|
الإصلاح في البحرين بين المشروعية والطائفية
محمود حمدى ابوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 15:49
المحور:
اراء في عمل وتوجهات مؤسسة الحوار المتمدن
اندلعت فى 14 فبراير 2011 أكبر حركة احتجاج شهدتها البحرين منذ منتصف تسعينيات القرن الماضى، وتأتى هذه الاحتجاجات كجزء من الحالة الثورية التى تعيشها المجتمعات العربية، والتى حققت بعض أهدافها فى حالات كمصر وتونس، ولا تزال متعثرة فى حالات أخرى مثل ليبيا واليمن. ورغم عدالة وشرعية المطالب التى رفعها المتظاهرون فإن البحرين تعتبر حالة خاصة نظرا لعوامل عدة مرتبطة أولا بواقعها الديمجرافى حيث إن أكثر من نصف سكانها من الشيعة وهم يعانون بشكل او بآخر من التمييز فى مقابل المنتمين للمذهب السني الذين يستحوذون على السلطة والثروة، وثانيا بموقعها الجغرافى بين القوتين السنية والشيعية الأكبر فى المنطقة وهما السعودية وإيران، وقد عمق تداخل هذين العاملين الأزمة فى البحرين. فى هذا الاطار تعد البحرين البلد الخليجى الأسرع استجابة لتأثير حالة الفوران الثورى والمطالبة بالتغيير فى المنطقة العربية، وربما يُفسر ذلك بأن الحراك السياسى واحتجاجات المعارضة فى البحرين تعد هى الأقدم والأنشط بين دول الخليج العربى. ويرجع ذلك إلى خصوصية الحالة البحرينية التى يمثل فيها الشيعة نسبة تتراوح بين 60% و 70% من المواطنين، مع شعورهم المستمر بأنهم لا يحصلون على نصيبهم العادل من الثروة أوالوظائف أوالسلطة السياسية فى بلادهم، علاوة على أن الشيعة يتهمون الحكومة بالتجنيس العشوائى من اجل تغيير التركيبة الديمجرافية السياسية لمصلحة السنة. وقبل أن تبدأ التظاهرات التى انطلقت فى البحرين فى يوم 14 فبراير 2011 فى ذكرى ميثاق العمل الوطني عام 2002، حاول الملك البحرينى إحباط حركة الاحتجاجات عبر سلسلة من الإجراءات الاجتماعية والإعلامية، لكن هذه الإجراءات الوقائية لم تؤت ثمارها، حيث بدأت عملية الاحتجاج على اثر دعوة شباب لا ينتمي بالأساس إلى أي تيار سياسي، وهم من السنة والشيعة . وجرى التواصل بينهم على مواقع الفيس بوك وتويتر وملتقى البحرين، وكانت حركتهم شعبية سلمية شارك فيه الشباب والكتل السياسية والنساء والأطفال والسنة والشيعة الذين كانوا النواة الصلبة والمحرك الرئيسى للتفاعلات واعتصموا فى دوار اللؤلؤة بعد عملية كر وفر مع قوات الشرطة والجيش وسقط منهم الضحايا وقد تمثلت أهم المطالب فى إلغاء دستور ٢٠٠٢ وحل مجلسي النواب والشورى، وإطلاق جميع الأسرى السياسيين والحقوقيين والتحقيق فى قضايا التعذيب وملاحقة المسئولين قانونيا، وضمان حرية التعبير، وعدم تدخل الأجهزة الأمنية في عمل المؤسسات الإعلامية والصحفية وضمان استقلالية القضاء، وتشكيل لجنة وطنية للتحقيق في مزاعم التجنيس السياسي وسحب الجنسية البحرينية لمن ثبت حصوله عليها بشكل غير قانوني أو بسبب دوافع سياسية. هذا بالإضافة إلى تكوين مجلس تأسيسي من خبراء و كوادر الطائفتين السنية والشيعية لصياغة دستور تعاقدي جديد ينص على أن الشعب مصدر السلطات جميعا، وأن السلطة التشريعية تتشكل من برلمان يُنتخب كليا من الشعب، والسلطة التنفيذية تتمثل في رئيس وزراء يُنتخب مباشرة من الشعب، وينص على أن البحرين مملكة دستورية، تحكمها أسرة آل خليفة و يُمنع على أفرادها تولي مناصب كبيرة في السلطات الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية. لكن رد الفعل الرسمي على التظاهرات الذي تراوح بين استخدام القوة والقمع وسقوط ضحايا، وبين إجراءات تهدف إلى تهدئة الأوضاع لم تأت كحزمة واحدة بل على مراحل متتابعة من الأزمة، لم يؤد إلى الحد من استمرار التظاهرات وتصاعد المطالب، الأمر الذى عبر عن عمق الفجوة بين مطالب المحتجين والنهج الرسمى تجاه التفاعل مع حركة الاحتجاج. إضافة إلى هذه الفجوة بين النظام والمحتجين كان هناك أيضا تباين فى رؤية القوى المعارضة تجاه سقف المطالب المطروحة وشروط بدء الحوار مع النظام، مما خلق حالة انقسام فى صفوف المعارضة، وبدا ذلك فى عدم وجود قيادة فعلية لحركة الاحتجاج الشابة تتجاوز الاختلافات الطائفية وهو ما حال دون بلورة موقف مشترك، كما انه فتت حركة الشباب التى رفعت مطالب مشروعة، هذا بالإضافة إلى انه أفسح المجال أمام حركات المعارضة الشيعية السبع (الوفاق، وعد، المنبر التقدمي، العمل الإسلامي (أمل)، التجمع القومي، التجمع الوطني، الإخاء( لتتصدر المشهد ومع تطور الأحداث أصبح المشهد الداخلى سجالا بين النظام وتكتلات ثلاثة: التكتل الأول: جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ويتحالف معها التجمع القومي الديمقراطي، وأمل، والأحزاب اليسارية مثل وعد والمنبر التقدمي الديموقراطي. وهي كتل تضم أعضاء ليبراليين وشيعة وسنة رجالا ونساء، وكلهم شاركوا تحت راية الوفاق في الحراك الشبابي الأخير، وتتماثل مطالب هذا التحالف مع مطالب شباب 14 فبراير. وقد قبلت الحوار مع الحكومة، بشروط هى: التعهد بالحفاظ على حق المعتصمين بالوجود بدوار اللؤلؤة والحفاظ على حياتهم طوال فترة الحوار والتفاوض، والإطلاق الفوري لجميع المعتقلين السياسيين وشطب قضاياهم في المحاكم، والتعهد بتحييد الإعلام الرسمي لتخفيف الاحتقان الطائفي، وإقالة الحكومة والشروع بالتحقيق المحايد في أعمال القتل التي وقعت منذ اندلاع المظاهرات يوم 14 فبراير وإحالة المسئولين للمحاكمة. والتكتل الثانى: هو التحالف من أجل الجمهورية الذى تشكل في 7 مارس 2011 ويطالب بإسقاط الملكية وحكم عائلة آل خليفة وإقامة جمهورية في البحرين، ويضم التحالف ثلاث حركات شيعية معارضة للنظام الحاكم: تيار الوفاء الإسلامي، وحركة حق، وحركة أحرار البحرين. ولم يقتصر رفع سقف المطالب على مستوى هذه الحركة السياسية فقط، بل في أوساط الحركة الشبابية أيضاً. خاصة بعد الأحداث الدموية ليوم الخميس 17 فبراير الذى أدى إلى سقوط ضحايا حيث تحول الشعار من "الشعب يريد إصلاح النظام" إلى "الشعب يريد إسقاط النظام". أما التكتل الثالث: وهو تجمع الوحدة الوطنية ويتكون من قوى سياسية عدة تتصدرها جمعيات إسلامية سنية، من أهمها أصالة الممثلة للتيار السلفي، والمنبر الوطني الإسلامي المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين، وتأسس التجمع بعد اندلاع الاحتجاجات للدفاع عن مشروعية النظام القائم في البحرين، واعتبار المطالبة بإسقاط النظام أو حكومته مساومة على أمن البلد واستقلاله، ولديها تخوف من مطالب قوى المعارضة الشيعية. وبين هذه الرؤى المتضاربة ومع تصاعد الاحتجاجات ومحاصرة مقر الحكومة وبعض المؤسسات السيادية، وحدوث بعض الاشتباكات الشيعية/السنية فى مدينة حمد، وتصاعد الضغوط الأمريكية والدولية للانخراط فى حوار يحل الأزمة وتبني إصلاحات رئيسية، ومخاطر التدخلات الخارجية، اضطر ولي عهد البحرين إلى الدعوة بجدية لإجراء حوار وطني يشمل المطالب الأساسية للمعارضة، ويعد بإجراء استفتاء على أي اتفاق يتم التوصل إليه في ذلك الحوار. وذلك من خلال المبادئ السبعة التي أعلنها ولي عهد البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة والتى تشمل "مجلس نواب كامل الصلاحيات" و"حكومة تمثل إرادة الشعب" و"دوائر انتخابية عادلة" و"التجنيس" و"محاربة الفساد المالي والإداري" و"أملاك الدولة" و"معالجة الاحتقان الطائفي"، لكنه شدد على أن "المطالبة يجب أن لا تتم على حساب الأمن والاستقرار". وهو ما يعنى انسحاب المعتصمين ووقف التظاهرات كشرط لبدأ الحوار. لكن أمام انسداد أفق العملية السياسية والخلاف الرئيسى بين التكتلات السياسية حول شروط بدء الحوار، وعدم قدرة النظام البحرينى على السيطرة على الأوضاع فى المملكة، واتهامه المحتجين بالعمل مع جهات أجنبية والعمل على قلب نظام الحكم مع رفع بعض الشيعة لصور الخمينى وظهور بعض مظاهر الاحتفالات الشيعية أثناء التظاهرات، طلبت البحرين تدخل قوات من درع الجزيرة، وتدخلت قوات سعودية وإماراتية وكويتية للمساعدة فى حفظ النظام وأعلنت السلطات البحرينية حالة الطوارئ فى البلاد لمدة ثلاثة اشهر وقامت بإخلاء دوار اللؤلؤة من المعتصمين بالقوة. وقد أيدت جامعة الدول العربية هذا التدخل، الذى كان بمثابة النقلة النوعية الثانية لتطورات الأوضاع فى البحرين بعد التحول الأول الذى تمثل فى التصعيد الطائفى. والحقيقة أن المملكة السعودية كانت تتابع الأوضاع فى البحرين عن كثب ففى اجتماع تم عقده فى 2 مارس بالرياض وضم الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية السعودي والامير سلمان بن حمد ولي العهد البحريني، قال نايف "إن أمن واستقرار مملكة البحرين لا يتجزأ عن أمن واستقرار المملكة" وهو تدخل مفهوم فى سياق الصراع السعودى الايرانى من جانب ومفهوم أيضا فى إطار محاولة وقف المد الثورى فى منطقة الخليج ككل. ومن هنا فقد تحول المشهد البحرينى من أزمة سياسية داخلية إلى صراع اقليمى له أبعاد مذهبية أطرافه إقليميا هى دول الخليج الحليف الاساسى للولايات المتحدة التى يستقر أسطولها الخامس فى البحرين، فى مواجهة النفوذ الايرانى الذى يبحث عن نافذة ممكنة لزعزعة الاستقرار فى الخليج من اجل خدمة مشروعه الاقليمى. فإيران اعترضت على تدخل قوات درع الجزيرة في البحرين واصفة إياه بالتدخل الأجنبي وهددت البحرين بان هذا التدخل ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة ووصل الأمر إلى تبادل طرد الدبلوماسيين، وإلى جانب الموقف الايرانى تصاعدت الانتقادات من جانب القوى الشيعية فى العراق ولبنان وإيران والشيعة فى دول الخليج نفسها لحماية الشيعة فى البحرين. بناء على ما سبق فقد تحولت مطالب المحتجين المشروعة إلى أزمة طائفية ذات أبعاد داخلية واقليمية، حيث أدت محاولة إسقاط الشرعية إلى لفت الانظار بعيدا عن عدالة المطالب المرفوعة التى أشارت الى وجود أزمة حقيقية، بل وأعطت النظام البحرينى الحق فى أقلمة الأزمة، وإعطاء الاولوية للحل الامنى والتباطؤ فى فتح مسارات الحل السياسى ووضعها فى إطار نطاق صراع اوسع ذى بعد سياسى/ مذهبى وبالتالى طلب مساندة دول الخليج . لقد أكدت الأزمة أن المشروع الاصلاحى فى البحرين الذى أسس له الملك حمد بن خليفة بعد توليه السلطة عام 1999 والذى قد وضع حدا للتوتر والاحتجاج الشعبى الذى استمر من نهاية عام 1994 حتى عام 1998 بين الشيعة والنظام الحاكم، والذى كان قد أسس لأجواء التعايش والسلم الاهلى قد انهار، لأنه فى الأساس لم يكن مشروع تحول ديمقراطى حقيقى يطلق الحريات ويتم فيه تداول السلطة، بل حمل فى طياته عوامل ساهمت فى تفجير الاحتجاجات عبر تعطيل الكثير من البنود التى حملها أو وعد بها. ومن ثم فإن عبور الازمة وتحقيق الاستقرار لن يتم بالاعتماد على القمع مستندا إلى الدعم الخليجى وخاصة السعودى، أو الوجود الأمريكى من خلال الأسطول الخامس، دون الالتفات إلى معالجة موضوعية للأوضاع الداخلية. كما أن حل الأزمة يستوجب من ناحية أخرى أن تعطى المعارضة تركيزا أكبر على الهوية الوطنية البحرينية، واعتبار المواطنة أساسا للحوار وإدراك الشيعة لحساسية التوازن الداخلى الذى استقر منذ عقود والبناء على هذا الإرث، لأن التعويل على أى دعم خارجى لا يضع البحرين فقط على حافة الهاوية بل الخليج ككل.
#محمود_حمدى_ابوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سوريا .. انتفاضة الشعب وشرعية النظام
المزيد.....
-
شاهد لحظة قصف مقاتلات إسرائيلية ضاحية بيروت.. وحزب الله يضرب
...
-
خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
-
وساطة مهدّدة ومعركة ملتهبة..هوكستين يُلوّح بالانسحاب ومصير ا
...
-
جامعة قازان الروسية تفتتح فرعا لها في الإمارات العربية
-
زالوجني يقضي على حلم زيلينسكي
-
كيف ستكون سياسة ترامب شرق الأوسطية في ولايته الثانية؟
-
مراسلتنا: تواصل الاشتباكات في جنوب لبنان
-
ابتكار عدسة فريدة لأكثر أنواع الصرع انتشارا
-
مقتل مرتزق فنلندي سادس في صفوف قوات كييف (صورة)
-
جنرال أمريكي: -الصينيون هنا. الحرب العالمية الثالثة بدأت-!
المزيد.....
-
مَوْقِع الحِوَار المُتَمَدِّن مُهَدَّد 2/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
الفساد السياسي والأداء الإداري : دراسة في جدلية العلاقة
/ سالم سليمان
-
تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
/ عصام البغدادي
المزيد.....
|