مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 3382 - 2011 / 5 / 31 - 08:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قد يبدو ظاهريا أن الانتفاضة السورية تراوح في مكانها , و قد يبدو النظام متماسكا و رابط الجأش إلى الآن رغم أنه مأزوم بالتأكيد بسبب هذه الاحتجاجات غير المسبوقة في الشارع السوري , و قد تكون محاولة خلق الإحساس بانعدام الأفق أمام الانتفاضة هي أهم أسلحة النظام اليوم , إضافة طبعا لقمع أجهزة مخابراته الهمجي .. حاول بعض الناشطين التغلب على هذا الإحساس بالمراوحة في المكان بالحديث مثلا عن انشقاقات محتملة في الجيش السوري أو عن دور متزايد الأهمية للضغط الخارجي على النظام , لكن الحقيقة أن هذه التغيرات المحتملة ليست مؤكدة و قد لا تكون ذات تأثير حقيقي أو فعال في إسقاط الباستيل السوري , صحيح أن النظام يعتمد حتى الآن على القوى العسكرية النظامية الموالية له مباشرة كالفرقة الرابعة و صحيح أن الكتلة الرئيسية من الجيش لم تصطدم بعد مباشرة بالمحتجين لكن يجب ألا ننسى أيضا أن كبار ضباط الجيش من كل الطوائف هم جزء عضوي من ماكينة النهب و أن مصالحهم مندمجة تماما مع مصالح العائلة الحاكمة , هذا يختلف قطعا عن وضعية الجنود و صف الضباط الذين هم أبناء هذا الشعب و أبناء هذه الجماهير التي عانت و تعاني بسبب نهب و قمع النظام , إن انشقاق هؤلاء المحتمل مع تصاعد الانتفاضة و زيادة الثقة بقدرتها على إسقاط النظام سيهز مجمل بنية النظام و سيضعف أو يؤدي لانهيار أجهزته و مؤسسته العسكرية لصالح انتصار الشارع و حريته ... لقد راهن البعض أيضا من قبل , و بسذاجة سياسية , على أشخاص مثل الشرع مثلا و حتى على بشار الأسد نفسه , لكن اتضح و يتضح أن هؤلاء الأشخاص متورطون في أعمال القمع و القتل تماما مثل من وصفوا بالصقور في النظام و أن بشار الأسد مثلا هو المسؤول الفعلي عن القمع و القتل الذي ينفذه النظام في كل مكان اليوم من سوريا و عن النهب المنظم للجماهير السورية الذي مارسه نيابة عن النظام أشخاص مثل رامي مخلوف و محمد حمشو و غيرهم , أيضا كانت قصة الحوار الوطني القشة التي تعلق بها الكثيرون ممن تراوحت مواقفهم أساسا بين النظام و الشارع الثائر , و تفتقت أذهان هؤلاء و قرائحهم عن الكثير من الشروط و المواضيع المفترضة في مثل هذا الحوار , لكن الحقيقة أن هذا الحوار الوطني , تماما مثل قصة الإصلاح الذي وعد به النظام , هي أيضا بلا أفق حقيقي , ليست أكثر من كلام فارغ يستخدمه النظام مؤقتا إلى جانب قمع و تخوين المحتجين لخلق وهم تغيير ما ممكن من داخل النظام , لقد سمع كل السوريين وعود الإصلاح منذ الأيام الأولى للاحتجاجات تماما كما سمعوا أيضا كل الكلام فيما يتعلق بالحوار الوطني و حتى قيام النظام بتشكيل لجنة حوار أو بوادر مثل هذا الحوار مع بعض أشخاص من المعارضة , لكن ككل وعود النظام , بقي كل ذلك مجرد كلام و سيبقى كذلك , و سرعان ما عاد خطاب النظام ليقتصر على تخوين و اتهام المحتجين بالعمالة و الخيانة و الطائفية الخ , أيضا فإن الضغط الخارجي هو الآخر ليس أكثر من وهم , في وقت تشعر فيه القوى الإمبريالية الكبرى بأهمية استمرار النظام في هذا الوقت و المكان الحساسين جدا بالنسبة لهيمنتها الإقليمية و حتى العالمية , هذا كله لا يعني أن احتمالات سقوط الباستيل السوري محدودة , على العكس تماما , فهذا النظام يملك القليل فقط من الفرص لينجو من هذه الغضبة الشعبية اليوم ... لكن العامل الأهم في تطوير و تقدم الثورة السورية هو النظام نفسه بالتحديد من جهة و الشعب السوري من جهة أخرى , من جهة سلوك النظام نفسه و استمراره في نهب الشعب و استمراره في قمع الشعب السوري خاصة تصاعد هذا القمع ضد ما يسمى بالغالبية الصامتة و سقوط وعوده أو ظهور تهافتها مع مرور الوقت و فشل محاولاته في تقسيم الشعب السوري ليسهل عليه قمعه أو سحق انتفاضته , يجب ألا ننسى أن النظام بسبب الوضع الذي دفع إليه السوريين من تهميش سياسي و اجتماعي و إفقار و تغييب كامل مضطر حتى اللحظة , و في الغد أيضا , ليجدد مزاعمه و وعوده بإصلاح ما هو عاجز تماما عن القيام به لا اليوم و لا غدا و لا في أي وقت كان لأسباب موضوعية تماما تتعلق بحتمية سقوطه في نفس اللحظة التي سيوافق فيها على تفكيك منظومة القمع الوحشي و التي سيوافق فيها على أي درجة من المشاركة الشعبية في إدارة الشأن العام , سلوك النظام بالذات هو من سيقنع المترددين اليوم , بضرورة المشاركة في الانتفاضة من أجل مستقبل أفضل لكل سوري , هذا سيصبح أوضح مع مرور الوقت خاصة لكل ضحايا النظام من كل الطوائف و المذاهب و القوميات .. يتحدث بعض أزلام النظام عن الثورة الإيرانية كفاتحة لعصر جديد في المنطقة , هذا صحيح , لكن الثورة الإيرانية لا تتطابق مع النظام الإيراني القمعي القائم اليوم , على العكس فهذا النظام هو نتيجة انحطاط الثورة و حرفها و استيلاء المؤسسة الدينية عليها من يد الجماهير التي صنعتها , أكثر من ذلك تمثل أحداث الثورة الإيرانية درسا هاما للجماهير المنتفضة في سوريا اليوم , درسا لا يفيد فقط في تأكيد قدرتها على إسقاط نظام بهذه الهمجية و الوحشية بل يفيدها في وضع التكتيكات الفعالة لإنجاز هذا الانتصار الحاسم على النظام , يجب أن نذكر مثلا أن أول المظاهرات المناهضة لنظام الشاه قد بدأت في عام 1977 لكن الشاه نفسه قد غادر إيران كعلامة على انتصار الثورة و سقوط نظامه فقط في بداية عام 1979 , كما يجب أن نذكر أن المشاركة في الاحتجاجات ضد نظام الشاه كانت في أول الأمر في طهران مثلا و عدد من المدن الكبرى محدودة جدا و بقيت أغلب المظاهرات تستقطب فقط آلاف أو عشرات آلاف من المحتجين لبعض الوقت ( هذا مع الأخذ بعين الاعتبار أن عدد سكان إيران يفوق عدد سكان سوريا ب 3 أضعاف تقريبا ) قبل أن تتحول في نهاية عام 1978 إلى مظاهرات مليونية , يعتقد أنها الأكبر في التاريخ حتى اليوم , يجب ألا ننسى أن الثورة الإيرانية استخدمت أيضا المساجد كمراكز لانطلاق المظاهرات في بداية الثورة و لفترة معتبرة من الوقت قبل أن تنتزع الجماهير الثائرة مساحات أخرى و تحررها من أجهزة قمع و جيش الشاه , يجب أن نذكر دائما و نحن نتحدث عن التقدم البطيء لكن المتصاعد للانتفاضة السورية أن الثورة الإيرانية قد حققت النصر فقط في أوائل عام 1979 بعد فترة طويلة نسبيا من الصراع مع النظام ... هناك الكثير من العوامل شديدة الأهمية التي تجعل من المستحيل تقريبا سحق الانتفاضة اليوم , مثلا ما لا يفهمه النظام هو أن هذا الجيل من الشباب وجد نفسه اليوم أمام فرصة حقيقية للتخلص من استبداد النظام و نهبه , فرصة استثنائية بكل المقاييس , و أنه نظام كريه و بغيض , بحيث أن هذا الشباب مستعد للمضي في مواصلة و تطوير نضاله حتى النهاية مهما كانت التضحيات ... إن استمرار سياسات النظام و قمعه و تزايد همجية هذا القمع من جهة و استمرار الاحتجاجات في الشارع ( و لو بمستواها الحالي ) من جهة أخرى رغم هذا القمع و رغم التضحيات لن يعني المراوحة في المكان أبدا , بل سيعني في الحقيقة تعمق أزمة النظام و سيفتح المجال أمام تقدم الانتفاضة و حتى ربما أمام إعادة سيناريو الثورة الإيرانية سوريا أو أن تخلق الانتفضة السورية سيناريوها الخاص في التخلص من الاستبداد , هناك أيضا دائما احتمال آخر قائم لا يمكن لأحد أن يستبعده و لا يستطيع النظام نفسه أن يلغيه مهما حاول أو كان مستعدا له و هو أن يتحول أحد أيام الجمعة القادمة فجأة و دون سابق إنذار ليوم غضب مليوني حقيقي خاصة في حلب و دمشق قد ينتهي بهزيمة نهائية لقوى النظام القمعية , لا يمكن لأحد أيا كان أن يتنبأ بسلوك الأغلبية الصامتة , صمتها ليس في الحقيقة نتيجة لقبولها بسياسات النظام و نهبه و تهميشه لها , على العكس تماما , إضافة إلى أن قمع النظام الهمجي هو سيف ذي حدين , من جهة يعزز الخوف و من جهة يعزز و يقوي الرغبة بالخلاص من النظام , كما يجب أن ندرك أن الكثير من الشباب يريد المشاركة اليوم في الاحتجاجات لكن بسبب التواجد المكثف لمخابرات و شبيحة النظام و التي تمنع المبادرة الأولى التي ستسمح لهم بتفجير غضبهم فإنهم لا يجدون الفرصة للتعبير عن رفضهم لسياسات النظام و رغبتهم بإسقاطه , إن نجاح هذا القسم من الشباب في تفجير غضبه وارد في أي وقت , فأجهزة أمن النظام رغم استنفارها و همجيتها ستكون بلا حول و لا قوة عندما تواجه بأعداد كبيرة من المحتجين المصممين على انتزاع حريتهم , يجب أيضا أن نبقي السيناريو الروماني في بالنا , كيف سقط الديكتاتور الروماني تشاوشيسكو في أيام معدودات بينما كان يظن أن نظامه كان مستقرا و بعيدا عن اية مخاطر , إن التاريخ عبارة عن خدع غريبة في كثير من الأحيان , لكنها خدع من فعل البشر أنفسهم , فالثورة ليست فعلا فوقيا و لا نخبويا , إنها فعل جماهيري بامتياز بل لعلها اللحظات القليلة في التاريخ التي تصنع فيها هي تاريخها , و كثيرا ما كان الفعل الجماهيري قادرا على فعل ما يعادل المعجزات في أوقات مفاجئة من التاريخ , صحيح أن الكثير من الثورات هزمت لكن الصحيح أيضا أن الكثير منها انتصر , يكفي أن نذكر هنا الثورتين الروسيتين , اللتين أسقطتا نظام القياصرة الذي امتد قرونا و الثورة الإيرانية التي أسقطت النظام الشاهنشاهي الذي استمر طويلا هو الآخر , و الثورة الفرنسية التي أسقطت نظامام ملكيا كان قد وجد يومها لقرون أيضا , لا يمكن أبدا التنبؤ بما يمكن للشعوب و للجماهير الراغبة في انتزاع حريتها أن تفعله , صحيح أن كل هذا يبقى مجرد احتمالات , لأنه من المستحيل التنبؤ بسلوك أو وجهة سير التاريخ و الشعوب , فكل شيء قد يحدث بالفعل , لكن الأكيد حتى الآن أن استمرار الاحتجاجات سيعمق أزمة النظام و ليس الجماهير المنتفضة , و أيضا أن قمع النظام الذي يزداد همجية و وحشية قد ينقلب عليه , و الأكيد أيضا أن رغبة الشباب الثائر في الخلاص من النظام و عزيمته و معنوياته مرتفعة جدا , و تزداد يوما بعد يوم مع تصاعد قمع النظام , و هذا أيضا عامل حاسم جدا , على الأقل في استمرار الانتفاضة , يبقى من الضروري على الجميع , على كل المشاركين في الثورة و من يدعمها , أن يواصل التحضير اليومي و المتواصل لنصرها النهائي على النظام , إن كل انتصار لا يتحقق فجأة , إنه نتاج , محصلة , لآلاف أفعال المقاومة الصغيرة و الكبيرة , الفردية و الجماعية , و علينا جميعا اليوم أن نقوم بقسطنا من التحضير ليوم انتصار الشعب السوري و هزيمة الديكتاتورية
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟