|
التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية (2-2)
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 3367 - 2011 / 5 / 16 - 07:54
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
ما حدث للمجتمع العراقي بعد 9 نيسان 2003 قدّم لنا حقيقة نفسية عن الطبيعة البشرية هي : (اذا انهارت الدولة وتعطّل القانون وصارت الحياة فوضى..شاع الخوف بين الناس وتفرقوا الى مجاميع او افراد تتحكم في سلوكهم الحاجة الى البقاء، فيلجئون الى مصدر قوة او جماعة تحميهم، ويحصل بينهم ما يشبه العقد يقوم على مبدأ الحماية المتبادلة)، وهذا ما اسميناه في حينه (سيكولوجيا الاحتماء) معللين ذلك بأن خيمة الدولة الأمنية اذا سقطت ولا توجد خيمة اخرى تجمع اهل الوطن ،فأن الناس يصابون بالذعر فيتفرقون بين من يلجأ الى عشيرة او مرجعية دينية او تجمع مدني او سكني.. طلبا" للحماية، لأن الانسان حين يهدده خطر اكبر من قدرته على مواجهته ، فأنه يهرب منه ويبحث عن مكان يأويه. ذلك ما حدث للعراقيين في السنوات الخمس (2003 – 2008) نجم عنه تحول سيكولوجي خطير هو تعطّل الشعور بالانتماء الى العراق وتحوله الى القوة التي تحمي الفرد..وهو الذي تحكّم في صوت الناخب العراقي في انتخابات عامي (2005) و (2010). والسؤال: هل ضعف الآن هذا العامل السيكولوجي لدى الناخب العراقي؟ ان نوع الجواب عليه هو الذي سيتحكم في صوت الناخب العراقي، فأن كانت (ثقافة الاحتماء) قد تراجعت، تراجع معها بالتبعية الانتماء الى: طائفة، عشيرة، قومية...لصالح الانتماء الى العراق، يفضي الى تحول حقيقي في تركيبة برلمان 2014، فهل هذا سيحصل؟ ثمة من يقول ان العراقيين صاروا الآن هم الذين يقررون من يبقى في البرلمان ومن يخرجونه منه..وهذا صحيح..غير ان الناس يأخذون شكل الهرم اذا رتبناهم بحسب مستوى الوعي لديهم، من الأعلى وعيا" في القمة الى الأدنى في قاعدة الهرم. وعلى اساس هذه الحقيقة الاجتماعية، فأن الذي يحسم نتائج الانتخابات هم الواقعون في النصف التابع لقاعدة الهرم لأنهم الأكثرية.وليس المقصود بالوعي هنا كم ونوع المعرفة التي يمتلكها الفرد،بل وعي الناخب في اعطاء صوته لمن يمتلك مواصفات نائب برلماني يعمل لصالح الوطن والناس حتى لو كان يختلف معه في المذهب او الدين او القومية. وواقع الحال يشير الى ان من يتمتع بهذا المستوى الراقي من الوعي هم القلّة في الوقت الحاضر، فيما الكثرة هم دون هذا المستوى من الوعي الانتخابي..وهم الذين جاءوا بنسبة كبيرة من برلمانيين متواضعين، واستبعدوا مرشحين كان بينهم من يتمتع بمستوى رفيع من الكفاءة والخبرة والانتماء للوطن. ومع ان بين هذا الحشد الهائل من الجماهير من عض اصبعه البنفسجي ندما" على انتخاب من كان يظنه يخدمه فخذله، فأن الغالبية المطلقة منها تتوزع سيكولوجيا على النحو الآتي: - صنف تتحكم به طبيعة بشرية أزلية..هي أنه يمجّد الحاكم الذي ينعم عليه،وسيعيد انتخاب من جعله مرفهّا. - وصنف يؤمن بمقولة (شين اللي تعرفه احسن من زين اللي ما تعرفه)..بمعنى انهم سيعيدون انتخاب من انتخبوهم مع انهم غير راضين تماما" عنهم. - وصنف تبقى تتحكّم به سيكولوجيا الاحتماء، فينتخب ابن طائفته ليضمن الشعور بالأمن النفسي من خطر طائفة اخرى. - وصنف يتحكّم به تعصب (مذهبي، ديني، قومي، عشائري..) فيعطي صوته للمتعصب له، ايا كان مستواه. - وصنف (رمادي) يراقب تطور الاحداث (سياسيا" واعلاميا"..)، وقبيل اللحظة الحاسمة سيعطي صوته للكفة التي يعتقد انها الأرجح . - وصنف (قافل) على شخص بعينه، ولن ينتخب غيره. - اما الصنف الأخير فهو اليائس من اصلاح الحال، الذي يعتقد ان الأمور محسومه، وان التغيير، ان حصل، فسيكون في الوجوه لا اكثر..وسيبقى متفرجّا.
ذلكم هو الوضع النفسي العام للجماهير الواقعة في النصف التابع لقاعدة الهرم الذي سيكون في عام 2014.أما العراقيون الواقعون في النصف التابع لقمة الهرم فان وضعهم السيكولوجي تقرره طبيعة الحراك السياسي بين القوى الديمقراطية،الوطنية والتقدمية غير الممثلة في البرلمان ،وما يفرزه الصراع بين الكتل السياسية في حكومة الشراكة الوطنية الذي تتحكم به عاملان: الأول، ان بعض هذه الكتل والاحزاب المشاركة في الحكومة الحالية..سيذكي (سيكولوجيا الاحتماء) بتعزيز ثقافة الولاء للطائفة والقومية بشكل خاص، وستدير الزيت في دواليبها الاعلامية، ويظلّ تأثيرها فاعلا بين الجماهير الواقعة في قاعدة الهرم. والثاني،ان المشهد السياسي الحالي في العراق اشبه بلعبة كرة قدم..ممله، مضجره..الفرص الضائعة فيها كثيرة، وهدر الوقت فيها اكثر. فالبرلمان، الاقرب للناس والاكثر انشغالا" بهمومهم، لم يقر سوى اربعة قوانين في اربعين جلسة من بين (189) قانونا" ومشروعا" ومقترحا" لغاية نيسان 2011.والكتل السياسية وصل اغلبها الى قناعة هي انه لا يمكن تحقيق معادلة (التوافق والتوازن) معا"، وصارت تفكر جديا" باعتماد مبدأ التوافقات السياسية ليكون بديلا" عن الدستور، وتتردد عن الاقدام عليها لنتائجها الكارثية. والندّية بين الحكومة والبرلمان أقوى من التعاون والرقابة الايجابية فيما بينهما.فاذا كان وجود المعارضة في البرلمان حالة صحية فأن وجودها في الحكومة كارثة..وهذا هو السبب الرئيس في بقاء اهم مشاكل البلد دون معالجة (الفساد، الخدمات، البطالة) لا نشغال الكتل بمصالح احزابها. ومع ذلك فان القوى الديمقراطية والتقدمية تمر بأزمة سيكولوجية ناجمة عن: - الشعور بالخيبة والخذلان من الناخب العراقي الذي أفشلها في انتخابات 2010 - شعورها بأنها حتى لو توحدت لن تستطيع منافسة الكيانات التي استلمت السلطة. - ادراكها ان التخلف المعرفي يتحكم بالأغلبية التي تحسم نتائج الانتخابات،وأن وسائل تثقيفها معها أشبه بسهام خشبية موجهة نحو مصدات كونكريتية. - تضخّم الأنا لاسيما بين قيادات القوى اليسارية. - ضعف امكاناتها المادية والاعلامية. - التحاق أشخاص تقدميين وعلمانيين باحزاب اسلامية أدرجتهم في قوائمها الانتخابية..ما يغري آخرين بسلوك الطريق نفسه. لكن فرصة التعافي من هذه الأزمة ما تزال قائمة سيما وان هنالك حدثين كبيرين يفترض بهذه القوى أن تستثمرهما لصالحها،الأول: تظاهرات المطالبة بتحقيق الخدمات ومعالجة الفساد والبطالة واحتواء هذه الجماهير في كيان تقتنع بكفائته ونزاهته وانتمائه للناس والوطن.والثاني:تحرير (المرجعية الدينية)للناخب العراقي من تأثيرها السابق فيه بوقوفها على مسافة واحدة من الكتل السياسية ونقدها الشديد لأداء الحكومة وتقصيرها بحق الناس،واتهام أئمة خطبائها بوجود حيتان ولصوص فيها. غير أنه لغاية الآن(مايس 2011) لا يوجد حراك سياسي فاعل يسعى لتوحيد هذه القوى باستثناء نشاطات متواضعة يقوم بها عراقيو الخارج من دون تنسيق مع العراقيين في الداخل. اللاعب الأكبر سيكون للصراع الشيعي-الشيعي دور مؤثر في حسم نتائج انتخابات 2014.والقوة المرشحة للعب الدور الأكبر في ذلك هو (التيار الصدري).فمع ان نتائجه في انتخابات 2010 كانت اقل من النتائج التي حصل عليها المجلس الاسلامي الأعلى الا أنه لعبها بذكاء وحصل على مقاعد أكثر من المجلس في البرلمان..وسيضيف اليها في 2014معظم الجماهير التي انتخبت كتلا خذلتهم ،وسيحقق فوزا كبيرا اذا نجح في كشف الفاسدين واحالتهم الى المحاكم من خلال لجنة النزاهة التي يترأسها في البرلمان،سيما وأن من تدور حولهم تهم الفساد من الكتل المنافسة له. ومع ان بعض الشخصيات الوطنية وكتلا سياسية صغيرة ستخطب ودّه ،الا انه سيكون حذرا في انتقاء من يضمهم اليه ،وسينأى بنفسه عن كتل تقدمية قد تفكر بالتحالف معه ،لأنه يعيش الآن حالة صعود سيكولوجي..ولا يريد أن يقاسمه أحد في النصر الانتخابي الذي سيحرزه،وبالحجم الذي هو يتوقعه. ان تظاهرات شباط 2011 أنعشت الشعور بالحاجة الى دولة مؤسسات يتولى المسؤولية فيها من يتمتع بالكفاءة والخبرة والنزاهة والانتماء للوطن، وأن الحراك بدأ فعلا في هذا المسار لكن ايقاعه بطيء وغير منظم وغير فاعل مقابل واقع حال دولة محاصصات تتقاسم المناصب على مستوى الوزراء والوكلاء والمدراء العامين، ورؤساء الأقسام احيانا. ومع ان شعور الحاجة الى دولة مؤسسات أخذ ينمو داخل الكتل السياسية في السلطة وانها ستعمد الى تطعيم قوائمها الانتخابية باشخاص من غير انتمائاتها الطائفية والقومية وستهيأ كوادرها الاعلامية بهذا الاتجاه لتسحب من يفكر باعطاء صوته لقوائم وطنية جديدة ،فان برلمان 2014 لن يكون مؤهلا لتشكيل حكومة مؤسسات،أو يهيأ قاعدة انطلاق لها ما لم تتوحد القوى الديمقراطية وتثقف جماهير قاعدة الهرم وتغير آلية الانتخابات بما يضمن مجيء برلمان يمثل الشعب فعلا بحصول كل عضو فيه على القاسم الانتخابي والعتبة الانتخابية من الاصوات ، لا أن تكرر آلية الانتخابات ما حصل في البرلمان الحالي..فمع انه جاء عبر انتخابات ديمقراطية فان( 310 ) عضوا فيه لم ينتخبهم الشعب!.
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التحولات السيكولوجية في الانتخابات العراقية من سيفوز في عام
...
-
آخر القمم..أولها
-
أبو ليله..و..عادله خاتون
-
مظفر النواب..من القلعة الخامسة الى هافانا (لمناسبة مربد 2011
...
-
ثقافة القبح
-
مهور الديمقراطية..وخطاياها
-
تسونامي..للمثقفين العرب
-
الأخصائيون النفسيون العرب ..والسياسة
-
الحكّام أم الشعوب..مرضى نفسا؟!
-
غباء السلطة ..وخطاياها
-
تحليل سيكولوجي لشخصية ونهاية معمر القذافي
-
قراءة أولية في مظاهرات جمعة الغضب العراقي
-
الحقيقة..دائما عدوّة السلطة!
-
في سيكولوجيا الثورة المصرية
-
بيان عشرين شباط
-
اذا اتحد الدين والفن.. ظهر الحق!
-
لتكن صفقة واحدة: الحقوق، والمساءله، والاخلاق ايضا
-
نصائح للمتظاهرين العراقيين
-
المصريون..أهل نكته..حتى في المحنة!
-
في زيارة أربعينية ألامام الحسين ..وتساؤلات مشروعة
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|