عماد دلا
الحوار المتمدن-العدد: 3392 - 2011 / 6 / 10 - 17:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
طب العيون والحول السياسي
الأمثال الشعبية في معظمها تحمل بعدا معرفيا ما, فمن خلالها يتم تكثيف خبرات وتجارب المجتمعات و طرحها بصيغ بسيطة فيها العبرة والدلالة و كذلك النصح و التوجيه والإرشاد ... ولا تقف الأمثال الشعبية عند هذه الحدود بل تتعدها لتنقل روح المجتمعات ومنها روح السخرية من مفارقات الحياة , ومن هذه الأمثال مثل يقول " الاسكافي حافي والحايك عريان " وبقدر ما في هذا المثل من سخرية لمفارقة حياتية مضحكة , بقدر ما فيه من تحذير ينبّه إلى عدم الوقوع في فخ المسلمات البسيطة التي تنفيها الوقائع , فليس حتميا أن يكون لدى الاسكافي أفضل الأحذية ولا شرطا أن يكون للحائك أفضل الأثواب , فلا يملك كل مهندس بيتا منيفا , ولا يُشترط في طبيب التجميل أن يكون جميلا ولا في طبيب العيون أن يكون سليم البصر عداك عن سلامة البصيرة , والذي استحضر هذا المثل من قعر ذاكرتي هو الأداء العجيب لرأس الهرم في النظام السوري ومفارقاته المدهشة .
فمنذ تربع طبيب العيون على عرش جمهوريتنا المُعذّبة ,ما انفك فريق عمله السياسي و الإعلامي عن تفسير و ترقيع وتجميل عثراته وهفواته السياسية , والشعب السوري صابر متحمل وزر هذه الأخطاء ويدفع ثمنها حصارا دوليا وبؤسا اقتصاديا ولاجئين و أزمات من شتى الأنواع والصنوف ..... حولا سياسيا , لم يفسره الشعب الطيب المسالم بسوء نية و أبقى على أمله في التغيير والإصلاح , وكذلك حكماء الوطن الذين دأبوا على إقناع سيادته بارتداء نظارة الحكمة و رؤية حقائق الواقع بدل الإنصات لفيالقه الأمنية و اختزال حواسه بالاستماع لتنظيراتهم المدمرة ..... ولم تُفد كل مناشدات الداخل والخارج بإقناعه بقدرة الشعب السوري على كسر الصندوق الأسود الذي يُحتجز فيه و الخروج إلى عالم يعج بالثورات وصيحات الحرية , كان مقتنعا – وربما ما زال – بأن دزينة من شعارات الأمس التي لم تعد تقنع حتى مردديها كافيةً لإلغاء ظروف موضوعية للثورة ,استُكملت و تخمرت و تعتقت عبر خمسة عقود , ولم يعد ينقصها إلا شرارة البدء
شرارة البدء لانطلاق ثورة الحرية والكرامة أتت من درعا , ولم يتغير في الأداء السياسي شيء سوى التأكيد على الحول السياسي بحول بصري وعمى أمني مخيف , درعا في أقصى جنوب غرب سوريا تطالب بالحرية والكرامة فيأتي الرد السياسي بمرسوم جمهوري ينص على منح الأكراد في أقصى شمال شرق سوريا الجنسية السورية , هذا حول بصري فاضح لا يحتاج أجهزة فحص لإثباته ولا طبيب عيون لتشخيصه , و حول سياسي لا يحتاج خبيرا دوليا لاكتشافه ولا محللا سياسيا لاستبيانه , فما علاقة مطالب الشعب بالحرية والكرامة بجنسية الأكراد , (( وبالمناسبة وعدا عن كون هذا الأداء كان رشوة معلنة " للسوريين الأكراد " من فوق الطاولة وعلى عيون كل السوريين , إلا أنها لا تتعدى عن كونها كلام و وعود , فهناك عشرات المراسيم الجمهورية التي صدرت خلال عقد من الزمن وما زالت حبيسة الأدراج ولم توضع حيز التنفيذ حتى الآن , إذاً هي لم تكن أكثر من رشوة بشيك بلا رصيد , وعلاوة على ذلك , الشيك مؤجل ))
تطالب الجماهير الغاضبة المجروحة بكرامتها وبأبنائها بمحاسبة القتلة و تغيير المنطق الأمني في التعامل مع المواطنين , فيأتي الرد بتغيير الحكومة " رئيس الحكومة وبعض الحقائب الهامشية مع عملية مبادلة للحقائب السيادية بين وزراء الأمس " بحكومة ليست بأفضل من سابقتها , علماً أنه حتى لو أتت حكومة نظيفة " وهذا فعل محرًم في ظل هكذا نظام " فلن تكون قادرة على فعل شيء , فمعظم السوريون يدركون أن الحكومة في سوريا ليست أكثر من ضرورة شكلية للنظام " فهي لا تهش ولا تنش " وأكثر ما يمكن للوزراء فعله هو كتابة الوظائف المدرسية وتدوين ملاحظات سيدهم المُطعم في كراساتهم الوزارية
الأمور تتفاقم , القتل أصبح أكثر سهولة وعدد الشهداء بازدياد والجماهير الغاضبة تطالب بوقف القتل وخفض جرعات الإذلال والمهانة التي يتعرضون لها , فيأتي الرد بخفض سعر لتر المازوت " يأسف الشعب لسوء الفهم هذا , ولسوء الحظ أيضا , فالصيف قادم وما عانوه من برد الشتاء وأسعار المازوت ,انقضى ولم يبقى منه سوى الذكرى والديون وأمراض الروماتيزم "
رقعة ثورة الحرية والكرامة تتوسع , من الجنوب في درعا وريفها , أنخل , الصنمين , نوى , طفس , الحراك .... إلى الغرب في الساحل جبلة , بانياس , اللاذقية , البيضا , قلعة المضيق مرورا بريف دمشق دوما , داريا , الزبداني , مضايا , وأحياء دمشق برزة , القدم , القابون , حرستا , كفرسوسة ...وامتدادا على المنطقة الوسطى بالكامل تقريبا حمص وريفها , الحولة , تلبيسة , الرستن , حماة , السلمية , صعودا نحو الشمال معرة النعمان , سراقب , جسر الشغور , وعموم ريف ادلب . وشرقا نحو الحسكة والقامشلي وعامودا وعين العرب ودير الزور وريفها وريف الرقة والطبقة ...... المظاهرات غطت الجزء الأكبر من مساحة سوريا والشعب يريد إسقاط النظام ومحاكمة المجرمين القتلة , الرد الأمني هو الرد الوحيد حتى الآن والكل يعرف فظاعة ما يجري من قتل وتعذيب وتخريب ونهب و مقابر جماعية واستباحة شاملة للمدن والقرى , المدارس والمنشآت المحلية حولت إلى معتقلات والمعتقلين بعشرات الآلاف ... المجتمع الدولي رغم كل تخاذله و وقوفه مع الجلاد بدأ يتململ من هذه الفظاعات وحتى أصدقاء النظام فقدوا الأمل من كثرة النصائح ومن وعوده الكاذبة ..... مازال هناك أمل في حل , يقول البعض , النصائح تقول :عليك بقرارات جريئة تحقق الحد الأدنى من المطالب , وقف القتل والترهيب والاعتراف بما يحصل وإطلاق سراح المعتقلين والحوار مع الشعب بدل اللقاءات الهامشية و الوعود الشخصية المضحكة , ماذا كان الرد السياسي , إصدار مرسوم عفو عام , وماذا يعني هذا المرسوم . يعني لاشيء . فهذا المرسوم ليس له علاقة بمطالب الثوار وهو نمط من المراسيم التي يصدرها النظام بشكل اعتيادي وقد درج على ذلك منذ حكم الأسد الأب ... فقط أضيف لهذا المرسوم شيئا من الغموض
بهذا التمويه الفاشل وبعض الوعود عن تشكيل لجان ودراسة قوانين للأحزاب وللانتخابات ختم النظام رزم وحزم إصلاحاته , وقرر الاستمرار في حربه ضد الشعب بثلاثة عناوين رئيسية , العنوان الأول للداخل ويتمثل بحرب إبادة ضد الشعب السوري من خلال محاصرة المدن وقصفها بالدبابات وترويع السكان بالقتل والنهب والتعذيب و الإذلال والاعتقالات , العنوان الثاني للخارج ويتمثل بتهديد العالم والمنطقة بفوضى شاملة تمتد إليهم من خلال منظماته وتشكيلاته الإرهابية مع إبداع جديد يتمثل في استخدام أجساد المواطنين الأبرياء - بكل نذالة - كورقة لإشاعة الفوضى وخلط الأوراق , العنوان الثالث للداخل والخارج معا ويتمثل بحرب إعلامية قذرة لا تقل ببشاعتها وفظاعتها و جرائمها عن حرب الإبادة التي يشنها النظام ضد الشعب الأعزل المسالم .
والحال هكذا , لا يمكنني إلا أن أعتذر عن عنوان المقال , فهذا ليس حولا سياسيا ولا حتى عمى , وشعار ثورة الحرية والكرامة بإسقاط النظام يشوبه خلل ما , فليس هناك من نظام , هناك عصابة من المجرمين والقتلة , عصابة لا تختلف في بنيتها وتركيبتها وأدائها عن عصابات المافيا المنظمة إلا في شيء وحيد يتمثل بتفوق عصابات المافيا المنظمة أخلاقيا على هؤلاء القتلة المجرمين ....... والشعب يريد تفكيك العصابة , الشعب يريد تحقيق العدالة
#عماد_دلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟