أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الحرية التي نريد















المزيد.....

الحرية التي نريد


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 21:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



كلمة “الحرية” ذات إغراء متعدد المحاور لكافة أطاف التوجهات الإنسانية. إذا أنها تحمل بين طياتها مفهوم الجموح نحو تحرير الإرادة الذاتية الإنسانية من القيود ضمن محاور متعددة شخصية وعامة، كما أنها من جهة أخرى تعني تحرير الفرد أو الجماعة من القيود المفروضة على صراعهم لمعاكسة “الآخر”، بغض النظر تماماً عمّن يكون هذا “الآخر” (حكومة، حزب، ايديولوجية، فلسفة، فكر، دين، مذهب … الخ)، إذ تلك القيود هي دائماً مفروضة لصالح “الآخر” لترفعه فوق مرتبة إنسانية التداول. الحرية هي زيادة هامش إنسانية الإنسان في وجه “سلطة” من نوع ما. فهي حق الـ “فكر” و الـ “خيار” الذي يقر ويعترف بحق الأفكار والخيارات الأخرى في التواجد والتعايش وربما البروز. فـ “الحرية”، كمصطلح إنساني بحت لا يمت لأي دين أو فكر غيبي بأي صلة إطلاقـاً، قامت عليها ثورات متعددة، منها الثورة الفرنسية، ثم لتترسخ كمصطلح مدني معاصر، تتبناه مجتمعات متحضرة، يحمل بين طياته أسس ومبادئ ومفاهيم وبديهيات من الملاحظ دائماً أنها تكون غائبة عن فهم وتقدير أكثر من يستخدمون هذا المصطلح في صراعهم ومصالحهم وخصوصاً ضمن دولنا العربية والإسلامية. فأحد محاور أزمة الثقافة العربية المعاصرة هي أنها تعاني من سوء فهم للمصطلحات الغربية المستوردة التي يتم تداولها ضمن هذه الثقافة. فمن ينادي بـ “الحرية”، مثلاً، هو نفسه يتبى مصادر أساسية لثقافته تعادي هذا المصطلح، بمعناه المتداول المفهوم، وتنتهكه في ذاته ولبه وصميمه. والمشكلة الأكبر أن المجموع العام ضمن المجتمع لا يعي ذلك، بل إنه لا يفهم من المصطلح إلا معناه المشوه المبتور الذي لا يرى في الحرية إلا حريته هو، على المعنى الفئوي، الذي يتيح له هدم “حرية” الآخر.



البداية في مصطلح “الحرية” كانت في مواجهة “سلطة”. والبداية في مواجهة “السلطة” كانت في مواجهة “الدين” من خلال ممثليه والمتحدثين باسمه والمتسلطين على إنسانية البشر من خلال الفتاوى والمغفرة ووعود الجنة. هذه هي الحقيقة، كذا يقول لنا التاريخ الوسيط والمعاصر ضمن المجتمعات التي ظهر فيها هذا المصطلح بمعناه الشامل العام الحديث. فمن يدعو لـ “الحرية” هو بالضرورة يدعو إلى التحرر من سلطة “الدين” في المحيط الاجتماعي – السياسي الإنساني، ليتحول الدين ذاته إلى خيار ذاتي فاقد السلطة، كما أنه يلغي “الدين” كمعيار شامل أو معصوم أو غير قابل للنقد من الضمير الجمعي للدولة والمجتمع. بل إن “الدين” سوف يهبط من قداسته الشاملة التي لا تقبل النقد أو المنافسة ضمن محيطه ليكون “خيار” ضمن الخيارات المتاحة للإنسان الحر ضمن مجتمعه. فـ “الدين” يصبح عليه عبئ التعايش مع الآخر الحر المختلف، وليس العبئ على الفرد الحر، وإلا لأصبح الدين عدواً للحرية التي ينادي بها المجتمع. ومن هنا فإن المعيار الأخلاقي ومرجعيته ضمن المجتمع والدولة لن يخضع إطلاقـاً لمعيار “الدين” ولكنه فقط سوف يخضع لنصوص القانون. أما على المستوى الفردي أو الشخصي فإن “الحرية” تتيح له أن يتبنى أي معيار إضافي آخر، ربما مصدره الدين، بشرط ألا يخالف نصوص القانون الذي تتبناه الدولة من خلال تشريع البرلمان المنتخب من المجتمع ذاته. تلك كانت بدايات ظهور مصطلح “الحرية” بمعناه المعاصر، وهي الأرضية الممهدة لتطورها وازدهارها.



المشكلة الأساسية هنا أن “الحرية”، كما هي معروفة ومفهومة ضمن المجتمعات التي صدّرت لنا هذا المصطلح، هي غير مقبولة ضمن الثقافة والمجتمعات العربية والإسلامية، نفس الثقافة والمجتمعات التي تنادي اليوم من خلال هتافاتها بـ “الحرية” ولا تفقه لها معنى إلا إسقاط حاكم أو نظام وإقامة غيرهما. وهذا وجه آخر من أوجه أزمة الثقافة العربية والإسلامية إذ أنها لا تعرف للحرية مجال إلا ضمن ثنائية السيد والمملوك (العبد)، فهي تتصرف بدون وعي ضمن هذه الثنائية دون غيرها. وهنا منبع الإشكالية، إذ الحرية كمجال متعدد المحاور والمستويات لا ينبغي لها أن تتجزء، فلا معنى لها عند ذاك. والمشكلة الأخطر أن من ينادي بـ “الحرية” ضمن هذه الثقافة والمجتمعات هم الأحزاب الدينية المتشددة والحركات ذات المعيار القبلي في التفاعل السياسي والتي لا تفقه للحرية معنى إلا فرض إرادتها السياسية والفكرية والأيديولوجية على الآخر المختلف. فهي بذلك تنتهك “الحرية” التي تنادي بها في شعاراتها لأنها ببساطة لا تفقه معناها، تلك هي الحقيقة الواضحة والتي لا يريد أن يعترف بها أصحابها. فلو سألت أي فرد ضمن هذه الثقافة عن الحرية فلن تخرج إجابته عن تأكيد “الدين” كمعيار أساسي في تعريف تلك الحرية ومن ثم الإسهاب في ثنائية (السيد – المملوك) من هذا المنطلق الثقافي – الديني بالذات، وهذا يعني بالضرورة أن تلك “الحرية” هي مفهوم غير إنساني شامل (غير قابل للتطبيق والتبني عالمياً، أو لا يحمل صفة الإنسانية الشاملة) لأن الآخر المختلف مستثنى منها بالضرورة حتى ضمن نفس المجتمع. وهذا بالضبط ما يصر عليه ويسعى له كل الأحزاب الدينية والحركات ذات العُرف القبلي في السياسة عندما تنادي بـ “الحرية” ولا تفقه من المصطلح إلا ترجيح الكفة السياسية لصالحها. وهذا هو بالضبط سبب الرفض القاطع للوقوف معهم تحت نفس المظلة السياسية، لأن مفهومنا للمصطلح الذي ينادون به مختلف جوهرياً عنهم، ولأن وجودهم أصلاً في العمل السياسي بالذات هو موضوع صراع بالنسبة للدعاة إلى “الحرية” بمعناها الإنساني الشامل.



الحرية التي نريدها هي الحرية بمعناها الحديث المعاصر ضمن السياسة والمجتمع. حرية الفرد في أن يتبنى العقيدة أو الدين الذي يريد من دون خوف أن تطاله الدولة بالعقاب أو أسلحة جماعات التكفير بالقتل. حرية الاختيار في السياسة بعيداً عن معايير الحلال والحرام وصراع العقائد. حرية تبني المعيار الأخلاقي ضمن إطار القانون. حرية الإختيار في التعليم وقراءة الكتب. حرية البحث العلمي وحرية النقد الذي يضع أي موضوع أو أي إنسان (وأنا أعني بالضبط أي موضوع أو أي إنسان) تحت مجهر الدراسة والنقد. أن ترتفع الدولة فوق الدين والمذهب ليكون المعيار لديها هي المواطنة فقط، فالدولة لا دين لها ولا مذهب، تماماً كالسياسة. أن تكون “الحرية” هي المعيار الأول في حد ذاتها وليس أي شيء أو فكر آخر، بل على هذا ”الآخر” أن يستظل بمظلتها وليس العكس أبداً. وهذه جزء من كل متكامل شامل.



تلك هي “الحرية”، وهذه هي معناها. فهل هؤلاء الذين نراهم حولنا هُم حقـاً دعاتها؟



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - الحرية التي نريد