|
زهور المسيحيين وسيوف الارهابيين
دانا جلال
الحوار المتمدن-العدد: 1004 - 2004 / 11 / 1 - 09:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الزهرة الاولى : ( في البدء كانت الكلمة ) ( العهد الجديد ) والكلمة كي تكون متجذرة ومحركة لوعي الانسان يجب ان تكون مقروءة . ولاكتمال جدلية العلاقة بين الكلمة والقراءة بعث ( بضم الباء )الصوت من ملكوت السماء ليقول (اقرأ ) وكان مجردا من الجسد والملامح لذا صعب الثبات امامه ، فيرجع الرسول مرتبكا الى زوجته خديجة بنت خويلد ليخبرها النبأ، فتشير اليه بحكيم العصر وقارىء الكتب (المسيحي) ورقة بن نوفل قد يكشف السر. ويذهب الرسول وتقول الروايات ان صحبته كانت مع ابو بكر الصديق فيسمعا من ورقة بن نوفل (حينما تسمع الصوت : ليس عليك بأس ، فاذا دعيت فأثبت ، حتى تسمع مايقال لك ) ( انساب الاشراف ص49 البلاذري ) وثبت الرسول وسمع الصوت وقرأ اي ( ردد ) لان القراءة تفترض وجود لغة ومادة ) وحينها قال ورقة انك المرسل . فبدأت الخطوة الاولى وكانت فيها حكمة المسيحي ورقة بن نوفل . لم تكن حينها السيوف مشرعة ولم تكن بعد (الجنة تحت ظلال السيوف ) ( صحيح بخاري ) ولم يستنسخ خالد ومعاوية وعمرو ويزيد انفسهم ليجزو رأس ذلك المسيحي الذي قال للرسول اثبت . ويحمل ورقة بن نوفل راسة فوق كتفه ويموت بسلام ويقول عنه الرسول (رأيت القس وعليه حلة خضراء يرفل في الجنة ) ( انساب الاشراف ) ولكن وكل لكن ممكن على الاقل في عالم افتراضي بل واكثر من الممكن في عالم يوتيبي، ماذا سيكون مصير ورقة بن نوفل في الجنة لو جاوره الارهابيين القتلة من السيافين اكانوا ازرقيين ام وهابيين ، بن لادينيين ام تكفيريين اكانوا من العراق ام الجزائر ، من افغانستان ام الشيشان ، من السودان ام مصر فالارهاب ملة واحدة ( ليس محددا بدين اوقومية او مذهب ) . الزهرة الثانية حينما ضاقت الدنيا بالرعيل الاول من المسلمين في مكة طلب الرسول من المسلمين الهجرة الى الحبشة وراهن الرسول على سمعة ذلك الملك المسيحي الحكيم ( النجاشي )، وبالفعل هاجرت مجموعة من المسلمين ( الهجرة الاولى ) وترسل قريش وفدا برئاسة عمرو بن العاص وعبد الله بن ابي ربيعة محملين بهدايا ورشاوى للملك الحكيم والقساوسة المسيحيين لاعادتهم الى الجزيرة ويدور النقاش في مجلس الملك ويمثل المسلمين جعفر بن ابي طالب وبدفاع رائع من قبل جعفر وعقل راجح من قبل النجاشي تكشف الحقائق ويأمر الملك باعادة الهدايا وقبوله بحمايته المسلمين . كان النجاشي مسيحيا وقال عنه الرسول (قال ابن عباس في رواية عطاء: إن النجاشي لما توفي قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن النجاشي توفي، فصل عليه، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحضروا وصفهم ثم تقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال لهم: إن الله أمرني أن أصلي على النجاشي وقد توفي فصلوا عليه، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي على غير قبلتنا? وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات، ) لم يولد السيافين في زمن النجاشي بعد لذا عاش النجاشي بسلام ،ليجعل المهاجرين المسلمين يعيشون بسلام في مملكته المسيحية . الزهرة الثالثة لم يقتصر ذكر الصفات الايجابية للمسيحيين في المنطقةالعربية في الحديث والسيرة النبوية بل تعداه الى ذكرهم في القران الذي اشار اليهم بالمودة (لتجدن اشد الناس عداوة للذين امنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن اقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصارى) ( المائدة 82 ) . بل ان البعض اعتبر النصرانية اقرب الشرائع الى الاسلام ففي ذكر حيوان لايعرف حكمه من كتاب ولاسنة ولااستخباث ( لواختلفوا اعتبر حكمه في اقرب الشرائع الىالاسلام وهي النصرانية فان اختلفوا عاد الوجهان عند تعارض الاشباه ) ( النووي / روضة الطالبيين ص 379 التاريخ المعبق المسيحية في العراق كانت قبل الاسلام باكثر من خمسة قرون ويمكننا القول انها بدأت في القرن الاول الميلادي ايام كان الفرثيون مسيطرين على العراق وتذكر المصادر الرومانية والارامية ان مار ادي احد تلامذة يسوع المسيح وتلميذه مار ماري بشرا بالمسيحية في نصيبين والجزيرة والموصل وسلوقية وقطيسيفون( المدائن )وشيد مار ماري اول كنيسة في بلدة كوخي ويعتقد المؤرخون ان الحيرة ظهرت مدينة ذات ثقافة سريانية في الربع الاول من القرن الثالث الميلادي، بل ورد في كتاب الاغاني ان المرمس استعان بالحروف السريانية التي كان يستعملها نصارى الحيرة وحورها فأصبحت الحروف العربية. والمسيحيين في العراق كانوامن السريان و الكلدان و الاشوريين اما تاريخهم في المنطقةالعربية فانه قديم ( كما ذكر اليهود انه جاءالاسلام وملوك العرب رجلان :غساني ولخمي وهما نصرانيان )(الرسائل / الجاحظ ص228 ويمكن اعتبار نصرانية النعمان واهل الحيرة معروفة في التاريخ العربي والذي تنصر بسبب قصة الوفاء الذي تمثل بالمسيحيين قراد والطائي اما دورهم في الحياة العلمية والثقافية فانه كان بارزا فيكفي ان نذكر ان ابن نديم ذكر في كتابه ( الفهرست اكثر من 45 مترجما مسيحيا من النصارى السريان ويمكن اعتبار المترجمين المسيحيين حلقةالوصل بين الحضارة والفلسفة اليونانية والاسلامية فقد ترجموا العلوم اليونانية الى المراكزالعلمية في الرها ونصيبين والمدائن وجنديسابور وامد ومنهم سرجيوس وأهرن وهيبا الملقب بالترجمان وتلميذه بروبا اما في مجال الطب والصيدلة فأن دورهم لم يكن اقل من دورهم في مجال الترجمة وكان ابرزهم يوحنا بن ماسويه صاحب بيت الحكمة وال بختيشوع ، ويكفي المسيحيين فخرا بأن العديد من اصحاب المعلقات كانوا من المسيحيين اضافةالى فطاحل الشعر العربي ونذكر منهم امرؤ القيس ابن حجر الكندي وعمروبن كلثوم التغلبي والنابغة الذبياني وزهير بن ابي سلمى والاخطل الذي كان يدخل على الخليفة المأمون بملابس الرهبان والصليب معلق فوق صدره ، اما في العصر الحديث فنذكر منهم اللغوي والاديب الاب انستاس الكرملي صاحب مجلة (لسان العرب ) اضافةالى الصحفي ثابت عبد النور والاديب روفائيل بطي والمحاميان الديموقراطيان خدوري وكامل قزانجي والادباء يعقوب سركيس وروفائيل بطي . اما دورهم التاريخي في الحركةالتحررية الكوردية في العراق فقد كان بارزا لم لا فالمجتمع الكوردي معروف بتسامحه وتعايشه بسلام مع مختلف الشعوب والديانات التي عاشت في كوردستان مما حدا بكل من دبليو اي ويكرام وتي اي ويكرام باطلاق تسمية شيخ المسيحيين على شيخ بارزان في كتاب( مهد البشرية). ومن المسيحيين الذين ساهموا في الحركة التحررية القومية الكوردية السيد (مطران الكلدان بولص بيداري ) عضوا مجلس قيادة الثورة في قيادة البارزاني الخالد والشيوعي الخالد توما توماس والاشورية مارغريت اضافة الى البطل الاشوري الكوردستاني الشهيد هرمز ملك جيكو وامير الشهداء فرانسوا حريري التحول والاسباب ماهي الاسباب الحقيقة لعمليات قتل وذبح المسيحيين في العراق وتفجير كنائسهم ودور عباداتهم ؟ وماهي الاسباب الحقيقة لتحول المواقف على الاقل عند البعض من اخوتنا المسيحيين في العراق والمنطقة ؟ ان هيكلةالدين الى دولة ومؤسسات من جهة وتسيسها من جهة اخرى يعتبر احد اهم الاسباب التاريخية في كل قمع سياسي بأسم الدين بغض النظر عن هوية الدين المؤسس ، لقد تحول الدين الى رهينة بعد ربطه بالسياسة وخاصة اذا كانت السياسة تعمل عكس اتجاه التاريخ . حيث لايمكن دراسة وتحليل تلك الجرائم بمعزل عن الحملة القذرة التي ترتكب بحق اخواتنا المسيحيين من قبل الاسلام السياسي في مصر وتعرض الاقباط الى حملات قتل وتفجير دور عبادتهم وكذلك ما يقوم به جنجاويد السودان في دارفور حيث اكدت منظمات الامم المتحدة ارتكاب حرب ابادة فعلية هناك بما فيها اغتصاب النساء . ان جذور الارهاب والغاءالاخر من قبل الاسلام السياسي يبدأ مع كل نص مروي يلغي الاخر وان اعتبر البعض تلك النصوص ضعيفة او مشكوكةاودخيلة فان ايمان البعض بها يجعلها مبررات فكرية لتلك الحملة القذرة وهناك بعض رواة الحديث ممن يملكون ارقاما فلكية في رواية الحديث بالرغم من قصر الفترة الزمنية الذي عاشوه مع الرسول فها يقول ابو هريرة ( يا أبا هريرة لا ترشد اليهودي إلى كنيسته ولا النصراني إلى بيعته ولا الصائبيّ إلى صومعته ولا المجوسي إلى بيت ناره ولا المشرك إلى بيت وثنه إذن تكتب عليك مثل خطاياه ) (يا أبا هريرة إذا لقيت اليهودي والنصراني فلا تصافحه وأنت على وضوء فإن فعلت فأعد الوضوء يا أبا هريرة لا تكن اليهودي والمجوسي والنصراني ولكن سمه باسمه فإنك والله تذله بذلك ولا يحل لك أن تكرمه إنما لهم من العهد والذمة) الفتوحات المكية محيي الدين بنعربي ص 328 اضافة الى بعض المرويات التي تتنافى مع حقائق التاريخ ونشوء اللغات وتطورها ،( وأول من زرع وغرس وتكلم بالعربية آدم عليه السلام فلما عصى ربه أُنسي العربية، وكان كلامه السُّريانية، فلما تاب الله عليه بعد مائتي عام ورحمه رَدَّ عليه العربية) الانساب / الصحاري ص12 . ان تشويه هويةالمسيحيين من خلال اعطاءهم الهوية السلبية يفسر احد الاسباب الكامنة لتك الجرائم فعلى سبيل المثال يعتبرالبعض ان الانجيل الحالي محرف ويختلقون موضوعة انجيل برنابا وحينما يحاولون اشاعة تلك الاكذوبة فانهم يضعون كل الكتب السماوية موضع الشك والا كيف يفسر قيام الرب بحفظ كتابه( القران الكريم) وعدم حفظه لكتبه الاخرى . ان انجيل برنابا الذي يتحدث عنه البعض ووجوده في خزائن الفاتيكان ماهوالاكتاب ككتاب مسيلمة الكذاب وقد ترجمه الدكتور خليل سعادة عام 1907، ويجمع العلماء على ان الكتاب لم يكن موجودا قبل القرن الخامس عشر اي بعد موت برنابا بالف وخمسمائة سنة ولو وجد قبلها لذكرها الفقهاء من امثال الطبري وابن كثير والرازي اضافة الى اتفاق كل المؤرخين من امثال المسعودي والمقريزي الذين كتبوا ان الانجيل هي اربع ( متى ومرقس ولوقا ويوحنا ). ان الارهابيين وبحملتهم ضد المسيحيين يهدفون الى اخلاء المجتمع العراقي من احد اجمل الوان طيفه فبعد ان نجح من سبقهم بافراغ الساحة العراقية من اليهود العراقيين عبرعمليات الطرد والمصادرة والمضايقة فانهم الان يحاولون مع مسيحيي العراق الذين كانوا السباقين في تاريخ العراق . ان ايقاف العمليات الارهابية ضد المسيحيين يبدأ من خلال الغاء الصورة المشوهة والهوية السلبية التي اعطيت لهم من قبل ارهابيي الفكر وحملة السيف عبر التاريخ ولن لينتهي الا بالغاء ثقافة الغاء الاخر وتكفيره .
#دانا_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حلم بابلي وشعب برومثيوسي
-
تاريخ السم في السياسة والثقافة العربية
-
صمتا فقد رحل الدرويش سلمان شمسة
-
رسالة الى السلطات السعودية
-
بروتوكولات حكماء شوفين
-
بيان خانقين
-
تحولات النار وصدى الحلاج بانتصار الحق
-
مأزق النصرالامريكي _ قراءة في بقايا حجر الجدار البرليني
-
الاكفان المهزومة
-
البرتقالة وجنجاويد الثقافة العراقية
-
جيولوجيو الفكر وشعراء الحجر الكوردستاني
-
معزوفة الوتر المنفرد(ردا على مقالة امين عام المنظمة العالمية
...
-
نضال الكورد والخروج من مثلث الهامش السياسي والجغرافي
-
من اجل السلام والديموقراطية
-
المهمل والمنسي في محاكمة صدام
-
من استوكهولم الى بغداد رموز وبقايا صور
-
- انتصار الكلمة على الرصاصة - لروح الشهيد قاسم عبد الامير عج
...
-
حدود الحق بين مشترك التاريخ وحجم التضحيات
-
المقتديات علوجيات القوى الظلامية
-
اليسار والعمل النقابي في ظل العولمة
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|