|
حقوق الإنسان والعقوبات البدنية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 21:24
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
{تحية إلى منظمة العفوالدولية فى عيدها الخمسينى} أدانتْ منظمة العفو الدولية الحكم الذى أصدرته احدى المحاكم الأمريكية بإعدام 6 من المتهمين فى أحداث سبتمبر2001 . وهذه الإدانة تنطلق من موقف مبدئى للمنظمة العالمية ، إذْ نص قانونها الأساسى على حث حكومات العالم لإلغاء عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية مثل الجلد وقطع اليد . يتأسس موقف المنظمة على بعد إنسانى وفلسفى من شقين : الأول قانون الاحتمالات ، أى احتمال ظهوربراءة المتهم بعد تنفيذ الحكم . إذْ ماهو الوضع بعد الجلد أوقطع اليد والرقبة ؟ فى العقوبات المدنية (الحبس ، السجن إلخ) يحق للمتهم الذى تثبت براءته بعد تنفيذ الحكم ، أنْ يطالب بتعويض أدبى ومادى . ولكن كيف يمكن محوالألم النفسى لمن تم جلده ، خاصة اذا ظهرتْ أدلة تؤكد براءته ، وكيف يمكن تعويض من قُطعت يده ، وكيف يكون إنسانًا صالحًا ومنتجًا واليد هى أداة العمل ؟ وكيف يمكن تعويض من قُطعت رأسه ثم تبين أنه بريىء ؟ تعتبر منظمة العفوأنّ من بين فضائح الولايات المتحدة الأمريكية فى مجال حقوق الإنسان ، مسألة ((الاستخدام المتزايد لعقوبة الإعدام)) (نشرة سبتمبر92) خاصة بعد أنْ ثبت براءة 23 إنسانًا بعد إعدامهم . كما أصدرتْ المحكمة العليا الأمريكية قرارًا يُجيزإعدام مرتكبى الجرائم البالغين من العمر 16عامًا وكذلك المتخلفين عقليًا ، إلاّ ولاية واحدة حظرت إعدام المتخلفين عقليًا . وواصلتْ المنظمة التحقيق فى القضايا الجنائية التى زعُم أنّ الدعاوى قد أقيمت فيها بدوافع سياسية (أنظر تقريرمنظمة العفوالدولية لعام 90 ص 258 ، 259) . ورصد تقريرالمنظمة لعام 89 استمرارفرض عقوبة الإعدام بأسلوب يتصف بالتمييزالعنصرى . فعلى الرغم من أنّ البيض والسود كانوا ضحايا جرائم قتل بأعداد متساوية تقريبًا. فإنّ عقوبة الإعدام كانت فى أغلب الحالات تفرض عندما يكون الضحايا من البيض . وأنه تم إعدام 120متهمًا فى الفترة من عام 76 ونهاية 89 ولم يحدث خلال هذه الفترة قط أنْ تم إعدام أى متهم أبيض على قتل شخص أسود (المصدر السابق ص 259) ويؤكد تقريرالمنظمة فى نفس المصفحة أنّ الأبحاث أفردتْ الأصل العرقى باعتباره عاملا رئيسيًا فى فرض عقوبة الإعدام . وعن الإعدامات السياسية ، سجّلت المنظمة أسماء مايزيد عن 2000سجين فى إيران الخومينية ، ورد وقوعهم ضحية لموجة من الإعدامات السياسية السرية فى الفترة من يوليو 88 ويناير 89 (كتاب انتهاكات حقوق الإنسان فى إيران من عام 87 إلى 90 وهو من مطبوعات منظمة العفو) وأوضح (آية الله يزدى) رئيس الهيئة القضائية أنّ أعضاء جماعات المعارضة مثل منظمة مجاهدى خلق ، مدانون بصورة جماعية ((بشن حرب على الله . وبالفساد فى الأرض . ومن ثم فهم معرضون للحكم عليهم بالإعدام)) (صحيفة اطلاعات بتاريخ 30/ 5/ 1990) وذكرتقريرالمنظمة أنّ آلاف المعارضين السياسيين ، تم إعدامهم فى السنوات الأولى لحكم الخمينى (المصدرالسابق ص 10) وفى الأردن حكمت محكمة أمن الدولة بإعدام 6 بتهمة ارتكابهم لأعمال إرهابية والانتماء لمنظمة غيرمشروعة تدعى (جيش محمد) ولكن الملك حسين أصدرأمرًا بتخفيف أحكام الإعدام إلى السجن مدى الحياة (النشرة الاخبارية لمنظمة العفو نوفمبر92) أى لولاتدخل الملك لتم إعدامهم . وذكرتْ المنظمة أنه فى عام 80 اعتمد النظام الحاكم فى ليبيا رسميًا سياسة التصفية الجسدية للخصوم السياسيين (كتاب عقوبة الإعدام ضد حقوق الإنسان – ص 194) أما نظام صدام حسين فى الفترة من 85 – 88 فقد تم إبلاغ المنظمة عن ((إعدام المئات كل عام . والإعدام كان علنيًا والمحاكمات غيرعادلة. ولاحق فى الاستئناف ضد أحكام تفرضها محكمة الثورة والمحاكم الخاصة المؤقتة. وتطبيق القانون بأثررجعى . والأخطرهوإعدام أطفال . وإعدام سجناء رغم الحكم عليهم بالسجن (المصدر السابق ص 167) وفى السودان تم إعدام الشيخ محمود محمد طه علنًا داخل سجن كوبر يوم 18 يناير 85 بأوامر من الخليفة جعفر النميرى . علمًا بأنّ الشيخ المذكوركان على درجة من التقوى والورع شهد له بهما كل من تعاملوا معه. وكان أحد زعماء الإخوان الجمهوريين. ولم يكن ضد تطبيق الشريعة الإسلامية. ولكنه كان ضد تطبيق نميرى والإسلاميين أتباعه للشريعة الإسلامية. لأنه كان ضد قطع أيدى الفقراء المعدمين. وكان يستشهد بما فعله عمربن الخطاب ، عندما منع قطع يد السارق فى عام المجاعة. ولم يقتنع الأصوليون بمنطقه. وقالوا من يكون عمرإزاء النص القرآنى الصريح؟ وهل يعلوعمرعلى القرآن؟ ورغم نداءات الاستغاثة العالمية لإنقاذ حياة الشيخ الجليل ، تم الإعدام لمجرد أنه كان يقف مع حقوق الضعفاء رغم أنّ مرجعيته كانت مرجعية دينية. وفى مصر تم إعدام العامليْن محمد البقرى (19سنة و6 شهور) ومصطفى خميس (18 سنة) فى مذبحة عمال كفرالدواربعد 3 أسابيع من إنقلاب يوليو 52 بعد محاصرة المصانع وبيوت الأهالى بالدبابات واعتقال 567 عاملا والحكم العسكرى بسجن الكثيرين. وتم الإعدام أمام 1500عامل فى ملعب كرة القدم. وبحضورأهالى العمال. وهوالمشهد الذى أيقظ من بئرالأحزان مذبحة دنشواى التى ارتكبها ضباط الإحتلال البريطانى عام 1906 ضد الفلاحين المصريين. أما إعدام خميس والبقرى فتم على أيدى الضباط (المصريين) الذين صدّقوا أنفسهم بأنهم (الأحرار) (أنظرالمؤرخ العمالى- عبد المنعم الغزالى فى كتابه "بعد أربعين عامًا براءة خميس والبقرى" والمؤرخ العمالى طه سعد عثمان فى كتابه "خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة"- دارالخدمات النقابية بحلوان عام 93) وكما حسم النظام الناصرى مشكلته مع الطبقة العاملة بإعدام عامليْن صغيريْن (مدرسة العين الحمراء الأمريكية) حسم خلافه مع أصحاب التيارالدينى بإعدام سيد قطب و6 آخرين . أى أنه لجأ إلى استخدام سلاح التصفية الجسدية. وكان أمامه – لوأنه نظام ديموقراطى يسعى إلى مصلحة الشعب– أنْ يلجأ إلى سلاح العقل. أى إتاحة الفرصة لليبراليين للرد على الأصوليين الإسلاميين الذين أشاعوا مقولة المجتمع الجاهلى الحديث. ولكنه بدلا من الاستعانة بالليبراليين أمر باعتقالهم . واذا كانت الحكومات المستبدة (دينية وعسكرية) تلجأ إلى إقصاء خصومها بتنفيذ عقوبة الإعدام ، فإنّ الأصوليين الذين يستخدمون العنف لتصفية كل من يختلف معهم، لايقلون خطورة عن الحكومات المستبدة. فهم عندما يُصدرون فتوى بتكفيرفلان ، تكون المادة الثانية فى الفتوى إغتيال المذكور. وهو ماحدث فى إغتيال فضيلة الشيخ د. محمد حسين الذهبى وزيرالأوقاف الأسبق والرئيس المؤمن السادات والمفكر فرج فودة ومحاولة إغتيال الأديب نجيب محفوظ . واذا كانت منظمة العفو ومنظمات حقوق الإنسان فى أوروبا تطالب حكومات العالم بإلغاء عقوبة الإعدام والعقوبات البدنية ، فإنّ المفكرين الأحراريطالبون حكوماتهم بإشاعة الثقافة الفلسفية بمعادلتها البسيطة : أى القبول المتبادل على قاعدة أنّ الانتماء الحقيقى هوانتماء للوطن ، أى الانتماء للأرض التى تضم (كل) المواطنين بغض النظرعن معتقداتهم الدينية والمذهبية والفكرية. لأنه إذا كان الدين شيئًا ذاتيًا ، فإنّ الوطن هو(الموضوع) الذى يسعى إليه كل أبناء الأمة للارتقاء به. وهذا الارتقاء هو الذى يحقق الاستقرارالاجتماعى . وإذا ساد الاستقراربين جميع شعوب العالم ، تعاظمتْ الاستفادة من التبادل والتعاون الثقافى والعلمى ، فيؤدى إلى مزيد من الاستقراروالرفاهية. وبالتالى تنتقل البشرية إلى مرحلة أرقى : إذْ تتحول الثقافة الفلسفية إلى ثقافة سلام وتعاون بين جميع شعوب العالم ، وليس بين أبناء الشعب الواحد فقط . *****
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إنقاذ الأمة المصرية من حرب أهلية دينية
-
الإفراج عن كاميليا أم الإفراج عن العقل المصرى
-
الانتقال من الاستبداد السياسى إلى الطغيان باسم الدين
-
الكتابة واحترام عقل القارىء
-
هل إعدام القتلة والمُفسدين هو الحل ؟
-
إرادة الشعوب جمرة نارتحت رماد الاستبداد
-
هل الرئيس المخلوع وأسرته فوق القانون ؟
-
المستشارطارق البشرى بين المؤرخ والداعية الإسلامى
-
حمام - قصة قصيرة
-
شتاء الحرية وسقوط أوراق التوت
-
مبارة عصرية فى شد الحبل بين الحرية والاستبداد
-
إقصاء المختلف يبدأ بالكلمة وينتهى بالقنبلة
-
الدكتورجمال حمدان والبكباشى عبدالناصر
-
الاعتدال والتطرف فى ميزان المرجعية الدينية
-
جامعة الدول العربية بين أوهام القدرة ووقائع التاريخ
-
تعليم ضد المواطنة أم أمية تحمى الوطن؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|