|
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من وقائع الثورة في ليبيا .. 2
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 3383 - 2011 / 6 / 1 - 19:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
الوضع لا زال ينذر بالانهيار .. وأسطح المنازل تعلن الولاء للزعيم بقرار رسمي مبتهجة برفع الاعلام الخضراء ، في حين تختفي تلك الاعلام بمجرد سماع السكان لأصوات طائرات العدو ، وهي تحلق في سماء الوطن المستباحه .. كل شيء يوحي بنهاية واحدة لا فروع لها ولا شعاب ، نهاية تقول بأن اللعبة انتهت بحكم المنطق ، وحسب واقع الحال .. لعبة ختمتها عربة بائع خضار تونسي عاطل عن العمل ، أمر جبروت بلاده بأن يسقط كما سقط عرش فرعون امام عصى موسى .. إنها الخاتمة الطبيعية لمن لا يريد ان يرعوي فيستفيد من وقائع التاريخ ، خاتمة مكتوبة بذات اللون وبنفس نوع الخط ، معلنة بأن دينامكية الحياة أضحت لا تتقبل العفن القديم ، والحرس القديم ، والفكر القديم ، والعقول الموغلة في امتهان التعامل مع وحل فكري لا يتماشى مع ضرورات التقدم الحثيث في كل مناحي الحياة .. إنها الحقيقة المرة الحلوه ، تلك التي تطل برأسها هذه الأيام ، مسجلة أروع صور التصدي لأعتى أنظمة لا تريد ان تصدق ، بان سفرها على هامات مواطنيها قد بلغ محطته الاخيره . بالأمس كان بوعزيزي هو الشراره لتندلع ثورة الياسمين ، ضاربة وبمشرط تحركه سواعد المظلومين في اعماق عائلة الطرابلسي الحاكمة في تونس ، ومن بعدها قال ميدان التحرير في أم الدنيا كلمته هو الآخر، ليزيح وباصرار حاز على اعجاب القاصي والداني ، أوسخ ما عرفه التاريخ العربي من حرامية بلغ بهم الغباء حدا أصبحوا فيه من تجار الخرده وممتهني مقاولات بيع الاراضي ، رغم كونهم حكاما ذاع صيتهم حفنة من السنين ليست قليله .. تبعتهم ومعهم ثورة اليمن وسوريا وليبيا ، لتشتعل النيران في رموز لا تريد ان تقر بنفاذ صلاحيتها بامتلاك السلطه .. لم يكن بمقدوري يوما أن أصمد أمام لحظة كشف وجوه الموتى لحضور ما يسمى بالنظرة الاخيره .. بل إنني لم اعثر على مسوغ ديني ، ولا حتى أخلاقي ، للتعامل مع الميت وبهذه الطريقه .. غير أنني كنت مجبر على مشاهدة جثث تفترش الرصيف قرب مدينة العزيزيه في ليبيا ، وانا في طريقي الى سكني عائدا ، أو بالاحرى هاربا من جحيم الصدف ، كل شيء هنا أصبح خاضعا لأحكام الصدفه .. ان تموت في بيتك مقتولا أمر ممكن الحدوث .. فالجميع مسلح ، وفي فضاء المدن والشوارع يتحرك المطلق سراحهم من السجون كي يؤدوا ما عليهم من دية .. ولا أسهل من دية إحداث الرعب في نفوس قد تهوى التمرد .. هكذا فعل صدام حسين عندما اصدر عفوا عاما عن السجناء حين شعر بضيق خناق التغيير .. وهكذا فعل حاكم اليمن .. وهكذا كان الحال في بقية بلدان قررت ان تستجيب لصرخة بائع الخضار التونسي الرمز .. سحنات الوجوه بدأت تتغير منسجمة مع ألاخبار التي تحمل صور الثورة في الشرق .. ولم يعد التواصل بين الاجانب والليبيين وديا .. وراحت العيون تحرث في اجساد من يخطأ فيتسوق وبشكل علني .. إنها فكرة واحدة تلك التي تنطلق من رؤوس ابناء الحارة والزقاق حينما يلوح لهم اجنبي وخاصة من العرب ، وهو يحمل كيسا يظهر منه خيال لفاكهة أو علبة عصير .. فالمال الخاص والمكتسب عن طريق العمل مهما كان نوعه من قبل الاجانب ، هو مال ليبي محض ولا يجوز التصرف به في هذه الأيام .. ثمة من يقول في سره وانا منهم ، ترى لماذا ثار الليبيون وهم بحق يمتلكون الكثير مما لا يمتلكه سواهم في اليمن او سوريا او تونس ؟ .. فمهما بالغت وسائل الترويج لحدوث الثوره في إظهار صور الفقر هنا وهناك كدليل على حالات التذمر في ليبيا ، غير ان الفرد الليبي وفي الغالب الأعم ، يعتبر أكثر امتلاكا لنعمة الاكتفاء من غيره ، فلا أزمة في الغذاء ولا في الدواء وليست هناك مشكلة في الكهرباء او المياه الصالحة للشرب .. الجميع عدا القلة القليلة يمتلكون وسائط النقل الخاصه ، بل إن أغلب العائلات تمتلك اكثر من سيارة تدعمها أسعار متدنية جدا للوقود ، وفي الغالب تمتلك الكثير من الأسر أكثر من دار .. الفرد الليبي تحترمه مطارات العالم ، وتستقبله حواجز فحص الجوازات عندما يسافر خارج بلاده بكل الود .. لا يوجد ليبي بدون رصيد في المصارف ، بل إن الملايين منهم يتقاضون ثلاث رواتب مرة واحده لوجود سجلات مؤشر فيها بانهم يعملون في عدة وظائف ، ولا سيما النساء من ربات البيوت ، حيث يتقاضين رواتبهن وهن قابعات في المنازل وبصفات وظيفية وهمية مختلفه .. من لا يثق من الموطنين الليبيين بالطب في بلاده بامكانه الرحيل الى مستشفيات تونس في الحال وبأيسر السبل ، ومن يريد أن يتعلم فالدراسة مجانيه .. وتقول بعض الاحصائيات غير الرسميه بأن ليبيا لديها عدد لا يستهان به من الزمالات الدراسيه في الخارج وعلى نفقة الدوله ، ولا يمكن لمن أقام في الجماهيرية الليبية من غير الليبيين أن ينكر مدى سعة حملة التعمير الحاصلة في البلاد في الفترة الاخيرة وعلى كافة المستويات ، فمشاريع الإسكان الضخمة بدأت تزحف في جميع المدن من خلال العمارات المنفذة من قبل العديد من الشركات الكورية الجنوبيه لتوفيرما يقارب 530 الف وحده سكنيه .. وتم حجز مساحات واسعة داخل وحول العاصمة طرابلس لتشييد الفنادق الفخمة والمطارات والحدائق العامة وملاعب الاطفال ، وتطورت بشكل ملحوظ نتائج الحملات القائمة في مجال انشاء خطوط الصرف الصحي ، وبدا واقعا وجود فائض في الكهرباء ، وتوفر المياه الصالحة للشرب ، ولا يغيب عن المتتبع روعة شبكة الطرق المعبده والتي تمتد الى أبعد الاعماق في الصحراء ، ناهيكم عن التسهيلات المصرفية لغرض استلام السلف النقدية على اختلاف انواعها .. فما الذي حدث كي تنقلب الامور وبهذا الشكل إذن ؟ .. ما هي الدواعي الحقيقية للثورة عدا عن كونها حركة تحمل في طياتها أجندات مناطقية أساسها ذلك الصراع المتخفي بين الشرق والغرب ، والذي ظهر في اوقات مختلفة على شكل هيجان مدني قادته مدينة بنغازي ولم تستجب له بقية المدن وبالشكل الذي ظهر مؤخرا ؟ .. باعتقادي ، ونتيجة المعايشة المباشرة للوضع العام في لببيا ولفترة امتدت لأكثر من إربعة عشر عام ، فان من ابرز المسببات الحقيقية للحراك الشعبي الليبي الاخير ، هو ذلك الانفصال عميق الجذور ، بين ما تؤمن به القيادة الليبية من إرهاصات فكرية ، وبين ما يراه المجتمع من تغييرات تترى على بقية المجتمعات حتى القريبة منها في البلدان الاخرى ، تلك الارهاصات التي أضحت ثقيلة على مجمل الحركة الاجتماعية الداخلية ، بحيث نجحت تلك القيادة وبشكل كبير في تحجيم القدرة على الابداع وفي كل الميادين ، كي يبقى القائد هو الوحيد القادر على ترتيب امور الرعية .. فلا صحافة بمعنى الصحافة لانه لا يوجد كتاب ، ولا شعر لانه لا يوجد شعراء ، ولا موسيقى متميزة لعدم وجود موسيقيين ، وليست هناك متاحف تحمل سمات عرض التحف ، ولا ذكر البته لما يقال عنه بانه مسرح ، ولا اتذكر ابدا بانني شاهدت أو سمعت عن فرقة فنية يعرفها اي ليبي ، غير تلك التي تدبك للقائد وبمناسبات ليست لها تواريخ بعينها .. حتى الرياضه ، كانت ولفترة طويله ، حكرا على فرق تدار من قبل الحكومة وبطرق رسمية ، مما جعلها دائمة الانتكاس وعلى الدوام خلال المواسم الرياضية المحلية والدوليه .. وما يحير فعلا هو ذلك الاصرار الغريب على البقاء رهن حيثيات ثابتة في كل شيء بمجرد ان القائد قد آمن بها وسطرها في لحظة من لحظات عشقه لممارسة ( الفلسفه ) .. لقد عجزت شخصيا عن العثور على اي ليبي يستطيع معرفة أي الشهور هو شهر آي النار ، أو شهر الحرث ، أو شهر هانيبال ، وكان ذلك سببا في اضطراب ظاهر في كيفية معرفة الفترات الحقيقية لتثبيت التقارير الفنية للاعمال المنجزة وعلى كافة الصعد ، كل ذلك لأن القائد وليست المؤسسة او التجمع المختص هو صاحب الفكرة والقرار .. وبدت التسميات الثقيلة لكافة مؤسسات الدوله والتجمعات المدنية وبشكل لا شبيه له في كافة انحاء العالم ، معرقلا للمواطن الليبي في ميدان تعامله الرسمي وغير الرسمي سواء في الداخل او الخارج ، معرضة إياه الى الاستهجان وعدم الانسجام مع المحيط القريب والبعيد .. كل ذلك ايضا لأن القائد هو الذي حدد معالمه غير القابلة لأي حوار أو تغيير . لقد تجسدت عملية التهميش المقصودة والخبيثة للمواطن الليبي وفي اوضح صورها ، في تلك المؤسسة الرسمية السرية المعنية بمتابعة ما سموا بالموهوبين في ليبيا ، والتي تم العثور على مكاتبها وملفاتها في مدن بنغازي ومصراته مؤخرا ، حيث جرى تكليف هذه المؤسسة بالاطاحة بكل طفل او شاب تعكس سيرته الذاتية بأنه سيكون موهوبا في مجال ما من مجالات العلوم او التكنلوجيا او الفن او حتى السياسه ، وذلك من خلال حرف قابلياته عن مسار الابداع وتوظيف طاقاته في اتجاهات اخرى كي يتوقف وتموت قابلياته المتميزه .. فريادة كل شيء لا تخرج عن طوع ما يراه الاخ القائد ، وما يرسم له في مخيلته .. فهو وحده من يتحدث من خلال موقعه الالكتروني ليس للجماهير الليبية فحسب ، وانما للعالم اجمع .. وهو وحده المكلف بالتفكير نيابة عن الشعب ، فيفز من نومه احيانا مثقلا بالجديد من الفلسفة ، لتنطلق بطانته جاهدة نفسها بتهيئة قاعات الجامعات ، وتأمين اعقد وسائل النقل المباشر عبر شاشات العرض عن بعد ، كي يتحدث قائد الثورة للطلاب وللاساتذة وللسياسيين في العالم ، عن معنى اسم اوباما الرئيس الامريكي الاسود .
يتبع ليبيا 20 / 3 / 2011
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ملك الملوك والمربع القادم على رقعة الشطرنج .. صور قريبة من و
...
-
ألعراق لم يكن إرثا من آبائكم .. فكيف تتبرعون بأراضيه ؟!
-
ألحزن الكبير ...
-
كان لدينا قطار للموت .. فهل سمع أحدكم بذلك ؟!!
-
الفودكا .. واختراق الحصار ..
-
دعوة نصوح .. كي يموت فينا الضد السيء .
-
أمريكا تحتفل بافضل راقصيها..
-
للحقيقة .. إتجاه واحد .
-
لمصلحة من يجري التحامل على التجربة السوفيتيه ؟؟ .
-
كيف السبيل لإرضاء شركاء الدم ؟
-
هيبة القانون ، أم هيبة الدوله ؟
-
متى يصار إلى النطق بالحقائق ؟
-
ألشيطان رجل .. ( قصة قصيره )
-
رافقوني إلى القاع .. فذلك أجدى لمعايشة الحقيقه .
-
اليسار في بلادنا ، وتخلفه عن ريادة الحركة الشعبيه .
-
رمضان .. شهر الفقراء
-
حينما تؤمن أمة ، بأن سكينا تنطق !! .
-
مصير كادت أن تقرره حبة تمر
-
إحكام العقل ، وما ينتظرنا في رمضان .
-
للرجل ذكرى ، مازالت موقدة في ذاكرة العراق .
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|