|
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٨)٠
رباب خاجه
الحوار المتمدن-العدد: 3387 - 2011 / 6 / 5 - 00:40
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب من تأليف عالم الفيزياء النظرية المعروف ستيفن هوكنغ و الفزيائي ليونارد ملوديناو. نشر في عام (٢٠١٠) . تابع الفصل السابع: المعجزة الظاهرة {للعيان}٠ في الفصل السابق تساءل المؤلف عن ما يجعل من كوكبنا المكان الإستثنائي المناسب للحياة فتجعله يبدو و كأن هنالك يد تدخلت لتصميمه خصيصا لخدمتنا بقوانين شديدة الدقة لدرجة أن التحييد عنها و لو بقيد أنمله قد يقلب جميع الموازين. و في هذا الفصل يبدأ ببيان الخصائص التي جعلت من نظامنا الشمسي نظام قابل للحياة على الأرض. و أول الخصائص الإستثنائية التي ذكرها هو كون نظامنا الشمسي ذو نجم أحادي (أي يحتوي على شمس واحد ) ، فلولا تمتع نظامنا الشمسي بهذه الميزة لما كانت هنالك فرصة للحياة أن تدب على وجه الأرض. أو كما قال بإسلوبه ” أي نظام شمسي ذو شموس متعددة ، لن يسمح، على الأرجح ، بتطور الحياة “. و السبب هو أن الكواكب التابعة له ” لن تستطيع الحفاظ على إنتظام درجات الحرارة {على سطوحها و خلال حركتها } على المدي الزمني البعيد ، و هذا كما يبدو لنا هو شرط من الشروط الضرورية {لقيام و إستمرار} الحياة ” . و لزيادة التوضيح يقوم المؤلف بضرب المثل بأبسط نظام للشموس المتعددة و هو النظام الثنائي أو الذي يحتوي على شمسين فيقول،” النظام الثنائي البسيط يستطيع أن يحافظ علي إستقرار أنواع معينة من المدارات {مختلفة عن النظام الأحادي}. و في كل واحدة من هذه المدارات سيكون هنالك علي الأغلب فترة {ما خلال دورته} يصبح فيه سطح الكوكب إما أشد حرارة أو أشد برودة من تلك التي تسمح بوجود الحياة. و الوضع يكون حتي أسوأ من ذلك في المجموعات الشمسية التي تحتوي علي نجوم عديدة {أي أكثر من إثنين } “٠ ليس ذلك و حسب بل نظامنا الشمسي له خاصية أخري لا يمكن أن تتطور بدونها الحياة للكائنات الراقية على الأرض، كما يؤكد المؤلف، هذه الخاصية هي ” الدرجة التي ينطعج بها مدار الأرض البيضاوي {الإهليليجي } حول الشمس . أو ما يسمي رياضيا بالإكسنترستي أو درجة الإنطعاج Eccentricity و الإكسنترستي هو ما يمثل رياضيا برقم بين الصفر و الواحد؛ فكلما كانت درجة الإنطعاج تساوي رقما أقرب للصفر، كلما إقترب المدار إلي الشكل الدائري المثالي، {و في المقابل } كلما كانت درجة الإنطعاج تساوي رقما أقرب للواحد كلما صار المدار أكثر تفلطحا… و بما أن درجة إنطعاج المدار الأرضي هو فقط ٢ بالمئة تقريبا، فهذا يعني أن مداره حول الشمس هو تقريبا دائري. و كما تبين لنا، فهذه الخاصية تمثل ضربة حظ كبيرة …فعلى الكواكب ذات درجة إنطعاج كبيرة {مطعوجة بشدة} ، يلعب التغير الحاصل ببعد مسافات الكوكب عن الشمس { أثناء الدوران } دورا كبيرا {في التغير الكبير في درجات الحرارة على ذلك الكوكب حسب قربه أو بعده عن الشمس }…فالكواكب التي تتميز مداراتها بدرجات إنطعاج عالية {قريبة من واحد } لا تسمح بوجود الحياة فيها. و لذا فنحن محظوظون لكون درجة إنطعاج {مدار }الأرض {حول الشمس} أو الإكسنترستي لمدار الأرض قريب جدا من الصفر { أو يمثل شكلا قريبا من الشكل الدائري } “٠ و لا تنتهي القضية هنا، بل ” الحظ ملازمنا أيضا في علاقة كتلة شمسنا مع بعد المسافة بيننا و بينه. و ذلك لكون كتلة النجم هي التي تحدد كمية الطاقة التي تصدر عنه…و لقد جري العرف أن يعرف العلماء الحيز القابل للحياة كالجزء الضيق حول النجم و التي تكون درجات الحرارة فيه مناسبة لتواجد الماء في الحالة السائلة بالحلقة الذهبية” أو Goldilocks zone و هذا الإسم في الواقع مستعار من قصة الأطفال ‘حلقة الذهب و الدببة الثلاث’ . فعندما تدخل ذات الشعر الذهبي إلى كوخ الدببة الثلاث و تستخدم أغراضهم في غيابهم فهي تقوم بإختيار الأنسب لها ، و كذلك هو هذا المجال حول الشمس”فتطور االأحياء الذكية تتطلب أن تكون درجات الحرارة {و في جميع المواسم} في ‘الحدود المناسبة فقط’ للحياة” كما يقول المؤلف. فما هي قصة هذه الحظوظ يا ترى؟ يقول المؤلف أن نيوتن كان يعتقد أن السبب في كون نظامنا الشمسي غريب ( أو شاذ ) في نوعه هو كونه لم ” يخلق عشوائيا ( أو عبث ) بواسطة حزمة من القوانين الطبيعية” ، بل هو ” مخلوق من الله في البداية، و من ثم حافظ {الله عليه} حتي يومنا هذا { بواسطة تلك القوانين } و بنفس الوضع و الحالة” . و لكن المؤلف يختلف مع نيوتن في هذه النقطة الجدلية، فيقول بأن “تصميم عالمنا القابل لوجود الحياة فيه كان بالفعل سيكون محيرا إذا كان نظامنا الشمسي هو الوحيد من نوعه في الكون ( أو أنه شاذ ) ” ، و لكن الأمر ليس كذلك ، ” ففي عام ١٩٩٢ تم إستكشاف و من ثم الحصول على أول مشاهدة مؤكدة بوجود كوكب (آخر ) يدور حول نجم غير شمسنا {و مشابه للأرض بالخصائص } . و اليوم نحن نعرف عن وجود المئات من تلك الكواكب { و إن كنا لا نعرف حتي الآن عن وجود الحياة عليها بسبب بعدها عنا }” و لا يوجد لدي العلماء شك “بوجود عدد لانهائي من تلك الأنظمة { و التي تتمتع بنفس المواصفات الخاصة بنظامنا تقريبا} بين البلايين من النجوم في كوننا . و هذا ما يجعل عامل الصدفة أو التزامن {في وجود هذه الخصائض مجتمعة } في نظامنا الشمسي – أي وجود شمس واحد، و بعد مناسب للأرض عن الشمس و الكتلة الشمسية المناسبة – أقل دهشة بكثير ، و أقل إلزاما كدليل علي أن الأرض مصمم بعناية فقط من أجل إرضائنا كجنس بشري. فالكواكب و بجميع أشكالها {و مواصفاتها } هي موجودة بيننا. و بعضها- أو علي أقل تقدير ، واحدة منها { هي الأرض }- تسمح بالحياة عليها”. و من ثم يضيف بأن “وجودنا بحد ذاته يفرض قوانين تحدد من أين و في أي وقت يسمح لنا بمشاهدة الكون. أي أن، حقيقة وجودنا يفرض مواصفات نوعية البيئة التي نجد أنفسنا فيها. و هذا المبدأ له مصطلح علمي يسمى ‘مبدأ الأنثروبي الضعيف’٠ Weak Anthropic Principle فمعرفتنا بوجودنا – أو كوننا شهودا على وجودنا – هو ما يفرض القوانين التي يتم إختيارها ، من بين كل البيئات الإحتمالية، فقط تلك البيئات التي تتمتع بمواصفات تسمح بالحياة “٠ و يؤكد المؤلف بأنه مع أن مبدأ الأنثروبي الضعيف أعلاه له وقع علي الأذن و كأنه من العلوم الفلسفية، ألا أنه ليس كذلك لأن “هذا المبدأ بالإمكان إستخدامه لعمل توقعات علمية ( أو للتأكد من قياسات معينة ). فعلى سبيل المثال، {نحن نستطيع أن نستخدمه بعملية حسابية لمعرفة } عمر الكون { بصورة تقريبية تمكننا التأكد من الحسابات الرياضية و القياسات الأخري التي نحصل عليها}”٠ فعلي سبيل المثال “حتي يكون وجودنا ممكنا على سطح الأرض فلابد للكون أن يحتوي علي عناصر (معينة ) كالكربون … و الكربون عليه بالتالي أن ينتشر في الفضاء بواسطة إنفجارات السوبرنوفا Supernova Explosion و من ثم على الكربون أن ينكمش و يتجمع كجزء من كوكب علي مجموعة شمسية حديثة. و في عام ١٩٦١ جادل الفيزيائي روبرت دايك Robert Dicke بأن هذه العمليات تتطلب علي الأقل عشرة بلايين من السنين , و هذا يعني أن عمر الكون لايمكن أن يكون أقل من ذلك. و من ناحية أخري، لا يمكن أن يكون الكون أكبر من ذاك الرقم بكثير، لأنه في المستقبل البعيد ستستنفذ كل النجوم وقودها، و نحن بحاجة للنجوم المتوهجة لكي تستمر الحياة…و حسب البيانات الحالية لدينا، فالإنفجار الكبير حصل من قبل حوالي ١٣.٧ بليون سنة… و {هكذا } فالتنبؤات الأنثروبية في العادة تعطي مجال { تقريبي} للقيم و لا تحددها بدقة {و هذا يسمح لنا بالتأكد من حساباتنا الأكثر دقة}. فتقدير مدة وجودنا، قد لا يتطلب قياسات دقيقة لبعض الظواهر الطبيعة و التي غالبا ما تكون تعتمد علي المتغيرات التي لا تبتعد كثيرا مما نجدها {رياضيا أو بالقياس}. و علاوة علي ذلك فنحن نتوقع أن تكون الشروط الفعلية في عالمنا نموذجية و ضمن مجال شرعي مسموح به. فإذا كانت درجة الإنحراف المداري، علي سبيل المثال، هي ما بين ٠،٥ و صفر كشرط للسماح بوجود الحياة، فإن درجة إنحراف بمقدار ٠،١ لا يجب أن تدهشنا لأنه إحتمال وجود هذه الدرجة من الإنحراف بين كل الكواكب في الكون، و بنسب معقولة ، ليس غريبا. و لكن لو كان الأرض يتحرك في حركه تقريبا دائرية مطلقة، بإكسنترستي أو درجة إنحراف يساوي ٠،٠٠٠٠٠٠٠٠٠١ علي سبيل المثال، فهذا ما سيجعل الأرض بالفعل كوكب خاص جدا (أو شاذ كما ذكر نيوتن )، و { عندها } قد يحضنا ذلك الأمر علي محاولة تفسير سبب وجودنا في موقع بهذه الندرة “٠ هذه الفكرة و التي تقول بأن الكون لم يخلق خصيصا لنا لها مصطلح علمي فلسفي يسمي ‘مبدأ ما دون المتوسط’ حسب المؤلف٠ The Principle of Mediocrity هذا مع العلم بأن “الصدف السعيدة التي ساهمت في تشكيل مدارات الكواكب، و كتلة الشمس، و بقية الفرص السعيدة {نعزوها للبيئة } و نسميها بيئية لأنها تقوم علي مبدأ السرنديبية”٠ Serendipity و هي في الواقع أحد الكلمات التي يصعب ترجمتها إلى أي لغة أخرى و لكن المؤلف عرفها " بالموهبة الطبيعية...لإكتشاف الأشياء من حولنا ، ليس من خلال ضربة حظ في قوانيننا الأساسية في الطبيعة {أو كما يقول البعض صدفة من غير وجود إحتمال لها في الأصل}. فعمر الكون هو أيضا عامل بيئي{زمني}، لأنه يوجد ما هو قبل و ما هو بعد في تاريخ كوننا، و لكننا نعيش في هذا {الحيز} من الزمن لأنه الحيز الوحيد الذي يسمح بالحياة { و ما دون ذلك سيتدمر بصوره طبيعية و منطقيا لن توجد لكي نضعها في حساباتنا}" و كان أحد أوائل من تعرف علي هذه الخاصية {للطبيعة} هو فريد هويل Fred Hoyle في عام ١٩٥٠ حيث ” إعتقد أن كل العناصر الكيميائية في الوجود كانت أساسا مشكلة من عنصر الهيدروجين، و أنها المادة الأساسية {في تكوين كل شيء}” مع العلم بأن هنالك أشكال مختلفة من ذرات الهيدروجين ، لها نفس عدد البروتونات و لكن عدد مختلف من النيوترونات تسمي أيسوتوب أو نظير الهيدروجين ٠ Isotopes و كان ممكن أن يكون هنالك تطور لشكل من ” أشكال الحياة التي تتغذى على السيليكون و تحرك أذيالها بصورة رذمية { إيقاعية } دائرية في أحواض من الأمونيا أمرا ممكنا، و مع ذلك فذاك النوع من الكائنات الحية الغريبة النوع لا يمكنها أن تتطور من المكونات الأساسية، لأن تلك العناصر لا يمكنها أن تشكل إلا نوعين من المركبات المستقرة؛ هيدرات الليثيوم، و التي هي كريستالات صلبة لا لون لها، و هيدرات الغاز. و كلا {المركبين } لا يمكنهما أن يعاودا إنتاج نفسهما ، أو أن يتزاوجا {ليشكلا مركبات جديدة كما هو الحال مع الهيدروجين } ." و لكن في الحقيقة نحن" نوع من الأحياء الكربونية {نخضع لقوانين الكيمياء العضوية}، و هذا ما يجعل موضوع {أو سؤال : لماذا } الكربون و الذي يحتوي علي ستة بروتونات، و كذلك العناصر الثقيلة الأخري في أجسامنا” موضوعا دقيقا لكونه تحصيل حاصل و منطقي لأن هذه المواد بالأساس قابله للتطور و إعادة الإنتاج من مكوناتها الأساسية. فلننظر إذا كيف يتكون الكربون؟ عندما “تنتهي دورة حياة النجم، فإنه ينفجر فيما يسمي بالسوبرنوفا، و ينشر الكربون و العناصر الثقيلة الأخري في الفضاء . و من ثم تتكثف هذه العناصر مع بعضها البعض مكونة كواكب جديدة . و تسمي عملية خلق الكربون بعملية الألفا الثلاثية The triple alpha process لأن العملية {الكيميائية لتكون الكربون } تتطلب إنصهار ثلاثة {جزيئات من نظائر الهليوم} مع بعض٠ و في عام ١٩٥٢ توقع هويل أن يكون مجموع طاقة نواة عناصر البرليوم و الهيليوم مساويا لطاقة أيسوتوب من الكربون المتكون {في عملية الخلط} تحت ظرف معين . أو في الحالة التي تسمي حاله الرنين٠ Resonance فهذا الظرف من شأنه أن يزيد من التفاعلات النووية. و عليه فالإنفجار بين هذه المواد و إعادة تكوينها لاحقا يصبح أمرا طبيعيا٠
و للبحث عن مدى شرعية مبدأ الأنثروبي، قام الفيزيائيون في السنوات الأخيرة بطرح أسئلة من مثل: كيف كان سيكون الكون عليه إذا كانت القوانين الطبيعية مختلفة عن القوانين الحالية؟ و اليوم نحن بإستطاعتنا خلق نماذج آلية تخبرنا كيف تعتمد درجة تفاعل الآلفا الثلاثي علي قوة القوى الرئيسية للطبيعة. و هذه الحسابات تبين لنا أن أي تغيير في القوة النووية القوية، حتي لو كان بقدر ٠،٥ في المئة أو حتى ٤ في المئة تغييرفي القوة الكهربية، سيحطم إما كل الكربون أو كل الأكسجين في أي نجمة، و معه سينتهي إحتمال تواجد الحياة كما نعرفها. فالتغيير الطفيف في القوانين الخاصة بكوننا من شأنه أن يمحي شروط تواجدنا{في الأساس}." أي أن العملية مرتبطة كليا ببعض؛ شرط الوجود و وجود الشرط.
و مع إختبار نماذج الأكوان التي وضعها الفيزيائيون عند إفتراض نظريات فيزيائية مختلفة " أصبح بإستطاعتنا أن ندرس تأثير هذا التغيير علي القانون الطبيعي بطريقة نمطية. و لقد بينت لنا{ هذه الدراسات} أنه ليس فقط قوة القوى النووية القوية في الطبيعة و القوي الكهرومغناطيسية هي التي تحسم وجودنا في الكون بل أن معظم الثوابت الأساسية تبدو و كأنها معيرة بدقة لدرجة أنه إذا حصل عليها تغيير طفيف، فهذا من شأنه أن يعمل تغييرات مرادفة كبيرة في الكمية، و في حالات كثيرة تجعلها غير مناسبة للحياة٠" فلو نظرنا مثلا للجاذبية، "فحسب قوانين الجاذبية، لا يستقر المدار الإهليجي إلا في عالم الأبعاد المكانية الثلاثة {الذي هو عالمنا}. فالمدارات الدائرية ممكنه في العوالم ذات الأبعاد الأخري، و لكنها، كما تخوف نيوتن ، غير مستقرة. و على هذا الأساس فالقواني الطبيعية {جميعها}تشكل نظاما {مترابط} دقيق المعيار، و قليل جدا من القوانين الفيزيائية ممكن أن تتغير دون أن تحطم إحتمال الحياة كما نعرفها. فلولا حدوث مجموعة من المصادفات المثيرة و بالتفاصيل الدقيقة للقانون الفيزيائي، كما يبدو، ما كان للإنسان و غيره من الكائنات الحية أن يتواجد٠ و أكثر الصدف التي تبدو أنها معيرة بصورة مذهلة الدقة تخص ما يسمى بثابت النظام الكوني Cosmological constant المطروح في المعادلات النسبية العامة لآينشتاين. فكما ذكرنا، في عام ١٩١٥، عندما صاغ آينشتاين النظرية، فإنه كان يعتقد أن الكون ساكن مستقر، أي أنه ليس في حالة إتساع أو إنكماش. و لكن بما أن كل المواد فيه تجذب إليه المواد الأخري، فهو {كان مضطر} أن يدخل في نظريته قوة جديدة عاكسة لهذه الجاذبية {ليبرر هذا الإستقرار} سماها Anti-gravity force أو مضاد الجاذبية ، ليمنع قابلية الكون بتحطيم نفسه {بسبب الجاذبية الموجودة}. هذه القوة {مضاد الجاذبية}، على عكس القوى الآخرى، لم تأتي من أي منبع معين{أو قياس في الطبيعة}، و لكنها كانت مبنية في نسيج الزمكان {الذي إقترحه آينشتاين }. و {مضطلح} الثابت الكوني يشرح قوة هذه القوى٠ و في عام ١٩٩٨ بينت المشاهدات للسوبرنوفا في المسافات البعيدة جدا عنا أن الكون في حالة إتساع بدرجات متسارعة {كما ذكرنا سابقا }، و حيث أن هذه العملية غير ممكنة إذا لم يكن هنالك نوع من القوى المضادة {للجاذبية} تعمل علي مستوي كل الفضاء. فتم إرجاع الثابت الكوني {لآينشتاين} بعد إستبعاده. و حيث إننا نعلم اليوم أن قيمة هذا الثابت لا يمكن أن يكون صفرا {بأي حال من الأحوال}، فالسؤال التالي يضل مشروعا: لماذا يجب أن يكون الثابت بهذه القيمة {و ليس غيرها}؟٠ هنالك شيء واحد أكيد و هو أنه لو كانت قيمة الثابت الكوني أكبر بكثير من ما هو عليه، لإنفجر كوننا إلي قطع عديدة قبل أن يتم السماح للمجرات بالتكون، و - مره أخري - الحياة كما نعرفها كانت ستكون مستحيلة التواجد٠
فماذا عسانا أن نفعل بكل هذه الصدف { و الحظوظ السعيدة }؟ إن ‘عامل’ الحظ بالشكل و الطبيعة الدقيقة لأساسيات القانون الفيزيائي هو نوع مختلف عن الحظ الذي نجده في عوامل البيئة. فالمسألة لا يمكن أن تفسر بسهولة، و لها دلالات فيزيائية و فلسفية أعمق بكثير من {قول مجرد حظ أو صدفة كما يردد بعض السطحيين كالداعية محمد العوضي و غيره مع أنهم لا يلامون على ذلك}. فكوننا و قوانينه يبدو لنا و كأنه تم تصميمه بالصورة التفصيلية للحفاظ علينا”٠ و لكن “دقة التعيير ممكن أن يفسر { إو يدحض } بوجود الأكوان المختلفة. فالكثيرين نسبوا إلي الله جمال و تعقيد الطبيعة و التي كانت تبدو لهم في أزمانهم محيرة لعدم وجود تفاسير علمية لها. و لكن كما قام كل من دارون و واليس بشرح كيف أن ما يبدو للناظرين أنه معجزة في تصميم الأشياء الحية {المعقدة} ممكن أن يكون بدون التدخل {القدسي} الخارق { أي أن التعقيد يتطور من البساطة و ليس العكس } . ففكرة الأكوان المتعددة ممكن أن تفسر موضوع التعيير الدقيق للقانون الفيزيائي دون الحاجة لخالق قادر علي كل شيء و الذي { قام إفتراضيا } بصنع الكون من أجل أن يكون في خدمتنا”٠أي بزيادة الفرص و الإحتمالات عندما نفكر بالمستوى الكوني الكبير فالإحتمالات المتناهية في الصغر هي إحتمالات وارده.
و من الطريف أن “آينشتاين سأل مساعده إرنست سترواس مرة هذا السؤال: ‘ هل كان الله يملك الإختيار عندما خلق الكون؟’ كما أنه في أواخر القرن السادس عشر كان كيبلر مقتنعا بأن الله خلق الكون حسب بعض العمليات الحسابية المثالية. و نيوتن بين أن نفس القوانين التي تطبق في السماوات، تطبق علي الأرض، و طور معادلات رياضية ليعبر عن هذه القوانين و التي كانت جدا أنيقة لدرجة أنها تقريبا ألهمت حرارة دينية بين الكثيرين من علماء القرن الثامن عشر و الذين بدوا أنهم مصممين علي إستخدامها لبيان أن الله كان رياضيا”٠ و هنا ينهي المؤلف هذا الفصل بإعطاء نبذة مختصرة لما ذكره في السابق فيقول أنه “منذ عهد نيوتن و خصوصا بعد أينشتاين، أصبح هدف الفيزيائيين هو إيجاد مباديء رياضية بسيطة من النوع الذي تصوره كيبلر، و مع هذه المباديء أرادوا أن يخلقوا نظرية موحدة لكل شيء و يدخلوا في حساباتها كل تفاصيل المواد و القوى التي نشاهدها في الطبيعة. و في الجزء الأخير من القرن التاسع عشر و الجزء الأول من القرن العشرين أوجد آينشتاين و ماكسويل نظريات الكهرباء و المغناطيسية و الضوء. و في عام ١٩٧٠ تم عمل النموذج النمطي، و هي النظرية الموحدة للقوى النووية القوية و الضعيفة، و قوي الكهرومغناطيسية. ثم أتي بعد ذلك كل من نظرية الوتر و نظرية- م - في محاولة لإحتواء القوى المتبقية؛ أي الجاذبية. الهدف لم يكن فقط إيجاد نظرية واحدة تفسر كل القوى بل أيضا كان لإيجاد تلك النظرية التي تفسر الأرقام الأساسية {أو الثوابت } التي تحدثنا عنها، مثل قوة هذه القوى و الكتل و شحنات العناصر الأساسية { و هكذا}. و كما قال آينشتاين، الحلم أو الأمل كان أن نكون قادرين علي أن نقول أن ‘ الطبيعة مشكلة بصورة تكون فيها القوانين قوية النفوذ بحيث تسمح فقط للثوابت المنطقية و المقررة بالكامل أن تظهر ( أي ليست كالثوابت التي ممكن أن تتغير قيمها الرقمية دون أن تتحطم النظرية )’ فالنظرية النادرة ستكون من غير المحتمل أن يكون لها التعيير الدقيق الذي يسمح لنا بالوجود. و لكن إذا فسرنا حلم آينشتاين في ضوء التطورات الجديدة {في العلوم} بأن تكون تلك النظرية النادرة التي تفسر هذا الكون و الأكوان الأخرى، مع كل المجاميع المختلفة من قوانينها، فعندئذ، نظرية م ممكن أن تكون تلك النظرية. و لكن هل نظرية م فريدة، أو هي المطلوبة بطريقة أي مبدأ أو منطق بسيط؟ و هل بإستطاعتنا أن نجيب علي هذا السؤال: لماذا نظرية م؟ يتبع
#رباب_خاجه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٧)
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٦)
-
العنصرية
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٥)£
...
-
كتاب -التصميم العظيم- ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٣)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (٢)£
...
-
كتاب “التصميم العظيم” ؛ مراجعة و ترجمة مختصرة (1)
-
علم إيه اللي إنت جاي إتقول عليه!
-
و لله في أمره شئون
-
رب ضارة نافعة
-
لماذا الحرية؟
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|