أحمد مولود الطيار
الحوار المتمدن-العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 - 10:44
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في إحدى جلسات " الحوار العربي الكردي " و التي طبخ لها على عجل , اثر أحداث القا مشلي – دائما هكذا هو العمل السياسي في البلدان والدول المتخلفة , يأتي كرد فعل لحدث , لا كفعل حقيقي , يناط به إحداث تغييرات كبيرة , أو كفعل تأسيسي لأهداف إستراتيجية , تمضي إليها ورشات عمل تجزئ تلك الأهداف , وصولا إلى ذلك الهدف – و ما بين محورين في ذلك الحوار , في الاستراحة و بعيدا عن الدبلوماسيات و كلام البيانات الذي يراد للإعلام نشره , وبين الجد و المزاح , اختلفت الأحاديث و أخذت منحا أخر و خطا بيانيا معاكسا , و طفت على السطح رغبات مدفونة , و أمنيات و أحلام تعبر , لا بل تفضح عن عجز و قصور . استدراكه يتطلب مراجعة وقراءات جديدة و اعادة نظر في أمور جوهرية كثيرة . كأن هذا النظام الاستبدادي , لا راد لقدره , الا قدر أخر مثله أو شبيهه . أناخ بكلكله , يتطلب المعجزات لازاحته !!!
غيمة واحدة , لا تعني أن الشتاء قادم , و الفرح لن تقدمه السماء هبة لأحد , وثنائية شاعرنا الكبير نزار قباني : اما الموت على صدري أو فوق دفاتر أشعاري 0 و لا حياة و لا أمل يرتجى و لا حرية تلوح في الأفق الا بين ثنائيتين لا ثالث مستقل عنهما ... عجبي !!! .
هذه الازدواجية , هي مفهومة في الخطاب السياسي , في المجتمعات التي لا تعرف سوى لغة القمع و القهر و الجور و يتحكم بها الظلم و الاستبداد . و من هنا يظهر البون الشاسع بين الخطاب السياسي في المجتمعات التي تسودها الحريات الديموقراطية و الحياة السياسية المبنية على أساس من العدل و المساواة , وتلك المجتمعات التي تسودها الأنظمة الشمولية و تغيب عنها الحريات و دولة القانون , فلا يمكن للخطاب السياسي أن يكون شفافا بأي حال من الأحوال . وهنا انتظار الفرج من الشيطان و استدعاءه ناجم أيضا عن حالة اليأس و الإحباط و العجز و فقدان الأمل بالتغيير و كذب وعود الإصلاح و التطوير التي قال بها النظام , و كلما تباطأ النظام بالإيفاء بوعوده , كلما ازداد اليأس و توسع حزب الشيطان على رأي أحد الكتاب السوريين .
لذلك طبيعي جدا وجود خطاب معلن و خطاب مضمر, ليس عند الأكراد السوريين فقط كما يحلو للبعض , دافعا التهمة عن نفسه , بل عموم السوريين. لأن ما يسود و ما كرسه النظام الاستبدادي , هو ثقافة الخوف و التعتيم و الغرف المغلقة ….
في حوارات أخرى , تلحظ كذلك البون الشاسع , بين ماهو رسمي , بمعنى ما هو موجود في برامج و أدبيات تلك الأحزاب (أتحدث هنا عن الأحزاب الكردية و ازدواجية الخظاب السياسي لديها ) , من حيث تأكيدها على : عدم الاستقواء بالأجنبي , وسقف المواطنة و الديموقراطية الذي تعمل تحته , و التأكيد على وحدة الأراضي السورية , وإنها لكل السوريين , ورفض و إدانة النزعة الانفصالية . كل ذلك تلحظه , بل تأكده كافة الأحزاب الكردية الموجودة على الساحة السورية , وما بين الممارسة السياسية على أرض الواقع , بحيث تغدو تلك البرامج و الأدبيات موضوعة على الرف , ويستهدى بغيرها .
أذكر مثالا فاقعا آخر يؤكد ما أذهب اليه : بعد سقوط بغداد , زارني أحد الأخوة الأكراد , فوجئت بأن فمه قد التوى و أصبح في غير مكانه , و لما سألته عن السبب ؟ أجاب : من الفرح , ثم تابع : لقد سقط صدام .
حينها يذبحني الألم و تسيطر على اللاجدوى على أمة وصلت إلى هذا الدرك , ليذهب صدام و زملائه إلى الجحيم , الى مزبلة التاريخ , ما سقط هو العراق , ما تفتت هو العراق , ما استبيح هو العراق .
ما بين فرحه و ما بين ألمي , هوة و فجوة كبيرة . كيف يمكن ردمها ؟؟
احترمت فرحه و لم أجادله كيلا أنغص عليه . ما عاناه الأكراد من صدام يفوق الوصف , مسلسل من الرعب و القتل , ولفرحه مبرراته , و لكن ليحترم ألمي و حزني على ضياع وطن , يحتوي الكرد و العرب و أقليات أخرى , و حري بنا أقلّه الألم .
الهمّ الآن سوريا كيلا تضيع هي الأخرى . لقد أضاع الاستبداد و الطغيان الداخلي أبرز ملامحها و هدد ويهدد وحدتها الوطنية , وهناك متربص خارجي يريد الإجهاز على ما تبقى بدعاوى الديموقراطية و حقوق الإنسان . الديموقراطية تؤخذ و لن تقدم إلينا على طبق من ذهب , ثمرة نضال طويل , و الشعب السوري بعربه وكرده و أقلياته الأخرى دفع في سبيلها دماء كثيرة , فلنحترم هذه الدماء , ودعونا لا نستعجل خلاصنا من أحد .
أكره العظة . كيف يمكن حل تلك الازدواجية , وذلك التناقض بين ما هو موجود في برامج و أدبيات الأحزاب الكردية , وبين الممارس و العفوي و التلقائي الذي يترجمه الواقع كل يوم ؟
كيف يمكن ردم الهوة الآخذة في الاتساع و إيقاف ذلك الانشطار و التفتت و التذرر الاثني و القومي و الطائفي , الذي يهدد المجتمع السوري ووحدته الوطنية ؟
كيف يمكن التوفيق بين حلم الانفصال و بناء الدولة القومية , و التجييش و التعبئة لذلك الحلم و بين برامج و أدبيات الأحزاب الكردية و أنها تعمل تحت سقف الوطن الموحد و المواطنة و حقوق الإنسان ؟
كيف يمكن نزع الشكوك و عدم الثقة بين متحاورين عربا و أكراد ؟
هل يمكن للأحزاب القومية بشقيها العربي و الكردي , العمل على الداخل و الابتعاد عن تعبئة الشارع السوري و تلقينه على أسوأ استيراد استوردته لأسوأ أنواع القومية المبنيّة على التخندق و التعصب و الشوفينية و الإقصاء وزرع بدلا من ذلك ثقافة ديموقراطية قائمة على احترام الخصوصية و الاختلاف و محبة الآخر ؟
ما بين الحلم والواقع مسافة كبيرة و شاسعة , و الواقع بكل رداءته لن يستطيع قمع الحلم . من حقنا كبشر عربا أم كردا , أن نحلم .
كعربي , أحلم بالوحدة العربية و تحرير فلسطين و, واسترجاع مآثر و بطولات جزء من تاريخ ناصع , وأن يكون لي في مستقبل البشرية مكان لائق .
ككردي , أحلم بكردستان موحدة , بأقاليمها الأربعة , أن يأتي يوم يرفرف فيه العلم الكردي على تلك الدولة الوليدة , و أتخلص من كوني " مواطنا " من الدرجة الثالثة و الرابعة .
كذلك هناك حلم مشترك في هذا الوطن الصغير سوريا , لكل إنسان فيها سواء كان عربيا أم كرديا . أن يكون له كرامة لا يعبث بها القائمون بأمر هذا البلد , و أن يكون له دخل جيد و مرتب محترم يتقاضاه أخر الشهر , لكي يأكل منه و يشرب و يلبس و يسافر … يحلم أن يكون له سيارة مثله مثل أي مواطن في الدول المجاورة . لقد ملّ شراء ورقة يانصيب علّها تربح , ولم يأت هذا اليوم منذ واحد وأربعين عاما . يحلم أن تكون ثروات وطنه تحت تصرفه و ليس تحت تصرف 5 % من الشعب السوري . يحلم أن يتحول وطنه من مزرعة لفئة فاسدة إلى وطن للجميع .
هذه الأحلام المشتركة ألا يمكن أن تتحول إلى سياسة فاعلة على أرض الواقع ؟
علام الشكوك المتبادلة ما بين أحزاب المعارضة بعربها و أكرادها ؟
لماذا تبديد الجهد و خلق معارك هامشية يستمتع بها النظام و يدفع لتأجيجها ؟
إن الشراكة الأساسية بين العرب و الكرد هي توحيد الجهود من أجل الديموقراطية و حقوق الإنسان و التخلي عن التعصب القومي العربي الذي يولد تعصبا قوميا كرديا مقابلا يكاد لا يميز بين العرب كشعب و ثقافة و بين النظام الحاكم .
لماذا نغلب الخارج على الداخل ؟ لماذا نغلب القومي على الوطني ؟ مع العلم بأن الهوية الوطنية هي الجسر الذي نعبر من خلاله إلى الهوية القومية و الاندماج بين أبناء الوطن الواحد هو المعبر الوحيد نحو الوحدة أو اتحادات مبنية على الفوائد و المصالح المشتركة و لنا في تجربة الاتحاد الأوربي أسطع مثال .
كسوري أحلم بالوحدة مع الجزائري و التونسي و الليبي , ولكن السوري الكردي هو أقرب لي , نحن أبناء وطن واحد , و المشترك البيننا أكبر بكثير من أولئك . ليعذرني أصحاب النظرية التقليدية في القومية , ليعيدوا النظر في الثوابت و المشتركات , إن كانوا يبغون سياسة حقيقية تجد لها ترجمة فاعلة على أرض الواقع , وليضيفوا إلى ثوابتهم , معطيات وثوابت أخرى . من كبر حجره , لن يضرب .
لاشك هناك في الطرف العربي رافعي شعارات ديموقراطية , إلا أن النزوع القومي الشوفيني , هو الطاغي و الموجه عند الاختيار بين اثنين : عروبي وديموقراطي .
هي شعارات فقط , دون الفكر , ودوت امتلاك و قبض الثقافة الديموقراطية , و بعيدة تلك الشعارات عن أي محك حقيقي يختبر فيها أصحابها 0
إن الديموقراطية هي اعتراف بالآخر و الدفاع عنه في ذروة الاختلاف معه , دون الانتظار حتى يكون ضمن شروط و مواصفات معينة 0 إن عمليات التجميل و المساحيق و المكياجات و إظهار الوجه بغير صورته الحقيقية , لابد أن يأتي اليوم الذي تسطع فيه شمس تذيب تلك المكياجات 0
إن الثقافة الديموقراطية هي وحدها الكفيلة بنقل سوريا إلى التحرر من لعنة الاستبداد و التسلط التي قادت البلاد و العباد إلى الأوضاع الكارثية التي نعيشها اليوم , و تهدد الجميع 0 إن السوريين العرب ممن يرفعون الشعارات الديموقراطية يجب أن يدافعوا عن مطالب الأكراد الذين هم جزء مهم في البنية السورية 0 تلك المطالب المتلخصة : بالاعتراف بالهوية القومية و اللغة و الثقافة الكردية , و أن لا يغدوا أسرى الخطوط الحمراء للنظام, و أسرى الارهابات و المطالب الأمنية التي لا حدود لها 0 إن دفاعنا كعرب عن حقوق القومية الثانية في البلد , هو دفاع عن إنسانيتنا و تحقيق لها و لوجودنا و لتعايشنا مع بعضنا البعض , فلا حرية لمضطهد على مضطهد 0
إن امتلاك الثقافة الديموقراطية لدى كافة الأحزاب و المتحاورين , قادرة على تبديد الغيوم و نزع الشكوك المتبادلة و القضاء على ازدواجية الموقف و التعبير للانتقال بسوريا من الاستبداد إلى وطن فضاءه يتسع للجميع 0
* كاتب سوري
#أحمد_مولود_الطيار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟