|
عبد الحليم قنديل .. اختطاف الحقيقة
أحمد الخميسي
الحوار المتمدن-العدد: 1009 - 2004 / 11 / 6 - 09:35
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
الحكاية أصبحت معروفة داخل الأوساط الثقافية المصرية والعربية : فقد اختطف عبد الحليم قنديل، الصحفي اللامع ، من أمام منزله فجر يوم الثلاثاء 2 نوفمبر ، وعصب الخاطفون الأربعة عينيه ، وكمموا فمه ، وزجوا به داخل سيارة وقيدوه ثم انطلقوا به إلي صحراء المقطم حيث انقضوا عليه بالضرب متعمدين إصابته في عينيه التي يعاني من مشاكل قديمة بها ، ارتكبوا كل ذلك وهم يكررون له عبارة واحدة:" هذا لكي لا تتطاول على الكبار " ! وحين أنهوا مهمة " الحوار الفكري " على طريقة الحكومة خلعوا نظارته وملابسه وتركوه بمفرده هناك . ووجد عبد الحليم قنديل نفسه وحده في الصحراء إلي أن عاد إلي بيته في الحادية عشرة صباحا . ما حدث يذكر فقط بحكايات عصابات سوق السلاح ، وكبار تجار المخدرات ، ومجرمي جمهوريات الموز في أمريكا اللاتينية الذين يتحكمون في صناديق الانتخابات ، وأماكن بيع السلع ، وقدر الإتاوات ، وما حدث يذكر فقط بالأفلام الأمريكية التي نتبع فيها صحفيا بطلا شجاعا يكتشف الحقيقة فلا يجدون وسيلة لإسكاته سوى ضربه ، و تهديده بنسف بيته ، وتفجير سيارته . وقد أمر النائب العام المصري ماهر عبد الواحد بفتح تحقيق فوري حول ما جرى من اعتداء على عبد الحليم قنديل المعروف الذي قاد حملة ضد " توريث الحكم" معبرا بذلك عما في صدر الشعب . وما حدث – وهو مذهل – يشير إلي جوهر ما تعنيه السلطة بالديمقراطية ، والتعددية الحزبية ، والمعارضة المقيدة إلي عتبات أبوابها . فالواقع أنه ما من شئ - خلف لوحة الكلمات – سوى مجموعات من العائلات الكبرى الإجرامية التي يرعى كل منها أب روحي تتقاسم السوق ، والأرباح ، وتبيع بالقطعة محطات مصر النووية ، وعلماءها ، وتتعيش على بيع الغاز والأسمنت المصري لترفع به الجدار الإسرائيلي ، ثم تجمع فتات الوساطة السياسية ، وتحصي في الليل أوراقها النقدية قبل أن تهرب المليارات إلي الخارج . ولعل عبد الحليم قنديل كان يراجع - وهو وحده في الصحراء - كل ما كتبه ، ومعنى أن يكون كاتبا شريفا ، يتلهف الناس على قراءة عموده ، ويحيطونه بالحب والأمل تقديرا لقلمه الذي كتب عن التوريث ، والفساد، واحتلال العراق ، وفلسطين ، ومعاداة الأمريكيين ، والجماعات الممولة ، والإصلاح السياسي ، والأوضاع الاقتصادية ، والتطبيع ، وثقافة الهزيمة ، ولم يترك قضية واحدة تؤرق الناس إلا وتصدى لها بشجاعة وصدق . ولعل قنديل راجع في وقفته وحيدا حياته كلها ، وتساءل : ألم يكن بوسعي أن أكسب كثيرا من مهنة الطب وأنا طبيب ؟ ألم يكن بمقدوري أن أكسب كثيرا من مهنة الصحافة ؟ ألم أكن أسمع التحذير من حولي ؟ لكن لماذا يفضل المرء على كل ذلك شيئا آخر ، لا سعر له ولا ثمن ، هو الحقيقة ؟ ولماذا يحمل عبء هذه الحقيقة ؟ بل ويعشقها رغم كل شئ ؟ ما هي القوة التي تتألق كالجوهرة داخل الإنسان وتجعله عصيا على الزيف ؟ في مجتمع يباع فيه ويشترى كل شئ : الشوارب ، والأحذية ، والأفكار ، والميول السياسية ، والصحف، والمبادرات ، وكلمات الأغاني ، والصمت ، والنطق ، والمؤتمرات ، والأغذية الفاسدة ، وعبور سفن الغزو في قناة السويس ، مجتمع يعاني فيه تسعة ملايين من البطالة ، وستة ملايين من الاكتئاب النفسي ، ويعيش 35 % من أبنائه في مساكن عشوائية ، و4 مليون أسرة بدون مأوى ، وبه 18 مليون أمي في عصر المعلومات ، وفيه يحيا 45 % من الفلاحين بلا أرض ولا سقف ، وتعد دولته رقم 68 من بين دول العالم التي يموت فيها أطفالها دون سن الخامسة ، و يعيش فيها نحو ستة ملايين ينفق الفرد منهم أقل من دولار واحد يوميا ! أليست هذه هي الإنجازات التي يضاف إليها مؤخرا اختطاف الصحفيين ؟ أليس تعرية تلك الإنجازات هو تهمة عبد الحليم قنديل وذنبه ؟ في بلاغه للنائب العام حمل عبد الحليم قنديل وزير الداخلية المصرية مسئولية الاختطاف المدبر بسبب مقالاته وقلمه الذي يعتز به تاريخ الصحافة الوطنية . وما جرى هو رسالة إلي كل الكتاب والمثقفين والصحفيين .. ورسالة إلي جريدة العربي التي تحولت شيئا فشيئا إلي منبر يعبر عما في ضمير الحركة الوطنية بتياراتها المختلفة . فقد ظلت العربي تدافع باستماتة عن القضية الوطنية بكافة مظاهرها من استقلال ، وتصنيع ، وحرية ، وتعليم . وكان لابد من درس للجميع في ظل أوضاع دفعت منظمة " صحفيون بلا حدود " إلي إدراج مصر في تعداد أسوأ عشر دول تنتهك فيها الحريات الإعلامية ، وتغلق فيها الصحف ، وتعيش في ظل حالة طوارئ نحو ربع القرن . هذه هي القضايا التي اختطف بسبب إثارتها عبد الحليم قنديل ، في محاولة لاختطاف الصوت والحقيقة . ولم يكن عبد الحليم قنديل في تلك الساعات وحده ، فقد ترددت في الأجواء من حوله أصوات أخرى مثل إبراهيم اللقاني الذي كتب في عهد إسماعيل إن سبب أزمة مصر هو : " الحكام الذين طغوا وبغوا ، ونهبوا وسلبوا ، وفتكوا وهتكوا ، وأفراد الرعية على مرأى منهم حفاة عراة يتضورون جوعا " ، ومثل أديب اسحق الذي كتب: " سأكشف حقائق الأمور وأوضح معايب اللصوص الذين نسميهم إصطلاحا أولى الأمر ليعلم قومي أن لهم حقا مسلوبا فيلتمسوه ، ومالا منهوبا فيطلبوه " ومثل يعقوب صنوع الذي كتب قائلا " اكسروا أقلامنا ، وسدوا أفواهنا ، فسوف نكسر أنف أظلم حكامنا " ! لم يكن عبد الحليم قنديل وحده في تلك الساعات في الصحراء الباردة ، ولم يكن وحده حين كمموا فمه في تلك الليلة ، ولا وحده وهو يتأمل قيمة الحقيقة ودورها فيزداد تشبثا بها ، وتشبثا بتلك الجوهرة التي تضئ داخل الروح وتجعلها عصية على الزيف في مواجهة مجتمع بأكمله . ***
#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محطة الضبعة ومستقبل مصر
-
العالم يحتفل بمئوية تشيخوف
-
صفحة الحوادث والأدب الروائي
-
القمة والقمامة في مصر
-
ثورة يوليو .. بهجة التاريخ
-
نموذج بولاق .. لسيادة العراق
-
طانيوس أفندي عبده .. الكاتب المجيد
-
بط أبيض صغير
-
أدب سياسي
-
مجموعة - نيران صديقة - لعلاء الأسواني
-
ترجمة الروح
-
فاطمة زكي ونساء الثورة
-
كلما رأيت بنتا حلوة أقول يا سعاد
-
وجهة نظر روسية في الاستراتيجية الأمريكية لعالمنا
-
الشيخ أحمد يـاسـيـن ما الذي اغتالوه .. ؟
-
القاهرة تهتف للعراق
-
راشـيـل كـوري ضـميـر الـزهرة
-
الدكتور أبو الغار وكتابه إهدار استقلال الجامعات
-
الصحافة المصرية لحظـات مضيـئـــة
-
الرد على العملية الأخيرة في العراق
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|