|
كلا ايها الاسلاميون
عصام شكري
الحوار المتمدن-العدد: 1008 - 2004 / 11 / 5 - 11:22
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لن نسمح ان تحولوا العراق الى ايران او افغانستان اخرى بين دمار قنابل الطائرات الامريكية وهي تحصد الابرياء، بين سكاكين الاسلاميين المتوحشين وسياراتهم المفخخة التي تنثر جثث الاطفال البائسين على اسيجة مدارسهم، تطل على الناس اخبار "مفرحة" عن الانتخابات "الديمقراطية" المزمع اقامتها في العراق مطلع السنة القادمة. ويتم التقدم بلا حياء بمطلب ان تكون تلك الانتخابات "حرة" و"نزيهة".!! ويتحدث الاعلام المأجور عن الحكومة الاسلامية في العراق كنتيجة محتملة في تلك الانتخابات، ويتم الترويج لها من خلال تصريحات جورج بوش مؤخراً والاسئلة التي يوجهها له الصحفيون حول قبوله او رفضه لنتائج الانتخابات في حالة فوز الاسلاميين. انها توطئة لنية أمريكية باستقدام الاسلاميين-الموالين الى السلطة في العراق تحت غطاء برلماني امريكي. لماذا؟. لاضفاء الشرعية ”الانتخابية" على اشرس قوة في السيناريو العراقي الاسود واكثرها ظلامية في تأريخ العراق المعاصر اي قوى الاسلام السياسي. ولكن ماذا عن الناس؟ ماذا يعني للملايين المتعطشة للحرية والامان ان تعيش تحت حكم اسلامي؟ ماذا يعني ان يعيش 25 مليون في مجتمع حديث معقد ومتحرر كالمجتمع العراقي وفي القرن الواحد والعشرين تحت حكم الاسلام؟!! ما هو الاسلام السياسي في العراق؟ الاسلام السياسي في العراق كيان سياسي غير متجانس مؤلف من خليط من قوى تشترك كلها على الاطلاق في الرجعية السياسية، التخلف الاجتماعي، الهمجية، ومعاداة العلمانية (الحكم وسيلة لتطبيق الشريعة الاسلامية). انها القوى التي يشكل التمايز والتراتبية بين البشراساساً لفلسفة وجودها. انها القوى التي تفاضل بين البشر على اساس انتمائهم الى الاسلام ودرجة ونوعية هذا الانتماء بغرض دعم سنتهم الاجتماعية المتخلفة وفرضها على كامل البنية الفوقية الثقافية والاخلاقية والفكرية والحقوقية والتشريعية للمجتمع. الحكومة الاسلامية والتي تتشكل من هذه الشراذم وربما بالتحالف مع اخوتهم القوميين والعشائريين لن تعامل المواطنين الذين لا يؤمنون بالاسلام او من الاديان الاخرى او الملحدين او المشككين او اللاادريين بشكل متساو بل على اساس مدى اقترابهم من الاسلام. بمعنى اخر: يعامل الناس وفقا لما يؤمنون به من عقائد او افكار او انتماءات دينية وليس على اساس مواطنيتهم كما هو الحال في المجتمعات المتمدنة الحديثة. تلك الخصائص ليست مجرد اختلافات اساسية مع اسس الدولة العلمانية الحديثة فحسب وانما هي بنفس الوقت اركان اساسية للبنيان الفوقي للمجتمع تحت الحكم الاسلامي، أي الثقافة، الفكر، القوانين والتشريعات، السياسة الداخلية والخارجية. كل ظواهر المجتمع الخاضع للحكم الاسلامي ستكون انعكاساً لنفس تلك المبادئ غير الانسانية والتمييزية. ان دولة اسلامية تحكم في العراق ستكون بلا شك دولة عنصرية تقوم على احتقار وقمع المواطنين من غير المسلمين والملحدين والمتحررين—لن يكون هنالك من فرق يذكر بينها وبين حكومة الاقلية البيضاء العنصرية السابقة في جنوب افريقيا او دولة اسرائيل الفاشية الحالية التي تقوم على اساس الانتماء الى اليهودية. اي شأن اجتماعي بظل هكذا دولة، من ممارسة حق الاقتراع العام الى القبول في المدارس والجامعات الى مخصصات العمال والعاملات والمسنين الى مساعدات الدولة الاجتماعية، وغيرها سيتم النظر اليها كلها من خلال ذلك المنظور الاسلامي التفريقي اللامساواتي المشين . وبرغم ان المجتمع العراقي يعاني اليوم من أزمة أهم أسبابها المباشرة انعدام الدولة نتجة الحرب الامريكية وانبعاث قوى سوداء اسلامية وقومية وعشائرية لملئ الفراغ وسيطرتها على مقدارت المجتمع بمعونة امريكا، الا ان مجئ حكومة اسلامية سيكون وبالاً على المجتمع. سيكون ضربة قاصمة لن تقتصر أثارها على المجتمع العراقي بل تتجاوزه الى المنطقة. الدولة الاسلامية عدوة الحرية وألتمدن والحداثة بحكم تعريفها السابق فان الدولة الاسلامية هي دولة ليست محايدة بل دولة رجعية لانها معادية لاسس مدنية المجتمع ( المواطنة المتساوية والحريات الواسعة). ان محاربة الحريات المدنية الفردية والاجتماعية سيكون من صلب اولويات هكذا دولة. وسيتطلب الامربالطبع الكذب المستمرعلى الناس ووصف حريات الناس على انها بدع غربية ومظاهر انحلال وفساد وتفسخ. ان الفساد والانحلال الذي يتحث به الاسلاميون هو في الحقيقة نفس مبادئ التمدن الاجتماعي. نفس مكونات المجتمع المدني المعاصر والتي دافع عنها الناس بنضالاتهم العلمانية والتحررية لسنين طويلة رغم التسلط والتخلف الاسلامي وسحبوها من بين مخالهم سحباً؛ من حق التجمعات العامة الى حرية الاختلاط الى تأسيس الجمعيات والاحزاب والمنظمات الى حقوق الاحتجاج والتظاهر الى حق التمتع بمنتجات الحضارة كالموسيقى والادب ووسائل التعبير عن الذات الانسانية والفرح والرقص وحريات الملبس والتحرر والحداثة الغربية وكافة اشكال الابداع الانساني ووسائل البهجة بالحياة. ان الاسلاميين يحاربون كل مظاهر الحياة الحديثة في العراق سواء اليوم وهم بهيئة عصابات او احزاب او كمؤسسات حاكمة تملك الجيوش والشرطة والقضاء كما في ايران والسعودية افغانستان وغيرها. ان الاختباء خلف الاعراف والتقاليد وقيم الاسلام " الحنيف" ستكون بمثابة "العروة الوثقى" لممارسة شتى صنوف الارهاب الفكري والجسدي بحق المواطنين في العراق. سيتحول العراق لا الى معسكر فحسب بل الى سجن كبير خانق للملايين من البشر تماماً كسجن الجمهورية الاسلامية في ايران. ليس عسيرا تخيل الحال في ظل حكم الاسلام من خلال اللجان التابعة الى الملالي والشيوخ ورؤساء الفرق والاحزاب الاسلامية وهي تلف شوارع المدينة بحثاً عمن يخرق قواعد الحشمة الاخلاقية للاسلام. ستزداد حالات القتل وانتهاك حقوق المواطنين وخصوصا النساء وتتم مهاجمة محلات الموسيقى وصالونات الحلاقة النسائية والمراقص والنوادي الليلية والبارات والمسارح ودور السينما والمنتديات الثقافية. ستتجول فرق الارهاب الاسلامية وبشكل رسمي محمية من قبل اجهزة الدولة والشرطة في الشوارع وسيواجه من لا يود الصيام ولا يود الصلاة ولا يود ان يلتزم بالكود الاسلامي في اللباس ولا يأبه بالدين الى اقسى العقوبات كالاهانة والضرب امام الناس ومن ثم السجن اوالحجز وحتى التعذيب. ستتعرض النساء في الاماكن العامة الى التحرش والاهانة وربما الاختطاف والقتل اذا ما خالفن تعاليم الشيوخ والملالي الذين يودون فرض الزي الاسلامي لعصور البربرية المتأخرة عليهن. كل ذلك ستم بشكل اصولي ورسمي و"قانوني" تحت الحكم الاسلامي. كل ذلك سيتم باوامر من المحاكم والقضاة الاسلاميين المتخرجين في حوزات ومشايخ الاسلام السياسي ومدارسه التي تنقط رجعية واحتقار للانسان في افغانستان وايران والسعودية والباكستان. الدولة الاسلامية عدو سافر للمرأة العراقية الدولة الاسلامية الد اعداء المرأة. انها الدولة التي ستعتمد الشريعة الاسلامية في محاكمها وتسلط قوانينها التمييزية على مصائر الفتيات والنساء تحديدا. ان الاسلام معاد للمرأة ويعتبرها مطية جنسية ومجرد كائن للاخصاب والاثارة ولا يقيم ادنى اعتبار انساني لها كانسان متساو تماما مع الرجل. الاسلام يعتبر شهادة الطبيبة والمهندسة والمحامية نصف شهادة رجل جاهل. سيتم العمل بقوانين الورائة الاستعبادية للمرأة وقوانين الزواج الاسلامي المتعدد حيث يصبح للرجل حق الزواج من اربعة نساء وبكل سهولة ودون اي معارضة اجتماعية. سيصبح ضرب المرأة وحالات العنف المنزلي ظواهر عادية وقتل الفتيات غسلا للعار شيئاً محبذاً يتم التفاخر به. كما سترغم الملايين من الفتيات الصغيرات على الزواج من رجال كبار السن. ان النساء في العراق يعانين اليوم من التمييز ضدهن في المناطق التي استشرى فيها حكم العصابات والاحزاب الاسلامية الرجعية فقط لانهن نساء؛ صارت طريقة لبسهن، تعليمهن، كلامهن في المناطق العامة، مظهرهن، علاقاتهن الانسانية، صداقاتهن، زينتهن، حريتهن في اختيار الحبيب والصديق والشريك، ذهابهن الى المدارس والجامعات، وحتى حياتهن الشخصية والعائلية منتهكة ولا حرمة لها. ان مجئ حكومة اسلامية الى العراق سيضع قرابة 13 مليون فتاة وامراة عراقية في خطر محدق. ماالحل لا يقاف هذا المخطط الاسود؟ العلمانية والمطالبة بها بكل قوة. ليست العلمانية بجديدة على جماهير العراق. انها تيارقوي ومتجذر في المجتمع العراقي، ليس اليوم فقط بل ومنذ زمن بعيد. التيار العلماني الذي يرفض دمج الدين بالدولة وينادي بالمساواة الكاملة للمرأة بالرجل وباقرار الحقوق المدنية والفردية لاوسع فئآت المجتمع وخصوصا الفئات المحرومة والعمال والنساء والشباب. لم يكن التيار العلماني في العراق تيارا ليبراليا بالمعنى السياسي بل تيارا يسارياً. يساريٌ لانه تيار ينبع من قلب معاناة الجماهير العراقية وحرمانها. من قعر المجتمع العراقي ، من ازقته المختنقة وبيوته المكتظة، من معاناة نساءه من التمييز والاحتقار الاسلامي والاضطهاد العائلي والاجتماعي، من العامل واستغلاله وحرمانه وصراعه مع رب العمل، من الكادح وجوعه وخوفه على حياته واطفاله من المستقبل. العلمانية في العراق لم تنشأ في مكاتب الفكر والسياسة او الصالونات الادبية. انها ممارسة حياتية مستمرة وهي في ذات الوقت ارث مجيد للجماهيرالعراقية المحرومة يجب الحفاظ عليه وصيانته بل ورفع رايته عالية للجماهير. ان اي حكم اسلامي في العراق سيمسح العلمانية من الوجود في العراق ويخنق هذا التيار المساواتي المناضل ويرجعه القهقرى عهودا.
ان تشريع سطوة الاسلامين في العراق من خلال انتخاب حكومة اسلامية في مسرحية انتخابات امريكية الاعداد سيؤدي الى اخلاء ميدان الصراع الاجتماعي في العراق من فعالي ونشطاء العلمانية. سيتم زجهم في السجون وقتلهم. ذلك سيحيل المجتمع الى ساحة خالية للصراع بين الوحوش البشرية الاسلامية ويتم الانقضاض وبوحشية على كل مكتسبات الجماهير وحقوقها في الحرية والمساواة او ما تبقى منها. ستتحول كل مظاهر الحياة المدنية للمجتمع الى افرازات قيحية للاسلام وسيعيش المجتمع العراقي في ازمة خانقة. سيقضى على مقاومة النساء والشباب وسيرمى بكل تاريخ الحركة العمالية ومقاومة العامل للاستغلال في غياهب السجون. العلمانية هي في صالح كل المجتمع لانها ترسخ حقوق الناس وتعتقهم من أسر الاستغلال والاظطهاد والتمييز الاسلامي.العلمانية اليوم على المحك في العراق ويتطلب الامر من كل العلمانيات والعلمانيين التصدي بحزم الى محاولة اغتيال امل الناس بالخلاص من هذا العالم الظالم الاسود. عالم يبتدأ بالحروب والدمار والخوف من المجهول ولا ينتهي بالتحقير والتمييز والعنصرية الاجتماعية والاظطهادات الجنسية للملايين من النساء. يجب ان تتصدى كل الجماهير التي تحب الحياة والحرية والمساواة والحداثة والرفاه الى محاولات ” فبركة" دولة اسلامية في العراق من قبل أمريكا واعوانها في العراق. يجب ان نقول لا باعلى صوتنا للاسلاميين وحماتهم وان نقاوم ونتصدى لهذه المحاولات بلا خوف وبجرأة. يجب ان نشرع ببناء مجتمع متقدم حديث بدولة علمانية يفصل فيها الدين عن مؤسسات الدولة والتربية والتعليم وتناط مهمات ادارة المجتمع الى قوى المجتمع المتمدنة لا الى القوى الهمجية المتخلفة.
#عصام_شكري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ليست أسئلة الناس
-
استنكار وتنديد لاعتقال الكاتب العلماني السيد جهاد نصرة ورفاق
...
-
حول -الاستيلاء على السلطة- و -اليسار الهامشي- ملاحظات سريعة
-
آية الله* اللامــــي
-
دعوة من عصام شكــري الى جميع العلمانيات والعلمانيين في العرا
...
-
بيان شجب لتهديدات الاتحاد الوطني الكردستاني لمقر منظمة حرية
...
-
الرايات الحمر حول الظهور المتكرر لرايات الحزب الشيوعي العراق
...
-
نداء - يجب ان نجعل من محاكمة صدام فرصة لمحاكمة كل الهيئة الا
...
-
أولويات وزير الثقافة - غير المفيدة- حول الديمقراطية والاسلام
...
-
النفاق السياسي للغرب حول -النسبية الثقافية- وحقوق الاطفال في
...
-
المجتمع في العراق صراع مفاهيم ام تيارات اجتماعية؟
-
هل تقبل الشبيبة باقل من حريتها الكاملة؟
-
اتحاد العاطلين وسيلة نضالية بيد عمال العراق
-
الاحتجاجات الجماهيرية وازمة الادارة المدنية الامريكية
-
بوش والهــدف الاخلاقــــــــــــي للحـــــــــــرب!!!
-
يجب منـع هذه الحرب بكل الطرق
-
أسئلـــــــة للجنرال باول
-
الطليعة الجسورة لقوى الانسانيـــــة
-
بالمرصاد لمن يتاجر بأرواح العراقيين
-
احمد الجلبي وهزيمة الباب الخلفي
المزيد.....
-
أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل
...
-
في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري
...
-
ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
-
كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو
...
-
هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
-
خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته
...
-
عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي
...
-
الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
-
حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن
...
-
أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|