راندا شوقى الحمامصى
الحوار المتمدن-العدد: 3391 - 2011 / 6 / 9 - 14:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يتفضل حضرة عبدالبهاء متكرِّماً بالجواب على مراسلي الجرائد في أمريكا عند استفسارهم عن هدف الدين البهائي:
بأن الهدف هو وحدة العالم الإنساني. وقد أثرى حضرته بجليل بياناته الآثار البهائية بالمفهوم السابق في خطبه ومكاتيبه وخاصة الفرامين التبليغية. فبيَّن أن هدف الدين البهائي هو وحدة العالم الإنساني والصلح العام. وحضرة ولي أمر الله يتفضل: "بأن المقصود والهدف النهائي للأمر البهائي هو وحدة العالم الإنساني واستقرار الصلح والسلام بين كافة الأنام". مترجَم، كتاب ظهور العدل الإلهي. (فارسي) ص 152
ولكن حسب النصوص المباركة البهائية فإن الدين بصورة عامة والدين البهائي بصورة خاصة أهدافه ومقاصده متعددة ومتنوعة وهي تطال جميع شؤون الجامعة البشرية.
ما هو الدين؟
إن في تعريف مفهوم وماهية الدين لَنظريات وآراء مختلفة كثيرة. ونستطيع أن نقول بأن تعريف الدين أمر نسبي ومرتبط بعوامل متعددة. من جملة هذه العوامل المعتقدات الشخصية وطريقة التحقيق ومدى دراسة ومعرفة المحقِّق كل ذلك يحدد في حد ذاته ويُبنى عليه تعريف الدين. وقد يكون العامل لتعريف الدين هو نوع الدين أو مجموعة الأديان التي تقوم حولها الدراسة.
يعتبر أتباع الأديان عامة أن الدين هو الرسالة الإلهية والأنبياء هم واسطة تجليات وإبلاغ تلك الرسالة. وفي مقابل هؤلاء توجد فئة بارزة من الناس تهتم بأعمال ومراسيم الدين وعرّفوا الدين دون أي ارتباط بخالق هذه الخليقة والكون. ففي الفترة المعاصرة لظهور حضرة بهاءالله عرّف قادة الفكر العقائدي أمثال كارل ماركس الدين بأنه أفيون البشرية ورمز لخيبة أمل الإنسان. وسيگموند فرويد عرفه بأنه الشذوذ النفسي لمرحلة الطفولة.
أما المحققون الذين قاموا بدراسة الدين دون أن يكون لهم أي ميل للمعتقدات الدينية عرَّفوا الدين حسب مشاهداتهم للعقائد والمراسيم والأعمال الدينية في حدود علمهم وضمن بحوثهم. على سبيل المثال يشير أحد أساتذة الدراسات الدينية بإسم نگوسيان في كتابه بعنوان" أديان العالم" إلى صعوبة تقسيم التعريفات عن الدين ويصل إلى نتيجة تعريف الدين حسب السلوك الظاهرى للناس أو العلل التي توجب ظهور ذلك السلوك عندهم. وفي نهاية بحثه يعرِّف الدين بأنه النشاط الإبداعي للعقل البشري والذي بدوره يقوم بإرضاء إحتياجات المرء وميوله الذاتية. ويضيف أنه لمعرفة مفهوم الدين يجب أن نضع بعين الاعتبار تاريخ الأديان والسلوك الديني المتباين عند مختلف الناس. اقتباس من كتاب "عالم الأديان" لنگوسيان ص 1-8
تكتب دائرة المعارف برتانيكا إنه من الصعب إبداء تعريف جامع للدين وحتى الآن أي محاولة بهذا الصدد واجهتها اعتراضات مختلفة. وذلك يعود إلى التنوّع الكثير للأديان فيتطلب تقديم أمور استثنائية لكل تعريف. لذلك تعريف الدين يكون أمراً نسبياً ويعتمد على نوع الظاهرة الدينية. وحيث أن كلاً من الأديان تتضمن أصولاً وعقائدَ وأساطير ومراسيم وعواطف دينية ومؤسسات وعناصر مهمة أخرى لذلك لتعريف أيٍّ من الأديان ومعرفة مقاصده وأهدافه يجب الاهتمام بالخلفية التاريخية والعامة لذلك الدين. ويمكن اعتبار الدين مخلوق حي ومتغير وكلٌ من الأديان لديه خصوصيات تختلف وسائر الأديان وهذه الاختلافات لا يمكن إدراجها تحت تعريف عام.
يعرِّف قاموس وبستر الدين بصورة عامة كالآتي:
الدين هو التعامل مع كل ما هو ما وراء العالم المحسوس والمشهود وعلى خلاف الفلسفة التي هي حاصل ما يتوصل إليه العقل, فالدين يتضمن تصور مخلوق أو مخلوقات أبدية ومعنوية والتي هي ما وراء هذا الكون وقد قامت بخلق هذا الكون وتكون مقدراته تحت اختيارهم ( أي إختيار تلك المخلوقات). ويشمل الدين أحكام ومراسيم وعبادات وأصول خاصة وهي إما واجبة أو مستحبة وسبب حصول المكافأة الروحانية أو أنها تقوم بإرضاء الاحتياجات الطبيعية للإنسان. أي أن الدين هو رد فعل الإنسان للاعتقادات التي هي سبب وجوده أو أصل بقائه الأبدي.
تعريف الدين في الدين البهائي:
يتفضل حضرة عبدالبهاء في كتاب المفاوضات متكرِّماً في الجواب على سؤال عن القِوى التي تكون عند الرسل الإلهية فيعرف حضرته الدين تعريفاً بديعاً يعتمد على أصول ومبانٍ علمية وعقلانيـة وفي نفس الوقـت يعطي أدلـة قاطعة لمفهـوم لـزوم ظهـور المظاهـر الكليـة الإلهيـة (الرسل) لتأسيس وتشريع الدين. فهذا التعريف عن الدين قد ذكره حضرة عبدالبهاء في بعض خطبه في أمريكا وأوروپا وفي مكاتيبه المباركة كما جاء هذا التعريف في الفرامين التبليغية أيضاً. ويتفضل حضرة عبدالبهاء في المفاوضات بقوله الأحلى : " فالشّريعة هي الرّوابط الضّروريّة المنبعثة من حقيقة الكائنات، وحيث أنّ المظاهر الكلّيّة الإلهيّة مطّلعون على أسرار الكائنات فهم عارفون بتلك الرّوابط الضّروريّة الّتي يقرّرون على وفقها شريعة الله." ص 105
وفي الفرامين التبليغية يشرح حضرته الجهة الجامعة في العالم الإنساني بما مضمونه: إذاً التعاليم الإلهية هي الجهة الجامعة وهي جامعة لجميع المراتب وشاملة لعموم الروابط والضوابط للعالم الإنساني.
ويعرِّف حضرة عبدالبهاء ظواهر أخرى تشملها القاعدة السابقة أي أنها هي الروابط الضرورية المنبعثة من حقيقة الكائنات, منها النظام والقانون الحقيقي, العلم, والطبيعة, القضاء والقدر.
ومن الروابط الضرورية المنبعثة من حقيقة الكائنات النظام:
يتفضل حضرة عبداالبهاء في الرسالة السياسية ببيانه الكريم:" إن الشريعة والنظام هما من الروابط الضرورية المنبعثة من حقائق الأشياء. ولكن لا يمكن أن يكون النظام هو الهيئة الاجتماعية بحد ذاته." مترجَم, الرسالة السياسية ص 37
ويتفضل حضرته في أحد خطبه الكريمة بقوله العزيز:" إن المراتب من اللوازم الضرورية للهيئة الاجتماعية, فالهيئة الاجتماعية كالمعسكر هناك حاجة إلى المشير والفريق والعقيد والنقيب والجندي ولا يمكن أن يكون الجميع من صنف واحد (رتبة واحدة) فحفظ المراتب واجب. ولكن كل فرد في المعسكر يجب أن يعيش بمنتهى الراحة والاطمئنان." خطابات حضرة عبدالبهاء، المجلد 3، ص 85-86
ومن الروابط الضرورية المنبعثة من حقيقة الكائنات العلم :
" أن الدّين والعلم توأمان لا انفكاك لأحدههما عن الآخر، فهما للإنسان بمثابة الجناحين للطّائر يطير بهما، ومن الواضح أنّ جناحًا واحدًا لا يكفي للطّيران." خطب حضرة عبدالبهاء في أوروپا وأمريكا، ص 81
ويُعطي حضرته أمثلة متعددة لكي يوضِّح مفهوم الروابط الضرورية المنبعثة من حقائق الكائنات, ومنها القوة الجاذبة فيتفضل بقوله الأحلى: "إن لم تكن القوة الجاذبة موجودة مابين الأجسام العظيمة في هذا الفضاء اللامتناهي فجميعها كانت ستسقط. وسبب بقائها هي القوة الجاذبة والتي هي الروابط الضرورية لهذه الأجسام العظيمة وهذا هو أساس الصلح." مترجَم, خطب حضرة عبدالبهاء ج 2 (فارسي) ص 256.
وفي الإشارة إلى تأثير الشمس يتفضل حضرته : "إن الارتباط الذي أوجده الله بين الشمس والكرة الأرضية هو أن يسطع شعاع وحرارة الشمس لتنمو الأرض." مترجَم، منتخبات مكاتيب حضرة عبدالبهاء،ج 1، ص 193
ويعتبر تأثير الشمس من الروابط الضرورية والتي نشأت من حقائق الأشياء. ومثال آخر وجود الماء إنه نتيجة لتركيب أجزاء من الهيدروجين والأكسجين وهو دليل على الروابط الضرورية الموجودة فيهم. ثم بعد ذلك يتفضل حضرة عبدالبهاء: "إن هذه الحقائق غير المتناهية رغم أنها في منتهى الاختلاف ولكن من جهة أخرى هي في منتهى الائتلاف وغاية الارتباط, ولكن إذا تعمَّقنا في النظر ولاحظنا بدقة يصبح يقيناً بأن كل حقيقة هي من اللوازم الضرورية لسائر الحقائق." مترجَم، من مكاتيب حضرة عبدالبهاء. ص 261-262
ولدى أهل المنطق تعريفان للشيء: تعريف بحد الشيء أي الجنس والفصل وهو تعريف الشيء بذاته, مثل تعريف الدين بأنه الروابط الضرورية المنبعثة من حقائق الكائنات. وتعريف بالرسم أي بالمثال أي التعريف بالصفات والآثار, مثل الدين هو سبب لنظم العالم أو الدين هو العامل الأصلي للألفة والاتحاد, والمذكور في آثار القلم الأعلى.
وبالإضافة إلى التعاريف الكلية السابقة فقد جاء في الآثار المباركة عناصر وأمور أخرى مهمة وجديرة بالملاحظة في وصف الدين وتشمل الخصوصيات الآتية:
"إن الدين الإلهي هو روح عالم الإمكان" مترجَم، خطب حضرة عبدالبهاءج 1 ، ص44
"إن الدين هو أول موهبة إلهية في عالم الإنسان" مترجَم، خطب حضرة عبدالبهاء،ج 2 ، ص 307
"إن الدين متعلِّق بالأرواح والوجدان" مترجَم، خطب حضرة عبدالبهاء، ج 1، ص 176
"يجب أن يكون الدين متحركاَ" مترجَم، خطب حضرة عبدالبهاء، ج 2، ص 72
"إن الدين بمنزلة العلاج." مترجَم، خطب حضرة عبدالبهاء، ج 3 ، ص 68
" إن الدين هو العلاج للأمراض الإنسانية" مترجَم، نفس المرجع ، ص 89
"إن الدين والعلم توأمان" مترجَم, خطب حضرة عبدالبهاء، ج1، ص 31-32
"إن الدين يجب أن يطابق العلم والعقل" مترجَم, المرجع السابق، ص 225
"إن حقيقة الأديان الإلهية واحدة..... لا تقبل التعدد" مترجَم, المرجع السايق، ص 32
"إن الدين الإلهي واحد ولكن التجدد لازم" مترجَم، مكاتيب حضرة عبدالبهاء، ج 3، ص 375
" في الحقيقة إن دين الله هو عبارة عن الأعمال....... وليس عبارة عن ألفاظ" مترجَم، مكاتيب حضرة عبدالبهاء، ج 1، ص105
"إن الدين منفصل عن السياسة" مترجَم، المرجع السابق ،ص 33
"إن الدين هو أساس الألفة والمحبة وبنيان الارتباط والوحدة" مترجَم، المرجع السابق ، ص 31
" إِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ الْمُبينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِحِفْظِ أَهْلِ الْعَالَـمِ وَرَاحَتِهِم." ألواح حضرة بهاءالله بعد الكتاب الأقدس، ص 23-24
من مجموعة البيانات السابقة نستطيع أن نصل إلى مفهوم للدين يتحدث عن ماهية بديعة و واسعة ومشيِّدة يتوافق مع الشروط والأحوال السائدة في المجتمع البشري فبالتالي يقوم الدين بخلق مدنية جديدة. لذلك يتفضل حضرة عبدالبهاء:" ليس الدين عبارة عن عقائد ورسوم إن الدين هو عبارة عن تعاليم إلهية تُحيِي العالم الإنساني وهذه التعاليم هي سبب تربية الأفكار العالية وتحسين الأخلاق وترويج مبادئ العزة الأبدية للعالم الإنساني. " مترجَم منتخبات مكاتيب حضرة عبدالبهاء، ج1، ص 50
(مترجم عن مقال لدكتور ايرج أيمن)
وتابعوا معي بقية سلسلة هذا المقال........مع خالص شكري وتقديري
#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟