|
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية ….( الجزء السادس)...
علي الأسدي
الحوار المتمدن-العدد: 3372 - 2011 / 5 / 21 - 00:17
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
( الكومنترن واليسار الشيوعي )
في الجزء السابق من هذا البحث تم استعراض ردود فعل قادة الشيوعية اليسارية على مؤتمر الأممية الثالثة عام 1919 الذي منح تأييده للحكومة السوفييتية الروسية ، واعتبر الثورة البولشفية نموذجا يحتذى به لثورات البروليتاريا في العالم. وبناء على ذلك اتخذ قادة الشيوعية اليسارية موقفا معارضا لقراراته والبيانات التي صدرت عنه.ان عقد المؤتمر جاء بناء على مبادرة من فلاديمير لينين ، حيث اعتقد أن الطريق الوحيد لنجاح الثورة الاشتراكية في روسيا هو قيام ثورات اشتراكية في كل العالم ، تتحرر بفضلها البروليتاريا العالمية من الاستغلال والحروب الرأسمالية ، وبذلك تكون المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية لنظام الاشتراكية قد أمنت عبرالعالم ، وانطلاقا من هذه المبادئ قرر أن يشرع في تأسيس الأممية الثالثة. في ذلك الوقت كانت الحرب الأهلية في روسيا قد أثقلت الشعب والحكومة السوفييتية ، فالقوى الامبريالية العالمية وتوابعها في الغرب الرأسمالي أوشكت أن تحاصر العاصمة موسكو من كافة الجهات ، وفي الوقت نفسه تمت محاصرة العاصمة القديمة لروسيا سانت بيترسبيرغ من جميع الاتجاهات من قبل القوات المعادية. الميناءان الشماليان أركان جيلسك ومورمانسك تم احتلالهما من قبل القوات البحرية البريطانية ، ومناطق شمالية احتلت من قبل قوات بريطانية وأمريكية وفرنسية. وفي الجنوب الروسي كان الفرنسيون يدعمون جيش القوزاق البيض ، بينما كانت قوات القائد الروسي دينيكين الموالي للنظام القيصري المخلوع ، تساعده قوات بريطانية تعزز من تواجدها في جنوب روسيا. وفي أقصى الشرق كانت اليابان تحتل المزيد من الأراضي ، وفي الوقت نفسه كانت القوات الأمريكية قد أحكمت السيطرة على خط السكك الحديدية الواصل بين سيبريا وبقية روسيا ، وبذلك تكون قد قطعت صلة الحكومة الروسية بحوالي نصف البلاد. وبينما كانت قوات التدخل الامبريالية تعزز مواقعها في المناطق التي احتلتها ، كانت قطعات عسكرية روسية موالية للقيصرية قد نجحت في العبور إلى الأورال ، وبذلك شكلت تهديدا لمدينتي كيبيشيف وكازان وكيروف. كان لينين مدركا أن عقد مؤتمر للحركة الشيوعية العالمية في تلك الظروف سيكون فرصة بالغة الأهمية ، يحشد خلالها الرأي العام التقدمي في بلدان العالم المختلفة إلى جانب الدولة السوفييتية الجديدة ، وضد العدوان الأجنبي الذي يحيط بها ويهدد وجودها. لقد بوشر بالفعل منذ كانون الثاني عام 1919 في التحضير لاجتماع الأحزاب الشيوعية والجناح اليساري في الأحزاب الاشتراكية من مختلف بلدان العالم ، لمناقشة تأسيس أممية ثالثة. وقد شكلت لهذا الغرض لجنة تحضيرية من عدد من الأحزاب الشيوعية ، استهلت عملها باصدار دعوة وجهتها الى كافة الاحزاب الشيوعية والاحزاب الاشتراكية الديمقراطية تدعوها لحضورالمؤتمر الأممي. وقد ضمت اللجنة ممثلي مكتب الشئون الخارجية للحزب الشيوعي الروسي ، وحزب العمال البولندي ، والشيوعي الهنغاري ، والشيوعي الألماني/ النمساوي ، والشيوعي في لاتفيا ، والشيوعي الفنلندي ، والحزب الاشتراكي الديمقراطي للبلقان و الشيوعي الأمريكي. وقد بدأ بالفعل وصول وفود ممثلي الأحزاب الشيوعية من كافة الأقطار إلى موسكو. وفي 2 مارس 1919 افتتح المؤتمر الأول للأممية الثالثة ، وباشر بمناقشة برنامج المؤتمر بحضور اثنان وخمسون وفدا حزبيا من غالبية الأحزاب الشيوعية في العالم ، ولم يشارك في المؤتمر حينها أي ممثل من الشيوعيين العرب ، حيث لم يكن قد تأسس فيها جميعها أي حزب شيوعي أو يسارا شيوعيا إلى جانب الأحزاب القليلة المتواجدة حينها ضمن الدولة العثمانية التي كانت أغلب البلدان العربية خاضعة لها.( 20) كان انعقاد المؤتمر نجاحا شخصيا لفلاديمير لينين الذي دعا اليه ، وكان دوره محوريا في قيادته وصدور بياناته المهمة. وما صدر عن المؤتمر من قرارات وبيانات كان دعما مهما للقيادة الروسية ، حيث وافق المؤتمرون على التوصيات التالية وتعهدوا بالعمل على تنفيذها : 1- العمل للاطاحة بالنظام الرأسمالي واقامة النظام الاشتراكي. 2- ضرورة نضال الطبقة العاملة الثوري لاسقاط الحكومات البرجوازية. 3- اطاحة دولة البرجوازية واقامة دولة البروليتاريا السوفييتية التي ستضمن الانتقال إلى المجتمع الشيوعي. وطالب المؤتمر كافة عمال العالم بدعم روسيا السوفييتية ، وعدم التدخل في شئونها الداخلية ، وسحب كافة قوات التدخل العسكرية الأجنبية من الأراضي السوفييتية ، والاعتراف بدولتها ، وبرفع كافة اجراءات الحصار المفروض عليها ، واعادة العلاقات التجارية معها.
نجاح المؤتمر الأممي في كسب التأييد والتضامن لثورة أكتوبر ودولتها من قبل الحركة الشيوعية في اغلب بلدان العالم لم يسعد قادة الشيوعية اليسارية ، مما دعاهم إلى سحب تأييدهم للمؤتمر ، ورفض ما صدرعنه من بيانات. اتخذ قادة الشيوعية اليسارية على إثر المؤتمر الأممي نهجا متشددا من الحزب والحكومة السوفييتية ولينين ، تم الاشارة اليها مفصلا في الجزء السابق. وكنتيجة لذلك كله ، وبدءا من عام 1921 أعلن قادة "الشيوعية المجالسية " في أوربا والولايات المتحدة وأستراليا عن ما سموه حدودا لتمييز شيوعيتهم عن " شيوعية البولشفيك " في روسيا التي نعتوها " بالشيوعية الرسمية " ، وتلخصت في خمسة مبادئ تقوم عليها النظرية المجالسية ، وهي : (21) أولا- أن الرأسمالية في انحسار ولابد من ازاحتها حالا. ثانيا- البديل الوحيد للرأسمالية هو ديمقراطية المجالس العمالية المعتمدة على اقتصاد تديره الطبقة العاملة. ثالثا- البرجوازية وحلفائها من الاشتراكيين الديمقراطيين ، تحاولان انقاذ الرأسمالية من نهايتها بواسطة ديمقراطية متكيفة مع الطبقة العاملة. رابعا- لأجل اقامة ديمقراطية المجالس ، لابد من معارضة الديمقراطية المكيفة الساعية لكبح ديمقراطية المجالس. يعني أنه يجب مقاطعة الانتخابات البرلمانية ، ومعارضة ومحاربة الاشكال القديمة لاتحادات العمال ، وهي قيادات تشارك فيها الرأسمالية. خامسا- مجالس السوفييتات ( السوفييتات الروسية – توضيح الكاتب) ليست خيارا بديلا للرأسمالية ، بل شكلا آخر لها.
لقد هيمنت المبادئ الخمسة المذكورة أعلاه خلال التسعة عقود الماضية على نشاطات الشيوعيين اليساريين في أوربا الغربية وفي ألمانيا خاصة ، وقد أثارت جدلا حاميا بينهم أثر كثيرا على وحدة الحركة الشيوعية اليسارية منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضي ، فتصدعت أركانها بعد تصاعد حدة الخلافات في الرأي. لقد دارت تلك الخلافات بالأساس في الحدود النظرية وحول الموضوعات المحورية ، وهي الموقف من الحزب الشيوعي في قيادة الطبقة العاملة ، والمشاركة في البرلمان والنقابات. والغريب في الأمر، أن تلك الخلافات لم تنحصر بأتباع الجناح اليساري الشيوعي ، بل في أوساط قادة الجناح ومنظريه من المفكرين المخضرمين. فقد كشفت الخلافات ما هو أهم كثيرا من مجرد تضارب في الآراء بين منظري الشيوعية المجالسية ، حيث بدا جليا أن الأسس التي قامت عليها المبادئ الخمسة للشيوعية اليسارية لم تكن صلدة بما يكفي للحفاظ على زخم نشاطها ولابقاء قيادتها موحدة. فلكل من أوتو رول وهيرمان غورتر وهما من أهم منظري التيار اليساري ، رأيه المناقض للثاني حول دور الأحزاب والنقابات والبرلمان في تحقيق أهداف البروليتاريا ، بينما اتخذ بانيكوك موقفا وسطا بينهما. ففي رأي أوتو رول ، أن كافة الأحزاب السياسية برجوازية ، وان الحزب الثوري بتوجهات بروليتارية لا معني له. لكن رول هذا الذي بدا في آرائه تلك راسخ العقيدة ، تراجع عن هذا الرأي بعد فترة وجيزة ، وانتهى به الحال إلى لعب دورا مهما ومؤثرا في تأسيس الاتحاد العام للعمال الألمان عام 1921 تحت أسم منظمة وحدة العمال ، بينما عارض غورتر هذا الرأي. فكتب في مقال له حول الموضوع ، قائلا :(22) " أن منظمة المعمل ليست كافية لتوعية الأكثرية من البروليتاريا لتحقيق حريتهم وانتصارهم" وذكر أيضا : " من الضروري لطليعة الطبقة العاملة أن تشكل حزبا شيوعيا مستقلا ، يعمل بدون تردد وبوضوح لتحقيق الشيوعية ، وليثبت للجماهير انه بالعمل وليس بالكلمات، بل بالدليل والعمل ". ويعتقد غورتر أن الحزب لا يستولي على السلطة لوحده ، وانما بالعمال وطاقاتهم، وبدونهم لا يمكن أن يتوقع ثورة في أوربا الغربية ، وكلما تبنى عددا أكبر من العمال الفكر الشيوعي، فالطبقة العاملة والمنظمات العمالية في المصانع والحزب سيظهرون كوحدة قادرة على اعادة بناء المجتمع. اما بانيكوك فكان رأيه مغايرا للاثنين. فكتب عام 1920 " أن وظيفة الحزب الثوري تكمن في قدرته على الاستيعاب المبكر ، ولذلك سيكون بين الجماهير من هو على علم بما سيفعله ، ومن هو القادر على دراسة الظروف السائدة. وعند الثورة فان الحزب سيعرض برنامجه وشعاراته والاتجاه الذي ستتبناه الجماهير وتعترف به باعتباره الاتجاه الصحيح الذي يحقق اهدافهم باعتبار الحزب هو الذي يقود نضالهم ". لكن بانيكوك عاد عام 1930 وانقلب على رأيه اعلاه ، فأيد أوتو رول بموقفه من الأحزاب ، حيث اعتبرها جميعا " منظمات برجوازية ، تسعى للاستحواذ على السلطة لصالحها ، ولا يمكن أن يكونوا صادقين مع الطبقة العاملة ". لم يلتزم بانيكوك وهو المنظر الأقدم لحركة اليسارالشيوعي المجالسي برأيه الذي اعتبر الأحزاب منظمات برجوازية ، فقد عاد عام 1947 الى ما كان قد تبناه في العام 1920 ، حول أهمية الحزب لحركة الطبقة العاملة. فبين أن " المجالس العمالية هي المنظمات التي تقوم بالكفاح الفعلي لصالح الطبقة العاملة ، بينما يضطلع الحزب في بناء القوة المعنوية لها. وما يقوم به الحزب من الأهمية بمكان ، بحيث لا يمكن الاستغناء عنه في تحرير الطبقة العاملة من داخلها ". (23) أما بول ماتيك وهو منظر بارز آخر ، فيرى " بأن اتحادات العمال ينظر لها كمنظمات لتحرير لطبقة العاملة ضمن النظام الرأسمالي ، لكنها تتحول الى عكس ذلك ، كوسيلة للتراكم الرأسمالي لدى الطبقة الرأسمالية. وفي ظل الرأسمالية المتطورة تتطور ظروف العمال وترتفع قيمة العمل ، فيتحول جهد العمال إلى قوة لتعظيم الرأسماليين ، ويصبح التنافس بين العمال كالتنافس بين الرأسماليين ، حيث يؤدي هذا إلى مزيد من تراكم رأس المال ". (24) علي ألأسدي يتبع في الجزء السابع
#علي_الأسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... ( الجزء الخامس )...
-
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية .... ( الجزء الرابع )...
-
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية....( الجزء الثالث )...
-
الاقتصاد اليوناني بحاجة لعملية جراحة.. لاحبوبا مهدئة ..؛؛؛
-
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية ....( الجزء الثاني )..
-
اليسار في الحركة الشيوعية العالمية..... ( الجزء الأول)
-
ليبيا بعد العراق .. تعود إلى ما قبل الثورة الصناعية ... ؛؛
-
من سيحمي المدنيين الليبيين .. من صواريخ توما هوك .. ... ؟؟
-
قطر وحلف الناتو.... لا يصدران الديمقراطية الى ليبيا...؛؛؛
-
هل تتجه ليبيا القذافي ... نحو التقسيم..؟؟
-
ليبيا ... في الذكرى الثامنة لغزو العراق..
-
هل أعطت واشنطن الضوء الأخضر للقذافي .. لإبادة شعبه.. ؟؟
-
الوجه الآخر ... الحقيقي لرئيس وزراء العراق...؛؛
-
أيها الليبيون .. اسألوا العراقيين عن الإحسان الأمريكي.. .؛؛
-
المرجعيات الدينية العراقية .. خيبت آمال الشعب..؛
-
ما وراء صمت أوباما ... عن حمامات الدم في ليبيا ….؟؟
-
قلوب العراقيين معكم ... أيها الليبيون الأبطال ..
-
هل تنحني حكومة بغداد ...لثورة العبيد... ؟
-
العراقيون .... لو ثاروا....؟؟
-
العراق .. بعد تونس ومصر ... يرفع من الديوانية راية ثورته..
المزيد.....
-
مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
-
مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|