|
الرغبة والعبادة
محمد لفته محل
الحوار المتمدن-العدد: 3385 - 2011 / 6 / 3 - 09:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
دائما تنشر وسائل الإعلام والصحف ومواقع الانترنيت الدينية بين فترة وأخرى إشاعات عن تحول شابة إلى معزة! لأنها فضلت قنوات الستالايت على الصلاة، أو شخص نبشت جثته بعد دفنه بقليل فوجد يلتف بأفعى ضخمة أو عليها آثار تعذيب بسبب تركه للصلاة أو غيرها،(1) ويتحدث الخطباء دائما عن ضعف الإقبال على الصلاة من قبل الشباب واهتمامهم بالبرامج التلفزيونية كالمسلسلات والأفلام والرياضة وانشغالهم بالانترنيت الخ ما يدل على نهاية العالم! ويستنتجون إن الشيطان هو المسؤول عن ذلك! بسبب ضعف إيمان الشباب وكثرة وسائل الإغراء والإلهاء، بدل أن يسألوا لماذا يفضل الشاب البرامج التلفزيونية والانترنيت على الطقوس والعبادة؟ ذلك أن الشاب سيمل البرامج التلفزيونية بكل بساطة لو تكررت هذه البرامج أكثر من مرة دون استبدال، وهذا ما نجده واضحا في العبادة من تكرار وإعادة وملل دون تجديد، يؤدي بالشاب إلى البحث عن التجديد، لأن النفس الإنسانية تميل للتغيير وهذا ما يفسر تغير الأفكار والعصور والأجيال، إن المشكلة حقيقية، لكن الحلول أسطورية كعادتهم، فالشيطان في التحليل النفسي ما هو إلا رغبات الإنسان وغرائزه المكبوتة والغير مشبعة والمحرمة لهذا يحاولون إسقاط هذه الطبيعة من داخل الإنسان إلى خارجه باسم الشيطان؟(2) حتى يبدو الأمر ليس طبيعيا داخليا وإنما خارجيا مفتعل من قبل عدو الله والإنسان! وحتى يعتقد الإنسان في الوقت الذي يحارب فيه نفسه أنه يحارب قضية خارجية؟ وهذا سر عذابه وصراعه الفاشل ضد هذا العدو المفترض على مر الأزمان؟ فمهما زاد التدين لن يقل انجذاب الإنسان لغرائزه ولرغباته وأنانيته ومصالحه، ما لم يتفهم الإنسان طبيعته الداخلية علميا ليتعامل معها ويسيطر عليها، فهذا التدين الشكلي والضعيف بين المسلمين، هو بسبب طبيعة الدين الذي يفصل الإنسان عن طبيعته البايلوجية والاجتماعية، لأن الإنسان يتغير اجتماعيا ونفسيا أما الدين فهو معتقد ثابت يحتاج إلى تجديد يوازي تجديد الإنسان وأن لا يخضع تغير الدين لأي مصالح سياسية أو نفعية أو شخصية كما يحدث الآن في الدول الإسلامية كالسعودية وإيران، فأخذ الدين كما هو دون تغيير أو تغييره لمصالح سياسية، هو الذي أدى إلى هذا الاغتراب عن الدين، فالصلاة هي واجب إجباري دون أي شعور أو عاطفة نحوها سوى لذة الانتهاء من أدائها؟ إلا في حالات المحنة التي يمر بها الشخص فتصبح الصلاة ملاذ واستنجاد ويطول وقتها أثناء الأداء وتترقرق الدموع ويكثر الدعاء المتهدج وتكون المواظبة على تأديتها بالوقت المناسب؟ وهذا يعني أن وظيفة الصلاة نفعية يلجأ إليها الفرد برغبة حين يكون في حالة ضعف وانكسار وحاجة أو مصلحة! وطبعا حين يقوم الدين على هكذا مقومات يفقد أي قيمة إنسانية له، فالإيمان يجب أن يكون عنصر قوة لا ضعف للإنسان! أن لا يستغل ظروف الإنسان لكي يؤمن به، بل يجب أن يؤمن وهو في كامل قوته واستقراره وليس ضعفه وانكساره؟ فالإنسان حين يكون في حالة ضعف وخوف تكون مواقفه انفعالية عاطفية غير منطقية، ويكون تفكيره تبريري، والحقيقة أن الدين يركز على التهديد بالعذاب في الجحيم وعلى البلايا في الدنيا للمخالفين ويستغل مشاعر الخوف من الموت والمرض والفقر والظلم حتى يبقى الإنسان في حالة ضعف وخوف دائم بالتالي في حالة عبادة!، بل ويشرع قوانين دنيوية قاسية تصل حد الإعدام كعقوبة التكفير والإلحاد والتجديف، للتخويف! دون استخدام الحوار والنقاش وحق الاختلاف للرأي الآخر؟ أن الصلاة هنا أصبحت عنصر خوف من البلايا الدنيوية ومن العذاب بعد الموت! لأن حياة المؤمن مهما كانت جيدة كلها رهن بيد الرب وليست بيده!(3) أن الديانة القائمة على التخوف من العذاب ومن البلاء الدنيوي هي ديانة تفقد قوتها بمجرد زوال هذا الخوف، وتخلق مؤمن دون أيمان، لهذا نرى أن أصحاب الأموال والمناصب يكونون دائما ضعيفين الإيمان. يجب أن تكون الصلاة رغبة قائمة على القناعة والقوة وليس الخوف والضعف؟ وتخرج من الرتابة والروتين والإجبارية التي تجعل الصلاة من وظيفة نفسية إلى عادة وفعل ميكانيكي مفروض من الخارج؟ وهذا ما يجعل الشخص مجرد يؤدي فرضه الديني ثم يعود كما كان يحس بفراغ نفسي وتعصب ضد كل نقد لدينه، ولا يلتزم بتعاليم دينه الأخرى التي تحثه على السلوك الخيري وفق شريعته، فنرى كثير من المتدينين يخالفون تعاليم دينهم أو يحتالوا عليها؟ ومع ذلك يضغط رجال الدين على الناس بالالتزام القهري والشكلي بالدين دون أن يكلفوا أنفسهم أصلاح أنماط العبادة وهذا ما أدى إلى هذه الظواهر السلبية من مظاهر التدين الشكلي. إن من الضروري أصلاح ألدين ويجب أن يبدأ من تغيير في الطقوس والعبادات من فروض إجبارية إلزامية إلى طوعية فبدل أن تكون الصلاة عدد من الفروض تصبح حرة غير ملزمة بحسب ظرف الشخص إذا كان متعب أو مشغول أو غير راغب بأدائها أو غير مستعد نفسيا وعاطفيا أو غير قادر على التركيز، إلى حين أحساسة بالرغبة واستعداده نفسيا حتى لو تطلب ذلك أسابيع لحين اشتياقه وقناعته بأدائها، وبدل أن يعزل الرجال عن النساء في المساجد تصبح الصلاة مختلطة بين الجنسين حتى تقوى رغبة الشباب في الإقبال على الصلاة وحبها ويكون المسجد مكان للتواصل والتعارف والحب والزواج ومكان للفعاليات المشتركة بين الجنسين كدورات الشعر والأدب والمواهب الأخرى. وهذا هو سر إقبال المسلمين على (مسيلمة) بسبب أصلاحه أنماط العبادة حيث قام بتقصير أوقات الصلاة بما يتلاءم مع حاجات الناس، ولو لم يقتل مبكرا لكان له اليوم أتباع كثيرون، يجب أن تخرج الطقوس والعبادة من طابعها الآلي لتصبح فعلا إراديا ذاتيا عن حب وانسجام بها وليس واجبا خارجيا إجباريا، وتكون الرغبة أهم من الفعل، فحتى لو لم يصلي الشخص مطلقا أفضل من أدائها بدون الشعور بها، والشخص الذي ينوي الصلاة لكنه لا يستطيع أفضل من الذي يصليها كروتين، والذي ليس له رغبة في الصلاة نهائيا أفضل من الذي يصلي ويخالف تعاليم دينه عند مصالحه. ـــــــــــــ 1ـ أن هذا التخويف بالكذب لن يغير شيا من المشكلة (ضعف الإقبال على الدين) فهو بدل أن يحلها يكبتها أي أن الشاب يبقى يحس بفراغ أيماني وضعف مقاومته تجاه المغريات المحرمة مع شعور بالذنب وبالخوف وبصراع نفسي متعب. 2ـ ربما هناك سبب نفسي بالتوازي مع السياسي في أسطورة الشيطان، وهي نرجسية الإنسان التي تأبى القبول بحقيقته العدوانية ورغباته المحرمة والمضادة للحضارة سواء ألاشعورية أو الشعورية، لهذا لا يتم الاعتراف بها داخل الإنسان بل خارجه في شكل مخلوق مستقل معادي للإنسان الطيب بطبيعته، ويحاول إيقاعه بالشر؟. 3ـ أن عبارات مثل (أن شاء الله، بقوة الله، إذا أراد الله، أتركها على الله، الحمد لله والشكر، إذا بقينا أحياء، مابين المغرب والعشاء يفعل الله ما يشاء) التي تلغي إرادة الإنسان على حياته وظروفه، وتجعلها بيد الرب، هذه الثقافة القدرية جزء إستراتيجية الدين السياسي ليبقى الإنسان في حالة ضعف وخوف من تغيير ظروفه في حالة مخالفته أحكام الدين الإلهي. لكن إذا كل شيء ُمقدر وُمقرر مسبقا من أرادة الله، وأن على الإنسان الرضوخ والقبول والقناعة والشكر، فلماذا يشتكي الإنسان لله وحده (الشكوى لغير الله مذلة)؟ هنا يجب أن احلل العبارة إلى دلالاتها السياسية الخام، وهي بحسب نظريتي عن فرضية الإله في الأديان السياسية، أن الله هو الحاكم نفسه بعد أن قسم ذاته لنصفين، مثالي سماوي (الرب)، ودنيوي عملي (المختار، أو ظل الله)، وهذا يعني أن الشكوى يجب أن تتوجه للحاكم فقط وليس للناس؟ لأنه الأقدر منهم على تحقيق حاجاتهم وحقوقهم التي سلبها منهم وحصرها به وبأتباعه، ولأنه وان كان يعترف أنه الذي قدر الخير والشر، لكنه ُيحّمل الإنسان مسؤولية الشر، وُيحّمل نفسه مسؤولية الخير! وعليه فهو الجهة الوحيدة النزيهة التي يجب أن تتوجه إليها بالشكوى، لكن هذه الشكوى ليست إلا تنفيس نفسي، وتخدير من الظلم الذي تقترفه السلطة بحق الناس ولا تتعدى إلى الرفض والاحتجاج والثورة، وعبارة (اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن اسئلك اللطف في)! التي تروجها السلطة، هي خير دليل على ما أقول. أي على الناس القبول بكل شيء من الحاكم ولا حق لديهم إلا الشكوى له فقط! أي الشكوى للجاني والقاضي معا!.
#محمد_لفته_محل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
موقفي من العادات والتقاليد
-
شذرات فكرية
-
ثنائية القبلية والتمدن
-
الكونية في الأديان السياسية؟
-
الاغتراب والنكوص الفكري في المجتمع العربي
-
فلسفة نزار قباني في المرأة والحب والجنس والحرية والتغيير*
-
ثنائية مدح الأنا وذمها
-
العلم وفرضية ألله
-
ألانتماء الديني بين الواقع العملي والواقع ألافتراضي
-
حضر علم الاجتماع الديني في الجامعات العربية!
-
صنم الديمقراطية
-
نحو وعي مدني
-
الإرهاب الظل
-
المرأة وصورتها الثنائية في المجتمع العربي
-
انثروبولوجيا دينية
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|