صادق الازرقي
الحوار المتمدن-العدد: 3373 - 2011 / 5 / 22 - 03:39
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
يكثر السياسيون العراقيون من الحديث عن الوحدة الوطنية، وكأنها امر غير متحقق بعيد المنال وخاص بهم وبنقاشاتهم التي يعقدونها في غرفهم المغلقة وصالوناتهم، كما يحاول كثير منهم ان ينوع في المصطلح، ويشير الى تفرعاته فيحلو لهم ان يفيضوا في الكلام عن (المصالحة الوطنية) و (اللحمة الوطنية) وغيرها من المسميات التي هي ليست موضع نقاش في الشارع العراقي الموحد أصلا.
لو نزل هؤلاء المسؤولون الى الشارع، لما تحدثوا بتلك اللغة التقريرية المشكِكة والمصطلحات التي ينبغي ان نخجل من الإشارة إليها والتلاعب بها، اذ ان الهم الأساس للمواطن العراقي وان حاول السياسيون تغييبه، هو كيف يصل بعائلته الى مستوى معيشي مرفه، وكيف يحصل على السكن والعمل او اعانات العاطلين، وكيف السبيل الى التمتع بكهرباء يتزود بها طيلة اليوم لينعم ببرد الصيف ودفء الشتاء! كما ينصب همه على استعادة مظاهر الحياة الاعتيادية ليتمتع هو واولاده واحفاده بخيرات بلادهم، كل تلك الامور وغيرها هي التي توحد المواطن في العراق شماله وجنوبه ووسطه. ان هموم فقراء العراق وذوي الدخل المحدود وهم أغلبية الشعب هي ذاتها في الانبار وفي ميسان وبغداد و نينوى واربيل. لقد وحدتهم الحروب والمآسي التي مروا بها طيلة عقود.
اما المدة التي أعقبت إسقاط النظام المباد في 2003 فلم تفلح في تعطيل الهموم المشتركة للعراقيين برغم مساعي قوى متطرفة لحرف اهتمامات الناس باتجاه قضايا لا تتعلق بحياتهم الحقيقية المطلوبة، ونزوعهم لتحسين اوضاعهم وضمان مستقبل أولادهم. عمدت تلك القوى على محاولة اثارة الاختلافات القومية والدينية والطائفية، ومن ثم إدخال المجتمع في حرب داخلية استهدفت فقراء العراق ذاتهم ولم تستهدف تلك القوى المتطرفة التي اثارت الصراع، وبالنتيجة جرت عمليات قتل عمال المسطر والفقراء في الباب الشرقي وفي البياع ومدينة الثورة ـ الصدر في الوقت نفسه الذي قتل الابرياء في الانبار وديالى والموصل، وازاء كل ذلك بقيت مقرات الأحزاب التي اثار بعضها الصراع الأهلي في منأى عن الاستهداف بل حدث انها كثيرا ما كانت تصعد من خطاباتها الطائفية في الاوقات الحرجة، و قبيل الانتخابات لتأجيج مشاعر الناس و إحداث عملية استعداء بين ابناء الشعب العراقي المتنوع الانتماء و المشارب والأهواء حاله حال الشعوب الأخرى.
ما يحصل لدينا من قبل السياسيين هو بعكس ما يحصل في الدول المتقدمة، التي تجاوزت منطق المطالبة بالوحدة، الى تنفيذها بصورة فعلية، والعمل على تعزيزها عن طريق تحقيق مستلزماتها بإجراءات محددة ترفع من شأن المواطن وحياته الاقتصادية وكرامته ولم يجر ِ اثارة القضايا التي تعد ثانوية، إزاء مشتركات الناس على اختلافهم والتي تمثل الأساس الذي تقوم عليه الدول وسر قوتها ومنعتها، وليس بنا حاجة لذكر الأمثلة فهي كثيرة وواضحة للعيان وليس ادل على ذلك من وصول رئيس من اصول افريقية الى رئاسة الولايات المتحدة الاميركية.
نقول؛ بدلا من تصديع الرأس بشأن الوحدة وتفرعاتها، فان المسؤولين في الدول الاخرى يحاولون اثارة مواضيع اقرب الى الرأي العام الشعبي و من صُلبه، مثلما أعلن قبل ايام في مصر من ان المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر عقد مؤتمر للمصالحة مع رجال الاعمال وفسر الامر بأن كثيرا من رجال الاعمال ارتكبوا جملة اخطاء في زمن نظام حسني مبارك، ادت الى هرب المستثمرين والنأي بأنفسهم عن الاستثمار في مصر، وان المرحلة تتطلب المصالحة مع هؤلاء لجلب الاستثمارات الى الساحة المصرية. جرى هذا في الوقت الذي حاولت قوى متطرفة اشعال الفتنة الطائفية بين المسلمين والمسيحيين المصريين وحركوا جهات إجرامية ما ادى الى مقتل وجرح العشرات. واكثر من ذلك فان حركة الاخوان المسلمين المعروفة باتجاهها الديني تحاول الآن تغيير نمط تفكيرها بعد ان غيرت اسمها الى (حزب الحرية والعدالة)، كما جرى اختيار مفكر مسيحي نائبا لرئيس الحزب وان نحو مئة قبطي هم من الاعضاء المؤسسين للحزب الجديد بحسب قيادي فيه. كما عقد في محافظة الجيزة التي شهد مركزها (امبابة) محاولة اثارة الفتنة الطائفية اجتماع موسع كان هدفه الرئيس هو توفير فرص عمل للشباب وتقديم خدمات افضل للمواطنين وتطوير وتنمية المنطقة عبر مؤسسات المجتمع المدني والصندوق الاجتماعي للتنمية برعاية الاجهزة التنفيذية بحسب قول المحافظ. فيما قال رئيس الصندوق الاجتماعي للتنمية ان هناك ما يقرب من1000 دراسة لمشروعات تبدأ قيمتها من500 جنيه الى 50 الف جنيه وبعضها يصل الي مليوني جنيه.
كما قال المشاركون في أول جلسات (لجنة الحكماء الدائمة) بامبابة بأن منطقة امبابة بها نحو 50 ألف ( بلطجي) مؤكدين أن السجن ليس حلا لهؤلاء وانما المطلوب عقد دورات تدريبية لاعادة تأهيلهم ومشاركتهم الفعالة في المجتمع داخل المنطقة التي يسكنها نحو250 ألف مواطن وان من اولى القضايا التي بدأ تنفيذها تنظيم المرور وجمع القمامة من المنازل بامبابة وتحديدا أرض الجمعية وعزبة الصعايدة اضافة لإنشاء حديقة عامة في المنطقة.
ان المصريين يحاولون التكيف مع التطورات الجديدة وروح العصر والسعي لتمتين عرى التلاحم بين الشعب بدلا من الحديث الفج عن الوحدة وتفرعاتها.
وقد يقول قائل بان الوضع لدينا في العراق مختلف عما هو عليه الحال في مصر ونقول، بل ان الحاجة عندنا اكبر الى طرح موضوعات المصالحة الأكثر الحاحا، اولا مع الذات وثانيا مع مفاصل الحياة التي القت بظلالها القاتمة على حياة الناس فمن اجل ايقاف سرقة اموال الناس ـ ولا نقول رد الاموال التي سرقت ـ ينبغي إحداث حالة تصالح قوي مع الذات ومع الشعب الذي سرقت أمواله وفقد اي ثقة بالسياسيين، وبصريح العبارة فان المصالحة يجب ان تجري بين السياسيين الذين آذوا الشعب وكذبوا عليه طيلة السنوات الثماني المنصرمة وبين المواطن الذي اخذ ينظر للسياسي وكأنه وحش يحاول افتراسه.
وعلى ذكر التضارب في اقوال المسؤولين والتي تطيل من أمد معاناة الناس وتميت فيهم اي امل بالخلاص من مشكلاتهم قالت نائبة في مجلس النواب: أن وكيل وزير الكهرباء وخلال استضافته في لجنة الطاقة والنفط ، كشف أن الحديث عن 8 ساعات تجهيز في اليوم هي أحلام وردية يتغنى بها الشارع العراقي، وأن الوزارة لن تستطيع أن تجهز سوى ساعة واحدة لكل خمس ساعات انطفاء". وتضيف النائبة "إن قطع الطاقة الكهربائية بهذه الصيغة، سيرجع البلد إلى العصور الوسطى، وعلى الوزارة حل المشكلة بدلاً من محاولة إقناع المواطنين بأكذوبة الكهرباء، وأن الثقة انعدمت بين المواطن والمسؤول بسبب كثرة الوعود الكاذبة في تحسن الكهرباء". ومن المعلوم ان الوعد بتوفير الكهرباء لثماني ساعات في الصيف صدر عن وزير الكهرباء شخصياً في حين تنصل الوكيل منه، فكيف يثق المواطن بوعود المسؤولين الذين يحاولون الاتفاق بشأن مصطلحات فضفاضة في حين يختلفون في الحديث بشأن مشكلات المواطن الحيوية التي تمعن في إذلاله بنتائجها المدمرة على حياته؟!.
وبرأيي، فان الحديث المكرر عن اللحمة الوطنية والمصالحة الوطنية هي كلمات حق يراد بها باطل، يسعى اليه بعض السياسيين عن طريق اثارة الاختلافات غير الاساسية بين الناس، من اجل تحقيق مكاسب ذاتية ووضعهم في دائرة الخلاف المستمر في الوقت الذي يجري تأجيل انجاز مستلزمات الحياة الاعتيادية ومنها، التمتع بالكهرباء على مدار الساعة وتوفير الماء الصالح للشرب، وتحريك عجلة الاقتصاد وتشغيل العاطلين ومحاربة الفساد وتطوير الخدمات وغيرها من الحاجات، يسعى كثير من السياسيين الى إزاحة قضايا الناس الجوهرية واستبدالها بجدل عقيم لن يقدم شيئا عن اللحمة الوطنية والوحدة والمحاصصة والشراكة.
#صادق_الازرقي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟