حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3377 - 2011 / 5 / 26 - 05:12
المحور:
حقوق الانسان
كل الديانات السماوية والعقائد الوضعية والمدارس الفكرية, تُؤكد أن الإنسان قيمة عليا في المجتمع, لأنه هو المخلوق الذي كرمه الله تعالى, وأمر الملائكة أن تسجد له, وأورثه الأرض وما عليها, وما في باطنها من كنوز وما في البحار من ثروات, وفضله على جميع من خلق.
فالإنسان هو سر الحياة, فلولا الإنسان لما كانت الرسالات, وبالإنسان تشكل الفكر, واغتنت الحضارات بعطاءات الخير والمحبة. ولكن الإنسان صار عدو الإنسان, وعرفت البشرية نظريات القوة والتفوق والعنصرية والتسلط والتعالي والغطرسة والاستعمار. وعندما يستخدم الأقوياء قوتهم يُبهرون بها عيون المعجبين بنظرية القوة, ولكن عندما يستخدم الضعفاء القوة, يستهجن الأقوياء هذا الفعل, ويصفونه بالتمرد والانقلاب والعنف المرفوض والإرهاب.
إن استخدام القوة من كلا الفريقين هو تعبير عن رفض منطق الحوار والإقناع والمحاججة, تلك المصطلحات التي أكدتها الأديان السماوية خاصة الإسلام الذي دعا إلى الحوار لقوله تعالى" لا إكراه في الدين" وقال "وجادلهم بالتي هي أحسن" و "وقل لهم قولاً معروفا" وغيرها الكثير من الآيات التي تدعو إلى الحوار وعدم الإكراه, وتدعو إلى التفاهم والقول الحسن بالمعروف وبالقول اللين.
وعليه فإن ما يجري في بلاد العرب والمسلمين من مشكلات وحالات تمرد من أسفل إلى أعلى, وحالات قمع وقوة من أعلى إلى أسفل, يكمن سببها في الابتعاد عن الحوار والقول الحسن, وبالتعبيرات المعاصرة الابتعاد عن الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان, وعدم الاعتراف بالآخر, ورفض الحوار معه. وهذا ما يتجسد في علاقة الحاكم والمحكوم, فالحاكم يُريد طاعة المحكومين بغير نقاش أو حوار, ولا يقبل نقداً من فرد أو جماعة منضوية تحت لواء حزب أو منظمة أو جمعية, ومصير هؤلاء إما القتل أو الاعتقال إلى آماد طويلة بدون محاكمة.
لقد استغلّت القوى الاستعمارية في العالم, حالات التناقض والتنافر بين الحاكم والمحكومين, واتخذت مواقف تُمليها مصالحها واستراتيجياتها, فإذا كان الحاكم موالياً لهذه القوى فإنها تقف معه ضد المعارضة, وإذا كان الحاكم معارضاً لسياسة هذه القوى الاستعمارية, فإنها تقف مع المعارضة ضد نظام الحكم كما حصل في العراق وما يحصل في سورية والسودان, ولولا دعم القوى الاستعمارية المباشر وغير المباشر للقوى المعارضة لما تمكنت من الوقوف ضد الأنظمة في بلدانها.
إن ولاية دارفور في السودان ولاية سودانية خالصة غالبية سكانها من المسلمين ولكنهم ينتمون إلى قوميتين (عربية وزنجية إفريقية), ولم نسمع بحالة التمرد في هذا الإقليم إلا من سنوات محدودة, وبالذات بعد احتلال العراق عام 2003م, حيث نمت العصبيات القومية والدينية والطائفية والمذهبية. وبدعوى الحرص على سلامة الإنسان وإنسانيته أثيرت قضية التدخل العسكري لأغراض إنسانية كما حصل في الصومال والبوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية, وكانت النتيجة فوضى وحربا أهلية في الصومال, وانفصالا في الحالات الثلاثة الأخرى عن جسم الدولة الأم. في حين أن القوى الاستعمارية الكبرى لم تتدخل بدعوى حماية الإنسانية في حالات رواندا وبوروندي التي ذهب في الحرب بين قبيلتي الهوتو والقوتسي مئات ألوف القتلى والجرحى.
ويمكن القول أن فكرة التدخل لأغراض إنسانية, فكرة حسنة لو أنها اتسمت بالعدل والمساواة, ولا فرق بين قومية وأخرى, وبين دين وآخر, وبين مذهب وآخر, وبين طائفة وأخرى, ولكن أن يُصمم التدخل لأغراض إنسانية انتقائياً فهو تدخل ذو غرض سيئ, لا يراعي مصلحة الأمم والشعوب بكل دياناتها وطوائفها. ولا يمكن أن نلوم موقف المخلصين في الأمم المتحدة أو ننقد تحركها لإنقاذ المضطهدين في العالم, ممن تُنتهك كرامتهم إما من قبل أنظمة الحكم, أو من قبل القوى المتصارعة التي تملك السلاح, ولديها أهداف قد تكون مشروعة أو أهداف ذات غرض سيئ, دافعها قوى خارجية لها مصلحة في إثارة نعرات العنف والإرهاب.
لقد أراد المخلصون في الأمم المتحدة من المجتمع الدولي أن يتم التوصل إلى توافق دولي في الآراء لمعالجة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وكان هدفهم أن يتم التوافق على هذه المسألة, ومن ثم طرحها في اجتماع الجمعية العامة الدوري السنوي, ومن ثم إحالة القرار. ومثل هذا الموضوع المثير للجدل حول الخرق الفاضح لإنسانية البشر, حالة مثل موضوع الإرهاب الذي لم يتم التوافق بين الدول الكبرى على وضع تعريف له, لكي يتاح المجال أمام القوى الاستعمارية لتفسير الحالات المختلفة حسب مصالحها, فتصف هذه الدولة أو هذه المنظمة أو هذا الحزب بالإرهاب وتغض النظر عن تصنيفات أخرى تمارس العنف المدمر. والتدخل لحالات إنسانية ظل سائباً هو الآخر من أجل أن يظل هذا المصطلح عائماً تفسره القوى الاستعمارية حسب رؤيتها وحسب مصالحها, فتتدخل في هذه الحالة وتمتنع عن التدخل في حالات أخرى.
إن التدخل العسكري لأغراض إنسانية, حتى لو أُقر من قبل الأمم المتحدة يتبعه إقرار من الدول, بالتنازل عن بعض حقوقها في فرض السيادة, وفرض سلطة القانون الخاص بالأمن والسلم, وهذا يعني تقاسم السلطة بين قوى التدخل وبين الدولة المعنية. ولتفرض حسن النية في إقرار مثل هذا المصطلح, فالأولى من الأمم المتحدة والدول الكبرى, وبالذات الدول الصناعية الغنية أن تتوافق على مصطلح الأمن البشري اقتصادياً وتخليص البشر من الفقر والجهل والبطالة ومن الأمراض المستعصية, ومن الظواهر المجتمعية المحدثة مثل تفشي المخدرات, واستغلال النساء والأطفال لأغراض لا أخلاقية مشينة, وما ينتج عنها من أمراض يصعب علاجها.
وتشير إحصاءات دولية شبه موثوقة أنه يموت مئة ألف إنسان كل عام في العالم بسبب الجوع أو بسبب الآثار المباشرة للجوع, كما يُوجد في العالم قرابة مليار إنسان في حالة خطيرة من نقص التغذية معظمهم في بلدان عالم الجنوب, الذي يوصف بالمتخلف أو الفقير أو النامي في أحسن حالات الوصف.
وترى المنظمات المعنية بالصحة والتغذية مثل (الفاو) أنه يموت طفل عمره أقل من خمس سنوات كل سبع ثوان في العالم. وأن الطفل الذي ينقصه الغذاء يُعاني من عطب جزئي في دماغه يصعب علاجه, وهؤلاء الأطفال يُسميهم المفكر اليساري الفرنسي (ريجيس دوبريه) ب¯ "المعذبون منذ الولادة" ووصف المفكر (صموئيل بيكت) أمهات هؤلاء الأطفال "بالمعذبات اللواتي يضعن أطفالهن في وضع القرفصاء فوق القبر".
وللأسف فإن ملايين الناس يموتون من الجوع أو بسبب سوء التغذية في عالم يمور بالثروات, إذ بإمكان الأرض المعمورة أن تُغذي (12) مليار إنسان في حين أن سكان العالم نصف هذا الرقم وأكثر بقليل.
إن الأزمة المالية التي أصابت بيوتات المال في الدول الصناعية الكبرى, أثارت اهتمام الحكومات والزعماء والمفكرين, وبات العالم مشغولاً بهذه المشكلة ليل نهار. وقد تداعت هذه الأطراف برصد المليارات الهائلة لإنقاذ ما حصل, في حين لم يتداع هؤلاء من أجل إنقاذ مليارات البشر في عالم الجنوب, بل يُسخِّرون الجيوش الجرارة لغزو هذا البلد أو ذاك, وينفقون البلايين من الدولارات لإشباع نزوات الغزو واحتلال البلدان.
وإذا فكرنا بعقل غربي خالص, فإن هذه الدول والإدارات المسؤولة فيها تتصرف في معظم الأوقات لتحقيق مصالح قومية تعود بالفوائد على شعوبهما, ولا سيما أن هذه الإدارات تتحفز للغزو عندما تجد أن الأبواب مفتوحة أمامها, وتجد من يُساعدها من أبناء البلد المعني, كما حصل في العراق, وفي بلدان أخرى.
المشكلة في بلدان الجنوب أنها تعاني من التخلف ومن الفقر والجهل والانقسام, ولا توجد لديها الإدارة للنهوض والتقدم الحقيقيين والوقوف بوجه كل المؤامرات والمصطلحات المشبوهة التي تقود بالنهاية إلى خرق السيادة وامتهان كرامة البشر وإنسانيتهم. والأوضاع في البلدان العربية مهيأة للاختراق والتدخل تحت شتى التسميات والمصطلحات الآنف ذكرها, لأن الإدارات الحاكمة تفتقد إلى الإرادة الحرة في اتخاذ القرارات والدفاع عنها, في حين أن الدول العربية لديها من المنظمات مثل جامعة الدول العربية, ومن القوانين والدساتير ما يؤهلها السير قدماً في الدفاع عن الأمن القومي العربي بكل مضامينه السياسية والاقتصادية والاجتماعية, ولكن فقدان الإرادة الصادقة, جعل كل القوانين والدساتير حبراً على ورق, وتم تغليب المصالح القطرية الضيقة على المصالح القومية الكبرى التي تصون كرامة الأمة وتحفظ للإنسان العربي إنسانيته التي أرادها الله تعالى.0
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟