أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - الهوية إنسان 12 (أ)















المزيد.....

الهوية إنسان 12 (أ)


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 3392 - 2011 / 6 / 10 - 01:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


" إذا كان لمفهوم وجود الله أية صحة او غاية، فإنه يهدف تحديداً لجعلنا أكبر، أكثر حرية، وأكثر محبة. أما إذا كان الله غيرَ قادر على ذلك، فقد حان الوقت كي نتخلص منه". جايمس بالدوين
قد تكون عبارة بالدوين، الكاتب الأمريكي من أصل إفريقي، صادمة. وهي بالفعل صادمة.
لكن عبارته تحديداً هي الجوهر الذي يقوم عليه مفهوم الإسلام الإنساني.
مفهوم يقول ببساطة إن الإيمان يهدف إلى خلق علاقة بين الإنسان والخالق. لا أكثر ولا أقل.
علاقة روحانية.
وأن هذه العلاقة من الممكن ان تأخذ أشكالاً متعددة. فأي دين، أياً كان هذا الدين، ماهو إلا طريق. وسيلة يستخدمها من يريد أن يؤمن. ولذلك لا توجد تراتبية بين الأديان. ليس هناك دين أفضل من دين اخر. كلها طرق، تصل بنا إلى الهدف نفسه.
بكلمات أوضح، الإيمان يمكن أن يصل إليه الإنسان من خلال الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، من خلال الأديان الهندوسية والبوذية، تماماً كما يمكن أن يصل إليه دون دين. الدين ماهو إلا غلاف أوقشرة خارجية. أما المضمون فهو العلاقة الروحانية التي تربط بين الفرد والرحمن. طريقة الإيمان لا تنعكس على طبيعة الإيمان، لا تنقص منها، أو تشوهها. كلها طرق متساوية، تماماً كالعلاقة التي تجمع من خلالها الإنسان بخالقه.
كوني اقول ذلك يعني بداهة أني افترض أنه لا يوجد دينٌ كامل.
وهذه أيضا عبارة صادمة. فأعذراني إذا كنت قد تسببت فعلاً في صدمكما. لاسيما وأنني سأكررها. كثيراً. ورجوتكما رغم الصدمة أن تتمعنا في هذه العبارة: ليس هناك دينٌ كامل. والإسلام أولها.
مؤيدو فكر الإسلام السياسي هم واتباع التفسير الكلاسيكي الإرثوذوكسي للإسلام بشقية السني والشيعي سيرفضون هذه الرؤية عندما تتصل بالإسلام تحديداً (وفي الواقع سيرفضها أيضاً أتباع الأديان الأخرى المتزمتون لكن حديثنا في هذا الموقع يركزعلى اصحابنا هؤلاء).
هم لن يشيروا إلى الأديان البوذية أو الهندوسية من الأساس بأعتبار انه من تحصيل الحاصل ان هذه الأديان "كفر" و"شرك" و"إلحاد"، ثم سيعرجون على اليهودية والمسيحية، اتباعها "اهل كتاب طبعاً"، لكنها تظل في رأيهم "ناقصة"، "ناقصة"، إنما جاء الإسلام ليكملها. وهو يعني حتماً إقتناعهم أن الإسلام جاء كاملاً جامعاً تاماً، لا تشوبه شائبة.
الإسلام الإنساني يرفض هذه القناعة. ويصر على ان أي دين، بما فيه الإسلام، لا يتصف بالكمال.
الدين ليس حجراً صلداً. لا يتغير، لا يتبدل، لا يتحول.
لو أردتما صورة ذهنية للدين، تخيلاً بذرة، نضعها في تربة، فتنمو، وتترعرع، ينبثق منها فروع وأغصان، وثمار أيضا. لكن كي تنمو، كي تزهر، لا بد من تشذيبها، من قطع بعض اطرافها، من العناية بها.
أعود واكرر لكما تلك العبارة المزعجة: ليس هناك دين كامل.
لماذا؟
كل دين خرج من ضمن نطاق زمني تاريخي محدد. وهو لذلك إبن زمنه. ولأن كل الأديان وجدت قبل أكثر من الف سنة، فإنه من الطبيعي أن يكون فيها الكثير الكثير الذي لا يتماشى مع مفاهيمنا الحديثة العصرية لحقوق الإنسان وكرامته.
هذه الرؤية الإنسانية للإسلام تقول إن الدين، أي دين، ما هو لحظة نشأته إلا نواة، وَضع جذورها من آمن بهذا الدين ونشر رسالته، ثم بني عليها الناس على مر الآجيال، جيلاً بعد جيل، فإذا بالنواة تتحول، تتغير، تتبدل، ثم تتشكل وفقاً لرؤية و مواقف وأفكار من يؤمنون بهذا الدين.
الأديان تتغير على مر الزمن. وهذا يفسر على سبيل المثال السبب الذي جعل الإسلام الإندونيسي (قبل أن يتأسلم أخيراً) شكلاً مغايراً عن الإسلام النجدي. ويفسر أيضا سبب تفرع الإسلام إلى مذهب سني واخر شيعي وثالث صوفي، ثم تحوله إلى شكل اخر مغاير إلى حد كبير في صوره العلوية، الدرزية.... وغيرها.
نحن من يصنع الأديان، اعزائي.
نحن.
الإنسان هو من يصنع الدين.
هو من يجبله بطبعه، بروحه، بعقلانيته أو إنعدامها، وبالحب او الكراهية الذي فيه.
هذه الرؤية للدين تتطلب حتما التعامل معه بشكل "نسبي"، فكما أن كل شيء يتغير، يتغير الدين. وطالما ان الهدف هو تنظيم علاقة الإنسان بالخالق (إذا أراد هذا الإنسان ان يؤمن) فإن كل ما عداه يخضع للتغيير.
من هذا المنطلق أتعامل على سبيل المثال مع الحدود التي جاء بها القرآن الكريم أو السنة النبوية.
قطع يد السارق، رجم الزانية (احدد الضحية بالمؤنث لإني لم أسمع في عصرنا هذا عن عقوبة إستهدفت رجلاً لأنه زنى. هو منطق الكراهية، لا يستهدف إلا الضعيف)، الجلد... وغير هذا من العقوبات البدنية، كلها تنتمي إلى العصر الذي وضُعت فيه، أي القرن السابع الميلادي.
وهي عقوبات لم يبتكرها النبي الكريم.
إنتبها، فهذا الأمر مهم.
هذه العقوبات لم يبتكرها الرسول الكريم. كانت موجودة قبل أن يولد. وعندما أراد ان ينظم الدولة التي أسسها إستخدم ادوات العقاب التي كانت متواجدة حينها.
كان ذاك زمانه.
اليوم زمان أخر.
في زماننا هذا، نسمي الأشياء باسمائها، نسمي هذه العقوبات عقوبات "بشعة"، لأنها "بشعة" بالفعل، لا تنتهك حقوق الإنسان فحسب، بل تنتهك آدميته وكرامته. شاب سرق. أنقطع يده وننتسبب له في عاهة تحوله إلى عالة على المجتمع، أم نعاقبه بمدة سجن مناسبة ونأهله كي يخرج عضوا فاعلاً في المجتمع؟ ثم تخيلا منظر يده وهي تقطع، اليس هذا منظر ينتمي بجدارة إلى القرون الوسطى؟
من يطالب بالعودة إلى تطبيق هذه العقوبات، أقول "العودة" لإن معظم الدول العربية والإسلامية بإستثناء تلك الدول الدينية الكهنوتية التي نعرفها ولن نسميها، لا تطبقها؛ أقول من يطالب بالعودة إليها لا يعيش فقط بعقله وروحه في القرن السابع الميلادي، بل نسي أيضاً آدميته.
---
كما أن الزمان تغير فيما يتعلق بأساليب العقاب، تغير أيضاً بالنسبة للمغزى من الإيمان بدينٍ ما.
فالهدف، وفقاً لرؤية الإسلام الإنساني، من الإيمان بدين ما، يرتبط حتماً بإحتياجات هذا الإنسان.
إحتياجات هذا الإنسان الروحانية، لا أقل ولا أكثر.
الهدف هو الإنسان نفسه.
ولذلك، لا ارى أن الإنسان يجب أن يُسخر نفسه واسرته ثم مجتمعه للدين. العكس هو الصحيح.
الدين وسيلة. طريقة. توصلنا إلى الخالق، إذا أردنا أن نصل إليه.
ولذلك لن يضير الله كثيراً لو صليت خمس مرات، أو ثلاثة، أو مرة في الأسبوع. في الواقع أنا لا أصلى إلا إذا احسست بحاجة إلى الصلاة والتأمل.
وإذا قرر إنسان إنه لا يريد أن يصلي، فهذا أمر لا يستحق الإدانة أو النقد أو التجريح. لن يجعله افضل أو اسوأ. شأنه.
وفي الواقع، سواء صلى او لم يصل، صام أو لم يصم، لن يزيد الأمر عن مسألة تخصه. شأنه.
الدين ليس فرضاً، وفروضه ليست قهراً.
وعندما نحوله إلى فرض ثم قهر ينتفي الإيمان.
لن يكون إيماناً حراً من شخصٍ إختار، بل قهراً كهنوتياً يتناقض حتماً مع مفهوم "الإيمان".
أن تؤمن يعني أن تكون حراً.
وهذه الحرية تعني أيضاً أن من حقك أن لا تؤمن.
الله ليس في حاجة إلى الإنسان.
ولا أظنه عز وجل سيبالي كثيراً او قليلاً لو انقرضت الأديان من على وجه الأرض.
وفي الواقع كما قلت مرة لصديق، إني وصلت إلى قناعة أننا إذا اردنا أن نبحث عن الله، فعلينا أن نبحث عنه فينا، في أنفسنا. نحن.
وأنه إذا كان موجوداً خارج ذواتنا فإنه قد تركنا وشأننا منذ بدء الأزل، واننا لذلك مطالبين بتحمل مسؤولية أنفسنا والعالم الذي نحيا فيه.
ووالله أني كثيراً ما شككت في وجوده، خاصة في أوقات الحروب. عندما رأيت الطفل يُقتل وهو لا يحميه.
اسأله: أين انت عندما نحتاج إليك؟
وأسمع رداً، هامساً: أنا فيك، إبحثي عني فيك، في الإنسان فيك، وفي الخير الذي في روحك. فكما يصنع الإنسان الحروب ويغرس الكراهية، هو أيضاً من يصنع السلام وينشر المحبة.
---
سيهزأ مني الكثيرون. ويحنق غيرهم، وبعضهم سيُكّفر.
وسيقولون مارقة، كفرت وخرجت عن الإسلام. ولهم ان يقولوا ما شاءوا، فلن يغير من إصراري أني في كل ما أقوله
اقوله من داخل دائرة الإسلام.
أصر على أن أقول إن الدين الذي اخترته لنفسي هو الإسلام.
لكني في الوقت ذاته ارفض مقولة "هذا هو الإسلام، إما أن تقبلوا به كما هو أو تخرجوا منه".
فأنا في الواقع، اخواتي، لا أقبل به كما هو، لكني لن أتركه، وفي الوقت ذاته سأسعى إلى تقديم رؤية مغايرة، تمكنني من الإيمان لكن بصورة تحترم آدميتي، عقلي، وكرامتي. بصورة تحترم مفاهيم حقوق الإنسان في صورتها الحديثة اليوم.
وبصورة تجعل من هوية الإنسان هي المعنى الأشمل لمفهوم الإيمان.
ولذلك، لو لاحظتما، في الفقرة السابقة قلت "اصر على أن اقول إن الدين الذي اخترته لنفسي هو الإسلام"، ولم أقل "إني مسلمة". لأني اصر، أذكركما، على أن الدين ليس هوية.
الدين ليس هوية. بل إختيار.
و الهوية هي الإنسان.
أُكمل هذه الفكرة معكما في المقال القادم.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف أؤمن بالله؟
- مواطنون لا ذميون 10
- إلهام مانع في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: افاق التغي ...
- الشريعة تنتهك حقوق المرأة 9
- قانون مدني علماني عادل
- الشريعة ليست عادلة 7
- -معاً مع حسن البنا ضد الحداثة-!
- الوطن... الإنسان!
- أمة تكره؟
- لأن الأمة لم توجد قط!
- أمة؟
- علينا أن نختار!
- لا صوت يعلو فوق صوت الثورة! حقاً؟
- اليمن.. أمام مُفترق الطريق من جديد!
- صباح الخير يايمن، صباح الخير ياوطن!
- مصر على مفترق الطريق!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إلهام مانع - الهوية إنسان 12 (أ)