|
طهارة الإنسان ونجاسة الفقيه
نبيل الحيدرى
الحوار المتمدن-العدد: 3386 - 2011 / 6 / 4 - 00:26
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دخل بعض المسلمين على جملة من الفقهاء الذين استقبلوهم لكنهم رفضوا مصافحتهم وكأنهم نجسون غير طاهرين، وبعض الفقهاء وضع منديلا مغطيا يده حتى أشارت حاشيته إلى ضرورة تقبيل يده تبركا كبدعة تقديسية جديدة سنتها الدولة الصفوية آنذاك، بخلاف سيرة الرسول الذى منع كل الناس من تقبيل يده والغلو بل تواضعه وأخلاقه وخدماته وزهده وورعه نجاسة الفقيه هو المعهود من فتوى الفقهاء والمشهور من كتبهم بأحكام نجاسة الفقيه لكثير من الناس والفرق والمجموعات والأديان والمذاهب والملل مثل الكافر والمشرك بل الكثير من المسلمين والفرق الإسلامية ومن ينكر أى ضرورة من ضرورات الدين وإن كان مسلما يتشهد الشهادتين واختلفوا فى هذه الضرورات وحكم بعضهم بكفر الغلاة والمجسمة والخوارج والنواصب والبهائية، وفى الناصبى مثلا يروون الأحاديث الكثيرة (الناصبى أنجس من الكلب) لكونها نجاستين مادية ومعنوية بقول الخوئى . قال الخوئى (المعروف بين أصحابنا من المتقدمين والمتأخرين نجاسة الكافر بجميع أصنافه بل ادعي عليها الاجماع، وثبوتها في الجملة مما لا ينبغي الاشكال فيه، لا إشكال ولا شك في نجاسة المشركين بل نجاستهم من الضروريات عند الشيعة ولا نعهد فيها مخالفاً من الأصحاب)، حتى حمل بعضهم روايات الطهارة على التقية وعدم الحقيقة وهم يبنون الفقه فى تأصيل قاعدة فقهية بروايات كثيرة من الكتب الأربعة والمصادر الحديثية بمخالفته العامة وما اصطلحوا عيهم فقهيا (المخالفين)، قاصدين مذاهب السنة والجماعة بادعائهم لتعمدهم مخالفة أهل البيت وأئمتهم، ورويت أحاديث كثيرة فى ذلك وإن كنا نشك بسندها ودلالاتها كما ذكرت فى بحثى (الأحاديث الموضوعة) وكثرة الأحاديث الموضوعة وسيطرتها، قال بعضهم عن الكافر(الكافر ما يقابل الاسلام ويحكم عليه بنجاسته وهدر دمه وماله وعرضه وعدم جواز مناكحته وتوريثه من المسلم، بل المسلم غير المؤمن فهو مسلم الدنيا وكافر الآخرة، لإنكاره ولاية أمير المؤمنين الواجبة والمفترضة حسب قولهم،حتى كتب الفقيه يوسف البحرانى فى حدائقه عشرات الأدلة والأحاديث والروايات وأقوال الفقهاء الشيعة الأوائل وما يقال بطهارتهم هو من باب التقية وقد ذهب من السنة إلى نجاسة المشرك، مثل الفخر الرازى في تفسيره الكبير حيث قال: (اعلم أن ظاهر القرآن (إنّما المشركون نجس) يدلّ على كونهم أنجاساً، ونقل عن صاحب الكشاف عن ابن عباس أن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير. وعن الحسن: من صافح مشركاً توضأ وقال هذا قول الهادي من أئمة الزيدية. ونسب القول بالنجاسة في فتح الباري إلى أهل الظاهر. وممن صرح بالنجاسة ابن حزم في المحلى كما كفر الإخبارية وغيرهم من الشيعة، والسلفية وغيرهم من السنة، للعرفاء والصوفية والفلاسفة وغيرهم، حيث أفتى مثلا 8 فقهاء شيعة بكفر الخمينى لإيمانه بوحدة الوجود وشرحه لكتاب (فصوص الحكم) لابن العربى المكفر أصلا وتبنيه للآراء الباطنية، حتى خاطب الخمينى الفقهاء الذين يكفرونه ويحرمون كتبه بأنهم لايصافحون ابنه ولايمكنهم حمل كتبه إلا بمنديل وغيره، كما كفر الخمينى نفسه سلمان رشدى لكتابه (الآيات الشيطانية) وآخرين فإذا حكموا بكفر إنسان فهو نجس ويحل دمه وعرضه وماله وقد استند الفقيه على النجاسة فى ضمن أدلته معتمدا على آية قرآنية هى قوله تعالى (إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) سورة التوبة/الآية 28، وجملة أحاديث منسوبة فى كتب الأخبار. رغم أن الآية الآنفة فيها دلالات سبعة تصرفها عن النجاسة المصطلحة أخيرا، أولا أداة الحصر فتبدأ الآية بكلمة (إنما) التى تفيد الحصر والقصر ثانيا حديثها عن المشركين، والفرق بين المشركين والكفار وثالثا أن النجس فى الآية بالفتح لا الكسر والفرق بين النجس المعنوى والمادى ونجاسة العين أو غيرها والحقيقى والإعتبارى فضلا عن أنواع النجس، رابعا الآية تتحدث عن عدم الإقتراب (لايقربوا) ولاأحد من الفقهاء يحرم الإقتراب من المساجد بل قد يحرمون دخول المسجد فيما يشمله حكم المسجد من الطهارة وفرق واسع بين الإقتراب والدخول مما يوحى إلى النجاسة المعنوية لسكرهم بما تسببه الخمرة والسكارى، خامسا الآية تقول (بعد عامهم هذا) مما تعنى السماح هذا العام وهو التاسع من الهجرة أواخر حياة النبى حيث منع طواف البيت عريانا كما نزلت براءة فيما بعد الفتح، سادسا الآية تتحدث عن المسجد الحرام وله خصوصياته وفيه الكعبة المشرفة، سابعا السياق وأسباب النزول والظروف الموضوعية لنزولها وتتمة الآية نفسها (وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) وغيرها. وأما الأحاديث فهنالك مجال كبير وواسع لمناقشة سندها ودلالاتها وظروفها، هذا كله إضافة إلى وجود آيات عديدة تقابلها مثل قوله تعالى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) سورة المائدة/ الآية5 ثم إضافتها جواز زواجهم (والمحصنات من الذين أوتو الكتاب) مع ما يستلزمه الزواج، وأما الأحاديث فلم يستعمل لفظ النجس إلا فى حديثين ضعيفين من مجموعة تقرب من ستمائة حديث فى الموضوع ما يكشف عن تطور استعمال اللفظ حتى تحول أخيرا إلى مصطلح لم يعتمده العرف عصر الرسالة والتبادر إليه فقد تطور لفظ النجس والكافر كثيرا، يقول محمد باقر الصدر (فلم تكن النجاسة قد خصصت للتعبير عن القذارة الشرعية آنذاك ولم يستقر الإصطلاح الشرعى بها، إذا رجعنا إلى عصر الرواة نجد أن قضية نجاسة الكافر لم تكن مركوزة رغم ابتلاء المسلمين بالتعايش مع أصناف منهم فى المدينة وغيرها خصوصا بعد صلح الحديبية ووجود العلائق الرحمية وغيرها فلو كانت نجاستهم مقررة فى عصر الرسالة لانعكس ذلك وانتشر وأصبح من الواضحات ولسمعت من النبى نفسه توضيحات كثيرة لكثرة الإبتلاء) إضافة للسيرة النبوية (ما دعى إلى طعام فرده بل جلس وأكل معهم) وزوجاته من النصرانية واليهودية وغيرهما وروايات تتحدث عن مناط وحكمة خارجية فى شرب الخمر وأكل الخنزير مثل (فسأله هل يشربون الخمر أو يأكلون الخنزير فى نفس الإناء) وأيضا (لاتأكله ولاتقل أنه حرام بل تتركه تتنزه، إن فى آنيتهم الخمر ولحم الخنزير) وقصة زكريا بن إبراهيم فضلا عن صانعى الطعام منهم مثلا (جاريتك نصرانية وأنت تعلم أنها نصرانية وتصنع لك الطعام فتأكل منه يوميا) قال (لا بأس بذلك)... وخلت السيرة مما يقوله بعضهم اليوم (هذا كافر وهذا نجس...) وما سمى بالحواجز مع الكفار والجاهلية، إضافة إلى رأى فقهاء فى جواز الزواج منهم وتغسيل الكتابى للمسلم فى بعض الحالات وهما لاينسجمان مع النجاسة الذاتية، وأمور كثيرة أخرى وقد صارحنى بعض الفقهاء من إيمانه بطهارة الإنسان لكنه لايستطيع أن يعلن ذلك وهذا يذكرنى بفتوى البعض بطهارة أهل الكتاب وألف فى ذلك كتابا (طهارة أهل الكتاب) حيث واجه حملة كبيرة شعواء لأنه تجاوز العرف والمشهور فى هذه المسألة علما أن الكثير من الفقهاء آنذاك كان يؤمنون بطهارتهم وقد لايصرحون بذلك كما شرحه محمد جواد مغنية (عاصرت ثلاثة مراجع كبار، الأول فى النجف وهو الشيخ محمد رضا آل ياسين والثانى فى لبنان وهو السيد محسن الأمين والثالث فى قم وهو السيد صدر الدين الصدر وجميعا يقولون بطهارة أهل الكتاب ويسرون بذلك لمن يثقون به ولم يعلنوا ذلك خوفا من المهوشين، وأنا على يقين بأن الكثير من الفقهاء كانوا يرون الطهارة ولكنهم يخشون أهل الجهل، والله أحق أن يخشوه). علما أن الفقه القديم لم يطرح نجاسة الكافر بهذا العنوان بل قد تطرح جزئيا بشكل طهارة سؤر الكافر وجواز الوضوء به كابن أبى عقيل والمفيد، والصدوق فى فقيهه (ولايجوز الوضوء بسؤر اليهودى والنصرانى وولد الزنا والمشرك وأشد منه سؤر الناصبى) حيث كان الفقه القديم يسير حسب الروايات بعكس الأصوليين المتأخرين عنهم وأن النهى قد يحمل على التنزيه لا الحرمة وهم يعددون النجاسات ويذكرون ما لايلتزم أحد بنجاستها كالثعلب والأرنب والوزغ والفأرة وغيرها. ومن هنا تكون نجاسة الفقهاء لجملة كبيرة من الأمم والفرق حتى الإسلامية مرتدة عليهم كما جاءت فى الأحاديث لمن يكفر غيره أن ينتقل الكفر إليه فقد قال الرسول الكريم (من كفر مسلما فقد كفر) وغيرها وقد جاءت سلسلة كبيرة من التكفير ذكرتها فى مقالى السابق (جدل التفكير والتكفير) حتى من فقهاء لفقهاء آخرين فضلا عن تكفير فرقة إسلامية لفرقة أخرى، وخلاف الفقهاء وصل حدا بقول الصدر الثانى عن السيستانى وامتناعه مصافحته وغيره مما أعلنه فى خطب الجمعة ولقاءاته، وكذلك حرب فقهاء المشروطة فى إيران، وفتوى الخوئى ضد الشيرازى وأن أمره مريب، وفتاوى فقهاء من إيران الثورة ضد الخوئى لاستقباله زوجة الشاه وإهدائه خاتما لها أيام ثورة الخمينى، وفتاوى الفرس ضد الصدر الأول والصدر الثانى وضد فضل الله لدرجة قولهم (ضال مضل يحرم اقتناء كتبه والصلاة خلفه أو أحد وكلائه أو تسليم الحقوق لهم) وعشرات غيرها وقد أجبر الواقع شيئا شيئا أن يكون الرأى السائد اليوم هو طهارة أهل الكتاب ولكن تبقى نجاسة الكافر هى الشائعة رغم أن البعض يعتقد بطهارة الناس جميعا والنجاسة عرضية معنوية بسبب ظروف خارجية كالخمرة وظروف النص لذلك يقال بطهارته عندما يتحول إلى الإسلام فهل تغيرت مكوناته الذاتية النجسة عينا كالنجاسات إلى طهارة أم هى مسألة معنوية كما يقول البعض ومن أين جاءته النجاسة وهل هى مادية أم معنوية، علما أن أصلنا كلنا واحد فنحن من آدم وهو من تراب، فمن أين جاءت النجاسة؟ وقد رأى بعضهم طهارة المشركين كما في تفسير الفخر الرازى، وصاحب المغني أنّ الآدمي طاهر وسؤره طاهر سواء كان مسلماً أو كافراً عند عامة أهل العلم. وفي البدائع (سؤر الطاهر المتفق على طهارته سؤر الآدمي بكل حال مسلماً كان أو مشركاً)، وابن نجيم الحنفي في البحر الرائق، والشربيني الشافعي في اقناعه، والغزالي في وجيزه، وابن حجر في فتح الباري والعيني في عمدة القاري، وكذا في الفقه على المذاهب الأربعة؛ هذه أمثلة عند السنة، وأما من الشيعة فقد قال بطهارة الإنسان حاليا مثل محمد حسين فضل الله ومحمد مهدى شمس الدين من لبنان وآصف محسنى من أفغانستان وإبراهيم الجناتى وحسين النورى من إيران وغيرهم، وهى تمثل إنفتاحا على الآخر بعد العولمة وسفر الفقهاء للغرب من أجل العلاج، وتمثل وعيا وتسامحا ضروريا أجبره الواقع والحياة والتأمل فى النصوص وإعادة قراءتها بوعى وانفتاح (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكركم عند الله أتقاكم)
#نبيل_الحيدرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التقليد والإستحمار الدينى
-
المجلس الأعلى الإسلامى العراقى فى الميزان
-
جدل التفكير والتكفير
المزيد.....
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|