جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3386 - 2011 / 6 / 4 - 21:04
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إنه من المستحيل ترويضي , وإنه من المستحيل أن أعود إلى عالمي الآخر الذي جئتُ منه, ومستحيل أيضا أن أنسجم مع هذا الواقع الممل ,لا أشعر بأن هنالك أي قاسم مشترك بيني وبين هذا العالم,وأشعرُ بأنني قد جئتُ من كوكب آخر وهبطتُ على الأرض عن طريق الخطأ, فأنا من المفترض بي أن أعيش في عالمٍ آخر غير هذا العالم الذي لا يُملي عيني, فأنا لوحدي عالَمٌ آخرْ:عالَم ليس فيه مخلوقات بشرية, عالَم كل ما فيه من مخلوقات تكاد أن تكون نورانية , عالَم لا يوجد به غش أو كذب أو قتل أو خداع, أي ليس عالما واقعيا, فهذا العالم الواقع أنا لا أومن به ومقاسه ليس على مقاسي لأنني لا أومن لا بالكذب ولا بالغش ولا بالخداع, أي أنني من عالم آخر ليس واقعيا بعيدا عن أرض الواقع التي نعيش عليها, عالمٌ يتسع لشكوكي وعالمٌ يتسع بإستاع خيالي ليس كهذا العالم الذي يضيق على خيالي كلما اتسع الخيال, لذلك أنا جئت من عالم آخر لا يشبه هذا العالم,فأنا لا أنسجم مع هذا الواقع, أنا جئتُ لأرفض الواقع المحتوم علينا جميعا, أنا لم آت لأقول (نعم) أنا جئتُ لأعبر عن الرفض, عن رفضي لكل شيء غير متطابق مع أفكاري, لا أشعرُ بأن هنالك أي شيء مشترك بيني وبين هذه الحيوانات التي أعيشُ معهم ولا بيني ولا بين أهلي أو أولادي, أنا إنسان فريد من نوعي,أنا لم آت من عالم منسي وإنما جئتُ إلى العالم المنسي, وأنا لا أعيش في عالم الأحياء بل أعيش في عالم كله أموات وجمادات, لا شيء يحركهم, ولا تأسرهم الطبيعة الخلابة ولا تستوعبُ عقولهم العالم الفانتازي غير المحسوس, أنا عالمي عالم لا تدركه الأيدي بل تدركه الأخيلة,أنا لا يوجد لي قطع غيار أو نسخة أخرى متطورة عني, أشعرُ بأنه لا يوجد لي أي مثيل أو أي شبيه, فأنا دائما وحدي, أجلس وحدي, وأفكر وحدي, وأشرب من غير نديم, ودائما بيدي وردة جميلة لا أعرف لمن سأهديها,, وحين جئتُ من العالم الآخر جاء معي شقيقي ولكنه غادر بسرعة بعد أقل من عامين على ولادتنا وتركني وحدي في هذا العالم الضيق الأفق فلا يوجد أفق يساوي أفقي ولا يوجد مرح أو ضحك أو ابتسامة بعرض ابتسامتي, أنا كتلة من الحنان ومن العواطف الجياشة,أنا هبطتُ من السماء إلى الأرض, ومن الغيمة إلى التراب ومن الشمس إلى ظل الأرض,جئتُ من فصل الشتاء لأعيش في فصل الصيف على طول الحياة,جئت لأقول(لا) ولأعلمكم عليها ولأدربكم عليها, جئت لأبتسم في وجوهكم وجئتُ لأملأ هذا الكون ضجيجا من ضجيج روحي, أنا عالَمٌ آخر, أنا شيء آخر,أنا لا أباع بالذهب,ولا أقارن بالألماس, أنا مختلفٌ تماما عن كل الناس, فأنا لا أفهمهم ولا يوجد عقل مثل عقلي ولا يوجد قلب مثل قلبي ولا يوجد بيني وبين الناس أي قاسمٍ مشترك, جئتُ من المنتزهات الجميلة لأعيش في الغابات القاتلة والمميتة, جئتُ من عالم مزدحم بالمثاليات إلى عالم مزدحم بالفضلات النجسة,جئتُ من عالمٍ كله بناء إلى عالمٍ كله خراب, جئتُ لأعبر عن نفسي في بلدٍ فيه حرية التعبير جريمة يعاقبُ عليها القانون, جئتُ لأحتضن الناس وإذ بهم يقتلوني,جئتُ لأُقبّلَ الناس وإذ بهم يعضوني بأنيابهم الطويلة, جئتُ لأقول صباح الخير وجئت لأقول مساء الخير, جئتُ من عالم غير واقعي إلى عالمٍ واقعيٍ من الصعب أن أعيش به ومن الصعب أن أندمج به, جئتُ من عالم يحكم بالحب إلى عالم يحكم بالسيف وبالحديد وبالنار وبالقبضة الفولاذية, جئتُ من عالم لا يستبيح دمي, إلى عالمٍ يستبيح دمي ويستبيح مشاعري وكرامتي, جئتُ من عالمٍ كله فن وأدب إلى عالم كله خرابيش, جئتُ من عالمٍ كله أمل إلى عالم ليس فيه لا أملٌ ولا رجاء, جئتُ لأقول كلمتي وجئتُ لأنشد قصيدتي وجئتُ لأرسم صورتي وجئتُ لأكتب قصتي وجئتُ لأقول حقيقتي في عالم ليس فيه إلا الكذب وحتى هذه اللحظة لا أعرف كيف سأكتبُ سيرتي الذاتية إذا كان كل الذين حولي يكذبون ليلا ونهارا , والمشكلة أني أرى كلَ الناس على حقيقتهم ولا أستطيع مصارحتهم أو كشفهم, سيقتلونني لو كشفتهم على حقيقتهم, وسيحكمون عليّ بالسجن مدى الحياة إذا حاولت إقناعهم بأن هذه الحياة التي يحيونها كلها كذب.
وجئتُ لألغي المسافات بيني وبينكم, جئتُ مستقيماً لأعيش في عالمٍ أعوج, جئت بحرا من الكلمات الممتدة, جئتُ أسطورة يحكيها الغادي والرائح, جئتُ من عالم يمشي على قدمين إلى عالمٍ آخر يمشي على أربعة أقدام, جئت من سرير دافئ لأنام في العراء والبرد وحر الشمس, جئتُ من عالم أصعب شيء عليه أن يُصدّقَ الحقيقةَ أو يعيش في الحقيقةَ جئتُ من عالمٍ لا يؤمن إلا بالمُثل العليا ولا يؤمن إلا بالخيال المتسع, جئت من ذاك العالم الخيالي المتسع لأعيش في عالم مادي ضيق لا أستطيع به مد قدمي فهو لا يتسع لجسمي حين أريد النوم ولا يتسع لخيالي حين أبدأ بالتفكير, جئت من عالم يرفض الواقع إلى عالم لا يؤمن إلا بالواقع, أنا لا أومن بالواقع ولا أومن بالمحسوس ولا بالملموس, أنا لا أومن إلا بالسراب وبالحدس وبالشعور وبالاستشعار عن بعد , فحياتي كلها سراب وطوال عمري وأنا أمشي خلف السراب ,ولدتُ في عالم مثالي وجئتُ من العالم المثالي إلى العالم المادي الذي لا يوجد به لا روح ولا رومانسية,جئتُ من عالم يؤمن بالعلاقات الرومانسية كأن ترى معشوقتك نبعة ماء أو قوس قزح وتكتفي معها بأن تضع لها صورة في كتاب مع وردة جميلة, جئتُ من عالم يؤمن بأن الحب الرومانسي علاقة بين روحين وليست بين جسدين وهي جواز السفر الوحيد بين عاشقين, جئتُ من ذاك العالم إلى عالم ما زال يرى الحب كما يراه الإنسان البدائي جنس ونكاح مثل نكاح البهائم, أنا وحدي عالمٌ آخر, أنا مشكلة أخرى تختلف عن كل مشكلات العالم فمشكلتي تبدأ من قرارة نفسي وكل مشاكلي تبدأ من داخلي ومن أعماقي ولم تصادفنِ طوال حياتي مشاكل خارجية كانت وما زالت كل مشاكلي داخلية تنبعُ من داخلي ومن أعماقي ومن خيالاتي ووسواسي فخيالي أيضا هو أصل مشاكلي كلها إنني أتخيل كثيرا وأتصور كثيرا وأحلم كثيرا, إنني وهم, إنني خداع, إنني شيء غير مرئي, إنني شعاع يسير مثل شعاع الشمس, إنني ظل المثالية على الأرض, إنني النسخة الأصلية عن العالم الروحاني, إنني روح بلا جسد إنني عنفوان إنني قصة خيالية ووهمية, إنني القدر المحتوم على نفسي, إنني جئتُ من عالم كل الذي فيه من صنع خيالي ومن صنع ظنوني ومن صنع قلبي إلى عالم كل ما فيه من صنع اليد والمواد الخامة, أنا وحدي عالم ليس له حدود وحريتي ليس لها سقف, أنا صنعتني الأوهام والعواطف والحب والخوف والرجاء, وساهمت في تشكيل شخصيتي الكتب وأقوال الفلاسفة ونظرياتهم, أنا عالم لا يحده من الشمال أو الجنوب إلا الحدود التي وضعتها أنا لنفسي أنا وحدي عالم آخر مسكون بالضوء, وأنا أهوى الضوء ولا أهوى العتمة.
جئتُ مسافرا ليس لي وطن أعيش فيه وليس لي أرض أدافع عن حماها, جئتُ من عالم أعطاني كل شيء لأعيش في عالمٍ يسرقُ مني كلَ شيء, جئتُ لأعطي أكثر مما آخذ, جئتُ لألبي طلباتكم وكأنني نادلٌ في مطعم على شط البحر, جئتُ مكسواً إلى عالمٍ نزع عني كسوتي وجعلني عاريا, عالَمٌ اتخذ من نفسه قاضيا وجلادا.
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟