأنت تركب مع سائقي المواصلات العامة ، فمنذ متى ونحن نركب مع سواقي المواصلات العامة والتاكسي ولا يصموا آذاننا من الشكوى من الاهمال والفساد وارتفاع الأسعار وهو ما يجعلهم (مثلما يقولون) يرفعون أسعار الأجرة لتعويض تلك الزيادات المفروضة عليهم ، ناهينا عن بيزنس الميكروباصات والتاكسيات التي أصبحت تجارة رائجة لها امبراطوريتها وقادتها من كثير من مديري الأمن واللواءات مرورآ بكثير من ضباط وأمناء الشرطة سواء في الشارع أو في القسم الذي يتبع له الخط المروري لوسيلة المواصلات هذه أو تلك ، انتهاءً بالسائق الذي نجلس بجانبه أو ورائه وكثير منهم يعيثون في الطرقات فسادآ وانحرافآ محتمين بحماية بشواتهم من الضباط وأمناء الشرطة والذين يتلقى كثيرون منهم الرشاوي جهارآ نهارآ في الشوارع أمام أعين قائدي السيارات والمارة .
وغير ذلك من الرشاوي والمفاسد التي كنا نصطدم بها في حياتنا اليومية بداية من أصغر معاملة حكومية حتى أكبرها والمتمثلة طبعآ كما أضحى واضحى للعيان في تراخيص المشر وعات الكبرى وتخصيص أراضي الدولة والشعب لحفنة من الناس يتم محاكمة كثير منهم أمام المحاكم اليوم ومنهم من لم يتم كشف أمره حتى اليوم ، وفي نفس الوقت كانت تجرى حملات اعلانية خيرية للتبرع بالطعام والبطاطين لمن يلتحفون السماء في عزيز البرد وصقيعه ، ومن يسكنون المقابر والعشوائيات ولايجدون حتى قوت يومهم ، فيما على الضفة الأخرى أقرانهم المصريون الذين لا يشاركونهم فقط الا كلمة مصريين يكدسون المليارات والمليارت والقصور والشاليهات هنا وهناك وكله من دم الشعب وعلى حساب مزيد من الفقر والضياع لأغلبية الشباب .
ويشتكون ويلعنون الثورة على الغياب أمني هنا وهناك ، وينسون بل انهم بكل تأكيد يتناسون أن الوجود الأمني وجهاز الشرطة في عهد مبارك ما كانت وظيفته في الأغلب الأعم الا الاذلال والاهانة والتعذيب والقتل تحت وطأة التعذيب البشع الممنهج ، وكأن المواطن الذي كان يتعرض لاغتصاب حقه في عهد مبارك كان يجده فور دلوكه الى قسم الشرطة وما يحيطه من اهتمام ورعاية ومتابعة حتى تحصيل حقه المسلوب ، أتناسى هؤلاء ان كثيرآ جدآ منهم ارتضى لا لنفسه بل على نفسه التنازل عن كثير من حقوقه من اجل ألا يذهب الى قسم الشرطة وألا يضيع في أروقة النيابات والمحاكم ، ألم تكن وظيفة كثيرٌ جدآ ممن يطلقون عليهم ضابط أوأمين شرطة لم تكن وظيفتهم الا الغرور والتكبر والاستعلاء على الناس وتعويض عقد النقص وتعليم الاستعلاء التي تربى وتعلم عليها في أكاديمية الشرطة .
ثم وانتقامآ منا نحن الذين حرمناهم نعيمهم الذي كانوا فيه ينعمون ويتمرغون ويتسيدون ، قاموا بقتل الثوار وتعذيبهم وتلفيق التهم اليهم واتهامهم بالعمالة والجاسوسية ثم قاموا بفتح السجون أمام المجرمين والبلطجية مثلما فعل نظرائهم ابان ثورة تونس الشقيقة العظيمة ، ليروعوا بهم أمن المواطنين وليعيثوا في الأرض فسادآ ثم لا يعودون الى أعمالهم وان عادوا فهو عود الى المكاتب المريحة دون خروج الى الشوارع الجريحة بأفعالهم وليكرسوا حالة الانفلات الأمني التي صنعوها بأيديهم وعقولهم الشيطانية ، ومنذ عودتهم الهزيلة الى الشوارع فلننظر كم حالة من الاذلال والتعذيب والقتل تحت وطأة التعذيب تمت على أيدي الشرطة ، وآخرها وليس أخيرها (طالما ظلوا على عهدهم ورفض وعجز المسؤولين عن محاسبتهم الجادة والباترة ) قضية سلمى الصاوي الناشطة السياسية التي اختطفوها وعاملوها كنهجهم الدؤوب الذي نشؤوا وتربوا وترقوا عليه ونالوا به الشكر والمديح والعرفان والتقدير .
لا يمكن أبدآ ان نتقبل جهاز الشرطة مرة أخرى الا بعد تطهيره التام والابقاء على العناصر النظيفة وان كانت قليلة كما نعلم ، يجب كمرحلة أولى في هذا الشأن كما اقترح كاتبنا الكبير علاء الأسواني بأن يتم تعيين ضابط من القوات المسلحة معروف عنه النزاهة والحزم على رأس وزارة الداخلية ليتولى مهمة التطهير والاصلاح ، ثم سن قانون حاكم ومحكم وديموقراطي عادل يحكم علاقة كل الأجهزة الشرطية والامنية في التعامل مع المواطنين ، ثم تسليم وزارة الداخلية بعد ذلك ودومآ الى وزير داخلية يختار من بين العاملين في السلك القضائي وفق مواصفات خاصة تتعلق بالحزم والشرف والنزاهة والتاريخ الوطني المشرف .
فالوطني الشريف لا يقبل الا أن يخدم مع الشرفاء ، والشرفاء لا يعذبون الناس ولا يهينونهم مهما فعلوا فالقانون هو الحكم والحاكم حتى لو كان جزاء المتهم هو الاعدام ولو رميآ بالرصاص ، اعدموا المجرمون ولا تهينوهم حتى لا تكون للناس حجة عليكم ولا يكون لكم حجة على الناس ، يجب أن يفهم الفاسدون الظالمون في جهاز الشرطة والأمن الوطني (وريث أمن الدولة) يجب أن يفهموا حقيقة واحدة أنه ما عاد أحد يقبل أساليبهم وانهم لن يعودوا كما كانوا جبارين متجبرين مهينين مذلين للناس والعباد ، وستظل مصر دومآ في حالة ثورة دائمة واضطراب خلاق متواصل طالما ظلوا هم وجلادوهم على حالهم ، فأبدآ لا عود الى الوراء ، وبُعدآ وبئسآ بل وتبآ لأمان الجسد في هوان الروح ، فلا حياة بعد اليوم بدون عزة وكرامة .
يجب أن نعي أن كثيرآ (ولا أقول جميع ) من كبار السن ممن لم يشاركوا في الثورة ، ينتمون الى جيل عجز وفشل تمام العجز والفشل عن تغيير الواقع الذي أورثونا اياه بل وكانوا يسعون ليلآ نهارآ الى اقناعنا وتربيتنا على ضرورة الاستسلام لهذا الواقع والتعامل معه على هذا الأساس ، مستعينين في ذلك بتفسيرات لآيات قرآنية وأحاديث نبوية منها ما هو مُخترع وموضوع ومنها ما هو مُخرج من سياقه والتي يرددها مشايخ السلفية والوهابية بضرورة الخنوع والانبطاح والاستسلام للحاكم مهما كان ظالمآ ، انتهاءً بثورات الغضب والتهكم علينا نحن الشباب وترديد مقولات أسلافهم المتوارثة مثل الباب الذي يأتي منه الريح سده واستريح ، أو امشي بجوار الحائط ، والذي ينظر لفوق يتعب ، انت عندك ولاد روح ربيهم (كما وأننا مطلوب أن نربي أولادنا على الاستسلام والجبن والاستكانة)، والمقولة التهكمية انت فاكر نفسك هتغير الكون ، وغيرها العشرات من المقولات والوسائل التي تهدف الى تعليمنا القبول بالخضوع والخنوع اليائس والبائس مثلما فعلوا هم من قبل .
أمثال هؤلاء وهم كثر جدآ جدآ ، نلقاهم في منازلنا وفي شوارعنا ومياديننا وأعمالنا ، هالهم بل وأحرجهم للغاية أن طبقة الشباب والصغار نجحت فيما فشلوا هم فيه ، أن هذه الطبقة التي كانوا يستهينون بها ويعتبرونها عارآ وعالة وفاسدة وضالة انتفضت فكشفت للكبار ضلال ما كانوا يعيشون فيه وبهتان واستكانة ما كانوا يسعون الى تمريره وتوريثه لنا ، فأوصلونا الى حال كان فيها يريد مبارك الأب أن يورث مصر بشعبها وبشبابها الأبي الفتي لمبارك الابن .
أمثال هؤلاء هم من يسمون بالكتلة الصامتة التي لم ولن تشارك في الثورة الحقيقية المجيدة ، بل منهم من كان يتحيز الفرصة ليشارك في الثورة المضادة قولآ أو فعلآ ، مصدقآ للضلالات الاعلامية التي كانت تُبث من اعلام حكومي هم يعلمون تمام العلم انه في عهد مبارك كان اعلام ضلالي اضلالي ، ولكن ذلك لامس هوى في نفوسهم التي تربت على الخنوع والاستسلام ، يرفضون أن يكون الأبناء محل الآباء والشباب محل الكبار ، يرفضون أن يواجههم أبنائهم وصغارهم يومآ بمقولة نحن نجحنا وأنتم فشلتم ، وبئس ما كنتم اياه تعلموننا وتربوننا عليه بأن نقبل الاستسلام والمهانة ورفض التغيير وأننا أعجز من أن نغير الكون ، ولكننا أيها الناس .... غيرنا الكون من ميدان التحرير .
ذلك الميدان الذي لم يكن على عهدكم الا مرادفآ فقط لتأدية المصالح الحكومية والشكوى من بطء الاجراءات وزحمة الميدان المرورية وغلاء أسعار المحلات في وسط البلد ودخول السينمات والتنزه فيه ، اليوم جعلنا للميدان بعدآ آخر أعظم وأجل ، جعلناه ميدان المجد ، ميدان العزة ، ميدان الفخر ، ميدان الحرية ، ميدان الكرامة ، ميدان المعارك حيث المصابين والجرحى ، انا جعلناه ميدان ...... الشهداء .
#أحمد_حمدي_سبح (هاشتاغ)
Ahmad_Hamdy_Sabbah#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر وايران يد واحدة
-
الديموقراطية عند السلفيين
-
أيتها المطلقات لا تزرعن الشوك
-
مع السلفيين ... ذلك ضياع جدآ
-
الحدود في الشريعة الاسلامية
-
لماذا المطوعون ؟!
-
خريطة طريق نحو تحقيق سلام عادل وحقيقي بعيدآ عن الأماني والاد
...
-
فصل المقال فيما بين النظامين السوري واليمني من اتصال
-
ساركوزي ، كاميرون .. أنتم رائعون ، أردوغان .. !!! ، أوباما .
...
-
محبط من المجلس العسكري
-
السلفيون واسرائيل
-
العدل في الميراث و الشهادة
-
تداعيات مقتل بن لادن
-
لا يمكن احداث مصالحة مع التيارات الاسلامية
-
الى أشقائنا ثوار اليمن
-
كفاكم ... دعونا لشأننا
-
يا داعيآ الى النور
-
ضروريات التدخل العسكري في ليبيا
-
آليات التعامل الراهن في الثورة المصرية
-
الامامان الأعظمان
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|