محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 03:36
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
ليس من شك ان الانظمة العربية قد هرمت اكثر مما يجب, وليس من شك انها ايلة للسقوط .ان مظهرها من الخارج لا يؤشر قط على محتواها,فهي انظمة مسلحة بكل وسائل الحماية ,بل انها تنفق على حماية نفسها نسبة متميزة من الموازنة على حساب االصحة والتعليم وبقية بنود الميزانية. انها تعتمد في وجودها على منظومة من القوانين والانظمة القمعية التعسفية وعلى الرهبة والتخويف الذي سكن قلوب الجماهير حقبة طويلة من الزمن, اثر السجون والفتك واشكال الظلم المختلفة.ان الوظيفة الاساسية الاولى لهذه الانظمة هي حماية نفسها.
والوظيفة الثانية بعدها مباشرة هي الحفاظ على افضل العلاقات دا خل منظومة العالم الاول وتحت مظلة امريكا واشباهها من الدول الاستعمارية الغربية.بل انها ترى وجودها واستمرارها مستمدا من هذه الدول وكانها مصدر الشرعية بديلا عن الشعوب العربية.
والوظيفة الثالثة :التكيف تبعا لارشادات البنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية وغيرهما من الدوائر وتكييف الاقتصاد المحلي بما يناسب تعليمات وارشادات هذه الدوائر.وتكييف السياسة الاقتصادية , والتجارة الخارجية, والسياسة التعليمية,والامنية ومختلف المجالات ارتباطا بالتوجهات الدولية التي تخدم مصالح النظام الغربي ومؤخرا اضيفت مهمة محاربة الارهاب ومحاربة الثورات في داخل البلد وخارجها..وتنال هذه الانظمة الدرجات بمقدار ما تتقدم على هذا الصعيد.
والوظيفة الرابعة هي اخضاع الجماهير لكل ما ذكر وتزيينه على انه الخير العميم بما يصاحب و يناسب ذلك من تزييف للحقائق وتضليل للعقول وتوظيف للقيم الاجتماعية والدينية والموروث الثقافي لخدمة الرجعية , وشراء الذمم وافساد ممنهج لشرائح معينة في راس هرم السلطة,وطمس متعمد للثقافة القومية والتفاف علىاماني واحلام الناس في الوحدة والحرية والتقدم وتحرير فلسطين ,واتباع كل ما من شانه ان يحول المنطقة العربية الى مستنقع لامريكا وغيرها .والاهم تعظيم المسؤولين وتبجيلهم بصفتهم مصدر الهام وتوجيه للحكم ومنهم ياتي العطاء وهم سبب "كل هذا التقدم ,وهذا الرغد من العيش" ولا تصلح الدنيا بدونهم ,أي ترسيخ قيم بقاء السلطان.
وعلى ذلك لم يتاسس البناء الفوقي والحالة الجماهيرية على الحرية والديموقراطية والقيم الانسانية المعاصرة بل على الطاعة والخضوع والتخلف.وكذلك تمت صياغة البنية الاقتصادية لا بما يحقق التقدم والنمو بما يناسب الحاجات والامكانيات وفرص التكامل, بل بما يناسب التبعيةوالالحاق للاجنبي.ان هذه الانظمة تتحكم بثروات ضخمة وعلى جانب كبير من الاهمية في السوق الدولي كالبترول والغاز والفوسفات
2
والبوتاس وكثيرا من المعادن والخيرات الاخرى وارصدة بمئات المليارات,وهي توظف امكانات شعوبها لا وفقالمصلحة هذه الشعوب بل بما يعود بالنفع على طبقة الكومبرادور وكبار رجال المال والاعمال.
وباستذ كار سلوك هذه الانظمة خلال العقود الماضية ومواقفها : نرى انها كانت معادية للامة العربية عموما, ولاماني شعوبها خصوصا ,بما يشكل اهانة كبيرة للكرامة والشعور القومي,فقد وقفت متفرجة اثناء احتلال اسرائيل للبنان عام 1982 وطرد الثورة الفلسطينية من هناك, و اصطفت مع الحلف الغربي اثناء حرب الخليج الاولى والثانية دون حياء بالرغم من معارضة الشعوب,وفي حرب اسرائيل على لبنان والتي تصدى لها حزب الله والمقاومة اللبنانية وحلفاؤهم,وقفت هذه الانظمة متفرجة وتنتظر ان تجهز اسرائيل على الخندق الاخير الذي يقف في وجه اسرائيل ويمثل الثورة والممانعة العربية.ويشكل حالة نقيضة لمواقف وسياسات هذه الانظمة والذي اثبت بالملموس القدرة على الوقوف في وجه الغطرسة الاسرائيلية ومنعها من تحقيق اهدافه و برهن على امكانية هزيمتها.
كما انها وبدون حياء اعترفت باسرائيل وعقدت معها المعاهدات والتفاهمات على حساب القضية الفلسطينية, واستكملت ذلك بالتنسيق الامني مع اسرائيل (أي ضد كل مقاومة لاسرائيل) والتشارك معها في منظومات الامن الدوليةفيما يسمى محاربة الارهاب وهذا غيض من فيض من الممارسات والسياسات والسلوكيات التي تتعارض مع اماني الشعوب ونضالاتها من اجل الحرية والانعتاق. ان الارض العربية حبلى بالثورة.
ان الجيل الذي عاش فترة الستينات مشاركا في الانتفاضات والثورات ضد الرجعية والاستعمار وخطط الاستعمار في المنطقة العربية او مراقبا او دارسا لتاريخ واحداث تلك الفترة قد شاهد بنفسه ارتداد هذه الانظمة على تضحيات ونضالات الجماهير وامانيها في الوحدة العربية والتحرر من نير الستعمار وعلاقاته واثاره من التبعية والاعوان و من التفكك ومظاهر التقسيم والفرقة,وكيف عاد الاستعمار وبواسطة هذه الانظمة ليفرض هيمنته وسياساته تحت عناوين الانفتاح والمساعدات والتنسيق والتعاون ,وكيف ازدادت الامور سوءا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفرد امريكا في الهيمنة على العالم دون منازع.
وفي سياق هذه السياسات تآكلت قوى الثورة العربية بفعل القمع وخاصة بعد انقلاب السادات على نظام عبد الناصر وتحوله الى نظام رجعي, وزيارته للقدس وعقد اتفاقات المهانة مع اسرائيل على حساب القضايا العربية وقضية فلسطين ,فقد كان وبصفته بطل العبور عرابا للسياسات الرجعية وبالتالي داعما قويا للانظمة الرجعية محولا مصر من قائد للثورة وداعما لحركات التحرر العربية ضد الاستعمار والرجعية الى نظام رجعي ارتمى في حضن امريكا وانتهج معها سياسة التبعية ومارس ما يثبت حسن النية
3
لقد تآكلت قوى الثورة العربية مع الايام وتم انتهاك قواها واحزابها : وهي قد خضع بعضها وتآكل بعضها وهادن بعضها وضعف معظمها عن مستوى المهمة واصبحت تقليدية وفي احسن الاحوال نوع من المعارضة واعلان الرفض وليست على مستوى مهمة الثورة والمجابهة وتراجع شعار التحرر والاشتراكية الذي تغنت به الجماهير.
لقد ظهر القليل من الفعل الذي حاول الابقاء على جذوة الثورة والممانعة, حاول نظام صدام قبل سحقه على ايدي التحالف الغربي الرجعي العربي. وكما حاولت لقاءات بعض القيادات التي ادركت صعوبة الحال وعقدت اللقاءات واصدرت بعض الدوريات ونشرت كراريس وكتيبات دعاوية في محاولة منها لحماية الثقافة العربية
والابقاء على اهداف الثورة حية في نفوس القراء .
انه وبمقدار ما كانت تنضج الظروف الموضوعية للثورة كان العامل الذاتي متاخرا لدرجة فراغ الساحة نسبيا .
بينما كانت الحالةالجماهيرية العفوية تزداد احتقانا وتشبعا بالملاحظات والانتقادات والرفض ,بل انها في كثير من الاحيان نزلت الى الشوارع بعشرات الآلاف في معظم العواصم العربية وبما يتعارض مع سيياسات الانظمة دعما للانتفاضة الفلسطينية الاولى والثانية وضد غزو العراق وضد الهجوم الصهيوني على لبنان ووفقا لقضايا مطلبية ودفاعا عن حقوقها في اطار دولها . لقد كانت الجماهير تعبيء نفسها بعفويتها واخلاصها لمصا لحها ودفاعا عن كرامتها التي كانت تنتهك بشكل متواصل من قبل الانظمة واعداء الامة كما كان للاحداث الجسام التي تحدث على مرآى منها دورها,حيث كانت تستجيب لدعوات القوى او تتقدم عليها في كثير من الاحبان بردود فعل ثورية وباصرار
ولعبت النقابات المهنية دورا متقدما في محطات عديدة,في تحريض الجماهير وتوجيهها والسير امامها وامام الاحزاب ومنفردة ,كما لعبت بعض التنظيمات النقابية دورا رياديا .
.كما كان للاعلام الذي لا يخضع لتوجيهات اجهزة الانظمة دورا كبيرا في كشف الحقائق وعرضها. هذه الحقائق التي كانت تشكل من تلقاء نفسها مادة تحريضية وتعبوية تعبيء وتستفز مشاعر الجماهير التي حاولت الانظمة تغييبها او تحييدها دون جدوى.ثم كان لظهور الفضائيات العربية ذات التوجه الديموقراطي والمستقلة كذلك عن الانظمة الرجعية دورا ملموسا ومتصلا في نشر الوعي الديموقراطي والوطني والقومي.ودورها في مواكبة الاحداث الجسام التي المت بالامة منذ نشوء الفضائيات تلك.لقد استخدمت تلك المحطات شاشتها بما جعلها قوة نهضوية وتحريضية وتعبوية وتهييجية .لقد لعب الكثير منها دوره منحازا الى صف الجماهير بدرجات متفاوتة.وبرزت محطات فضائية الجزيرة في الصف الامامي ولعبت دورا مؤثرا بشكل ملموس .لقد كانت هذه الفضائيات كور الحداد ورافعة في العملية التعبوية والتحريضية للجماهير.
4
ومع الايام اصبحت الخميرة جاهزة ,المادة الاساسية للثورة ينقصها القيادة والتنظيم.
القيادة الناضجة والمجربة والتي تتحلى بالصفات القيادية القادرة على التفاعل مع حركة الجماهير وقيادتها في عملية ثورية مظفرة خاصة وان الجماهير تعلمت الكثير من تجربتها الخاصة ومراقبة تجارب الشعوب من خلال وسائل الاعلام ووسائل الاتصال المتاحة بكثرة. ان القيادة هي المحرك والموجه والملهم.واذا شغلها من لا يقوم بدوره فيها كما حال الزعامة الفلسطينية التي شغلت موقع القياة وتسلقت عليه في ثورة 1936_1939 وفي مراحل لاحقة. او مستوى اقل من حركة الجماهير, فان هذا سيفسح مجالا لتبدد الثورة او يتسلق عليها وصوليون غير مخلصين لاهدافها حتى النهاية, مما يسهل حرفها عن اهدافها, او الانقلاب عليها لتكون النتائج اسوا مما كان عليه الحال قبل البداية
فالجماهير المنظمة وبقيادة صلبة هي التي تصل بالثورة الى نهايتها المظفرة وتحقق ارادة الجماهير. هنا عانت الجماهير المستعدة للثورة من غياب التنظيم بمعناه الدارج والتقليدي ,ولا يمكن الاستغناء عن التنظيم لانه قوة ويضاعف للقوة , ويمكن من توجيه الحركة واستمراريتها والمحافظة عليها من الاختراقات التي قد تحرف مسارها .والتنظيم بمعناه التقليدي يضمن الاتصال الانساني المباشر بما له من تاثير وحضور وقوة روحية وهيبة .
ولقد كانت الاندفاعة الجماهير الثورية الكامنة والمتحفزة في مرحلة ما قبل الانفجار اضخم واعظم من طاقات الاحزاب العاملة في مصر او تونس على سبيل المثال.
غير ان الشباب الممتلئين بروح الثورة قد وجدوا طريقهم, وادركوا ضرورة التنظيم وادركوا ان الكيانات التنظيمية والحزبيةالموجودة اضعف من ان تؤدي المهمة العظيمة. مهمة الثورة.لقد اكتشفوا قدراتهم في التنظيم والتواصل باستعمال التكنولوجيا ومن وراء ظهر السلطات الحاكمة ورغم ارادتها باسلوب العمل (السري المكشوف)وعملوا بها ردحا من الزمن الى ان جمعوا قواهم وراكموا حركتهم حتى مرحلة الانفجار .
هنا تواكبت الحركة الشبابية المنظمة بطريقة ابداعيةجديدة مع الاحتقان الجماهيري الواسع في تيار جارف كما شاهدنا في تونس ومصر وكما نشاهد في اليمن وليبيا وغيرهما.
ان وسيلة جديدة للتنظيم قد ظهرت بشكلها الابتدائي الجديد .واثبتت نجاعة وقدرة فائقة على الحشد والتنظيم بما يمكن القيادة من لعب دورها والمحافظة على التواصل مع قاعدة عريضة بنجاعة ويسر وسهولة وبما يمكنها من التوجيه والتعبئة والتحشيد الروحي والمعنوي وتامين درجة معينة من الانضباط والطاعة كما كشفت تجربة مصر .
ان القاعدة التي انتظمت بهذه التجربه هي الحالة الشبابية عموما والتي تعود منابتها الى مختلف الطبقات الاجتماعية والشرائح المتنوعة وباغلبية كبيرة حكما من الطبقات الشعبة الرازحة تحت نير الظلم الاجتماعي والطبقي والوطني.والجزء الاعظم من هؤلاء مستقلين وبعضهم من يسار القوى والاحزاب والحركات النقابية المهنية والعمالية حيث تعرف هؤلاء في سياق تجربتهم على التنظيم والتاطير.
5
ان حالة الانتظام العريضة هذه تعود الى اتساع حالة التذمر الجماهيري,وتراكم الاحتقان عبر فترة طويلة من الزمن, والطعونات المتتالية للكرامة الوطنية والضيق الشديد من الحالة العا مة بمكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والبطالة والياس من الاصلاح .وكل ما يوجب الثورة .غير ان الناظم الاساسي الذي وسع الالتفاف الشبابي اولا والجماهيري ثانيا هو التوحد على شعارات الحد الادنى (الشعب يريد اسقاط النظام) هذا الشعار الذي فجر ارادة التغييرفي النفوس. تلاه عامل آخر نتج عن ارهاصات الحركة في يومها وايامها الاوائل تمثل بالنجاحات الاولى والبطولات العظيمة التي ابداها الطلائعيون في مواجهة قمع الانظمة وصلابتهم والتي استفزت طبائع اعداد متوسعة من الشباب وبقية الحالة الجماهيرية,ثم كان لنجاحات تونس اثرها على مصر وعلى البقية حيث عرف من لم يكن يعرف بوسائل التواصل الالكترو ني هذه. وزاد التفاف الشباب وغير الشباب حولها .فالانتصارات تستدعي الانتصارات.
ان اكتشاف الوسائل الالكترونية للتواصل والتنظيم ومن ثم حسن استخدامها قد مكن من ايجاد مركز يوجه ويضخ المعلومات ويحرض ويتلقى النتائج ويضبط الايقاع وبشكل اكثر فاعلية من طرائق العمل التنظيمي التقليدية
لقد ظهر اذن حزب جديد من طراز جديد ومتقدم على الاحزاب التقليدية شبابي واكثر منها جراة ومستعد للعمل وخوض المعارك على الفور .وهذا ما حصل . .
حزب رفع شعار التغيير والحدود الدنيا من الاصلاح في بنية الحكم واشاعة الديموقراطية وايجاد فرص العمل ورفع حالة الطواريء واسترداد كرامة الشعب. أنها تغييرات مهمة وفي حدود النظام الاقتصادي الاجتماعي القائم هي في الحقيقة تفتح بابا واسعا للحراك .هي ثورة حراك ديموقراطي برجوازي مقنن قد يستمر هذا الحراك وقد يتم لجمه وقد وصل بعض رموزه الى نجومية دون ان يشغلوا مراكز القيادة .
القوى المعادية للثورة
من جهة اخرى وارتباطا بهذا الحراك الثوري المجتمعي هناك قوى اخرى لها راي آخر. وهي تراقب الاحتمالات ويهمها ضبط الحراك الجماهيري والعملية الثورية تحت سقف معين يحفظ لها مصالحها ويقلل من حجم الاضرار ويقبل بتغيير الوجوه ثم يعيد الامور الى نصابها.
الامبريالية الامريكية والرجعيات العربية والرجعية الحاكمة في كل بلد على حدة وجملة الفاسدين واصحاب المصلحة في بقاء الحال على حاله (قوى الثورة المضادة). انها تراقب ولكنها لا تنتظر,وتبذل كل مسعى للتاثير في الحركة وخرقها وان امكن توجيهها وتصعيب الامور عليها ومساومتها لتقبل بالاقل.انها القوى المعادية للتقدم ولاماني الشعوب,ويهم امريكاتحويل كل العالم العربي الى منطقة نفوذ مهما كان الحال في الداخل المجتمعي. ان الاستقرار بالنسبة لامريكا ليس الهدوء والسكينة في مناطق النفوذ , بل هو استقرار مصالحها ونفوذها.واذا حصل تعكر في صفو هذا الهدوء ,هذا الاستقرار لمصالحها كما تراه ,حينها تبذل كل مسعى وتجند كل حليف ممكن تجنيده وتبحث عن أي تحالفات مؤقتة من اجل اعادة الاوضاع الى صورة تضمن المصالح وتعوض عن الاضرار. وهي مستعدة لتبديل شخوص حلفاءالامس اذا رات صعوبة في الدفاع عنهم, اما اذا كان الحليف هونظام يساهم في ضمان استقرار المنطقة فقد تضحي ببعض الافراد ولكنها تعمل على بقاء النظام كما حصل في تجارب عديدة.
ومنذ عقود ارتقت العلاقات بين امريكا وحلفائها ومن يدور في فلكها,بان اصبحوا جميعا متضامنين في حماية المصالح الامريكية مثل مصالحهم سواء بسواء بل ان الرجعيات العربية تقدم مصالح امريكا ومصالح اسرائيل على نفسها كما حصل في الحروب الاخيرة على العراق ولبنان, وكما هو حاصل فيما يسمى بالتنسيق الامني,وضخ اموال الخليج الى الغرب وامثلة كثيرة.وذلك بعد ان ثبتت امريكا عقيدة بقاء تلك النظم بل النظام الراسمالي كله ارتباطا ببقاء النظام الامريكي وسلامته.وقد ظهرت نتائج هذه العقيدة بجلاء اثناء الازمة الاقتصادية العميقة التي هزت الاقتصاد الامريكي قبل بضع سنوات .
ان ثورات الشعوب المنطلقة من عقالها هي اخطر ما يكون على استقرار النظام الراسمالي ,حيث تستشعر امريكا بوصفها قائد العالم مخاطر هذه الثورات ولا تقف مكتوفةالايدي,ولديهاباستمرارخططها ومواقفها المقدرة التي تتناسب مع الاحتمالات المتوقعة.والسياسات التي ممكن ان تتبعها بالتشاور والتعاون مع حلفائها الكبار واعوانها الصغار.
كيف تتشكل لوحة الصراع
على هذا تتشكل لوحة الصراع من استقطابين متحركين بخلاف ما كان عليه الحال زمن الاتحاد السوفييتي .فزمن الاتحاد السوفييتي كان هناك مركزين نقيضين يدور الآخرون حولهما وفي فلكهما ,هما امريكا والاتحاد السوفييتي , وتتشكل التحالفات وتستقر نسبيا ويدور الصراع ضمن هذه الدوائر.
الاستقطاب الاول:وهو قوى الثورة.ان القوى المحركة للثورة في الوطن العربي متعددة ومتناقضة وتتسع وتضيق ارتباطا بالشعارات المرفوعة. فشعار الحد الادنى (تغيير النظام والقضاء على الفساد ورفع حالة الطواريء واستبدال الدستور وتامين فرص العمل وتعديل هذه وتلك.....) شعار كهذا يستقطب كل القوى خارج السلطة بدرجات متفاوتة , ويمكن ان تجمع عليه احزاب المعارضة والنقابات المهنية والعمالية والمنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني مع جمهرة الشعب دون ان يجمع الجميع على مواقف حادة من الامبريالية الامريكية .بالطبع مع امكانية ان تجاهر قوى اليسارقصدا بهذا العداء وتلوح قوى الوسط به في محاولة لتحييد امريكا . بينما تتلفظ به قوى اليمين من اجل مجاراة الحال وبحدود معينة وربما من اجل حيازة البريق في انظار الجماهير التي تختزن عداء وكرها لا ينضب لامريكا.
قلنا يمكن ان تجمع على مثل هذه الشعارات كل او معظم القوى الحية في المجتمع ولكن بدرجات متفاوتة من الجدية المقترنة بالمجاهرة والعمل وكذلك بدرجات متفاوتة من الصلابةوالاصرار,وبدرجات متفاوتة في الثبات .لهذا تكون هذه الانواع من التحالفات رجراجة وبداخلها مواقف مختلفة واختلافات بائنةلا يغطيها الصراخ بالمواقف الثورية التي تقال للاستهلاك حفاظا على التاييد الشعبي . فهناك قوى مثل الحركات البرجوازية وبضمنها بعض التيارات الدينية التقليدية تتعارض مع الحكم وتقف على مسافة قريبة منه,ويرضيها القليل من التنازلات, اوتعود لمواقف وسطية مهادنة تقريبا اذا شعرت ان النظام يتهدده ميل يساري على سبيل المثال , او اذا قدم لها اغراء مجزيا ضمن سياسة تقاسم السلطة والامتيازات .
وقد تنسحب قوى اليسار اذا وعت ان هذا التقارب في هذا الوضع المعين قد يضر بمصالح الجماهير والثورة.
ان الثورة الديموقراطية هي الاكثر جذبا للقوى الراغبة في التغيير. وتقف منها امريكا اما ضدها فعليا اذا كانت تهدد نظاما مثل الملكيات .ضدها بشكل مخفي او ظاهر الى ان ترى مداها وترى ان كان بالامكان القضاء عليها او احتوائها باقل الخسائر.فامريكا ليست دائما مع التحولات الديموقراطية كما تدعي. ان الذي يوجه مصالح امريكا ليست الديموقراطية ولا الحرية بل مصالحها وهي مستعدة لاي تحالفات دفاعا عن هذه المصالح.وعندما تقول امريكا بانها مع الحرية في بلاد كبلادنا انما هي مع حرية التجارة وحرية يدها في استثمار خيرات الشعوب, وحريتها في تشكيل نظم الحكم على مقاسها.
7
اما الثورة الديموقراطية التي تستهدف بعض الاصلاحات هنا وهناك فان امريكا وحلفائها الغربيين يفسحون لها المجال بل ويتخلوا عن بعض اعوانهم دون غضاضة , خاصة انه من المفترض ان يكون هؤلاء الاعوان ابتداء مع المصلحه الامريكية كما ذكرنا اعلاه .
اما اذا كانت اهداف الثورة تتعدى ذلك الى الاستقلال الاقتصادي او بناء قاعدة اقتصادية انتاجية
او احداث تغييرات في البنية الاقتصادية الاجتتماعية, بما يتعارض مع مناهج النظم الراسمالية والنظم التابعة لها, او احداث تغيير جدي في العلاقة مع الغرب الراسمالي واعوانه او المجاهرة بالعداء لاسرائيل ,او تهديد مصادر الطاقة والمواد الخام وما شابه .هنا يختلف موقف امريكا وحلفائها الغربيين.
هنا يتحرك الموقف الامريكي في الضد باتجاهين متحدين و,اومنفصلين:
الاحتواء دون المجاهرة بالعداء او المجاهرة بعداء طرف دون آخر او العداء على المكشوف مع حسبان الحساب لكل الاحتمالات ,والتحرك داخل البلد المعني لمحاولة السيطرة والتوجيه من خلال اعوانها ومحاولة شق قوى الثورة وتحريك قوى ضد قوى من اجل تهبيط سقف الشعارات او اية وسائل دفاعية او هجومية بما فيها تدخل مسلح ماجور او مباشر.ان امريكا اليوم بخلاف ما كان عليه الحال زمن الاتحاد السوفييتي .فهي تستطيع اليوم حمل قواتها العسكرية لاستعمالها في المواقع الساخنة دون خوف من احد.
ان الاستقطاب الاكثر ثورية في داخل قوى الثورةهو الذي يوحد قوى التغيير الجذري اقتصاديا واجتماعيا بما يحقق انتاج الثروة اللازمة للبلد واعادة توزيعها بعدالة وفي خدمة مصالح الطبقات المنتجة وعموم الشغيلة وتاميم الثروة الاجتماعيةواتباع نهج مستقل عن الغرب الراسمالي.او اتباع سياسات تعزز امكانية السير مستقبلا في هذا الاتجاه موضوعيا.خاصة وانه ظهر في شعارات وهتافات الشباب في مصر وتونس ما يؤشر على ذلك .
ان جميع الاستقطابات في قوى الجماهير تعزز التغيير وتنحو باتجاهه سواء كانت بالحد الادنى او ما هو ابعد من ذلك. والجماهير العربية تواقة للتغيير ,ومن فرط ما جمدت الاوضاع وخضعت الناس للسلاطين فان تغيير الرئيس اصبح حلما وتحقبقه اصبح انتصارا يستحق الاحتفال
الاستقطاب الثاني ويبدا من النظام الحاكم الذي تستهدفه الثورة وتوآزره على الفور بشكل سري او مكشوف بقية الانظمة الرجعية العربية,وتقف دول الغرب الاستعماري بما تراه مناسبا حسب شدة الثورة وجذرية اهدافها. وتجند اذا لزم الامر ما تحت ايديها من ادوات مثل الامم المتحدة
ودوائرها ومنظماتها التابعة وكل الاحلاف الممكنة,وما لديها من وسائل وادوات اعلامية ودعاوية ومحاولتها تعويم مجموعات الفيس بوك واختراقها وتشكيل مجموعات....
ان هذا الاستقطاب(التحالف)اكثر انتظاما واستقرارا,ويتمتع بمركز وتوجيه ودرجة من التماسك تفتقر لها قوى الثورة بفعل ما اصابها من ترهل وقمع وضعف بنيان ومن كثرة ما فعلت فيها الاختلافات والتناقضات.والنقطة الابرز ان القوى الاكثر حيوية وفاعلية في المجتمع –مادة الثورة لم تتمكن الاحزاب الدارجة من استمالتها واستقطابها وتعبئتها في اطر ومنظمات واسعة .نضيف الى ذلك ان قطاع الشباب الذي استجد بشكل جديد في الانتظام (ادوات التواصل الاجتماعي الالكتروني ) لم يأ لف الانضواء والخضوع لاحزاب واطر منظمة بشكل تقليدي , وفي نفس الوقت لعب ويلعب دورار كبيرا بل عظيما في تفجير الثورة وتعظيم الحراك الشعبي وابداء التصميم والارادة الثوريتين على الاستمرار بالثورة حتى الانتصار, سواء بتغيير الرئيس وجماعته او ما هو ابعد من ذلك , وبا شكال و مؤشرات على امكانية ثورة مستمرة يتواصل فعلها وتتجدد اهدافها لتصل للدفاع عن كرامة الجماهير والكرامة الوطنية والتحرر من التبعية باشكالها الملموسة في كل بلد او طرح وحدة الامة العربية.
( ملاحظة :تجربة الثورة الفرنسية استمرت حوالي احد عشر عاما بعد انتصارها الاول).
هنا تكمن مشكلة تصيب راس الهرم الثوري (القيادة بمعناها الواسع والضيق)
8
فاذا كان الفعل الابرز بيد الشباب ولا يملكون القيادة( او مقومات القيادة سيان) بينما اوضاع الخصم مرتبة ومنظمة ,فان مسار الثورة لا يتحدد بالصورة الواضحة المرئية جيدا :حيث يكون المجال مفتوحا لتنوع من المؤثرين في سير الثورة وشعاراتها ومآلها والمنضمين لها والمنسحبين منها. واذا كانت الاحزاب هي الاكثر بروزا في الدور القيادي ولا تقود الشباب ويجب ان لا تقودهم . هنا تتعقد الاشكالية وتكون حالة من الضعف القيادي وتنشأ حول الثورة حالة من
الضبابية وتزداد فرصة التلاعب بمصيرها, وقد تظهر ارباكات تؤثر على المد الجماهيري للثورة.وتحاول رؤوس كثيرة ان تطل براسها كقيادة للثورة كما في الحالة المصرية او تحل محل القيادة غصبا كما في الحالة الليبية, او يتعدد الناطقون. وتحاول قيادات الاحزاب التقليدية ان تظهر في المقدمة على حساب القيادات الشابة . من الصعب القفز على اشكاليات القيادة . ان الناس يتعلمون الثورة في سياق الثورة ذاتها غير ان العملية القيادية تتطلب ما هو اكثر من خوض الثورة وابداع فنونها:انها تشترط قدرات وامكانيات انسانية وصلابة وتصميم وايمان بالقدرة على الانتصار بعد ذلك ياتي الوعي بالعملية الثورية وتشابكاتها وفنونها...........
هكذا اذن تتشكل لوحة الصراع وتتحرك في ظل هذه التناقضات لتشمل اصطفاف القوى والدور القيادي والالتفاف حول الاهداف والشعارات الثورية بسقفها المتحرك صعودا او هبوطا
ملاحظة الحراك في مواقف القوى
لقد ظهر شيء في الثورة الليبية يتعلق بحراك القوى والافرادعكس نفسه على الوضع القيادي للثورة.فمنذ الايام الولى للثورة ظهرت تفسخات في وضع النظام الليبي وانحيازات جديدة دلت على عمق الثورةونتجت عن اتساع مداها وكذلك بسبب عنف القذافي وتفرده في القرار ورفضه لاي تنازلات...حيث اخذ العديد من رجالات النظام في السلطه وركائزه وانصاره وقطاعات من الجيش ينفضون من حوله وينتقلوا الى مؤازرة الثورة وهذا بحد ذاته معلم ايجابي ومن انجازات الثورة لو بقي الوضع في هذه الحدود .ولكن وبسبب ضعف الوضع القيادي الشبابي على ما يبدو فقد تمكنت شرائح النظام هذه من التسلل الى مواقع المسؤولية واحدثت تاثيرا كبيرا فيها لم تظهر مدى خطورته حتى الآن , ولكنه جد خطير على ما يبدو,فالثورة عندما انطلقت وبقيادة الشباب لم تكن تنادي بالتدخل الامريكي كما هو حاصل الآن ولم تطلب دخول قوات اجنبية من المحتمل ان تفتك بالاف من ابناء الشعب الليبي لتثبيت هيمنتها وضمان حدود الثورة. ان الوضع في ليبيا اصبح دمويا بفعل وحشية النظام وتخلفه وشنه للحرب الاهلية الدموية دفاعا عن الكرسي,وقيام الهيئة القيادية الجديدة باسم الثورة بالمطالبة بالتدخل الاجنبي وضعف الوضع القيادي الثوري
.وفي الثورة المصرية كان هناك حراكا : فبينما رفض الشباب التفاوض مع النظام استجابت قوى المعارضة التقليدية ثم تحركت مواقف بعضها فكادت ان تنشأحالة ضبابية لولا اصرار النظام من جهة واصرار الشباب على الاستمرار في الثورة من جهة اخرى.
ان الامة العربية متفاعلة بقوة مع الحراك الثوري وهو يزداد اتساعا وشمل عدة بلدان في آن واحد وبشكل متواترواوضاعنا فعلا حبلى بالثورة.وهدف تغيير الحاكم ووضع آلية لتداول السلطة هو هدف مشترك في كل الدول العربية ,وكذلك معالجة المشكلة الاقتصادية والبطالة وغلاء الاسعار ثم مشكلة الكرامة القومية ومجابهة اعداء الامة والتحرر من التبعية والوحدة وتحرير الاراضي المحتلة والانقلاب على الرجعية والفساد واحداث الاصلاحات اللازمة في الانظمة والقوانين واعادة تنظيم الهياكل القتصادية......
غير ان الامة العربية متفرقة ولم ترفع القيادات الثورية مطالب الوحدة السياسية والاقتصادية
ومعظم الاحزاب التي كانت تتبنى مثل هذه الشعارات قد نقصت عنها او خفت صوتها وقيادات التيار الديني تنتظر الامير او تنادي بوحدة العالم الاسلامي في بعض الاحيان .
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟