أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا















المزيد.....

إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1006 - 2004 / 11 / 3 - 10:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعاني حزب البعث الحاكم في سورية نوعين من المشكلات: نوعا أولا يتعلق بتكوينه الذاتي, الفكري والإيديولوجي والتنظيمي, ونوعا ثانيا يتصل بموقعه من السلطة السياسية في البلد. وبينما لا تختلف مشكلاته الأولى, من حيث المبدأ, عما يمكن لأي حزب سياسي أن يشكو منه, فالمشكلات الثانية, التي تخص كونه الحزب الحاكم في نظام حزب واحد, تماثل ما كانت تشكو منه الأحزاب الشيوعية في الاتحاد السوفياتي وبلدان أوروبا الشرقية.
يندرج بين مشكلات النوع الأول شعور منتشر بالتباس أهداف الحزب الثلاثة, الوحدة العربية والحرية الاشتراكية, وانفصالها عن العمليات الواقعية وعن الخيارات السياسية لنظام حكم الحزب نفسه. ومنها ايضا قضية تلازم النضال القومي والنضال الاشتراكي, ومفهوم الأمة الدمجي, فضلا عن قضايا التنظيم والعلاقة بين التنظيمين القومي والقطري التي أثارت جدلا نصف داخلي في الآونة الأخيرة. لقد تشكلت التصورات
البعثية التقليدية حول تلك المدركات في مرحلة نزع الاستعمار ونهوض حركات التحرر الوطني وعقيدة اللحاق السريع بركب التقدم (حرق المراحل), وهي فوق ذلك مرحلة الحرب الباردة.
وهذه كلها إحداثيات تزكّي مركزة السلطة والقيم في يد فئة محدودة العدد, وتعطي أولوية كبيرة لمقتضيات التعبئة وترفع من قيمة السلطة في المجالات السياسية وغير السياسية.
وأقل ما يمكن قوله في هذا الخصوص إن تلك التصورات واللغة التي تعبر عنها تحتاج الى مراجعة جذرية. ومعلوم ان القيادة القطرية لحزب البعث بادرت في مطلع العـــام الحالي إلى تشكيل أربع لجان للنظر في قــضايا الوحدة والحرية والاشتراكية والتنظيم الحزبي, وستقدم اقتـــراحاتها وتوصـــياتها إلى الق يادة القطرية, وستطرحها هذه بدورها أمام مؤتمر الحزب المفترض انــعقاده نهاية هذا العام. أما المشكلات الثانية, ونسميها مشكلات النظام, فنشأت عن احتكار السلطة وغياب المنافسة السياسية, وما يفضي إليه ذلك من نزع سياسية الحزب ومن تكاسل وجمود وترهل.
وبالنظر إلى كون المشكلات الأولى بعثية داخلية, فمن المفترض أنها تهم البعثيين وحدهم دون أن تعني الأكثرية غير البعثية من السوريين. بيد ان نوعية النظام السياسي في سورية, وهو يقوم شكليا ودستوريا على الأقل (الواقع مختلف عن ذلك كثيرا) على تماهي الحزب والسلطة, يضعف إمكانية وجود مشكلات بعثية ذاتية لا تنعكس على الجماعة السورية كلها. والغفلة عن هذا الواقع هي أصل الخلل المشترك بين جميع المقاربات التي فكرت في أزمة الحزب واجتهدت لاقتراح سبل لإصلاحه. إنها مقاربات واجتهادات تفترض استقلال حزب البعث, وتاليا إمكانية معالجة ما قد يعرض لبنيته وعمله من اختلالات مثلما تحل مشكلات أي حزب آخر غير حاكم. ليس هذا واقع الحال, وحزب البعث ليس مثل أي حزب آخر. هو ليس مستقلا عن الدولة ولم يحتل موقعه في الحكم عبر عملية انتخابية تنافسية. إن نخباً بعثية (حتى لو لم تكن هذه اقوى صفاتها) هي التي ترسم السياسات العامة الداخلية والخارجية التي تمس حياة السكان, وهي الت ي تمنعهم من محاولة التأثير على سير تلك السياسات أو اقتراح سياسات أخرى. بعبارة مختلفة, هناك تقسيم عمل سياسي صارم ومحروس بالإكراه: يشكل بعثيون الطبقة السياسية وينفردون بقيادة الدولة والمجتمع, فيما تعيش الأكثرية تحت "خط الفقر السياسي", محرومة من الحق في التعبير والتنظيم والاحتجاج.
إن "الصورة النمطية" لحزب البعث "كحزب حاكم ذي تنظيم مغلق وحياة داخلية يغلب عليها طابع المركزية والأمر والسرية, فكره قومجي وثورجي, غير نقدي واقصائي, لا يعترف بالآخر, وتنظيمه هرمي حيث تزداد مفاعيل السلطة مع الارتفاع في المستويات الهرمية, وتأمر القيادات فيه القواعد وتملي عليهم المواقف والسياسات والممارسات", كما كتب قبل أيام رئيس تحرير الجريدة الناطقة باسم الحزب, هذه الصورة تدين لتقسيم العمل ذاك, وليست ثمرة "التضليل الاعلامي الذي تتعرض له سورية وحزب البعث باستمرار من قوى تملك ماكينة إعلامية ضخمة", كما أفتى الرجل نفسه. ففي ما عدا ما في هذه الفتوى من مجاملة ذاتية, وفي ما عدا إغفالها أوصافا أخرى أكثر شيوعا وتداولا على ألسنة السوريين, تتعلق بالامتيازات والمكاسب والفساد, وكذلك بالنزعة الدعائية وانفصال الكلمات عن الوقائع والأفعال, فإن من المدهش أن يشكو حزب يحتكر وسائل الإعلام كلها من ظلم الإعلام له. ليس في مثل هذا التناول ما يساعد على تشخيص علل الحـــزب ولا ما يقرب الغيارى عليه من معالجات ناجعة للعليل. إن حزب البعـــث يدفع اليوم ثــمن أربعة عقود من حكم الحزب الواحد ومن تحريم النقاش الد اخلي في أوساطه وبين عامة الناس في البلد المحكوم به. وهو ما يلمسه المراقب بجلاء عبر المستوى المتواضــع للنقاش, رغم مشاركة القيادات الفكرية للحزب فيه. والحال إن العلة في الأصل لا في الصورة. والأصل المقصود هنا هو كون البعث حزبا ودولة. وهذا الشرط يقدّم التصدي للمشكلات الثانية, مشكلات النظام, على مواجهة المشكلات الأولى, مشكلات الحزب, ويجعله مهيمناً عليه وشارطاً له. وهذا لا يعود إلى أن مشكلات النظام تمس آثارها دائرة أوسع من الناس مقارنة بمشكلات الحزب فقط, وإنما إلى حقيقة أن مجرد طرح وتوضيح مشكلات الحزب يحتاج إلى مناخ سياسي ومعنوي متحرر, يواتي توسيع قاعدة النقاش حولها. وهو ما لا يمكن الأمل به في ظل أوضاع حرية التعبير والرأي والإعلام القائمة حاليا في البلاد, المستظلة بدورها بتقسيم إكراهي للعمل السياسي.
هذا يعني انه دون تحقيق تقدم على جبهة حل مشكلات النظام ستكون فرصة حل مشكلات الحزب محدودة أو
معدومة. ليس هناك حلول محض فكرية لمشكلات حزب البعث الفكرية, ولا حلول محض تنظيمية لمشكلات "الحزب القائد" التنظيمية. وهذا بالضبط لأن المشكلات الفكرية والتنظيمية لحزب البعث ليست محض مشكلات فكرية وتنظيمية. إنها هي بالذات مرتبطة بنوعية نظامه السياسي. فرغم أنها لم تنشأ عن نظام الحزب الواحد, فقد تفاقمت في ظله, وبالخصوص في ظل تحريم النقاش العام والاستيلاء على مظانه المؤسسية (من صحف ووسائل إعلام وأحزاب سياسية وجامعات وتنظيمات مدنية) وعلى قيم ومضامين الوطنية. بكل بساطة, ليس هناك حلول حزبية لمشكلات حزب البعث الذاتية لأن ذاتية الحزب في نظام الحزب الواحد هي نظام حكمه. هناك فقط حلول سياسية, حلول على مستوى النظام. الرؤية العامة التي تحكم
حل مشكلات الحزب هي فصله عن الدولة وفك علاقة التماهي بينهما وإرساء الأسس الدستورية والمؤسسية والفكرية لنظام سياسي متعدد الأحزاب.
باختصار, تحرير الحياة السياسية في البلاد. وليس في ذلك ما يفاجئ. فمشكلات الحزب تراكمت وتعقدت لأسباب ناجمة عن عدم حل مشكلات النظام, ولذلك فحلها رهن بمعالجة هذه المشكلات الأخيرة. فلن يستطيع الحزب حل مشكلاته دون التحرر من عبء السلطة التي بناها هو بالذات. وما ذلك إلا لأن حزب البعث أمسى رهينة النظام الذي يفترض أنه يحتل فيه موقعاً ممتازاً لا يُضاهى. وهذه جدلية يمكن رصد مثلها في أنظمة الحزب الواحد جميعا. باختصار, لا حل حزبيا لمشكلات سياسية في الأساس والجوهر. وعملية الإصلاح الحزبي لن تؤتي محصولا مفيدا إن لم تكن جزءا من عملية إصلاحية واسعة هي عملية إصلاح الدولة والسياسة والدستور.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول الطريق الثالث ... مرة ثالثة
- اسحقوهم بتناسب، وحطموهم برفق، واقتلوهم بلطف!
- الاستقطاب والاختيار: حول مفهوم السياسة 2 من 2
- الاستقطاب والضعف : حول الخط الثالث مجددا 1 من 2
- ماضي الخط الثالث ومستقبله في سوريا
- مذهب الضربات الوقائية والعقلانية في النظام العالمي
- فليستقل مدير عام مؤسسة الاتصالات!
- الجامعات الأسيرة صورة عامة للحال الجامعية السورية
- على أثر العاديين ...في شاتيلا
- في ذكرى اعتقال رياض سيف: احتجاج على شركتي الخليوي
- ما العمل إن لم يكن لمفاوضة الطالبان ومقاتلي الشيشان بديل؟
- نظام الهيمنة وإصلاح العلاقة السورية اللبنانية
- السوريون والمسالة اللبنانية: أسرار الصمت
- الرغبة في تقديس حكامنا؟!
- أدونيس يهدر فرصة أن يبقى ساكتا
- الجفاف السياسي يجعل المجتمع سهل الاحتراق
- حوار حول بعض قضايا الحاضر السوري
- شكوى من فخري كريم وتوضيح من ياسين الحاج صالح
- سنوات الأسد الثاني الأربعة وتحدي -الاستقلال الثاني- لسوريا
- عرب وأميركيون وديمقراطية


المزيد.....




- الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر ...
- لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع ...
- -حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم ...
- هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
- فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون ...
- ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن ...
- محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إصلاح حزب البعث والإصلاح السياسي في سوريا