|
مسقبل الوحدة العربية
علي رحيم مذكور
الحوار المتمدن-العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 23:07
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ارتبطت المسالة القومية، مسألة الهوية ووعي الذات، ولا تزال مرتبطة بالثورة الديمقراطية "البرجوازية" وظهور الرأسمالية وتطورها في مراكز النظام العالمي وأطرافه على السواء حتى الأمم العريقة التي تضرب جذورها في ماض سحيق اندرجت في التاريح الحديث الذي دشنته الثورة الديمقراطية وأصبحت واحدة من أهم مسائلها وأصبح وجودها الواقعي (مقابل الوجود الرمزي) ومستقبلها مرهونين بقدرتها على إعادة انتاج ذاتها في ضوء مسائل هذه الثورة ومنجزاتها إي في ضوء حقائق العصر الحديث. ولذلك بات من الضروري التمييز بين القومية التقليدية والقومية الحديثة ولعل الإنسانوية والعلمانية والعقلانية والديمقراطية والفكر الاشتراكي هي اهم منجزات الثورة الديمقراطية التي تخطت بوصفها كذلك طابعها الاجتماعي "البرجوازي" وإطارها القومي ونطاقها الجغرافي وأصبحت محرزاً نهائياً لبني الإنسان.ومع تحول الرأسمالية إلى نظام عالمي أصبحت الصراعات القومية جزءاً لا يتجزأ من الصراع العالمي ومظهراً أساسياً من مظاهره وهو صراع يلتبس في إطاره ويتداخل تداخلاً بنيوياً التعارض بين الإمبريالية وحركات التحرر القومي والثورة الديمقراطية أو محاولات النهوض و التقدم في أطراف النظام العالمي والتعارض بين الرأسمالية بوصفها نمط إنتاج أو تشكيلة اجتماعية - اقتصادية، والاشتراكية نقيضها الجدلي التاريخي، فضلاً عن التنافس والتنازع بين مراكز النظام الرأسمالي المتقدمة ذاتها، إذ يحيل التعارض الأول على المستوي الأيديولوجي - السياسي، ويحيل الثاني، التعارض بين الرأسمالية والاشتراكية، على المستوى الاجتماعي - الاقتصادي ببعدية العالمي و التاريخي ويدل الثالث، أي التنافس بين المراكز الرأسمالية على تمفصل المسألة الاجتماعية (الطبقية) و المسألة القومية، وعلى قابليتهما معاً للانفتاح على أفق عالمي وإنساني ولا يخفي الترابط البنيوي والعلاقات الديالكتية بين هذه المستويات (الاجتماعي والاقتصادي والايديولوجي والسياسي والطبقي والقومي والإنساني..، سواء على الصعيد القومي أو على صعيد النظام العالمي برمته. وقد أظهرت التجربة التاريخية لكل من منظومة الدول الاشتراكية ولا سيما اتحاد الجمهوريات السوفياتية السابق، وحركة التحرر القومي خطر وخطل الخلط بين هذه المستويات، من ذلك مواجهة الرأسمالية ببرنامج قومي - امبراطوري أو بردود فعل "قومية"، ومواجهة الامبريالية ببرنامج اشتراكي كما أظهر انهيار منظومة الدول الاشتراكية (باستثناء الصين وكوبا و فيتنام وكوريا وإخفاق حركات التحرر القومي وانفجار النزعات الإثنية (الأقوامية) في معظمها، أظهر أن المسألة القومية تنطوي على تناقض داخلي يجعل منها إما رافعة للتقدم، عندما تنفتح على ما هو عالمي وانساني وتكتسب طابعاً ومحتوى ديمقراطياً، أو عامل انحطاط وتراجع عندما تنغلق على ذاتها وتنمو فيها الميول والنزعات الشوفينية.وإذا كان الفكر النظري لا يحتاج إلى أدلة جديدة وبراهين إضافية على أهمية المسألة القومية وحضورها التاريخي وبقائها على جدول أعمال الأمم التي لم تنجز ثورتها الديمقراطية ولم تتمثل قيم العصر الحديث ومناهجه وعلومه وتقنياته... فإن الفكر القومي معني باستخلاص المغزى الذي تنطوي عليه هذه النزاعات التي تمزق ما تبقى من وحدة دول الاتحاد اليوغسلافي السابق، ودول الاتحاد السوفياتي السابق وبعض دول ما كان يسمى "العالم الثالث"، في ظل ما يسمى "النظام الدولي الجديد" الأمريكي الطابع،. وفي ظل عملية أو سيرورة "العولمة" الجارية والمتسارعة والتي كانت تعنى في الماضي القريب أوربه العالم وتعني اليوم أمركته اي جعله أمريكياً من خلال عولمة الاقتصاد والسياسة والثفافة والإعلام.. هذه العملية التي هي في الوقت نفسة عملية أو سيرورة تهميش أطراف النظام العالمي بوتائر متسارعة وتفتيت دول الأطراف وأممها وشعوبها، بالتلازم ولعل تلازم عمليتي التهميش والتفتيت وتكاملهما من أبرز خصائص النظام الدولي الجديد، نظام الهيمنة الأمريكية التامة. أليس من معنى لانفجار هذه النزاعات في سياق انهيار منظومة الدول الاشتراكية وتحول دولها وكسورها إلى "اقتصاد السوق" وتصالحها مع الإمبريالية ولاسيما الإمبريالية الأمريكية؟! وبعبارة أخرى أليس من معنى لانفجار هذه النزاعات نتيجة التغيرات في النظام العالمي ونسق العلاقات الدولية (النظام الدولي) الناجمة فضلاً عن التحول النوعي في النظام الرأسمالي، ممثلاً بالثورة العلمية - التكنولوجية أو الثورة الصناعية الثالثة، عن انتصار الولايات المتحدة في حربها مثلثة الأبعاد على أوروبا الغربية وعلى حركات التحرر القومي وعلى المعسكر الاشتراكي وتحولها إلى إمبراطورية بلا حدود، تريد فرض هيمنتها على العالم بالقوة العسكرية العارية دافعة به في اتجاه الهمجية؟إلا أن لانفجار هذه النزاعات مغزى آخر يتقوم في غياب الديمقراطية الكفيلة بحل مسألة الأقليات الأثنية حلاً صحيحاً، فإن شعبًا يضطهد غيره من الشعوب لا يستطيع أن يكون حراً، وإن شعباً لا يستطيع أن يفرض السعادة على شعب آخر من دون أن يدمر شروط سعادته هو - حسب ماركس - ومسألة الاقليات الإثنية ستظل متفجرة هناك وكامنة هنا حتى تجد حلها الديمقراطي. لقد بات من الضروري مناقشة مستقبل الوحدة العربية بدلالة التغيرات البنيانية في النظام العالمي. وفي نسق العلاقات الدولية، وفي ظل تنامي وحدة العالم التناقضية وسيرورة تهميش الأطراف وتفتيت دولها وأممها وشعوبها، وبدلالة تغير أشكال الصراع العالمي في جميع مستوياته وتغير أساليبه وأدواته (على أمل أن الحرب لن تكون بعد اليوم الوسيلة الوحيدة ولا الأساسية، لأن الحرب مستحيلة بين الكبار اليوم كما كانت بالأمس بدون كارثة نووية تأتي على الجميع).في هذا السياق يمكن الحديث عن مستقبل الوحدة العربية إذا شئنا أن نضع المسألة في إطار فكري سياسي وليس في إطار أيديولوجي وإذا كانت التجزئة العربية هي "محصلة التأخر التاريخي للشعب العربي والأوضاع الإمبرلية الناجمة عنه، حسب ياسين الحافظ، وتعبيراً عن " القانون الموضوعي لعمل الإمبريالية في الوطن العربي، حسب الياس مرقص، فإن الوحدة العربية راهنة وممكنة بقدر ما تعي قوى الأمة الحية أهميتها وضرورتها وبقدر ما تبدي هذه القوى من الجسارة والثبات في مواجهة التاخر التاريخي والهيمنة الامبريالية في آن معاً وإنه من العبث مواجهة التاخر والهيمنة الامبريالية ببرنامج قوموي او اشتراكي او بأيديولوجية تنموية - اقتصادية ليبرالية جديدة فالبرنامج الوحيد الممكن في مواجهتهما هو البرنامج القومي الديمقراطي أي برنامج الثورة القومية الديمقراطية ذات الافق الاشتراكي بكل منطوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. لقد كان مقتل حركة الثورة العربية و لايزال، في مهادنة الامبريالية والتكيف مع واقع التأخر بل يمكن القول إن الحركة القومية لأية أمة من الأمم تنتكس و تتراجع إلى أسوأ ما في ماضي الأمة عندما تكف عن مقارعة الإمبريالية.وإذا كان التعارض بين الامبريالية وحركات التحرر القومي والثورة الديمقراطية أو محاولات النهوض والتقدم في أطراف النظام الرأسمالي العالمي وهوامشه التابعة والمتأخرة، يتكثف في المستوى الأيديولوجي - السياسي فإن التأخر التاريخي يتكثف هو الآخر في المستوى الأيديولوجي السياسي نفسه، وهنا تتجلى مصاعب المشروع الوحدوي وعقباته بوصفه مشروعا للتحرر والتقدم، فالأمة العربية لا تستطيع أن تتحرر من دون أن تتقدم ولا تستطيع أن تتقدم دون أن تتحرر، وغياب المشروع الوحدوي بوصفه رافعة التحرر والتقدم وشرطهما الضروري يجعل من هذه الاشكالية، التحرر/ التقدم، دائرة مغلقة أو معيبة كدائرة الدجاجة والبيضة ومادام هناك تأخر، وهيمنة إمبريالية، ستظل المسألة القومية حية على نحو ما، وستظل الوحدة القومية أحد احتمالات الواقع وممكناته، أي أنها ستظل موجودة بالقوة حتى تتوافر الشروط والعوامل الموضوعية والذاتية اللازمة والكافية لإخراجها من القوة إلى الفعل وذلك يطرح السؤال عن المدخل المناسب للعمل الوحدوي هل هو مدخل اقتصادي أم عسكري بونابرتي أم ثقافي أم أيديولوجي - سياسي؟ وعلى الرغم من اللبس الذي تنطوي عليه كلمة أيديولوجيا وعلى الرغم مما يشاع اليوم حول انهيار الأيديولوجيات وانقضاء زمانها، فإن المدخل الذي يبدو أكثر اتفاقاً مع منطق الواقع وحقائق العصر هو المدخل الأيديولوجي - السياسي ومن نافل القول أن نشرط ذلك بقاعدة معرفية أو منهجية مناسبة لعلها الماركسية ولاسيما المنهج الديالكتي التاريخي والتصور المادي للعالم والتاريخ.لقد أبرز العدوان الإمبريالي الأمريكي على العراق واحتلال أهم منابع النفط العربي وفرض الحصار على ليبيا مدى تعطش الشعب العربي إلى موقف قومي موحد ومتماسك يصد العدوان ويضع حداً للانهيار الذي وضع الأمة على منحدر لا يعلم قراره إلا الله، وفجر من جديد الشعور القومي الذي هو بحق أهم ضمانات الوحدة القومية ومقوماتها الواقعية الأبعد غوراً والأكثر رسوخاً والذي لم تنل منه لا الإمبريالية والصهيونية ولا النظم القطرية والاتجاهات والميول الأقليمية والمحلوية ولا الأيديولوجيات المذهبية ولا البداوة النفطية.. لأن هذا الشعور العفوي الذي تكون تاريخياً وتحول في أحيان كثيرة إلى واقع مادي وظاهرة سياسية هو محصلة المقومات الواقعية للوحدة العربية الثاوية في الواقع العربي وفي قاع البنى الذهنية والنفسية و الثقافية والحضارية، على الرغم من نقص الاندماج القومي والاجتماعي وواقع التجزئة. هذا الشعور القومي هو بالأحرى شعور بالحاجة إلى الوحدة العربية وتلمس عفوي لضرورتها التاريخية ورد فعل جماعي (وإن يكن سلبياً) على التحدي الخارجي الإمبريالي - الصهيوني.ولكن الشعور القومي، على أهميته، لا يمكن أن يتحول إلى ظاهرة سياسية وفعل تاريخي إيجابي ما لم يرق إلى ادراك واع بذاته أي إلى فكر نظري يعيد صياغة مبادئة ومقولاته، ويعيد بناء الثقافة والأيديولوجا القوميتين، ويصوغ الوعي الجماعي (واللاوعي الجماعي أيضاً) ويتحول فيه إلى عنصر ديناميكي يحدثة ويعقلنه بإعادة بناء العلاقات بين عناصره ومكوناته ذاتها من منظور كوني وتاريخي، واقعي (عقلاني) وحديث، وعلى أسس انجازية إن الشعور العفوي هو جنين الوعي الذي يجب أن يرقى إلى مستوى وعي الضرورة التاريخية، وإلا، فإن رد الفعل مهما بدا صحيحاً ومشروعاً ومسوغاً أخلاقياً في حينه، لايتعدى اطار اللاعقلانية في الحقل السياسي وربما كان أسوأ أشكال اللاعقلانية (كأن يدفع رد الفعل على الانتهاك الإمبريالي إلى تسويغ الاستبداد والقهر والفساد وغض النظر عن الواقع المتعفن).وإن ثنائية: التحدي ورد الفعل تكشف عن غلبة المنهج الوضعي على الفكر العربي وعن غياب تصور استراتيجي لمشروع التحرر والتقدم العربيين، ولعلاقة هذا المشروع بالصراع العالمي مما يدفع إلى القول: إن مستقبل الوحدة العربية مرهون أولاً بالموقف الذي سيتخذه المثقفون العرب وكتلة الانتلجنتسيا العربية والحركة السياسية العربية إزاء الواقع الراهن وقضايا العصر الأساسية، كما تتجلى في النطاق القومي لكل أمة على حدة، وفي نطاق النظام الدولي بوصفه نسق العلاقات السياسية المتغيرة بين الأمم والشعوب والدول.وفي نطاق النظام العالمي المولد لهذه العلاقات، ومرهون ثانياً، بقدرة الفكر العربي على إخراج المسألة القومية بسفحيها: الاستقلال والوحدة القومية، من اطار البدهيات والحدوس، ومن دائرة الحتمية التاريخية والأحلام الرومانسية وردود الفعل ووضعها في السياق التاريخي الواقعي بوصفها إحدى ممكنات الواقع بثلاثة أبعاده: التاريخي والكوني أو العالمي والعقلاني أو المنطقي وذلك بالنظر إليها في واقعها الإشكالي المركب من حيث علاقتها الديالكتية بالتقدم العربي أولاً، وبمشروع التحرر من الهيمنة الإمبريالية والاحتلال الاستيطاني الصهيوني ثانياً وبالديمقراطية والمجتمع المدني أساساً، فقد أكدت التجربة التاريخية العربية الحديثة والمعاصرة منذ محاولة النهضة الأولى التي قادها محمد علي باشا إلى اليوم، مروراً بمحاولة النهضة الثانية التي قادها عبد الناصر، أن الوحدة العربية هي رافعة التقدم وشرطة الضروري، فلا تقدم جديا واسخاً ومطرداً من دون وحدة قومية، ولا تحرر من دون وحدة قومية أيضاً، كما أكدتت التجربة ذاتها تصادم المشروع الوحدي العربي مع الامبريالية، حتى ليمكن القول إن النضال الجدي ضد الامبريالية واسرائيل هو بالأحرى نضال وحدوي أولاً وديمقراطي ثانياً بالتلازم الضروري، صحيح أن هذه المقولات نهضة تقدم، تحرر، وحدة.. تحتاج إلى فحص ومعاينة ونقد وتحديد، وكذلك المعايير التي تنقد في ضوئها وتحدد على أساسها، إلا أن المسألة الأبدأ، في موضوعنا، هي الاجابة عن السؤال: فيم يتجلى أو يتجسد مفهوم الأمة؟ في الدولة القومية أو الدولة الأموية أم في المجتمع المدني العلماني الذي أنجز عملية أو سيرورة الاندماج القومي والاجتماعي أي حل مشكلة الأقليات الإثنية والدينية والمذهبية وحقق تدامجاً قومياً وتواشجاً اجتماعياً يعارضان ويعاندان عملية التفتيت والتهميش التي أطلقتها سيرورة التوسع الرأسمالي على الصعيد العالمي؟ لقد قام الفكر القومي التقليدوي والتقليدوي الجديد على أساس تصور ميتافيزيقي للأمة بوصفها جوهراً خالداً يتجلى في "دولة قومية" مصممة قبلياً (مسبقة الصنع) وهو تصور يتسق مع تأويل محافظ ورجعي للفكرة الهيغلية، فكانت "الدولة" (القطرية) الحاضرة هي الشكل السياسي لوجود الأمة الغائبة "حسب ميشيل كيلو ولم تتمكن هذه الدولة، منذ قيامها حتى الآن من "خلق" الأمة، بل على العكس من ذلك نجحت في منع الأمة من اقامة وحدتها وبناء دولتها الديمقراطية، لأنها أي الدولة القطرية قامت، ولا تزال قائمة على أساس تغييب الشعب وتهميشه.لاشك أن ثمة علاقة وطيدة وصميمة بين الأمة والدولة لكن هذه العلاقة تمر بالضرورة في المجتمع المدني بوصفه شكل التوسط بين الأمة والدولة، أو لنقل التجسيد الواقعي، الاجتماعي - الاقتصادي للأمة بوصفها أمة الأفراد المختلفين الذين ينتمون إليها والذين تربطهم علاقات ضرورية ناجمة عن حاجاتهم وميولهم ونزواتهم وتطالعاتهم، تكتسب محتوى قومياً، ثقافياً وسياسياً ينمو طرداً مع نمو المجتمع المدني ويضمر بضموره، فحين يتحول المجتمع إلى جمع غير منسوج، وإلى رعية، لا يكون ثمة أمل بوحدة قومية أو دولة قومية. فالدولة القومية لا تكون كذلك إلا عندما تنبثق عن المجتمع المدني وتشكل تعبيره السياسي أو مظهره السياسي، أي عندما تكون تعبيراً عن الكل الاجتماعي والشأن العام وليس عن جزء من المجتمع أو فئة من فئاته، طبقة كانت أم حزباً "ثورياً" أو "قومياً" دولة يرى فيها كل مواطن ذاته أو صورته السياسية، وعندما يخضع لقوانينها إنما يخضع لذاته فقط وذلك مشروط بالديمقراطية شرطاً لازما أو ضرورياً، إذ لا يمكن بناء المجتمع المدني من دون الديمقراطية، ولا يمكن تحقيق الديمقراطية وممارستها خارج إطار المجتمع المدني إن الدولة الحصرية، الفئوية ليست، ولا يمكن أن تكون الدولة القومية أو نواة تلك الدولة. ولكن، هل يمكن وضع الوحدة العربية في سياق واقعي وتاريخي بالقفز عن الوضع القائم للدولة القطرية بوصفها واقعاً عيانياً، أو بالقفز عن حقيقة تعدد الأقاليم العربية وتنوعها واختلافها ونموها المتفاوت، فضلاً عن وضعية التأخر التاريخي الذي يسم بناها المجتمعية، ولا سيما الأيديولوجية - السياسية؟ يتجاور في الوعي السياسي العربي مفهومان لكل منهما مرتسمه الواقعي ومحتواه المستمد من شروط تكونه وسيرورة تطوره مفهوم الوطنية المعبر عن نزعة وطنية قطرية أو إقليمية كانت الدولة القطرية تعبيرها السياسي، ومفهوم القومية المعبر عن ميل أو نزوع وحدوي وقد درج الفكر السياسي العربي على معارضة أحد هذين المفهومين بالآخر بغض النظر عن محتواه أو مضمونه الذي يتحدد بالسياق التاريخي الذي انتجه وبالطابع الاجتماعي للقوى التي تلتزمه وتضع على أساسه أهدافها أو شعاراتها ولم يكن تعدد القوى الاستعمارية التي سيطرت على الوطن العربي في المرحلة الكولونيالية، وشروط النضال ضدها في كل قطر هو السبب الوحيد لولادة أو ظهور مفهوم الوطنية الذي يوضع إزاء القومية وفي معارضتها، بل إن تعدد الأقاليم العربية وتنوعها واختلافها هو الأساس الموضوعي والواقعي الذي هيأ لذلك (باستثناء بعض الكيانات القطرية التي أقامتها القوى الاستعمارية لتؤدي وظيفة سياسية) وهذه حقيقة واقعية ناجمة عن علاقة التاريخ بالجغرافيا، ومن العبث تجاوزها أو إهمالها أو التقليل من شأنها، كما أن من الخطر والخطل تضخيمها حتى تحجب ما عداها.ثمة من ينظر إلى النزعة الوطنية على أنها شر مطلق وحجر عثرة في طريق الوحدة العربية، وينظر بالتالي إلى الدولة القطرية بإطلاق، على أنها البلاء الأعظم، منطلقاً من تصور ميتافيزيقي لدولة قومية غير محدودة بزمان أو مكان وبريئة من كل دنس قطري أو إقليمي جاهلاً أو متجاهلاً أن النزعة الوطنية هي الأساس الواقعي لمشروع قومي ديمقراطي وحدوي إذا توافر فيها شرطان أساسيان متلازمان هما معاداة الإمبريالية والصهيونية أولاً والنزوع إلى التقدم ثانياً. وقد أثبت التاريخ العربي المعاصر أن نزعة وطنية معادية للاستعمار ومن ثم للإمبريالية والصهيونية ونزاعة إلى التقدم كانت في أساس محاولة النهضة الثانية التي قادها عبد الناصر وفي أساس وحدة مصر وسورية.فقد كشف عبد الناصر كما كشف قبله محمد علي، وكلاهما حكم مصر بشروطها التاريخية، أن استقلال مصر الناجز لا يتحقق إلا بتوحيد شطري الوطن العربي الآسيوي والأفريقي، ولا سيما بوحدة سورية ومصر وكان وعي عبد الناصر الوحدوي تطوراً موضوعياً متدرجا لنزعته الوطنية المصرية. إن غياب أحد هذين الشرطين أو غيابهما معاً يحول النزعة الوطنية والدولة القطرية تعبيرها السياسي إلى نزعة انعزالية تستجيب لآليات الهيمنة والاستتباع والتفتيت والتهميش وتنتج ضعفها الذاتي ومازقها التاريخي كما هي حال بعض الدول القطرية وانظمتها التي تحولت إلى أنظمة أمن قومي أمريكي، إن الدولة القطرية يمكن،أن تكون نواة الدولة القومية أو جزءاً منها حقاً عندما تكون معادية للإمبريالية والصهيونية أولاً ونزاعة إلى التقدم ثانياً وذلك غير ممكن إلا إذا كانت منبثقة عن المجتمع المدني ومعبرة عن الكل الاجتماعي والشأن العام، أي إنه غير ممكن إلا إذا كانت دولة ديمقراطية تقوم على سيادة الشعب وفصل السلطات وإمكانية تداول السلطة سلمياً، وعلى أساس صيانة حرية الفرد وحقوق الإنسان وكفالة الحريات السياسية والاجتماعية، ذلك لأنها في معركتها مع الإمبريالية وإسرائيل وفي محاولتها قهر التأخر محتاجة إلى الاستقواء بالشعب والاعتماد على طاقات الأمة وإمكاناتها الذاتية، لاسيما في مواجهة عدو لا يمكن هزيمته بالقوة العسكرية فقط. وهنا يصبح تسييس الشعب شرطاً ضرورياً لا غنى عنه يتوقف عليه مستقبل المشروع الوحدوي القومي الديمقراطي ومصير الدولة ذاتها لأن الدولة التي لا تستقوي بالشعب ولا تتحصن بحصون المجتمع المدني إنما تضع مصيرها بيد أعدائها وأعداء الأمة. كما أن التقدم الفعلي، الذي يمكث في الأرض وينفع الناس، مشروط بالديمقراطية بوصفها نسقاً متقدماً وتقدمياً للعلاقات الاجتماعية - السياسية ونظريية معرفة تقوم على نسبية الحقيقة وموضوعية العالم واحتمال خطأ الذات الذي له دائماً مصدران أحدهما اجتماعي أو طبقي والآخر غنوزيولوجي أو معرفي. وما الأيديولوجيات الانعزالية سوى تعبير عن نزعة "وطنية" أو إقليمية كفت عن كونها معادية للإمبريالية وإسرائيل، أو كفت عن نزوعها إلى التقدم أو كفت عنهما معاً فاستمرأت التبعية والتأخر والاستبداد وتكيفت مع منطق التوسع الرأسمالي. والدولة القطرية التي لا تعبر عن الكل الاجتماعي والشأن العام هي بالأحرى استطالة عضوية للأوليغارشيه الجديدة في المراكز الرأسمالية وتكملة منطقية لها فالدكتاتورية في أطراف النظام الرأسمالي العالمي والأوليغارشية الجديدة في مراكزه وجهان لعملة واحدة مثلما التأخر والتقدم وجهان لعملة واحدة وعملية أو سيرورة واحدة هي عملية التوسع الرأسمالي.إن مستقبل الوحدة العربية مرهون بأن تضع قوى التغيير العربية الراديكالية الوحدة العربية في محور عملها الاستراتيجي من أجل التحرر والتقدم وذلك بأن تربط نضالها ضد الإمبريالية واسرائيل بالنضال من أجل المجتمع المدني والدولة الديمقراطية وذلك في إطار تصور استراتيجي محدد وواضح المعالم أي في إطار مشروع قومي ديمقراطي ذي أفق اشتراكي.وفي نطاق المجتمع المدني العلماني والدولة الديمقراطية يتاح للأمة أن تحقق وحدتها وتبني دولتها القومية فهي وحدها جديرة بذلك وقادرة عليه.فكرة بلد عربى واحد يضم كل الدول العربية فكرة قديمة حاول الكثيرون العمل على تطبيقها وفشلت في كل مرة حتى الحلم بتلك الفكرة فاشل.يرى البعض ان فرصه العرب اقوى من فرص الاتحاد الاوروبى الذى استطاع رغم تعدد لغاته وايضا اختلاف اقتصادياته استطاع رغم ذلك بناء كيان قوى يعتمد على اقتصاد واحد وعملة موحدةوقرارات اقتصادية واحدة ناهيك عن الاتحاد السياسى والعسكرى الرهيب والدفاع المشترك وما إلى اخره ولكن الفرصة لدينا كعرب صعبة على الرغم من اننا نملك مقومات مثل وحدة اللغة ووحدة والدين الواحد والترابط الثقافى والفكرى ، ولكنه صعب لعدة اسباب : اولا وجود حكام ينهبوا خيرات شعوبهم دون النظر إلى اى شىء اخر وبالتالى لا يهمهم العمل على اتحاد الدول العربية لان الموضوع لا يعنيهم ، ثانيا : الفكر القبلى المسيطر على العقول العربية فالخليجى لا يثق بالشامى والمغربى صعب ان يتعامل مع المصرى والعراقى بينه وبين الكويتى تار بايت ثالثا : الاختلاف المتفاوت بين اقتصاديات الدول وبالطبع دول الخليج العائمة على البترول لا يمكن ان تقارن بدولة مثل الصومال مثلا وبالتالى اذا حدث اى اتحاد فان فقر الصومال سيؤثر على السعودية لذلك من الافضل للسعودية اقتصاديا ان تتعامل مع دولة غربية. ايضا فان هناك دول منتجة مثل مصر تستطيع ان تعطى منتجات اذا لم يكن لديها اموال مثل دول الخليج فماذا تستطيع ان تعطيه دولة مثل الصومال ؟؟ حتى يحدث الاندماج والاتحاد امامنا قرون وقرون ،يجب اولا حل النزاعات وحل مشاكل الفقر وما يؤدى اليها من بطالة وتضخم و...... من كانت هناك الجمهورية العربية المتحدة التى ضمت عدة دول عربية تعاونت فيما بينها والتى فشلت فشلا زريعا وايضا مجلس التعاون العربى الذى ضم اربع دول والذى لايزال باقيا إلى الان مجلس التعاون الخليجى ما هى العوامل التى ساعدت على استمرار هذا الاتحاد إلى الان ؟؟ بالطبع اولها العامل الخغرافى وثانيها اللهجة ولست اقصد هنا اللغة فقط انما اقصد اللهجة الخليجية الواحدة وثالثا المستوى الاقتصادى تقريبا واحد, فمجلس التعاون الخليجى ناجح إلى الان والعملة الخليجية الموحدة ستصدر عام 2010 ان شاء الله - نرى ان مجلس التعاون الخليجى 6 والمجلس ناجح إلى حد ما - دول المغرب العربى (تونس - الجزائر - المغرب - موريتانيا - الصحراء المغربية) لها تقريبا نفس الظروف الاقتصادية ونفس العوامل الاخرى التى يمكنها من عمل اتحاد فيما بينها - دول مضيق باب المندب(الصومال - جيبوتى - اريتريا - اليمن ) - دول الشام (سوريا - لبنان - الأردن - فلسطين ) - ايضا يمكن قيام بعض الاتحادات الاقتصادية الاخرى مثل دول حوض المتوسط العربية و دول حوض البحر الاحمر وغيرها
#علي_رحيم_مذكور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هواجس المملكه العربيه السعوديه من عراق ما بعد 2003
-
العراق وجيرانه بعد الاحتلال
-
التجربه الحزبيه في العراق
-
(( هويه وطنيه ام قوميه ام دينيه ؟ ))
-
أزدهار القوى الاسلاميه وتراجع القوى القوميه العربيه
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|