كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1007 - 2004 / 11 / 4 - 10:24
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يعيش العراق منذ ما يزيد عن 18 شهراً في دوامة طاحنة من الإرهاب الدموي الذي يحصد يومياً المزيد من البشر ويحاول تعطيل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في البلاد. وإذ تزداد معاناة الشعب العراقي من هذه المأساة المريعة كلما اقترب موعد الانتخابات العامة في العراق. نجد أن الكثير من الدول العربية والقوى والأحزاب السياسية فيها وجماهير واسعة ما تزال بعيدة كل البعد عن إدراك حقيقة ما يجري في العراق, وهي لا تريد المشاركة في التصدي لهذا الإرهاب وقطع الشرايين التي تغذيه وتسمح له بمواصلة القتل والتدمير. فالدول العربية والدول المحيطة بالعراق تؤكد أنها تقف ضد الإرهاب وأنها تحاول منع وصول الإرهابيين إلى العراق, ولكن أغلبها في واقع الأمر لا يمارس ما هو ضروري في هذا الصدد, وبالتالي ما تزال إشكاليات وصول الإرهابيين ووصول المعونات المالية إليهم مستمرة عبر قوات كثيرة. والقوى والأحزاب السياسية في الدول العربية منقسمة إلى ثلاث مجموعات:
1 . المجموعات اليمينية المتطرفة التي ترى ضرورة تنشيط العمليات الإرهابية في العراق باعتبارها مقاومة ضد المحتلين وضد القوى المتحالفة مع الولايات المتحدة ومنع إجراء الانتخابات لمنع وصول القوى السياسية التي كانت تعارض النظام السابق إلى السلطة بصورة شرعية وتحرمها من إمكانية ترويج الدعاية ضدها. وتتوزع هذه القوى على مجموعات قومية وأخرى إسلامية سياسية أصولية متطرفة غير متجانسة في ما بينها ولكنها متفقة في ما بينها على دعم الأساليب الإرهابية التي تمارس حالياً في العراق, إذ بأمل هؤلاء توسيع رقعة الصراع ونقلها إلى دول عربية أو شرق أوسطية أيضاً.
2 . المجموعات اليسارية المتطرفة التي فقدت بصيرتها وحسها للواقع المعقد الذي يعيش فيه الشعب ولم يبق لديها سوى الهتاف ضد الإمبريالية في العراق وتأييد الإرهاب بحجة دعم المقاومة, وهي تتنكر حتى لرأي الشعب العراقي الذي يرفض هذه المقاومة لأنه يدفع ضريبة ذلك من دم أبنائه وبناته يومياً. وبالرغم من التمايز بين اليمين واليسار إلا أن التطرف يلتقي على العموم في الأساليب بغض النظر عن الأهداف المتباينة التي تبدو هكذا. والأسلوب الذي يجمعها سوية هو الاستبداد في الرأي ومحاولة فرض ذلك على الشعب العراقي وقواه السياسية. وتحاول القوى اليسارية واليمينية أن تنسى بأن القوى السياسية العراقية تعارض الاحتلال وترفض الإمبريالية وهيمنتها على البلاد, ولكنها تريد أن تمارس طريقتها في التخلص من الاحتلال ووفق تقديرها لموازين القوى والمشكلات التي تواجهها, وفي المقدمة منها الإرهاب الذي تسميه "مقاومة شعبية!".
3 . أما المجموعة الثالثة فتؤكد كرهها للإرهاب ورفضها لما يجري في العراق, ولكنها غير قادرة على القيام بعمل واسع ونافع في هذا الصدد. وفي إطار هذه المجموعة نجد جمهرة من المثقفين التقدميين والديمقراطيين, سواء أكان ذلك في الدول العربية أم في بلدان الشرق الأوسط الأخرى, الذين يشجبون الإرهاب ويساندون نضال الشعب ضده. وهذه المجموعة ما تزال صغيرة بحكم الأوضاع والتراث الثقيل الذي ما تزال تعاني منه حركة الجماهير العربية والمواقف الحادة والمتطرفة التي رافقت نشاطها على امتداد الفترات المنصرمة.
ماذا يعني هذا الواقع؟ إنه يعني باختصار عدة استنتاجات علينا العمل من أجل التعامل الواعي معها دون أن تكون لنا أوهام بشأنها:
* استمرار تقديم الدعم لقوى الإرهاب في العراق من قبل قوى اليمين واليسار المتطرفة وقوى الإسلام السياسي الأصولية بمختلف أجنحتها, وأن هذه العملية ستكلف الشعب العراقي الكثير خلال الفترة القادمة. ويفترض أن لا نعول على قدرتنا في كسبها إلى جانب الشعب العراقي وقضيته العادلة, إذ أنها قد حسمت موقفها في هذا الصدد وتسعى الآن إلى كسب ذات القوى على الصعيدين الأوروبي والعالمي.
* سوف لن تقوم الدول العربية بالمزيد من الجهد لمنع الإرهابيين من ولوج العراق أو الكف عن أو منع تزويد الإرهابيين بالدعم المالي, لأنها تعيش اليوم اتفاقاً حصل بين قوى اليمين واليسار المتطرفة مع حكومات أغلب هذه البلدان في رفض ما تطرحه الولايات المتحدة الأمريكية من ضرورات ضمان الديمقراطية وحقوق الإنسان فيها, وكأن الشعوب العربية وشعوب المنطقة لم تكن تطالب قبل الولايات المتحدة, وبالضد منها, منذ عشرات السنين بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية. وتشكل هذه الظاهرة السلبية الجديدة خطراً على وعي الناس وعلى علاقتهم بالواقع الراهن وطبيعة الحكومات القائمة والنضال في سبيل التغيير الديمقراطي فيها. إذ أن موقف الرفض يصب في طاحونة الحكومات الاستبدادية القائمة
* إن القوى التي تقف مع الإرهابيين في العراق بكل فصائلهم, سواء أكانت من فلول البعث المنهار أم القوى القومية التي تتعاون معها أم قوى الإسلام السياسي المتطرفة, تريد عملياً, شاءت ذلك أم أبت, إطالة عمر قوى الاحتلال في العراق لإبقاء التوتر في العراق والمنطقة بأسرها, وبالتالي تعتقد بقدرة هذه القوى على الانتصار ومن ثم تعميم التجربة في بلدان أخرى من منطقة الشرق الأوسط.
* كما نخلص إلى نتيجة مهمة جداً مفادها أن على الشعب العراقي أن يعتمد على نفسه في مقارعة الإرهاب وأن يسعى إلى توفير مستلزمات النضال للخلاص منه, ومن ثم للخلاص من الاحتلال, وأن إمكانية تطوير المجموعة الثالثة الكارهة للإرهاب وعواقبه يصعب تنشيطها وتطوير دورها خلال الفترة القصيرة القادمة. إلا أن هذا لا يعني عدم بذل الجهود في كل الاتجاهات من أجل خلق شروط أفضل لصالح قوى الشعب المناهضة للإرهاب.
إلا أن ما أشرنا إليه للتو لا يخلو من تداعيات حقيقية على ساحة منطقة الشرق الأوسط, إذ أن ما يجري في العراق يعبر عن محاولة لخوض معركة دولية ضد الولايات المتحدة الأمريكية في العراق. واحتمال أي نجاح جزئي لقوى الإرهاب في العراق, رغم استحالته, سيدفع بها إلى مد المعركة إلى بلدان ومواقع أخرى أو حتى ضد قوى أخرى.
يبدو لي بأن شعوب وحكومات بلدان المنطقة, ومنها الدول العربية, والكثير من أحزابها السياسية, ومنها القوى الديمقراطية واليسارية لم تع حتى الآن أن على أراضيها توجد قوى غير قليلة ترتبط فكرياً وسياسياً وتنظيمياً بقوى ثلاث متطرفة مستعدة لخوض المعركة متى وجدت الفرصة مناسبة لذلك: قوى قومية يمينية وقوى يسارية متطرفة إرهابية أيضاًً, سواء أكانت عربية أم تركية أم إيرانية, وقوى إسلامية يمينية وأصولية متطرفة, يمكن أن تفجر الصراع وتنفذ عمليات إرهابية في كل لحظة تجدها مناسبة لها. إذ أن تأييدها للإرهاب الجاري في العراق يجسد حقيقتها وتطلعاتها في آن. ولم يكن الخطاب الأخير لأسامة بن لادن بعيداً عن هذا الاحتمال وتصعيد المعركة في العراق والمنطقة. وما عشناه من تفجيرات في تركيا ومصر يمكن أن يتكرر فيها وفي غيرها من بلدان المنطقة, بغض النظر عن طبيعة علاقات تلك القوى بأسامة بن لادن. إن إشعال الحرائق الإرهابية في المنطقة سيزيد من الآم ومصائب الشعوب العربية وشعوب المنطقة كلها وسيزيد من إمكانية الحكام فيها على فرض المزيد من الاستبداد بحجة حماية الشعب والمؤسسات والاقتصاد من الإرهاب, وبالتالي مصادرة حتى الصبغة الخفيفة للمجتمع المدني عنها والدوس الفظ على مبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات والعدالة الاجتماعية.
إن العراق مليء حالياً بعناصر قادمة من وراء الحدود, وأغلبها من دول عربية تريد الموت السريع للدخول إلى الجنة وحجز موقع لها قرب "حور العين" بسبب التثقيف الخرافي الرجعي الذي مارسه, وما زالوا يمارسونه, رجال الدين في السعودية ومصر واليمن ولبنان وإيران وفي بقية الدول العربية والإسلامية. إن هؤلاء يتسابقون نحو الموت وعلينا إدراك هذه الحقيقة, بفعل الجهل المهيمن على عقول الناس, وبالتالي لا بد من إيجاد صيغ عملية ومناسبة لاكتشاف الدور التي يأوون إليها. وإذا كان عدد البيوت في الفلوجة والرمادي وهيت كبيراً ويضم بضعة مئات منهم إضافة إلى العراقيين من نفس القطيع, فأن بغداد تأوي اليوم مجموعة كبيرة من هؤلاء القادمين من وراء الحدود, وخاصة أولئك الذين يقودون السيارات المفخخة, في حين أن البعثيين وبعض القوميين من العراقيين والعرب هم الذين يقومون بتنظيم الاغتيالات والاختطافات والتفجيرات الكثيرة أو زرع العبوات الناسفة والألغام على الطرق العامة. وعلينا أن نكتشف الدور التي كانت مخصصة لأجهزة الأمن والاستخبارات وغير المعروفة من قبل الكثيرين من الناس, في حين يعرف بها بعض الكوادر الحزبية أو في بيوت كوادر بعثية وأعضاء من مستويات غير معروفة.
إن هذه الحقيقة تتطلب من الشعب العراقي وقواه السياسية النظر إلى الصراع الدائر مع قوى الإرهاب في العراق على أنه لا يرتبط بالشعب العراقي وحسب, بل ويمس شعوب المنطقة بأسرها نظراً للتفاعل القائم في ما بينها والتأثيرات المتبادلة. ونحن بحاجة إلى تعميق الوعي بهذه المسألة الحساسة لدى مختلف طبقات وفئات الشعب. إن حسم المعركة ضد الإرهاب ولصالح استعادة الاستقرار والأمن والطمأنينة إلى نفوس العراقيات والعراقيين سيعني الكثير للشعب العراقي ولشعوب المنطقة. ولهذا يفترض أن يجري العمل داخل العراق باتجاهات عدة أساسية تتحمل القوى والأحزاب السياسية مسؤولية خاصة إزاء ذلك:
- لا يجوز المراوحة في المكان في مواجهة القوى الإرهابية, إذ أن استمرار وجود هذه العصابات على الأرض العراقية يكلف الشعب العراقي أرواح المزيد من البشر والمزيد من الدمار وتعطيل عملية إعادة الإعمار والتنمية, كما أنها تشجع الآخرين على القدوم إلى العراق لممارسة نفس الأساليب الدموية. ولا بد من القول بأن الأساليب الاعتيادية لم تعد تنفع في مواجهة هذه القوى, لهذا يتطلب الجلوس إلى طاولة مشتركة للبحث في تلك السبل الاستثنائية الضرورية للتخلص من هذه العصابات المجرمة. وعلى الأخوة في كردستان العراق أن يساهموا بفعالية في تقديم خبرتهم الخاصة في هذا المجال في مواجهة قوى الإسلام السياسي, الإرهابية, علماًً بأن الحدود العراقية في كردستان العراق طويلة جداً مع كل من إيران وتركيا وسوريا وولوج المخربين والإرهابيين منها ليس صعباً. ومع ذلك فهم في موقع مكنهم من تقليص العمليات الإرهابية في كردستان إلى الحد الأدنى حتى الآن. ولكني أتوقع أن قوى الإرهاب ستحاول تنظيم سلسلة من العمليات التخريبية هناك. وعلى حكومة الإقليم والقوى والأحزاب السياسية الوطنية تقع مسؤولية زيادة الانتباه والحذر والسعي الحثيث للكشف على أوكار هؤلاء قبل تنفيذ عملياتهم الدنيئة, خاصة ونحن مقبلون على عيد الفطر والانتخابات القادمة.
- إن نبذل كل الجهود من أجل الحل السلمي للمشكلات القائمة في كل من الفلوجة والرمادي وغيرها, ولكن لا يجوز الانتظار طويلاً, إذ أن هذا يعني المزيد من الموت والدمار وكسر معنويات الشعب العراقي, إذ أن الإرهابيين يريدون كسب الوقت لإفشال التوجه صوب الانتخابات, وينبغي أن لا نسمح لهم بذلك. إن موت عراقي واحد أو أي إنسان كان كثير وكثير جداً, فكيف بنا والشعب يفقد يومياً عشرات القتلى والجرحى والمعوقين.
- التدخل الفعلي من جانب التحالفات السياسية الوطنية لمنع التصرفات الفردية في مواجهة الوضع القائم باتجاه تأمين قيادة مشتركة لصالح مقاومة الإرهاب والتصدي له, ومحاسبة المقصرين في ذلك, إذ من غير المعقول أن تمر قضية مثل تغلغل المقدم يوسف أو غيره دون اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي تمنع وقوع ذلك.
- تعزيز الجبهة الداخلية من خلال تشكيل القائمة الوطنية المشتركة التي تضم الأحزاب الوطنية العربية والكردية وأحزاب القوميات الأخرى والقوى المستقلة لخوض الانتخابات في ضوء برنامج وطني وديمقراطي يشكل القاسم المشترك الأعظم بين القوى السياسية العراقية في المرحلة الراهنة, والتغلب على اتجاهات التمييز الديني والطائفي وأساليب العنف في الممارسة السياسية التي ميزت نشاط بعض القوى في الأشهر الأخيرة.
- دعم الجهود المبذولة لتأمين وجود أفراد في قوات الشرطة والجيش يتمتعون بالوعي والمسؤولية إزاء الوطن ومصالح الشعب, ثم الانتباه والتحذير من تغلغل عناصر دخيلة على هذه القوات تساهم في توجيه الضربات لها.
- التعاون مع هذه القوات لضمان الوصول إلى مخابئ أعداء الشعب الذين يوجهون نيران إرهابهم إلى صدور أفرادها, وهم جزء من الشعب العراقي, إضافة إلى صدور الشعب نفسه.
- تنظيم علاقة وثيقة بين قوات ال?يشمر?ة, التي يفترض أن أصبحت الآن جزءاً من القوات الوطنية العراقية النظامية وقوات الحرس الوطني والشرطة, من أجل تبادل الخبرة والمعارف والمعلومات حول النشاط الإرهابي في العراق.
- مرة أخرى أؤكد ضرورة إيجاد سبل جديدة وقوى صديقة أخرى تساعدنا بخبرتها الدولية على اكتشاف مخابئ قوى العدوان والإرهاب في العراق.
وعلى صعيد الخارج يفترض في الجماعات العراقية من أبناء الجالية أن تجتهد لتحقي ثلاثة أهداف جوهرية في المرحلة الراهنة:
- أن تكف عن العمل من خلال نظرة حزبية ضيقة إلى المنظمات الديمقراطية التي يراد تأسيسها باتجاه السيطرة عليها وإلغاء الآخر, كما حصل أخيراًً في مؤتمر الجالية العراقي في ألمانية ببرلين والتي لم تقدم صورة ناصعة عن فهم و وعي ديمقراطي لمشكلات العراق الراهنة ومهمات قواه الديمقراطية.
- أن تسعى لتأمين اتفاق عام على العمل من أجل القيام بنشاطات مشتركة لكسب التضامن مع الشعب العراقي كله, عرباً وكرداً وقوميات أخرى, إذ أننا جميعاً نجلس اليوم في قارب واحد والإرهاب يهددنا جميعاً ويهدد مستقبل العراق الديمقراطي الفيدرالي المستقل.
- أن نشكل جماعات ضغط ديمقراطية لصالح إعفاء العراق من ديونه الثقيلة وتأمين دعم تلك الدول الأوروبية أو غيرها لإعادة بناء العراق وتنشيط عملية التنمية فيه.
- مساعدة العراقيين الراغبين في العودة إلى الوطن من خلال إعادة تأهيلهم او تقديم القروض لهم لإقامة مشاريع مستقلة لهم في العراق, إضافة على معالجة مشكلات العراقيات والعراقيين الذين يواجهون مشكلات في الغربة.
برلين في 3/11/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟