سعد تركي
الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 11:01
المحور:
المجتمع المدني
استوقفتني ـ ذاتَ مرة ـ ترجمة رقيم سومري يشكو كاتبه تغير أخلاق البشر. يشكو خيانة الخلان والأصدقاء، وعدم وفاء الزوج لزوجه، وعقوق الأبناء، وتنكر الإخوة والأشقاء. يشكو ظلم الحكام. استوقفني أن أسلافنا منذ بدء الزمان يشكون تغير الزمان! فأدركت أننا شعب جُبل على عشق الماضي والحنين إليه، وأننا لا نعيش اللحظة حتى تفوت وتمضي!!
غالباً، لا يخطط المرء منا للغد، فالغد مجهول نخشاه ونتمنى ألا يحل أبداً، وكل حاضر نعيشه هو حاضر تعيس مليء بالشقاء والعوز، ولحظات الفرح والسعادة تحيلنا ـ دوماً ـ إلى ماض كان أكثر حلاوة وفرحاً وتألقاً وبهجة. سعادتنا بلقاء صديق طفولة أو زميل دراسة أو عمل سابق، تشعرنا باللذة لأنها تعيد ذكريات وحنيناً يأسرنا إلى لحظة هربت من عمرنا وعمر الزمان، بحيث أن أكثر الأيام ـ وربما الأعوام ـ شقاءً وتعاسةً عشناها، تتحول بعصا سحر الحنين إلى أيام وأعوام تنبض بالحياة والبهجة!! وكثيراً ما رأيت زملاء زنزانة من زنازين النظام المقبور، يستعيدون تلك الأيام الطويلة بسعادة غامرة وشوق كبير، كمن يستذكر أحدهم رحلة سياحية زار فيها أكثر مناطق العالم روعة وجمالاً، أو كمن يستعيد بهجة أيام عرسه!!
نقَمَ الناس على الملك وسألوا الله زوال عرشه، لكنهم لما جاءت الجمهورية، ذابوا حنيناً إلى أيام الملكية الرتيبة الهادئة نسبياً وتمنوا زوال حكم (أبو اذان)، حتى إذا تسلطت عليهم طغمة البعث، حملوا صور الزعيم في قلوبهم ورأوا ابن الشعب مشرقاً مع القمر في حالك أيامهم. واليوم يحنّ بعضنا إلى رعب صدام وسلطته المهيبة، لأن أمن الخراف كان مستتباً و(شحده اليفك حلكة)، ولأن التعددية والديمقراطية لا تنفع (العُراقيين) بضم العين كما يقول جاري. لكأن بعضنا ـ ومنهم أشد الناس تضرراًـ يحنّ إلى أعوام المقابر الجماعية، وسلالم (الرفاق) التي تختطف الأبناء، وأيام (المسؤول) ببدلته الزيتونية ومسدسه (أبو الكراكيش) وأقلامه المتعددة في أعلى ردن السفاري، وهو يحصي على أبناء محلته أنفاسهم ويقرأ في العيون خيانتهم للقائد الضرورة!!
منذ الأزل ونحن نخشى الحاضر والغد. منذ الأزل نعيش في ماض هو أجمل وأكثر إشراقا وسطوعاً من حاضر لا نحياه ولا نحسن التمتع والاستمتاع بلحظته الآنية إلى أن يذهب ويزول. بعضنا كمن قضى عمره مأسوراً سجيناً مقيداً، لم يعد يحسن أن يحيا بغير القيود، وبعضنا لا يمكنه الحياة من دون أن يكون خائفاً يسوقه سوط يختار له حاضره وطريقة عيشه!!
#سعد_تركي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟