أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نايف سلوم - من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي















المزيد.....


من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي


نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)


الحوار المتمدن-العدد: 1009 - 2004 / 11 / 6 - 09:40
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


صدرت منذ فترة ورقة للنقاش العام قدّمها بعض اليساريين اللبنانيين بعنوان "مشروع وثيقة سياسية لحركة اليسار الديمقراطي" نشرها ملحق جريدة النهار تاريخ 25/4/2004 وأعاد نشرها موقع "لجان إحياء المجتمع المدني في سوريا" تاريخ 2/8/2004 وقد رأيت من المفيد إجراء قراءة في الورقة .
تبدأ الورقة : "مشروع وثيقة سياسية لحركة اليسار الديمقراطي" [في لبنان]- بالحكاية التالية : "نتلاقى منذ فترة ، أعضاء في مجموعات كبيرة وصغيرة وأفراداً مستقلين ، يساريين من مشارب فكرية متعددة ، ماركسيين وغير ماركسيين ، من أعمار ومواقع واختصاصات مختلفة ، ومن تجارب حزبية و طالبيّة واجتماعية ونقابية ومهنية وثقافية متنوعة. تقاطعت في السنوات الماضية مواقفنا في أكثر من استحقاق داخلي وخارجي ، وولد هذا التقاطع اقتناعاً مشتركاً لدينا بضرورة العمل لتأسيس فاعلية جماعية في مواجهة التحديات ، وبضرورة التجمع للتواصل مع مجتمعنا ومشاركته أسئلته واستنهاض قواه الحية " انتهى الاقتباس . تبدأ إذاً وثيقة حركة اليسار الديمقراطي في لبنان بنبرة اجتماعية تشبه نبرة "المنتدى الاجتماعي" المنتشرة حول العالم من دافوس إلى بورتو أليغري إلى الهند مروراً بالمنتديات البدائل ذات الشكل القطّاعي كمنتديات المزارعين والمهمشين جماعات وأفراد أغنياء وفقراء مثقفين ومهنيين . والمنتدى في الأصل فكرة الليبراليين الأغنياء والموسرين كالمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس . تعبر هذه النبرة عن الامتعاض . "وامتعض امتعاضاً .. حنق وغضب وصعب عليه الأمر (وشقّ) [معجم الرائد ص 231] " والرائد معجم لبناني لـ جبران مسعود 1964 .
ما يجمع هذه المشارب المتنوعة هو الامتعاض والحنق والغضب أحياناً . حنق أصاب جمهوراً التقى على سطح سفينة – والأمريكيون الشماليون يشبّهون مصير بلدهم بمصير سفينة طافية على سطح المحيط " تيتانيك" على سبيل المثال – هذه السفينة مهددة بالغرق –والحديث عن سفينة جمهور اليسار العربي ومنه اللبناني، وليس عن أمريكا ومصيرها – وهو جمهور غير مخوّل بتشكيل قيادة له حتى لا يتهم بالشيوعية والمركزية- البيروقراطية. ولو قدر له أن يأتمر بقيادة مهيمنة لكانت شرعية هذه القيادة ملتبسة ، لأنه خرج للتو من حلقة الاستبداد إلى الفضاء الوجودي الليبرالي. ومن "الشيوعية" الستالينية إلى فضاء "الديمقراطية" الهامشية الرحب .
هذا الامتعاض دفع بهذا الجمهور المتعدد المشارب والذي يبحر على سفينة مهددة بالغرق لتأسيس فاعلية جماعية – أرجو الانتباه إلى كلمة فاعلية - تهدف على ما يبدو من كلام الورقة إلى الخروج من التهميش، تهميشاً أصاب أحزاب اليسار وأفرادها ليس سياسيا فحسب بل واجتماعيا . ذلك أن السواد الأعظم الغافل عن إيمانه الديني والمنغمس في رجس اليسار "الشيوعي" الستالينيّ واليسار البورجوازي القوموي يُحمّل هذا اليسار وزر الهزيمة الماحقة والانكسار الراهن لمشروع النهوض والتحديث العربيين. تظهر عندنا هنا مشكلة هذا الجمهور – جمهور السفينة من اليساريين العرب واللبنانيين- وهي القطيعة مع الناس العاديين والإحساس بالهامشية ، بالرغم من تسارع الأحداث في الأقاليم العربية وسطوتها. لذلك اجتمع هؤلاء الأفراد ومنهم بقية من أحزاب شيوعية سابقة لتشكيل فاعليات اجتماعية تهدف إلى التواصل مع المجتمع "البور جوازي" الذين هم بعض أفراده ومشاركة هذا المجتمع أفراحه وأتراحه، وللمساهمة في التعازي والنّعي . وقد تم استحضار الفاعلية على شاكلة منتدى اجتماعي يضم تنويعة واسعة من المشارب والميول والنماذج . وعوضاً عن دفع الأمر باتجاه الأمام نحو تلمّس المشكل الأساسي لليسار العربي بكل ألوانه عبر عمل نقدي صارم لكل من "الشيوعية" الستالينية ومنهجها البدائي والميكانيكي، ولليسار البورجوازي "القومي " وعقله الغوغائي التبسيطيّ والإقصائي ، نرى ورقة حركة اليسار الديمقراطي تدفع الأمر باتجاه "منتدى اجتماعي" يسيطر عليه العقل التعاوني والنقابي القطّاعي . وهو أمر يشير إلى سيطرة العقلية التبسيطية والاقصائية في هذا النوع الجديد من اليسار في المستوى النظري النقدي ، حيث يكتفي بإزاحة المهام من الطريق ليغتبط برحلة كشّافة تنعم بالأمنيات . أقول حركة أشبه بالكشّافة "تقطع" مع الحزب الانقلابي الثوري الستاليني دون نقده بالفعل ، بل تتخلى عنه هكذا مجاناً وبكل بساطة لتنكص نحو الوراء نحو ما يسمى "أجواء الرحلة" رحلة يسودها التعاون والتشاور والعمل القطاعي (شباب، شيوخ، بقايا شيوعيين ستالينيين ، بقايا قومويين، ناصريين وبعثيين ، نساء الخ..) ، أي نحو تجمّع مقطوع الرأس يتشاور لتدبير يومه فحسب. إنه مجتمع من الأفراد منكسر ومشظّى ومنكفئ على نفسه ، مغتبط بالتعاون اليومي شُبِّه له أنه ديمقراطية يتعكّر مزاجه إذا ما ذكر النظر والنظرية . نقرأ في الورقة : "فمهمة قوى اليسار هي أن تغير الواقع لا أن تُنظِّر لتغييره " ألم يبين جورج لوكاش في كتابه "البديل الحقيقي" ، "كيف ارتكز النهج الستاليني على أولوية التكتيك بالتعارض مع الستراتيجية . .. أي الأولوية المطلقة للتطور التكتيكي الفعلي الآني . وبالنظر للطبيعة الثانوية ، الزائدة والتكميلية للنظرية ، فقد كان بالإمكان تعديلها (النظرية) بكل حرية ، أو حتى قلبها إلى معكوسها ، عند كل وضع يتطلب قراراً تكتيكياً جديداً يتحرك باتجاه مغاير " [ جورج لوكاش "البديل الحقيقي" ص 70 و ص 79]
إذا سوف يكون التغيير من دون نظر أو نظرية ومن دون نقد للنهج الستاليني القديم.
هذه التعاونية الاجتماعية "تحترم استقلالية الهيئات المجتمعية والنقابية" وكأن هذه الاستقلالية للنقابات العربية وللهيئات المجتمعية موجودة وقائمة لدرجة تجعل جمعيتنا الجديدة تتشبه بها . مع أن الجمعيات والنقابات نفسها تشكو من استيلاء السلطات الحاكمة على إرادتها ومواردها فهي جمعيات ونقابات في كنف السلطة ولخدمة السلطة القائمة . لقد استولت السلطة على النقابة منذ استيلاء البورجوازية "القومية" القومويّة العربية على سلطة الدولة .
وقد تسأل أيها القارئ عن أهداف هذه الحركة أو هذا المنتدى الاجتماعي الجديد وأنت محقّ في سؤالك .
أقول لك الحق : هذه حركة "تسعى إلى التغيير السلمي الديمقراطي في لبنان على قواعد : الاستقلال، وبناء دولة الحق والقانون ، والعدالة الاجتماعية " . إذا تستند الحركة الجديدة على ثلاثة أركان أو ترتدي ثلاثة قمصان مستعارة ، الأول وهو الاستقلال ، أي استقلال لبنان وليس الاستقلال الأيديولوجي والتنظيمي للحركة الجديدة بل استقلال لبنان عن سوريا وإسرائيل .وباعتبار اليمين الماروني في لبنان غير معني بالاستقلال عن إسرائيل، لأن هذا "الاستقلال" [المقاومة] مهمة حزب الله وحده ،لا يبقى من شعار الاستقلال سوى الاستقلال عن سوريا وخروج جيشها وعمالتها من لبنان. والقميص الثاني مأخوذ بشكله المجرّد عن أي مشروع سياسي/ اقتصادي ، من الليبرالية الجديدة المنتشرة في البلدان العربية كالأعشاب الطبية التي تشفي جميع العلل المزمنة وبجرعة واحدة . هذه الليبرالية التجريدية تعتبر الديمقراطية حقيقتها الأبدية من دون أن تدري أن البورجوازية الليبرالية والمبادرة الاقتصادية الفردية أضحت من الماضي السعيد للبورجوازية الأوربية الصاعدة الأعوام 1500-1850 بالتالي التمسك بها على مستوى القوة الاجتماعية أو الطموح السياسي لا يعدو كونه ضرب من الرومانسية السياسية والحنين لذلك الزمن المفقود . على اليساريين أن يعلموا أن زمن البورجوازية التقدمية قد ولّى ، وهذا ما يشير إليه مارسيل بر وست بـ "الزمن المفقود" . لم تعد البورجوازية ديمقراطية سواء أكانت قوموية [بورجوازية صغيرة] أم متوسطة أم تقليدية من أعيان المدن والملاك الكبار أم إمبريالية في مراكز النظام الرأسمالي توزع الكاتو لحفنة من شعوب الأرض في المراكز وتزرع الموت والدمار ، والفقر والحرمان والتهميش للبقية الباقية من البشر .
أما القميص الثالث فهو المستعار من الحركة السياسية الدينية التي تتبجح بالعدالة الاجتماعية عبر الجمعيات الخيرية ، البر والإحسان، وتوزيع الفتات لجمهور الجائعين ، العاطلين والمهمشين في الأزقة وخلف الجوامع . الفقراء يأكلون الفتات والأغنياء يصلّون في الجوامع الفارهة لكسب ودّ الآلهة المندحرة أمام عنف المحبطين والمهمشين من العرب وغيرهم . إن طرح شعار العدالة الاجتماعية في لبنان ، مع طغيان النظام الإمبريالي الرأسمالي برأسه الأمريكي و بهذا الجبروت وتلك القسوة والتوحش ، يعني بالضبط أننا أمام عقل حبسه الإحباط والانكسار في فنجان .
هذه هي أيها القارئ أركان اليسار اللبناني الجديد بكل جبروتها واندفاعها . إنها تقتات على فتات الماضي وعلى الفتات النظري للبورجوازية العربية القوموية ، الليبرالية المعلمنة منها والدينية .
بعد الإفصاح عن الأركان الثلاثة لحركة اليسار الديمقراطي تضيف الورقة الكلام التالي: "إن الالتقاء بين المناضلين في حركة اليسار الديمقراطي يقوم على الاتفاق على مواجهة الرأسمالية السائدة والنضال من أجل تجاوزها لصالح مجتمعات إنسانية عادلة تحترم الإنسان وحقوقه وعمله وتقوم على التوزيع العادل للثروات ، وتؤمن بالديمقراطية وتمارسها" . الحركة الجديدة سوف تقابل الرأسمالية السائدة – بالطبع لم تسمها إمبريالية رأسمالية حتى لا يحصل إحراج- وسوف تشرح لها وجهة نظر الحركة من حيث احترام حقوق الإنسان في العراق وفلسطين وفي أفريقيا – حق هذا الأخير،إنسان أفريقيا، في الحياة وعدم تركه فريسة الجوع والمرض- كما سوف تشرح لها ضرورة توزيع الثروة بشكل أفضل من التوزيع الإمبريالي الحالي ، ولربما تقنعها بزيادة حصة لبنان من الديون الخارجية . كما ستؤكد لها أن أعضاء حركة اليسار الديمقراطي اللبناني لم يعودوا شيوعيين أبدا وقد برئوا من هذا الداء العضال . كما أنهم مقتنعون ، وقد تعاهدوا على ذلك أن الديمقراطية ليست فعلاً اجتماعيا/سياسياً صراعياً ، بل هي فعل إيمان وتوبة عن الشيوعية مهما كانت ستالينية أم ماركسية حقّ. وبعد كل هذه المقابلات والزيارات المكوكية سوف يتم تجاوز الرأسمالية السائدة بالمعنى نصف الهيغليِّ. لأن لكلمة التجاوز الهيغلية aufheben معنيان ، إنها تعني الحفاظ وتعني الإنهاء [هيغل :علم المنطق، الكتاب الأول- راجع هنري لوفيفر "المنطق الجدلي" ص 19 ] وإذا أخذنا بالاعتبار القمصان المستعارة لحركة اليسار الديمقراطي الجديدة ، فإن التجاوز يعني بالنسبة للحركة الجديدة الاحتفاظ بالرأسمالية السائدة فحسب من دون أي تجاوز يذكر.
وبعد أن تستعير الحركة ثوبها النظري وبشكل فقير ، وبعد أن تقصي مهامها النقدية جانباً وتحسم خياراتها وتتبرأ من كل رجس ماركسي أو شيوعي تعود وبشكل مدّعي لتقول : "يتطلب الالتقاء هذا منا ومن غيرنا إعادة درس تجربة الاشتراكية والفكر الاشتراكي عموماً بعقل نقدي ومنفتح على النظريات والمفاهيم المختلفة من دون أحكام أيديولوجية مسبقة " . العقل الشيوعي الستاليني الميكانيكي والعقائدي المتحجر المنغمس بالتكتيكات اليومية ، لا يتحمل الرضوض والضربات القوية لأنها تبعثره وتجعله كالعصف المأكول . وهذا يجد تفسيره في الأولوية المطلقة للتطور التكتيكي الفعلي الآني .. من دون أفق تاريخي أو نظري، أي مع الافتقار للدعائم النظرية الاستراتيجية وفي التبني الدوغمائي والعقائدي المتعصب للأفكار والخيارات . هذا العقل يأخذ الأمر دوغما ، أي في جملته . ما أن يتأزم حتى يتخلى عن إيمانه دفعة واحدة تماماً كما حصل على هذا الإيمان دفعة واحدة . وهذه السمة طاغية على الفكر السياسي العربي ومنه "الشيوعي" الستالينيّ، حيث السمة البارزة هي غياب الجهد النقدي التفصيلي الصبور والمثابر ، وشيوع الاستعجال في الأحكام ، وحتى إصدار الأحكام النهائية قبل أن يعمل النقد الجذري عمله في الأمر موضوع النقد . هذا الفكر يقصي ويصدر حكمه ثم يعلن عن ضرورة إجراء نقد قاطع حاسم وماحق لتجربة اليسار العربي. يا لهم من قضاة قساة ، متشبهين بالحكام كمحاكم التفتيش بالقدر والتمام . لاحظ أيها القارئ كيف تتحدث الورقة عن النقد بعد أن حسمت خيارها سلفاً : "إن المراجعة النقدية التي نريدها لتجارب اليسار السابقة لا تبحث عن نقد سطحي وخروج لفظي من إطار الجمود الذي طبع الحركة الشيوعية المعتمدة الستالينية مرجعا في السياسة والتنظيم ، والاشتراكية السوفيتية نموذجاً في الاقتصاد والاجتماع ، بل تقطع قطعاً كاملاً معها ، وتتجاوزها على الصعد الفكرية والعملية " و تبين معنا أن حركة اليسار الديمقراطي قد خرجت من الشيوعية الستالينية بطريقة ستالينية ، أي أنها عادت إلى العقلية الستالينية تحت يافطة ليبرالية جديدة تقول الورقة : "فالاشتراكية لم تعد اليوم نموذجاً عملياً ناجزاً ، بل إطار أخلاقي لمشروع أممي بعيد المدى ، وثمرة تحولات كبرى في النظام العالمي ، وبالتالي صار لزاماً علينا أن نحدد صورتنا لا في الأهداف الخيالية بل في المعارك الملموسة من أجل التغيير ، وعلى أساس معايير الإمكان أكثر من معايير الجذرية " وهنا مرة أخرى يتم الفصل بين الحركة الاشتراكية وطموحاتها الجذرية وبين الديمقراطية والمهمات الديمقراطية ، هذا الفصل بين الاشتراكية الماركسية في نضالها للقضاء على أس النظام الرأسمالي الذي تشكله الملكية الخاصة الرأسمالية وبين المهام الديمقراطية هو فصل مفتعل وميكانيكي لا يستطيع رؤية الانفصال بين البورجوازية والمهام الديمقراطية ، كما أن غياب نموذج للاشتراكية المحققة لا يعني نهاية النضال الديمقراطي والاشتراكي تماما كما لم يحتج البلاشفة الروس لنموذج محقق لكي يتابعو نضالا تهم الاشتراكية الماركسية والديمقراطية . إذا هذا العقل الذي يفترض نضالا اشتراكيا ماركسيا من دون مهمات ديمقراطية ونضالا ديموقراطي هو عقل "شيوعي" ستا ليني بامتياز . على هذه الأسس لا يمكن الخروج من "الشيوعية" الستالينية إلا بعمل نقدي فعلي لهذه الشيوعية الستالينية ولهذا المنهج الوضعي والميكانيكي بالمعنى الفلسفي.
نتابع الورقة في عودتها لتعريف اليسار: "إذاً أولى نقاط الانطلاق نحو إعادة تعريف اليسار هي تعريفه خارج إطار المفاهيم الضيقة والفؤية التي سادت في فترة الحقبة السوفييتية ، وهذا يفترض ليس فقط النظر إلى الماركسية كمنهج علمي وغير وحيد لتفسير العلاقات والجدليات الاجتماعية والاقتصادية بل أيضاً عدم اعتبارها شرطاً ضرورياً ولازما بيننا كيساريين.. "
لاحظ أيها القارئ المعادلة العبقرية لأبطال اليسار الديمقراطي الجديد : هم ماركسيون وحتى يتحالفوا مع يساريين بورجوازيين عليهم التخلي عن الماركسية ، واعتبارها "علماً" مثل علم الفلك والملاحة وعلم الفيزياء ، وحتى مثل تطورية داروين . إذا يتم تعريف هذا اليسار الديمقراطي الجديد ، بإقصاء الماركسية بحجة التخلص من "الشيوعية" الستالينية وبإرجاع الماركسية إلى منهج علموي وضعي ، أي إلى منهج جزئي وضعي مع أن الماركسية هي في الأساس منهج إجمالي في التحليل التاريخي / الاجتماعي منهج ما كروي، ديالكتيكي يستفيد من مجمل إنجازات المناهج الميكروية الوضعية والجزئية التي تشتغل في حقول خاصة . كما يتقدم ويزدهر هذا المنهج على أساس القراءة النقدية لنضال الطبقات الاجتماعية التقدمية ، ولانتكاسة هذه الحركات أيضاً فهو مرتبط ليس فقط بتقدم العلوم الطبيعية والتقنية فحسب بل مرتبط أساساً بتلك النضالات الاجتماعية ومصائرها، تقدمها وانتكاسها. وبدلا من أن تعرّف حركة اليسار الديمقراطي نفسها بناء على إنجاز نقد جذري لـ "الشيوعية" الستالينية ولتجربة اليسار البورجوازي القوموي العربي كالبعث والناصرية والقومية السورية الخ.. نرى الحركة العتيدة تقصى الماركسية منهجاً ونظرية من حساباتها ثم تؤمّل جمهورها بعمل نقدي لاحق . هذا الإقصاء الاستباقي للماركسية سوف يعيد تعريف هذه الحركة على أنها يسار قوموي منهك ذو عقل ستالينيّ يجتر مقولات مستعارة رديئة أثبت الغزو الأمريكي للعراق و لاحقاً للسودان أنها ليست رديئة وفاسدة فحسب بل وكارثيّة كونها تشير إلى أن حركة اليسار لم تتعلم شيئاً من ماضي اليسار النضالي .
أمر آخر نريد أن نعلق عليه نقدياً ، هو حديث الورقة عن "العولمة" حيث تتم معالجة هذه المسألة وكأنها منفصلة تماماً عن الإمبريالية الجديدة وآليات اشتغالها المركزية والطرفية وعن سياساتها الليبرالية الجديدة و العولمية . فيتم الحديث عن دول صناعية متقدمة بدلاً عن دول إمبريالية وسياسات إمبريالية ، وعن شركات متعددة الجنسية عوضاً عن شركات احتكارية متعددة الجنسية الخ..كما تعالج حركة التحرر العربية خارج تجربة اليسار البورجوازي القوموي الموجود في الحكم ، كقائد لهذه الحركة حتى الآن.
أما بخصوص معالجة الورقة لمسألة الانتماء والهوية العربية فإنها تقدم ملاحظة أولية مهمة وهي: الأهمية المتزايدة للمسألة القومية في ظل "العولمة " الراهنة ، أهمية المسألة القومية كطرح برنامجي لليسار. نقرأ في الورقة : "إن مسألتي الانتماء والهوية العربية ، لاسيما في ظل العولمة المتسارعة هما في غاية الأهمية ولا بد لأية حركة يسارية تغييرية في العالم العربي ، من أن تكون لها رؤية متقدمة لمضامين خوض الصراع وآلياته على هذا المستوى [المستوى القومي]، مع التركيز الخاص على الارتباط الحتمي بين التحرر الوطني والتنمية والتحول الديموقراطي في مجتمعاتنا " إلا أن الورقة تندفع فتقع في إشكال منهجي على مستوى تحديد الانتماء العربي والهوية العربية فتقول : "أن البعد المستقبلي للانتماء العربي وللهوية العربية ، بما هي هوية حضارية ثقافية تشترك ليس فقط اللغة وإنما في الإرث الثقافي والتاريخي ومشاعر الانتماء الحضاري هو الأهم في رأينا " أقول هذا تصور وضعي لمسألة الهوية والانتماء ، وما اعتبرته الورقة هو الحاسم ليس سوى عنصراً من عناصر مسألة هي الحاسمة وهي الصراع العربي وطبيعة الخصم الذي يصارعه مشروع نهوض العرب التاريخي القومي ، لأنه لا يمكن أن تكون هوية البورجوازية العربية المندمجة مع المشروع الإمبريالي هي نفسها هوية مشروع البروليتاريا العربية في عدائها الجذري للإمبريالية كبورجوازية إمبريالية منحطة تاريخياً في المراكز وبورجوازية رثة عاجزة عن إنجاز أي تحديث في الأطراف الرأسمالية ومنها البلدان العربية . الهوية العربية بهذا المعنى تتعرف في الحركة الصراعية للمشروع القومي العربي النهضوي ضد الإمبريالية ومعها الصهيونية والأوضاع المتخلفة التي كرستها عبر مائة عام في المنطقة العربية . في هذا الصراع يتم دمج كل ما هو نابض وفعال من التراث العربي كتراث حضاري وثقافي . أما البورجوازي فيحتاج لهذا التراث إما للزينة أو للتجارة والدعارة الإمبريالية. وكما تقول الورقة وتؤكد رأينا ، فإن عروبة لبنان كانت مرتبطة بصراعه الطويل مع إسرائيل ومرتبطة بصراعاته الداخلية [الهوية مرتبطة بالصراع وطبيعته].
بعد ذلك تعرج الورقة على مسألة انتصار "لبنان " عبر تحرير الجنوب، وهنا تعاني الورقة من نقص في التحليل وفجوة في الذاكرة ، حيث يعالج التحرير وكأنه شأن لبناني محلي وليس شأناً إقليمياً وإيرانياً . لا يمكن تحليل انتصار المقاومة الشيعية في لبنان خارج قراءة الثورة الإيرانية وتداعياتها على الشيعة في لبنان كجماعات مهمشة في السياسة والاقتصاد قبل الحرب الأهلية اللبنانية 1975وقبل قيام الثورة الإيرانية1979 ، وأيضاً علينا أن نضيف الدور السوري الذي يجري من خلف الكواليس إذا جاز التعبير . وهذا ما تشير الورقة إلى بعضه بالقول : "طغيان البعد الإقليمي لمسار التسوية على البعد الوطني اللبناني في تقرير شكل المواجهة في الجنوب " وهذا التأكيد على أهمية البعد الإقليمي لأي تحليل للوضع اللبناني يناقض قول الورقة : "أن على الدولة وحدها مسؤولية الأمن والاجتماع وحماية الحدود .."
ما تقدمه الورقة من إشارة إلى تبعية الكثير من ردود الفعل العنيفة والمتطرفة ذات الملمح الديني للسياسات الأميركية أمر صحيح لكنه يحتاج إلى تطوير وتعميق أكبر.



#نايف_سلوم (هاشتاغ)       Nayf_Saloom#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاك ديريدا --المعارضة البرلمانية للبنيوية أو بغض الكتاب
- قراءة نقدية لـ -الميثاق الوطني في سورية- المنبثق عن المؤتمر ...
- قراءة نقدية في ميثاق شرف الشيوعيين السوريين
- قراءة نقدية في البرنامج السياسي والنظام الأساسي للتجمع الوطن ...
- ديالكتيك الانعكاس في الفن
- نداء إلى شعوب إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين
- علمانية ، أم نقد جذري للتراث القومي العربي و الديني؟
- الاشتراكية أو البربرية محمد الخضر
- حول نظرية الانعكاس
- إسرائيل في قلب الاستراتيجية الأميركية للشرق الأوسط الكبير
- في المسألة القومية العربية الديمقراطية
- المثقف الجديد
- قضايا في مقاربة الإمبريالية الجديدة وما يترتب من مهام
- في انفصال المهام الديمقراطية(# )عن الليبرا لية
- الأزمة مستمرة – نقد وجود الحزب -1
- قراءة في -كراسات السجن- لـ أنطونيو غرامشي
- العلاقة العربية الكردية تعدّد مستويات المقاربة
- القول النظري والقول السياسي حدّ العلم والقول السياسي
- خمر تمور العراق يُسكر الأكراد السوريين
- في الفهم المادي للتاريخ- مدخل إلى الأيديولوجية الألمانية- ال ...


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - نايف سلوم - من الشيوعية الستالينية إلى المنتدى الاجتماعي