حسن محمد طوالبة
الحوار المتمدن-العدد: 3374 - 2011 / 5 / 23 - 14:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما فاز محمود احمدي نجاد برئاسة الجمهورية الإيرانية الأولى . شاهد العام كيف قبل نجاد يد المرشد علي الخامنيئي , وكيف حضن المرشد نجاد , في إشارة إلى مشهد المعلم وتلميذه , أو الأب وابنه . وخلال الفترة الرئاسية الأولى ظل الوئام يسود علاقة الاثنين , حتى جاءت الانتخابات الثانية , التي أثارت جدلا واسعا في الأوساط الإيرانية , على خلفية اتهام الإصلاحيين بان الانتخابات شابها التزوير , ونظم الاصطلاحيون إضرابات واجهها النظام بالقمع والاعتقال , وفرض الإقامة الجبرية على الزعماء الإصلاحيين أمثال مهدي كروبي , ومير حسين موسوي وزوجته .
منذ الأيام الأولى لفوز نجاد بالرئاسة, سلطت وسائل الإعلام الأضواء عليه, كونه رجلا بسيطا ينتمي إلى الطبقة العاملة , ونال شعبية كبيرة في الأوساط الإيرانية . وكذلك طاعته إلى أوامر المرشد علي الخامنئي , ولكن يبدو أن أمورا كانت تجري في الخفاء , حتى جاءت حادثة إقالة وزير الاستخبارات ( حيدر مصلحي ) القريب منالمرشد أواسط شهر نيسان الماضي ,و بدون علمه أو التشاور معه , الأمر الذي حذا بالمرشد إلى إلغاء الإقالة وأعادت الوزير إلى منصبه . وعندها زعل نجاد وتوارى عن الأنظار حتى الأول من شهر أيار الجاري ,حيث جرت وساطات بين الطرفين , وقبل نجاد إعادة وزير الاستخبارات إلى موقعه مضطرا .
وتحدثت وسائل الإعلام الإيرانية عن هذا الحادث بأنه حادث شكلي , وانه الوجه المعلن للخلاف. وقيل أن سبب إقالة مصلحي من قبل نجاد كان لان مصلحي أقال احد أقارب مدير مكتب نجاد ومستشاره الخاص ( اسفنديار رحيم مشائي ) . وهذا الأخير هو مشعل الأزمة وسببها الأول . وهو الذي أثار حفيظة وحنق رجال الدين المحافظين . لماذا ؟ .
# رجل الدين المحافظ أية الله ( محمد تقي مصباح يزدي ) وهو معلم نجاد قال " إن نجاد كان تحت تأثير من مدير مكتبه مشائي " . رغم انه يعد من أتباع نجاد في الترويج لأفكار عقيدية تزعج التيار المحافظ .
# ونقلا عن وكالة الأنباء الفرنسية قال المرشد " لا اعلم ما إذا كان لمشائي تأثير مغناطيسي على نجاد أو علاقات مع ممارسي اليوغا " .
# مشائي متهم بقيادة تيار منحرف داخل السلطة التنفيذية لأكثر من سبب :
1 . أن مشائي يعد نفسه ليترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2013 .
2 . له أراء متحررة بشان القضايا الثقافية المجتمعية .ولذلك قال قائد الحرس الثوري منتقدا تيار مشائي بقوله " انه سيعمل حكما ضد الثورة في المستقبل " .
كما اتهم مصباح يزدي مشائي " بأنه يسعى إلى إنشاء تنظيم ماسوني والى توجيه ضربات للإسلام يوما بعد يوم " . وقال حجة الإسلام ( عباس أميري )رئيس المجلس الثقافي التابع للرئاسة " أن الرئيس ومعاونيه ومنهم مشائي لديهم برنامج للانتخابات التشريعية , سينتصرون على المحافظين وعلى اليمين التقليدي " .
3 . الهجوم على مشائي بدعوى انه وراء دفع نجاد لإقالة وزير الاستخبارات . وعليه يطالب التيار المتشدد بإقالة مشائي .
4 . ما سبق هي قضايا شكلية في نظر العارفين بخفايا الأمور. فهم يرون أن صلب المشكلة تكمن في مشروع فكري عقيدي يرون انه يؤثر على مستقبل النظام . المشروع يقوم على اقتراب ظهور ( الإمام المهدي المنتظر ) . وهذه المسالة تقع في صميم الفكر الشيعي .
ولاية الفقيه تشكلت عبر سنوات طويلة , وليست من اختراع أية الله خميني , ولكنه أحياها ووضعها موضع التطبيق عندما نص عليها في الدستور الإيراني ـ كما صرح به ( محمد علي تسخيري ) عضو التحقيق في مجلس الخبراء . وحسب رأيه فالمذهب الشيعي يرى أن الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) هو الخليفة أو نائب الأمة في الخلافة وهو الشاهد, وهناك مرحلة وسيطة هي امتداد لتربية النبي للأمة, وهي مرحلة " الإمامة " .. مرحلة " الوصاية " , وهناك 12 وصيا يستمرون في تربية الأمة بعد انقطاع الوحي .ويتابع .. أن النبي والإمام معصومان.. ولاية الفقيه هي المرحلة الثالثة التي تنتخب الأمة فيها الفرد الذي يطبق الرسالة وهو أمين عليها ويجب أن يكون واعيا لها وعاملا بها .
خلال المرحلة الثالثة .. التي هي مرحلة " الانتظار " منذ غياب المهدي حتى مجئ خميني , وهي بنفس الوقت حالة " الاستعداد " , أي انتظار اللحظة المناسبة حتى يتم تهيئة الدولة التي ستنتصر للإمام المهدي , أي أنهم ينتظرون قيام الدولة العالمية التي سيحكمها المهدي , ويملئ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .
عندما وضعت ولاية الفقيه في الدستور الإيراني بعد الثورة , كان المؤمل أن توصل فترة خميني بالإمام المهدي ومن ثم التحرك نحو المستقبل .
مات خميني ولم يظهر الإمام المهدي , ولما أصبح الخامينئي هو المرشد الأعلى في إيران , فمن المؤمل أن يكون هو حلقة الوصل مع المهدي المنتظر . ولان الخامينئي صار هو المرشد مع وجود عشرات الآيات الذين يفوقونه علما وفقها , ولهم تاريخ نضالي كبير مع خميني , فقد تجرا علية بعض الآيات من رجال الدين . ومن الذين ادعوا أنهم يتواصلون مع الإمام المنتظر مشائي نفسه . الأمر الذي اثأر رجال الدين الآخرين ضده , ورأوا في طرحه إلغاء دور المرشد الذي يعد الولي الفقيه ونائب الإمام المهدي حسب الدستور . ومن ضمن الأطروحات التي يثيرونها ضده " أن الحركة الماسونية اخترقت فريق عمل نجاد بهدف تمهيد الأجواء لترشيح مشائي لرئاسة الجمهورية " , والمهمة الأخرى التي يتخوفون منها أن هذا الفريق يسعى للسيطرة على مجلس الشورى , الذي يسيطر عليه عدد من المحافظين أمثال ( علي لارجاني ) وشقيقه الذي يسيطر على القضاء ( صادق لارجاني ) .
أثناء الحرب بين العراق وإيران في عقد ثمانينات القرن الماضي , ظهرت دعوة من خميني لإعداد جيش العشرين مليون جندي , وقد كان الظن انه لمقاتلة العراق , ولكن الفكرة تتكرر اليوم , والهدف الأساسي هو إعداد الجيش الذي سيقاتل مع الإمام المهدي وان الحرس الثوري هو جيش الإمام الذي سيقاتل معه عندما يظهر .
وتروج أقاويل أشبه بالموعضات ان الخامنئي هو الذي سيسلم الراية إلى الإمام لأنه من خرسان ( مشهد ) , تطبيقا لبعض الأحاديث المنسوبة أن رجلا من خرسان سيسلم الراية إلى الإمام .
في ظل الأوضاع الجديدة ظهرت أحاديث أخرى تقول بان نجاد هو الذي سيسلم الراية إلى الإمام , وان سعي إيران للحصول على التكنولوجيا النووية هو من اجل الاستعداد لاستقبال المهدي بقوة تواجه التقنيات الغربية .
وقد روج أية الله ( محمد نقي مصباح يزدي ) أن الصلة وثيقة بين الإمام ونجاد , وان طاعته واجبة كطاعة الإمام المهدي . وقد ووجه مصباح ومجموعته بهجوم من رجال الدين الذين وصفوا أصحاب هذا الطرح ( بالمصباحيين ) , ووصفهم وزير الداخلية السابق واحد مؤسسي حزب الله السفير في دمشق " أن جماعة المصباحية لا تقف مكتوفة الأيدي , إنها جماعة خطيرة جدا وعنيفة جدا , وعندما يصلون إلى مبتغاهم فسوف يحطمون القيادة الدينية والمرشد معا " .
من الواضح أن مشائي صار مستهدفامن التيار المحافظ ومعه الرئيس نجاد أيضا ,
ولا يستبعد البعض أن الحملة تستهدف بقاء نجاد في السلطة حتى انتهاء رئاسته عام 2013 .
الإمام المهدي المنتظر هو نجل الإمام الحسن العسكري, ولد255 هجرية , توفي والده وله من العمر خمس سنوات,ويعتقد الشيعة أن للمهدي غيبتين , الأولى هي الغيبة الصغرى التي استمرت 70 سنة, وكان يتم التواصل بينه وبين الناس عبر أربعة سفراء. أما الغيبة الكبرى فهي الممتدة منذ ذاك الوقت إلى يومنا وسوف تنتهي بظهوره. ويحصل التواصل بينه وبين أتباعه بوسائل وطرق متعددة .
ظهرت حركات وأفراد يدعون أنهم الإمام المهدي ولكنها فشلت حتى قامت الثورة الإيرانية , التي ـ كما يعتقدون ـ هيأت الأجواء إلى ظهور المهدي . وقد ظهرت فكرة المهدوية مجددا , وبالذات لدى مشائي ونجاد مؤخرا ,ولوحظ أن نجاد صار يربط كل خطوة يخطوها أنها مرتبطة بالإمام المهدي , كما عمد إلى إدخال فكرة المهدوية في خطابه في الأمم المتحدة حيث قال " إن العالم المعاصر أحوج ما يكون إلى المخلص الحقيقي والإنسان الكامل الذي تنتظره الأمم والشعوب حول العالم ليملاء العالم عدلا وأخوة ومحبة " . وهكذا برزت مصطلحات المهدوية , والإمام المهدي , والدولة المهدية , وصاحب الزمان , وكلها مصطلحات وردت في خطابات نجاد المتعددة , ولا سيما في دورة رئاسته الثانية , وقد سرت شائعات أطلقها أنصار نجاد مفادها أن أنوارا وهالات مزعومة تصاحب نجاد حيثما حل وذهب , والهالة تشبه النور على شكل مصباح دائري بقوة 220 فولت , وصارت هذه الأقاويل والشائعات مدار تندر ونكت يتداولها الناس في إيران .
ويتحدث البعض عن خلافات أخرى بين الرجلين على صعيد السياسة الخارجية ,وبالذات الموقف من الانتفاضات العربية , فالخامنئي يدعم ألقذافي لتوريط الغرب
وخاصة الولايات المتحدة, وإشغاله بليبيا بعيدا عن سوريا . وجاءت خطوة الخامنئي أثناء اعتكاف نجاد قبل الأول من أيار الجاري , في حين عبر نجاد عن معارضته آي تدخل إيراني في ليبيا . وتضمن قرار الخامنئي تكليف قائد قوات القدس ( قاسم سليماني ) بنقل أسلحة ومعدات إلى ليبيا , تتضمن صواريخ متحركة مضادة للطائرات , وإرسال 80 عنصرا من قوات القدس إلى ليبيا لتقديم العون على الأرض .
ونقل عن مصادر صحفية أن هذه الخطة وضعها ( سعيد جليلي ) رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي , بهدف إطالة أمد الحرب , وجعل ليبيا مستنقعا جديدا لإغراق الغرب فيه .
هذه الخطة وتنفيذها تمت بدون علم نجاد , الأمر الذي قيل انه وتر العلاقة بين الاثنين كما كانت العلاقة بين إيران ومصر مثار نقاش وتوتر أيضا ,ففي الوقت الذي يشجع الخامنئي تحسين العلاقة مع مصر , فان نجاد يرى ضرورة إعادتها بشروط , وخاصة بحث موقف مصر من اتفاقية كامب ديفيد .
ورغم أن الخامنئي أعاد بعض الثقة إلى نجاد , بدعوته الأطراف كلها التعاون , وعدم توتير الأجواء , إلا أن التيار المتشدد يرى أن نجاد هو السبب وراء هذا التوتر
ويرى معظم زعمائه ضرورة تنحية نجاد عن الرئاسة قبل انتهاء مهلته الرئاسية.
#حسن_محمد_طوالبة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟