|
العراق ومنافع الإحتلال الأمريكي
جرجيس كوليزادة
الحوار المتمدن-العدد: 3375 - 2011 / 5 / 24 - 13:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من المفارقات الغريبة على الساحة السياسية في العراق في تاريخه الحديث، استمرار الاحتلال فيه باساليب وأشكال مختلفة ومتنوعة عن المألوف، فتارة احتلال بالقوة العسكرية وتارة بالقوة الاقتصادية، ومثالنا على الاحتلال بالقوة هو التدخل العسكري لأمريكا وبريطانيا لاسقاط النظام عام الفين وثلاثة، واما مثالنا على الاحتلال الاقتصادي فهو ايران وتركيا ولكل منهما أساليب متنوعة للدخول في مفاصل الاقتصاديات العراقية.
ونعلم اننا شهدنا وعاصرنا احتلال الولايات المتحدة الامريكية لانقاذ البلاد من نظام الطاغية صدام بأحداث مريرة ومأساوية، مع استمرار تواجد المحتل لسنوات كقوة عسكرية باقرار واعتراف رسمي منه ومن مجلس الأمن، ثم تبعه خروج القوات العسكرية من العراق وفق اتفاقية امنية تراعي مصالح الطرفين في بغداد وواشنطن، ولا ينكر خلال فترة التواجد الامريكي كان للمحتل مكاسب كبيرة لصالح العراق منها اطفاء الديون الكبيرة على الدولة والتي قدرت بمئات المليارات، وتثبيت نظام ديمقراطي دستوري تعددي لنقل السلطة سلميا وفق خيار الشعب، واطلاق الحريات والحقوق الدستورية للمواطن، والحفاظ على البنية التحتية والصناعية للنفط العراقي الذي يشكل المورد الرئيسي للدخل الوطني.
ومع كل هذه الانجازات للولايات المتحدة لصالح العراق الا انها بقيت كقوة محتلة رغم دورها في انقاذ البلاد من ازمات مالية واقتصادية كبيرة كادت ان تمحو الدولة العراقية من الخارطة بسبب ضخامة الديون التي تراكمت عليها من قبل النظام البائد وتهدم البنية التحتية نتيجة حروب النظام طوال عقود مع الكرد ومع ايران وغزوه للكويت.
هذا الواقع للاحتلال الامريكي شهده العراقييون بكل احداثه ووقائعه المؤلمة، ولكن مع هذا الاحتلال تزامن احتلال اخر، احتلال من الدول المجارة، لكنه ليس من خلال القوات العسكرية بل من خلال الاجهزة الاستخباراتية والميليشيات والشركات والمكاتب والوسائل الاقتصادية والتجارية، ونتيجة لهذا تكمنت هذه الدول من فرض ارادتها السياسية على القوى العراقية السياسية وان تؤثر عليها وتسيرها وفق مصالحها بعيدا عن مراعاة مصالح البلد، وقد اتسم هذا الاحتلال عكس الاحتلال الامريكي بنهب موارد الدولة واللعب بمصير مواطنيها وادخالهم في حروب مذهبية وطائفية وارهابية واجرامية وزرع الفتنة في كثير من بقاع العراق، واعترافات المسؤولين العراقيين عن التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية دليل على وصول تلك التدخلات للدول المجاورة الى درجات عالية ومديات مؤثرة خاصة في القرار السياسي والاقتصادي والتجاري للكتل والاحزاب العراقية في بغداد.
هذا هو الواقع المؤلم للاحتلال المتنوع في العراق، لكن تبقى حساسية العراقيين مع قوة الاحتلال العسكري مسألة في غاية الأهمية، والشارع العراقي في حين انه لا يدرك المخاوف الحقيقية لتدخلات الدول المجاورة ولكنه يمنح بقاء القوات الامريكية أهمية قصوى رغم منافعه لصالح العراق لحماية مصالحه الاستراتيجية، وهو ليس بخاطيء لأنه لم يلتمس فوائد الاحتلال الامريكي على حاضره ومستقبله على أرض الواقع بصورة مباشرة، رغم تحول الاحتلال الى تعاون أمني وعسكري بين بغداد وواشنطن وفق اتفاقية مصدقة من الحكومة ومن مجلس النواب.
وقادة العراق لا يجرؤن على الجهار بأهمية بقاء القوات الامريكية رغم إدراكهم بانهم بامس الحاجة الى هذا البقاء في ظل التغييرات الدراماتيكية للأزمات الإقليمية والدولية مع وصول شرارة الاحتجاجات الشعبية الى مشارف حدود ايران، وتخوف القيادة الدينية في طهران من وصول امتداد الثورات اليها تجعلها ان تعمل بكل جهد لمنع وصولها اليها من خلال تأزيم الوضع في العراق بعد ان بدت على مشارف فقدان حليفها الاستراتيجي سوريا التي بدأت تترنح تحت صيحات ثورة الاحتجاجات في مدن كثيرة في بلاد الشام.
والمؤسف ان روسيا والصين تلعبان دورا سيئا تجاه الشعوب المتطلعة الى الحرية وتقفان دائما ضد الطموح الشرعية للمجتمعات التي ترضخ تحت حكم الانظمة المستبدة، وتعملان على حماية الانظمة الدكتاتورية والبقاء عليها خاصة في عهد النظام البائد، لهذا لا يبقى مجال تعامل العراق الا مع الولايات المتحدة والدول الاوربية للاستفادة من هذه الدول مع مراعاة المصالح المشتركة، وما يربط بغداد بواشنطن هو أكثر حجما ومساحة مع ما يربطه مع دول أخرى، لهذا نجد ان توثيق العلاقات بين العراق والولايات المتحدة يعتبر من الحاجات الملحة للحفاظ على المصالح العليا للبلاد مع الحفاظ على السيادة الوطنية.
لهذا نجد ان الوضع العراقي في ظل التطورات الراهنة بحاجة الى تفكير جدي وحرص شديد لابعاد البلاد من شبح الازمات الامنية والسياسية والاقتصادية التي ستختلقها الدول المجاورة للعراق خاصة ايران في المستقبل القريب، ولابد ان يكون الاهتمام بحماية المصالح العليا للبلاد من أهم الاولويات الحالية للقادة العراقيين للوصول الى قرار سليم، ولا شك ان مسألة بقاء القوات الامريكية احد الامور المرتبطة بهذه المصالح والاقرار ببقائها ليس من السهولة اتخاذ القرار بشأنها، ولكن يبقى أمر تحمل المسؤولية التاريخية في هذا الظرف مسالة في غاية الأهمية لكل قيادي سياسي عراقي لاخراج البلاد من الازمات الراهنة، لذا نأمل ان تكون القيادة العراقية بمستوى هذه المسؤولية.
[email protected]
#جرجيس_كوليزادة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عرب كركوك والتقارب الكردي التركماني
-
مبادرة الى حكماء العراق
-
زعيمان لم يتفقا على إمرأة واحدة
-
أم الثورات العلمية في نهاية العقد القادم
-
الموازنة وحقائق غامضة عن تعداد سكان العراق
-
المالكي وتجويع العراقيين بميزانية 2008
-
إعلام الرئاسة العراقية واجهة فاشلة
-
أراء القراء عن آليات مناهضة جرائم الشرف
-
المالكي واحتياجات المواطنة العراقية
-
إقليم كركوك ضرورة عراقية وكردستانية
-
ألا يَا نَخْلَةَ الوادي
-
حياةُ بِلادِ الكُردِ مماتٌ
-
سَوادُ الفَسادِ في كُردِسْتان
-
الأقاليم العراقية
-
جَرائِمُ الشَرف
-
آليات مناهضة ومنع جرائم الشرف في العراق
-
قَنديلُ كُردستان نَخلَةُ العِراقِ
-
يَتامى عراقِ النفطِ بالملايين
-
مَليونُ أرمَلة
-
نزولٌ الى بغداد
المزيد.....
-
الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي
...
-
-من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة
...
-
اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
-
تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد
...
-
صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية
...
-
الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد
...
-
هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
-
الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
-
إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما
...
-
كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|