عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 3368 - 2011 / 5 / 17 - 08:33
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
- سلام عبود - تحت أطنان التناقضات - ج 3 -
عادل الخياط
هل سعد البزاز شيوعي ؟
إختلال التفكير أثناء الإنغماس في عمل فكري , أي عمل فكري : كتابة من أي نوع , أو التخطيط لمشروع ما , أو وضع نوتة موسيقية , الخ .. هذا الإختلال مسألة عقلية بحتة وُفق المفهوم المادي لتعريف العقل ": انه مجموع الأشياء التي تستلمها الحواس لتُخزن في الدماغ أو المخ " . بمعنى إنحراف التفكير عن المسار نتيجة عدة مسببات منها : أن صوتا لم تعتاده أذنك يطرق سمعك فجأة , كأن يكون صوت شخص غريب أو حيوان لا تتوقعه في الموضع الذي أنت فيه , أو , مثلا زوجتك يُغمى عليها فجأة بقربك , أو طفلك يدخل عليك مذعورا وهو يصرخ بصورة غير طبيعية . وهنا يحصل قطع لسلسلة الأفكار , فإذا كانت الحالة الطارئة التي قطعت تلك السلسلة سهلة وتم علاجها أو التعامل معها بسرعة , فمن الممكن أن تعود الحلقات المفقودة مع بعض التركيز , أما فيما لوكانت صعبة وأخذت وقتا طويلا , فمن الصعب لجم الإختلال , وحتى لو تم ذلك فليس على النحو الذي كنت ترغب فيه ..في موازاة هذه الحالة الصعبة ثمة أخرى لكنها ليست مرتبطة بحدث طارئ يقطع سلسلة الأفكار , إنما : أنك عندما تفكر في موضوع وتصل إلى نقطة معينة , ثم تقودك هذه النقطة إلى ثانية وثالثة وهكذا .. ودون أن تدون تلك النقاط , مُعتقدا انك تسيطر عليها في تلافيف دماغك ولا يمكن أن تزيغ بعيدا , وبعدها إنشغلت بأمور أخرى , ثم قادت هذه الأمور إلى أخرى وأخرى حتى غطت على جميع النقاط الفكرية التي إعتقدت انك تسيطر عليها في تجويف دماغك , ومثل الحالة الأولى من الممكن أن تعود , لكن في إتجاه آخر مختلف .
بالنسبة لي أُخمن ان الحالة الثانية هي التي حدثت مع سلام عبود عند كتابته الجزء الثاني من أجزائه السردية " المثقف الشيوعي تحت ظلال الإحتلال " . محتمل يُثار سؤالا : ولماذا الحالة الثانية , وليس الشق الثاني من الحالة الأولى , كونه يتماثل نوعا ما مع الحالة الثانية ؟ والإجابة : ان الشق الثاني من الحالة الأولى يحتوي أوليات , بمعنى انك منغمس في كتابة الموضوع وفجأة حدثت الحالة الطارئة التي قطعت سلسلة الأفكار , أما الحالة الثانية فلا تحتوي على أية أوليات , انها مجرد نقاط فكرية تحددها في رأسك وتقرر أن تكتبها مثلا بعد عودتك من العمل في اليوم التالي , أو بعد رجوعك من النادي الليلي أو البار أو الملهى , وبعد عودتك تجد الكثير من الأشياء قد غطت عليها وضاعت عليك جميع النقاط التي إعتقدت إنك تسيطرعليها بأنياب دماغك ! لذلك كان القول : ان مثل تلك الحالة هي التي حدثت مع عبود , لأن السرد في الجزء الثاني ليس له صلة بـ " عنوان الموضوع " أي ان السرد ليس فيه ذِكر لأي مثقف شيوعي ! سوى عبارة تتكون من أربع مفردات في نهاية الجزء , أراد بها إنقاذ الموقف , ولو لم يذكرها لكان أفضل , فهي على شاكلة ترقيع ثقب في باب حديدي بقطعة فلين ! تقول العبارة : " لذلك وضعت الثقافة بيد الشيوعيين "
لكن كيف تتطابق الأمثلة التي أوردتها على شخص مثل سلام عبود , فالواضح انه من المثابرين على الكتابة , وعليه لا يصح انه يؤجل موضوعا مهما إلى اليوم التالي بعد عودته من العمل , أما بخصوص الذهاب للنادي الليلي أو الملهى , فلا نظن ذلك أيضا , فهو من النوع الذي يشمئز بل يمقت النادي الليلي ومن يرتاد الملهى , قد يسأل أحد ما : وكيف إكتشفت انه من هذا النوع ؟ والجواب : كتاباته التي تكشف ذلك ولست أنا " لنقرأ هذا المقطع من موضوعه الذي بعنوان : " موت الماركسية أو ورطة النصر ... الحلقة الأولى : موت الإشتراكية المبتذلة " , المنشور في الحوار المتمدن بتاريخ 9 / 10 / 2008 - المقطع يقول :
" أما القوى اليسارية المهوسة بالعلمانية فقد أفادت من هذا المناخ سلبيا أيضا بالانغمار في ثقافة هامشية، تسلوية، مثل الاهتمام والانشغال باكتشافات دينية، ظنوها عظيمة، كاكتشاف أزمة الحيض لدى السيدة عائشة، وبطلان وجود ملائكة الموت، وغيرها من الملاهي الغربية الترفيهية، التحقيرية. "
هذه الفقرة لها بحث آخر تكتنفه عدة محاور , ومنها محور نفسي يقترن بنظرة هذا الشخص لكائن من كان يرتاد النادي الليلي وليس بالضرورة يساري , وهي - النظرة - تنطوي على عجزه هو بالذات عن الذهاب للنادي الليلي لسبب ليس مهماً هنا البوح به ؟! . من زاوية ثانية , كيف ترفيهية وكيف تحقيرية في ذات الوقت ؟! يعني الشخص عندما يذهب للنادي الليلي للترفيه عن نفسه يصبح حقيرا !! ماذا يجد الإنسان هناك , أي الأشياء تضج بها تلك الأمكنة ؟ : نساء بأفخاذ رُخامية ونهود فضية , تتمازج مع أضواء قزحية متماوجة مع موسيقى تسافر عبر الأزمنة والعوالم والسماوات .. يُصاحبها خمر معتق , خمر مُعتق أغرى الله به خلقه للعوم فيه في الملكوت العِلوي ! هذه هي الأجواء , هذا هو الجمال الذي يحياه المرء في ذلك المنتجع بعيدا عن زيف العالم . فمن هو يا ترى الذي يشمئز ويمقت هذا الجمال ؟ دون أدنى مراء ان الذي يفعل ذلك هو الذي ينتمي لعقلية طالبان القادمة من جحور أزمنة العاهات !!
إذن , إذا كان التأجيل ليس من سمات الشخص , وإذا كان الذهاب للنادي الليلي من الأفعال التي يمقتها , فأين يكمن الشق بين عنوان الجزء الثاني والسرد , أي الأشياء ظللت النقاط الفكرية المقضومة بأنياب الدماغ التي أشير إليها في تلك السطور ؟ أعتقد إن العلة تكمن في التطقيس , الترقب , فبما إن السمة الصارخة في عبود هي الترقب المستمر لسلوكيات الأشخاص وأفعالهم وأقوالهم , والأحزاب والتجمعات ومواقفها .. كل تلك الأشياء هي التي غطت على النقاط الفكرية وأحدثت الشرخ بين العنوان والسرد !
فقد إبتدأ بسعد البزاز , وتوسط بصحيفة المؤتمر , ثم إنتهى بالكتاب والمثقفين العراقيين ومؤسسة الخوئي والرقابة , وما إليه , أيضا تخللتها الفنادق الراقية والتحفيزات والإعدادات المتواصلة الخاضعة لبرمجة الإحتلال , وغيرها وغيرها إلى أن إنتهى الجزء الثاني ولم نر مثقفا شيوعيا في كل ذلك اللفيف , وتأملنا أن يأتي الربط في الجزء الثالث , وإذا بنا قبالة جزء يختلف جملة وتفصيلا عن سابقه ! ولذلك توجب علينا أن نسأل صاحب الشأن : أين المثقف الشيوعي في الجزء الثاني ؟ هل سعد البزاز شيوعي , هل صحيفة المؤتمر شيوعية , هل رابطة الكتاب والمثقفين االعراقيين لها صلة بالشيوعيين ؟! ومع ذلك وبغض النظر عن الشيوعيين فان كل الذي ذكره خال من أي واقع موضوعي يُركن إليه سوى بضعة هوامش ذُكرت في صحيفة الزمان والمؤتمر , بمعنى أنها ليست سوى حشو كلامي عن واقع معقد أبعد ما يطرأ على مخيلة الكاتب , فعلى سبيل المثال إنه في الوقت الذي يعطي زخما مهولا لتلك الواجهات , يعود ليقول: انها إنسلخت أو هربت إلى الخارج مثل صحيفة الزمان ومؤسسة كنعان مكية وغيرها ! ولا شأن لنا بالحشو الكلامي , إنما سنثير بعض النقاط في هذا الجزء , وإن كانت من ضمن وتيرة التسطيح في تفسير الوقائع .
لنأخذ هذه العبارة : ربما أشهر الصور الثقافية الحسية التي تمتع البعض برؤيتها حية من على شاشات التلفزيون , منهم جورج بوش شخصيا , صور تدمير مراكز الثقافة والإعلام ومصادر المعلومات والبحث العلمي العراقية "
يُضاف إلى هذه الفقرة الكثير مما قاله عبود في ذات السياق " التآمر الأميركي على الثقافة العراقية , والذي على ضوئه يتفتق السؤال : هل جورج بوش مثقف , وهل من الممكن ان تطرأ على عقله فتاتة ثقافية من أي صنف ؟ أم أن رأسه مُحاطا بسواد النفط الخام , ليس لأن قواته عندما غزت العراق قد طوقت وزارة النفط فقط , إنما لأنه قد أوصى في وصيته انه عند موته يجب أن يُدفن في أحد آبار " تكساس النفطية التي يوميا يستنشق فحيحها كأنها ترياق السماء " !! وهل المؤسسة الأميركية السياسية والعسكرية والمخابراتية , التي يظل همها الوحيد هو البُعد الإستراتيجي والنفعي الإقتصادي , حقا تكترث بإعلام وثقافة وما بين الجنبات , لأية بقعة تدوسها حوافرها أو تترصدها جاسوسيتها , والتجارب قبالتنا : من يوغسلافيا السابقة إلى أوروبا الشرقية إلى الآسيويين إلى ... نقول , هل حقا كذلك , لكي يتصور المرء عنهم كل تلك التصورات الخيالية مثلما يدعي عبود عن تبني المخابرات الأميركية للواقع الثقافي العراقي لأجل تدميره وكأنه وحش أسود الملامح مثل لحية بن لادن !! أو , تساؤل بسيط ومختصر : في أي حدث تاريخي منذ بروز الولايات المتحدة كقوة عُظمى بعد الحرب الكونية الثانية على حساب بريطانيا , أي حدث تاريخي يُبرهن ذكاء المخابرات الأميركية الخارق في التأثير ولو جزئيا على واقع ثقافي لأية أمة ؟ أو , منذ متى كانت المخابرات الأجنبية مهما كان ذكاؤها هي التي ترسم الواقع الثقافي للشعوب الأخرى , أليس هذا الواقع لأي مجتمع خاضع لتاريخ هذا المجتمع ويمتد في منحنيات غاية في التشعب والتعقيد ؟ . ربما يكون عبود نبِهاً لتلك الحالة في سرده , أي إكتشاف الخلل في سرده بعد طبع نصف صفحة أو صفحة كاملة وأكثر , لكنه بالطبع غير مستعد لشطب ما نسخه وإعادة كتابته بشكل منطقي ولو نسبيا , ولذلك فما عليه إلا نقضها بصورة مُبطنة , فيما يعتقد هو , أما بالنسبة للآخر فإن التضارب واضح وليس بحاجة لفطنة مميزة , وهذا ما نوهتْ إليه هذه الفقرة محور الحديث , ففي الوقت الذي يُهول عبود دور المخابرات الأميركية في تأطير الواقع الثقافي العراقي وُفق مفاهيمها , تراه سوف يتضارب بشكل طافح في موضع آخر حين يقول لاحقا وفي نفس الجزء :
" من هذا الشتات يتضح لنا أن القيادة الأميركية لا تملك سياسة ثقافية خاصة في هيئة برامج لبناء مؤسسات ثقافية أو مراكز علمية، حتى لو كانت لخدمة مشروع الاحتلال. إن مشروعها الثقافي يتمثل في أمر واحد، هو: كل شيء مفيد، طالما أنه يصب في طاحونة الاحتلال. "
في فقرة أخرى في هذا الجزء يتحدث عبود عن : الجنرال البعثي " مزاحم كنعان التميمي وتأهيله من قبل القوات البريطانية كشيخ للبصرة , ولا أدري ما علاقة هذا الكنعان بالمثقف الشيوعي .. العفو , عبود يتحدث في محور آخر , وهو محور عن نوايا القوات البريطانية , التي , ونتيجة تجربتها القديمة في العراق , فقد أخذت أو أرادت أن تبعث الروح العشائرية في العراق ! ومرة أخرى - وعلى شاكلة الفقرة السابقة عن المخابرات الأميركية نسأل : هل بالفعل القوات البريطانية في العراق كانت تفكر مثلما يفكر عبود عن بعث الروح العشائرية , بغض النظر أن بريطانيا بعد ثورة العشرين العشائرية قلبا وقالبا قد فضت يدها من الإحتلال المباشر لتمنح العراق الإستقلال وإن كان شكليا . غير ان عبود من الممكن ان يحاججنا بالقول : ولماذا تغض النظر عن ثورة العشرين , فتلك هي أهم سبب يدعو بريطانيا إلى بعث تلك الروح " محتمل صحيح , لكن الغير صحيح قطعا هو : متى إنتفت الروح العشائرية من الواقع العراقي لكي تأتي بريطانيا وتبعث بها من جديد ؟ والإجابة على هذا التساؤل يدعو إلى طبع مقطع سلام عبود ذات العلاقة , فبواسطته سنرى كيف ستكون تلك الإجابة , يقول المقطع :
" فالمؤسسة العشائرية جزء من بقايا بناء إجتماعي بائد، ناضل الشعب العراقي طويلاً من أجل الحد من نفوذه. وقد تم إحياء هذه المؤسسة على يد صدام على نحو خفي كقوة تحشيدية مساندة للامداد العسكري في مرحلة الحرب العراقية الإيرانية، ثم علنا في مرحلة ضعفه إبان الحصار، ولم تلبث أن أصبحت عنصراً مفضلاً في التحشيد السياسي الأميركي لبناء العراق الجديد "
السؤال هو : متى ناضل الشعب العراقي ضد المؤسسة العشائرية منذ تأسيس الدولة العراقية سنة 21 , في أي عقد , منذ عقد العشرينات إلى نهاية السبعينات الذي بموجب ما يدعيه عبود إنها إندثرت وتم إحياءها في عقد الثمانينات على يد صدام كتحشيد للحرب الثمانينية ؟! ومثلما ذكرت في الجزء الأول ان عبود يسرد كلاما إنشائيا غير مقرون بنماذج واقعية , فالمفروض به هنا أن يسند نضال الشعب العراقي الذي حدَّ من العشائرية بمظاهر إجتماعية يؤكد بها طرحه , وإلا يغدو السرد مجرد حشو شبيه بأحاديث الـ " البالتوك " . إلى ذلك في أي عقد من تلك العقود ؟ لكن فيما يخص العقود , لو تجاوزنا العقود من العشرينات إلى ثورة 58 , على تأسيس ان ما قبل هذا التاريخ كان النظام الإقطاعي هو المُتنفذ , وبما ان هذا النظام هو مظهر محض للعشائرية فلا داع للخوض في تلك الحقبة , نقول لو تجاوزنا تلك الحقبة , وتناولنا بعض الخطوات التي أُتخذت والتي قد تساعد للحد من العشائرية , وإن كنا على يقين إن هذا مجرد وهمْ , فكيف تحد من ظاهرة أنثروبولوجية متوغلة في عمق التاريخ ( المجتمعات العربية هي مجتمعات قبلية وبحاجة إلى وطر طويل طويل جدا للحد من هذه الظاهرة , وبالمناسبة ان العشائرية لا تعني شيخ دليم وشيخ المنتفك وخفاجة وما إليه , إنما تعني مجموع السلوك العام الذي يعكس البنية الإجتماعية القبلية لتلك المجتمعات ) , على أي حال , نقول , انه لوتحدثنا عن بعض الخطوات التي أُتخذت بعد 58 ومنها على سبيل المثال تطوير مناهج الدراسة الجامعية على يد " عبد الجبار عبد الله " فهل تكفي بضعة سنوات للجم ولو جزئي لتلك الظاهرة المترسخة في الكيان العراقي . والمغزى من طرح نموذج تطوير مناهج الدراسة الجامعية , انه في الوقت الذي يُعد علامة تذكير لتجريدات عبود المتقاطعة مع هذا الفعل , فإنه ينطوي على تبسيط مفاده : انك كيف تخلق وعيا إجتماعيا يتقاطع مع ظاهرة تضرب بجذورها في الزمن الغائر ؟ أليس بواسطة مناهج التعليم , بواسطة المنتديات الثقافية , بواسطة حركة تنويرية شاملة , بواسطة نظام سياسي مُجرد من الأنانية والقمع ..الخ . فهل كانت كل تلك الركائز أو جزء منها متوفرة أو مُورست تجاه تلك الظاهرة ليقول لنا عبود انها قُوضت وتم إحياءها ما بعد الحرب الثمانينية ؟!
فمحاولة عبد الجبار عبد الله الخجولة المشار إليها لم يسعفها الوقت وتبخرت مع تبوُّؤ القوميون والبعثيون السلطة بعد إنقلاب 63 وهؤلاء أصلا هم أنفسهم عشائريون فِكرا وإنتماء إجتماعي وثقافي , وبالطبع إضافة لذلك انهم أساسا يدفعون بإتجاه كل المظاهر الرجعية لتتلبس المجتع في موازاة القمع طبعا لأجل التمترس في السلطة . وعليه ما دامت هكذا سلطة تتحكم بكل مفاصل الدولة والمجتمع , كيف بمستطاع أية حركة تنويرية أو منظمة مجتمعية أن تُولَد وتناضل ضد أية ظاهرة من مظاهر التخلف وليس العشائرية حسبْ ؟ وإذن فلا داع لتلك القرائح التحببية العاطفية المكشوفة الغرض عن نضال الشعب العراقي الطويل ضد العشائرية , وليكن الإنسان طبيعيا في تناول الواقع العراقي على حقيقته بدون رتوش! .
إلى ذلك , هل فعلا ان صدام هو الذي أحيا العشائرية كعملية تحشيدية للحرب وبصورة خفية ؟ أولا : لماذا على نحو خفي ؟ هل يستحي صدام أن يُقال عنه انه حشد العشائر في حربه ؟ ولماذا يخجل ؟ وما نوع الخجل ؟ وإذا كان صدام تجسيدا محضا للسوءة , هل يخجل من سلوك طبيعي من الممكن أن يسلكه أي رئيس دولة ؟ حقا شر المصيبة ما يدعو إلى لطم العمارة والناصرية والبصرة دفعة واحدة !
ونعود , هل فعلا ان صدام أحيا العشائرية كتحشيد للحرب ؟ لا حبيبي , العشائرية حقيقة موضوعية أكبر من صدام مثلما قيل في هذا السرد , أما الشق الآخر , فليس أنت الذي تخبرنا النبأ اليقين , إنما الذي نهشته مخالب تلك الحرب الوسخة على مدى الأيام والسنين , هو الذي على معرفة مطلقة كيف حشدَّ صدام لتلك الحرب : 1- منظومة أمنية تضاهي المنظومة النازية في تنظيمها المنضبط , مارست أساليبا في غاية الدقة والفعالية لخلق واقع من الذعر فاق في مستواه الرُعب الذي خلقته النازية , ولو أراد صاحبنا أن نتوسع فيما فعلته تلك المنظومة فنحن على إستعداد أن نخضب مئات الصفحات بالدم والحبر !
2- الإمتيازات أو الإكراميات المالية والمعنوية المغرية : من قِطع الأراضي إلى السيارات بكل تنويعاتها إلى الصكوك الكاش , إلى الرواتب الضخمة إلى الأولويات أو التفضيل الممنوح للمنتمي للمؤسسة العسكرية في جميع معاملاته في مؤسسات الدولة , إلى ..
3- التسخير الخرافي للمؤسسة الإعلامية والفنية في خدمة الحرب , ليس في العراق حسب , بل جميع دول العالم العربي والكثير من دول عالم الغرب .
وإلى غيرها من الأساليب التي ليس لها علاقة ولو بخيط بخار بعشائرية وعشتارية .
وبعد الإحياء الخفي في زمن الحرب , يطل علينا الإحياء العلني في تسعينات الحصار , ولا تعليق ! No comment , يعني هي مسألة مُحيرة حقا : لماذا في زمن الحرب كان الإحياء على نحو خفي , وفي الحصار كان الإحياء علني ؟ مع ان العكس هو الذي من المفروض أن يحدث, كون الإحياء والتحشيد للحرب يحتاج إلى فاعلية شديدة أو دؤوبة , ومثل هكذا وضع يقود إلى علنية قسرية , إلى ذلك فإن القوة الأمنية التي سحقت إنتفاضة آذار 91 بوحشية قل نظيرها , هي ذاتها التي إحتفظ بها النظام في التسعينات : قوات الحرس الخاص , والحرس الجمهوري والتشكيلات الحزبية والمخابراتية وغيرها , بل أضيف لها فدائيو صدام ومن ثم جيش القدس . كذلك الدعم الخارجي من قبل الكثير من السياسيين والصحافيين العرب والأجانب , والذي فضحته فيما بعد كوبونات النفط . وبذلك فإن الزعم ان صدام انفتح علنياعلى العشائرية نتيجة ضعف النظام , هذا الزعم هو حلقة من السلسلة الهلامية التي أشير إليها في السطور السابقة .
غير ان أهم ما سوف نكتشفه في خاتمة النفق المظلم , ان سلام عبود لم يُخيب أملنا في كلماته الأخيرة , أو بمعنى آخر إنه إتفق مع ما إحتملناه من رؤية طيلة سرده , فلقد كان التساؤل على طول الطريق يخز الخواصر واللُوز : هل ان كل هذا التهويل والتكثيف والرصد والتناقضات التي تُضخ على الخلق تمتلك صدى ولو واحد في المليون في الواقع العراقي ؟ عن أية ثقافة يتحدث هذا الشخص , عن أية رقابة ذاتية , عن أي تجنيد للمثقفين , عن أية هياكل ثقافية , عن أي مواقع إنترنت , عن أ... ؟؟ أين كل ذلك من صهيل الدم الذي إبتدأ ما بعد الغزو بشهر أو شهرين مع تفجير مقر الأمم المتحدة , ليتخذ بعدها منحى تصاعدي عبر السنين لينحر معه مئات الآلاف بين قتيل ومعوق !! أية ثقافة يا حبيبي تتحدث عنها وسط مخالب الطائفية والتهجير والمافيات واللصوصية وسقوط الذمم والفقر والجفاف والتلوث وأكوام القمامة وثورات الكهرباء والسُعار السلطوي , أية ثقافة قبالة حشود الملايين التي تقطع مئات الكيلومترات لزيارة ضريح الليل الطويل ولم تعبأ يوما بحليب أطفالها الملوث !! وأي وأية , وأية وأي حتى سور الصين العظيم ..
ولهذا السبب الدامي المُسمى : أية ثقافة ؟" ترى سلام عبود تعاطف معنا في كلماته الأخيرة من جزئه الثاني حين قال :
" بيد أن كل تلك الجهود لم تثمر شيئا جديا ملموسا في مجال نشر القيم الثقافية. فقد كان معظم تلك النشاطات مجرد فقاعات تظهر على السطح ثم تنفجر مخلفة وراءها فراغا يشبه العدم. "
إذن , لماذا كل هذا التعب والنضح ؟ وفوق تعبه هو , أتعبنا معه !
ملاحظة : ثمة عبارة لسلام عبود تقول :
"مدفوعين ((( بغريزة متأصلة اسمها الإدمان الرقابي )))، التي صنعتها ثقافة العنف وعسكرة الحياة السابقة.
ونحن نسأل : يا ترى من هو ذا الذي أشد غريزية متأصلة من سلام عبود في إدمانه الرقابي ؟ وهذا السؤال ينفلق على إحتمالين : إما ان سلام عبود متأثر بأصحاب غريزة الإدمان الرقابي , ولذا ينجذب إليهم , على قاعدة شبيه الشيء منجذب له , وإما ان تلك الغريزة ليست متأصلة فيه فقط , إنما تنبض بكل ذرة في تكوينه , ولذلك يعكسها على من يتناولهم في طرحه .
ومن يرغب بالتأكد من قوة النبض لتلك الغريزة في تكوينه ليطلع على موضوعاته ولو بصورة سريعة , فهي من الوضوح إلى حد الصراخ !
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟