نبيل هلال هلال
الحوار المتمدن-العدد: 3376 - 2011 / 5 / 25 - 16:03
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
العباقرة والإبداع والبطش
العقل والبطش ضدان لا يجتمعان كما لا يجتمع الماء والنار. فالعقل لا يزدهر ويتألق إلا في ظل الحريات. وإن كان من المعروف أن رأس المال جبان لا يستقر إلا حيث الأمان كما يقول الاقتصاديون ، فكذلك العقول المبدعة، لا يقر لها قرار إلا حيث الأمن والسلام . لذا فحيثما يحل البطش يغيب العقل . فالترويع والترهيب يعطلان الملكات العقلية، فالبطش الذي مارسه الظلمة والطواغيت من أجل قمع شعوبهم وتسييرهم كالأنعام – وإن كان المقصود من ورائه امتلاك ناصية أمورهم طلبا للمكاسب السياسية والمالية – قد أضر بالعلم والعقل ضررا بالغا يصل إلى حد ما يمكن اعتباره جناية عظمى على هذه الشعوب، أي أننا عندما نتحدث عن البطش فكأنما نتحدث عن استرهاب العقل وتعطيله، وإفساد البيئة الراعية للإبداع والمبدعين وهى ضرورية للتحريض على الإبداع . فالشخصية المبدعة لا توجد خارج الإطار الاجتماعي حيث تعيش وتبدع, ومن يحقق الاكتشاف ليس هو من يملك الاستعداد فقط، وإنما من تحرضه بيئته على الإبداع. وكل ما يحيط بالفرد من أمور اجتماعية ، وتأثير العمل والثقافة ، يمكن لها أن تسهل أو تحبط التفكير والأفعال الإبداعية، وأن ما نسميه إبداعا ليس سمة محددة للشخصية، بل هو شيء متغير ، فيزيد ويقل بتأثير الظروف وأوضاع الحياة التى تساعده على النمو والازدهار أو الذبول والموت.
إن العباقرة أقلية يسيرة ولا يتأتى ظهورهم إلا بالمحافظة على المناخ الذى يلائمهم، والعبقرية لا تزدهر إلا فى جو من الحرية، والعباقرة هم أقوى الناس شخصية ، وبالتالي أقل الناس احتمالا لتكييف أنفسهم وفقا للأوضاع المألوفة والأنظمة المعتادة .. فإذا هم استسلموا لإكراه المجتمع جبنا وفَرقَا،لم يستفد المجتمع من عبقريتهم شيئا مذكورا.
ولقد أغلق ديكارت مكتبة على بحوثه الثورية في علم الضوء، بعد أن نكس جاليليو جاليلى رأسه أمام محكمة التفتيش وكان يخشى القتل، وهرب وأخفى عن الناس بحوثه في العلوم الرياضية وهو العالم الكبير. لقد عذبه إعلان الحرب على كوبرنيكوس وعلى جاليليو ، كما كان قتل برونو ذروة المؤامرة على العلم . ويمكن تلخيص ذلك بعبارة واحدة نطق بها التاريخ هي الخوف من البطش!.
أما العقل المسلم فقد طاله البطش والاسترهاب ، بدءاً من استرهابه بالسلطان ورجاله، والمماليك ، وترويعه، أى العقل، بشيخ الطريقة وانتهاء بإخافته من الهُبَّل والمجاذيب المنتمين للطرق الصوفية . حالات مستمرة وحلقات متصلة من التخويف والاسترهاب انتهت بهذا العقل إلى الشلل والجمود فاستغنى عنه المسلمون وزهدوا فيه.
#نبيل_هلال_هلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟