نزار احمد
الحوار المتمدن-العدد: 3366 - 2011 / 5 / 15 - 21:43
المحور:
الادارة و الاقتصاد
2: فشل الحكومة في جلب الاستثمارات العالمية: على الرغم من اعطاء الاستثمارات الخارجية اولوية في خطط الحكومة لانعاش الاقتصاد واكتمال البنية التحتية والخدمات وتشكيل هيئة خاصة لهذا الغرض وانعقاد عدة مؤتمرات في عواصم عدة شارك بها صناع القرار السياسي بضمنهم رئيس الحكومة وعلى الرغم من طرح آلاف الفرص الاستثمارية ولكن الاستثمارات الخارجية لازالت خجولة ولاتتناسب مع طموحات الخطط المرسومة مع العلم ان الاقتصاد العراقي وحتى بوضعه الراهن مهيئا لاستقبال مليارات الدولارات من الاستثمارات الخارجية. هناك عوامل عدة تحدد الاستثمارات الخارجية. اولها هي القوة الشرائية للسوق. الاقتصاد العراقي بحجمه الحالي يقدر بحوالي 100-150 مليار دولار اعتمادا على معدل دخل المواطن التي تقدره بيانات وكالة المخابرات الامريكية بحوالي 3,500 دولار للفرد الواحد. هذا الاقتصاد مهيئ لاستقبال مابين 20-30 مليار دولار في الاستثمارات الاستهلاكية والتي تركز عليها الحكومة العراقية. اما الاستثمارات الانتاجية ولاسيما التصديرية فأنها لا حدود لها ولا علاقة لها بحجم الاقتصاد بمقدار علاقتها بمناخ البلد الداعم للربحية وتقليل كلفة الانتاج. ايضا الاستثمار يعتمد بدرجة كبيرة على نسبة ربحية عائدات الاستثمار, عندما تكون البنية التحتية متكاملة مع توفر الايدي العاملة الفنية والخبرات واستقرار الوضع الامني والسياسي وتكامل الاقتصاد ودقة بياناته فأن المستثمر يتوقع ارباحا سنوية بنسبة لاتقل عن عشرة بالمئة من قيمة استثماراته. اما في اقتصاد مبتدء, تكون فيه البنية التحتية غير مكتملة يرافقها نقص ورداءة الخدمات وسوء الوضع الامني وعدم استقرار العملية السياسية وكثرة الخلافات والصراعات السياسية و عدم ثبوت القوانين او عدم وجودها اصلا وانعدام البيانات الدقيقة فأن المستثمر لايمكن له المجازفة الا عندما ترتفع قيمة المغريات عن حدها التقليدي والمتمثل بارباح سنوية مقدارها عشرة بالمئة من قيمة الاموال المستثمرة. قانون الاستثمار وضمانات الاستثمار والمغريات المقدمة من الحكومة لاترتقي الى الحد الادنى لتطلعات المستثمر في حالة مقارنة الفوائد او العائدات مع حجم المجازفة والمخاطر. خير مثال على ذلك هو قانون تصفية النفط الخام. هذا القانون عندما شرع قبل عدة سنوات وذلك لحث الشركات العالمية على الاستثمار في قطاع تصفية النفط كان يقدم اغراءات مقدارها تخفيض سعر النفط الخام المجهز للمستثمر بمقدار واحد بالمئة. خلال السنوات العشر الماضية, تسعيرة برميل النفط الثقيل المكرر او المصفى في المصافي الحديثة تزيد عن تسعيرة برميل النفط الخام بحوالي 15-30 دولار اعتمادا على سعر برميل النفط حيث كلما زاد سعر النفط كلما قل الفرق بين تسعيرة النفط الخام والمصفى والعكس هو الصحيح. لذلك فأن 22 دولار هو المعدل الحقيقي لفروقات النفط المصفى عن الخام. كلفة تصفية النفط حاليا تحددها كلفة ايادي العمل (5 دولارات للبرميل), كلفة فوائد راس المال (دولارين للبرميل), مواد كيمياوية (دولارين للبرميل الواحد), صيانة (4 دولارات للبرميل الواحد), ضرائب واجور الارض (دولار للبرميل الواحد), كلفة الكهرباء والماء والاتصالات وازالة النفايات (5 دولارات للبرميل). الى ذلك فأن ارباح المستثمر لاتتعدى ثلاثة دولارات للبرميل الواحد وهي تمثل اقل من 2 بالمئة من كلفة الاستثمار والتي لاتعادل نسب التضخم السنوية فحتى مع اضافة نسبة الخصم فهي تظل اقل من 5 بالمئة من كلفة الاستثمار. ولكن بعد تعديل قانون تصفية النفط وزيادة نسبة الخصم الى 5 بالمئة فأن الوضع اصبح مغريا للعديد من الشركات العالمية لان ذلك سوف يضمن ارباحا تفوق العشرة بالمئة من نسبة الاستثمار. العراق هنا خسر مابين 4-8 دولار للبرميل الواحد كتخفيضات في سعر النفط الخام المجهز للمصفى ولكنه كسب مابين 8-10 دولار للبرميل الواحد تدفعها الشركة المستثمرة كأجور عمل وضرائب واجرة الارض وتكاليف الكهرباء والماء وقسما من تكاليف الصيانة والمواد الكيمياوية زائدا خلق العديد من فرص العمل الاضافية في الخدمات المقدمة للمصفى او لكوادره العاملة والفنية. ايضا عندما يتقدم الاقتصاد العراقي وتنشط الخبرة والصناعة العراقية فأن تكاليف الشتغيل والصيانة كاملة سوف تظل في الاقتصاد العراقي ولاتغادر حدود البلد.
ايضا بخصوص الاستثمار والاقتراض لتمويل المشاريع فأن عقلية المسؤول العراقي لازالت متقوقعة في مستنقع السيادة والوطنية والعنتريات مع العلم ان الاقتصاد العالمي تعدى هذه المرحلة منذ اكثر من 30 عاما, فاولا اقتصادات الشعوب اصبحت متداخلة ومكملة لبعضها البعض مما افقدها هويتها الوطنية فلم تعد هناك شركات امريكية واخرى يابانية وما شابه ذلك. شركة تويوتا اغلب اسهمها يمتلكها رجال اعمال امريكان, ايضا اغلب مصانعها تقع خارج الاراضي اليابانية. شركات السيارات السويدية والبريطانية تمتلكها شركات يابانية وامريكية. شركة شيل لم تعد شركة هولندية اسوة بشركة بي بي وهكذا. صناع القرار في العراق عليهم التفكير اقتصاديا والابتعاد عن رجعية السيادة والوطنية. فطالما لايسمح للمستثمر الاجنبي والشركات الاجنبية بشراء الاراضي العراقية والتمتع بنفس حقوق العراقي طالما نظل نحن في واد والعالم في واد آخر. الوطنية والسيادة هي خلق فرص العمل والرفاه والتكامل الاقتصادي وتحسين دخل المواطن. ماعدا ذلك مجرد ثرثرة فارغة.
3: فشل الحكومة في الاقتراض من اجل تمويل المشاريع:
اغلب المشاريع في العالم تنفذ عن طريق الاقتراض فعندما تكون ربحية المشروع جيدة بحيث يستطيع تمويل نفسه ودفع فوائد وكامل رأس المال في فترة العمر التصميمي للمشروع فأن المصارف العالمية لا تتردد في تمويل المشروع. في العراق هناك مئات المشاريع التي باستطاعتها تسديد رأس المال سواء المقترض او عن طريق الدفع المؤجل مع فوائده حتى ان كانت بنسبة 20 بالمئة في فترات قياسية لاتستغرق الخمس او العشر سنوات اضافة الى تشغيلها آلاف الايدي العاملة ومساهمتها في تحريك دفة الاقتصاد العراقي وزيادة حجمه. كما اسلفت في سياق هذه الدراسة في عام 2015 الاستهلاك الداخلي العراقي من النفط مستثنى منه وسائل النقل في توليد الطاقة الكهربائية والاستخدامات المنزلية والتجارية والصناعية سوف يصل الى 1.5 مليون برميل يوميا. استبدال هذه الكمية في الغاز الطبيعي يوفر على الدولة اكثر من 45 مليار دولار سنويا بالاضافة الى نظافته في حماية البيئة واجهزة الاحتراق واطالة عمرها. كلفة استثمار الغاز الطبيعي وتصفيته وتجفيفه وضخه ونقله عبر شبكة انابيب الى محطات الكهرباء والاحياء السكنية وايصاله الى المنازل والمحلات والمصانع والمكاتب يكلف مابين 150-200 مليار دولار يمكن تسديدها خلال اقل من سبع سنوات عن طريق تصدير كميات النفط التي يستبدلها. هذه الكلفة يمكن ان تبقى نسبة كبيرة منها داخل الاقتصاد العراقي في حالة انشاء مصانع الانابيب المستخدمة والصمامات واجهزة الضخ والقياس واستخدام الايدي العراقية في مد انابيب النقل والتوزيع. ايضا طبيعة الانشاءات السكنية والتجارية في العراق لازالت تعتمد على الخرسانة والحديد مما يجعلها مكلفة جدا في مواد البناء واجرة العمل ومستهلكة للوقت. انشاء مصانع تنتج مواد بناء حديثة سوف يقلل من كلفة الانشاءات والوقت المستغرق. هذه المصانع لو تم انشاؤها في العراق خصوصا مع حاجة العراق الهائلة للوحدات السكنية والمرافق الساندة لها كالمحلات التجارية والمدارس يمكن لها ان تسترجع كلفة بنائها وحقوق الانتاج في فترات قياسية. في نيسان من العام 2009, اعلن مجلس الوزراء عن مشروع خطة شاملة لاعمار البنى التحتية والقطاعات الخدمية من خلال عقود تبرمها الحكومة مع الشركات الاجنبية لانشاء المشاريع عن طريق الدفع الآجل بموجب برنامج استثماري تنموي شامل ولكن عندما عرض هذا البرنامج على مجلس النواب رفضه جملة وتفصيلا ولاسباب سياسية.
4: لاشك بأن الارهاب والوضع الامني المتردي لعب دورا كبيرا في تعطيل المشاريع وحرمان الاقتصاد العراقي من خدمات الشركات الاجنبية ومن الاستثمارات الخارجية اضافة الى دوره المهدم في استهداف الاهداف الاقتصادية الحيوية كخطوط نقل الكهرباء والنفط وغيرها.
هذا الارهاب البشع سواء نفذته عناصر القاعدة او الحركات الاصولية او المليشيات الشيعية او بقايا البعث تدعمه ماليا وفنيا دول الجوار وبالدرجة الاساسية ايران والسعودية وسوريا من اجل السيطرة على العراق اقتصاديا وسياسيا وعسكريا وتحطيم اقتصاده بالكامل وجعله ساحة رائجة لبضاعتها ومنعه من زيادة قدراته النفطية واستخدامه درعا وقائيا لمصلحة انظمتها الدكتاتورية كما وضحته في سياق هذه الدراسة. ايران ايضا لها اعداؤها التي تصب في مصلحتها زعزعة امنها الداخلي وتحطيم اقتصادها. كذلك سوريا وكذلك السعودية. لماذا لاتنجح الاطراف الخارجية في زعزعة امن وتحطيم اقتصادات السعودية وايران وسوريا مثلما تنتج هذه الاطراف في العراق. الجواب بسيط جدا وهو وجود عناصر كثيرة داخل العملية السياسية سواء في البرلمان او الحكومة او السلطات المحلية تنفذ الاجندة الاجنبية في مساندة وتنفيذ والتستر وتسهيل مهمات العمليات الارهابية واثارة النعرات بين اطياف المجتمع العراقي وتعطيل المشاريع من اجل تحقيق الاهداف المرجوة من دول الجوار في تمزيق العراق وتحطيم اقتصاده. العملية السياسية (برلمان وحكومة وقضاء) يتحكم بها اكثر من ثلاثين كتلة سياسية. كل كتلة تمتلك قناة فضائية وجريدة او عدة جرائد يومية, ومكاتب في كل مدينة وصرفيات لاحدود لها وحملات انتخابية باهضة الثمن ومليشيات. السؤال هنا من اين لها هذا الاموال؟. من اين لكيان سياسي لم يفز الا بتسعة مقاعد برلمانية الاموال التي تمكنه من امتلاك قناة فضائية تصل الى جميع بقاع العالم, اكثر من اربع صحف يومية, طائرة خاصة لرئيس الكيان, مكاتب في كل مدينة وقرية عراقية, اكثر من 20 الف شخصا حماية لقادته ومكاتبه ومؤسساته, مؤسسة ثقافية تتكون من اكثر من 82 مركزا موزعة على مدن وقرى العراق, زائدا مليشيا ولو انها انفصلت عنه مؤخرا. الميزانية السنوية لهذا الكيان لاتقل عن 200 مليون دولار سنويا. الكيانات السياسية في العراق مصادر تمويلها اما عن طريق حصتها في فساد عقود المشاريع الترقيعية التي تنفذ بالعراق وصفقات الاستيراد والتمويل او تستلم الاموال الايرانية والسعودية والاماراتية والقطرية او عن طريق كلتا النافذيتن. ايران والسعودية والامارات وقطر تدعم الكيانات السياسية العراقية بما لايقل عن مليار دولار سنويا ليس حبا بسواد عيونهم ولكن من اجل زعزعة امن العراق وتحطيم اقتصاده وعرقلة مشاريعه النفطية والغازية والتنموية. لذلك لا استقرار امنيا في العراق ولابناء لاقتصاده الا عندما تصلح العملية السياسية وذلك عن طريق اولا تشريع قانون الاحزاب الذي يحد من استلام الاموال الخارجية وقانون انتخابات عادل يمثل الارادة الحقيقية للناخب و تعديل فقرات الدستور التي تشجع على الطائفية والمحاصصة والجمود السياسي كأزمة تشكيل الحكومة. ايضا الارهاب والنعرات الطائفية تستخدمها عناصر السلطة من اجل تبرير اخفاقاتها في تنفيذ المشاريع ويمثل درعا وقائيا لها, لذلك لارغبة لها اطلاقا في القضاء عليها او التقليل من حدتها. ايضا الارهاب يعتمد على ثلاث حلقات متصلة وهي التدخل الخارجي وسلطة الحكم والشارع العراقي. القضاء على الارهاب يمكن تحقيقه عن طريق القضاء على اية حلقة من هذه الحلقات الثلاث المتصلة. العناصر التي تنفذ العمليات الارهابية والتي توفر له الدعم اللوجستي اغلبها عناصر عراقية انخرطت في التشكيلات المسلحة او تتعاون معها من اجل مكاسب اقتصادية لاعلاقة لها اطلاقا بالايدلوجية نتيجة الفقر والبطالة. تحسين الوضع الاقتصادي يساهم مساهمة مباشرة في القضاء على الارهاب. كذلك وبسبب الفساد وتعطل المشاريع وعدم جدية خدمة الشعب من قبل عناصر السلطة وتركيزها الاساسي على جمع الثروة فقد المواطن شعور الانتماء للوطن وقطع الطريق امام اهم اسلحة محاربة الارهاب والمتمثل بالدور الرقابي للمواطن. حاليا العراق مقسم الى طبقتين وهي الطبقة الفقيرة او التي تحت خط الفقر وهي الاغلبية وطبقة غنية او متمكنة متمثلة بعناصر السلطة واحزابها والاقرباء والاصدقاء مع اتساع الفجوة بين الطبقتين والانعدام الكامل لطبقة الشعب متوسطة الدخل.
في الجزء القادم تكملة تشخيص الاسباب المعطلة لانعاش وبناء الاقتصاد العراقي
#نزار_احمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟