محمود فنون
الحوار المتمدن-العدد: 3364 - 2011 / 5 / 13 - 19:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نعم هي ذكرى مريرة ولا تزال مرارتها علقما في فم الشعب الفلسطيني الذي عانى ولا زال يعاني من نتائجها :
اولا:تربع على كرسي زعامة الشعب الفلسطيني ورغما عنه منذ الاحتلال البريطاني ,زعامة موروثة من زمن العثمانيين المستبدين ,زمن السلطان عبد الحميد .وهي زعامة مكونة بحكم التراث والتقاليد من اسفل الهرم من البارزين في افخاذ العشائر وزعامات القبائل ومخاتير القرى وفوقهم المتنفذين من الاقطاعيين والعائلات المالكة الكبيبرة ورجال الدولة العثمانية واتباعها ورجال الدين المناصرين للدولة السنية ويقف على رأس الهرم مجموعة من المتنفذين وقيادات الدولة المحليين .وهؤلاء جميعا ركيزة الحكم العثماني .وعلى الفور اصبحوا ركيزة حكم الاحتلال الانجليزي ونسج معهم ونسجوا معه ما يلزم من مصالح وعلاقات. وكان ابرزهم مفتي القدس بوصفه رجل الدين والمفتي الاكبروهذا ارفع منصب رسمي حكومي محلي موروث من العهد العثماني .
هذه الزعامة احتلت موقع قيادة الشعب الفلسطيني بحكم الامر الواقع ,واصبح الحاج امين الحسيني منذ عام 1920م على رأس هذا الهرم بوصفه من هذه العائلة وقد عينه الحاكم العسكري الانجليزي مفتيا للقدس ثم المفتي الاكبر وقد تعهد بالمحافظة على الامن والنظام في القدس .
حينما انطلقت ثورة 1936 لم يكن المفتي معها ولم يكن من مخططي ومؤيدي الاضراب الشهير بل لم يشارك به ,ولكن وبحكم الموقع الزعامي وبنباهة منه ومن امثاله ظل هو زعيم الشعب الفلسطيني الاول واشغل هو ومجموعة من امثاله منصب القيادةدون ان ينخرطوا فعلا في مهمة القيادة .واول مهمة قام بها هؤلاء الناس هي انهاء الاضراب بعد ان استحصلوا على نداء من الملوك والرؤساء العرب بوقف الاضراب وبوساطة الانجليز .(طلب الانجليز من الحاج امين وقف الاضراب والثورة,فقال لهم ان هذا لايكون الا بطلب من الملوك والرؤساء العرب.وبالطبع من السهل ان يحصل الانجليز على نداء كهذا بواسطة اعوانهم الحكام العرب,الذين وجهوا النداء المشهور .وما ان وصل النداء حتى بادر الحتج امين باصدار بيان وقف النضال الذي بدأبالقول :نزولا عند رغبة الملوك العرب....)
عندما انطلقت الثورة مرة اخرى تسلل الحاج امين الى بيروت ومن ثم الى بغداد التي كان يحكمها الانجليز .فان لم يكن هو قائد حقيفي للثورة وهو هنا, فانه لم يكن كذلك وهو في بغداد ولكنه ظل يشغل المنصب ويتحرز عليه حماية له من كفاءات اخرى .
لقد ظل هذا الهرم القيادي يلقي بثقله على القيادات الثورية الفلاحية التي برزت من صفوف الجماهير ويغلق عليها الطريق ويلقى تواطؤا من الانجليز والحكام العرب ممثلي الاقطاع والرجعية كي يضمنوا قيادة جاهلة وضعيفة وسهلة الانقياد للسلطات الرسميةوتبذل جهدها للحفاظ على مكانتها الاجتماعية الظاهرية بين الناس مع ان ملكيتها الاقطاعيه مهددة من الصهيونية .
من السهل تبين سببا هاما من اسباب فشل الثورة الفلسطينيةعام 36-39 من القرن الماضي وقبل ان تكون الصهيونية قد استفحلت.
لقد كان هذا الفريق يسكن نفسه ويدعو الله لمناصرة الثورة اما هو فيناصرها بقلبه وهذا اضعف الايمان .
ثانيا:وعلى النقيض من هذا الفريق كانت جماهير الفلاحين والشغيلة مستعدين لبذل انفسهم وما يملكون من اجل انتصار الثورة وحماية الوطن الفلسطيني ودحر الصهيونية. فمنهم تشكلت فصائل الثورة وهم حطبها ومادتها الفاعلة ,ومعهم قلة من المثقفين والمتنورين من ابناء الطبقات الميسورة ,فلم يكن الفلاحون يحصلون على أي تعليم اوثقافة.لقد كانوا مندفعين للعطاء, ولكن الجهد الواعي لا يناصرهم, والقيادة تتزعم ولكنها لا تنظم وتقود وتعبيء وتحشد الطاقات كما اصول العمل القيادي, ولاتؤمن المقدرات اللازمة من سلاح وتدريب وقيادات عسكرية ممتهنة ولا ما يحزنون . وظلت فصائل العمل الثوري تقوم على الارتجال والمرجلة والنخوةوالمبادرة وبالقليل من السلاح . في مقابل جيش الانجليز المتقدم والذي خرج منتصرا من الحرب العالمية الاولى ويستعد للثانية.
ثالثا :كان النظام العربي متواطئا مع الانجليز وخططهم في المنطقة بل كان الانجليز يسختدمون هذا النظام وفق غاياتهم بشكل مكشوف او غير مكشوف وبحكم سلطانهم وتبعية الحكام لهم.وفي ذات الوقت اعلن الحكام العرب مسؤوليتهم عن القضية الفلسطينية ودعمهم للشعب الفلسطيني بالمال والسلاح (كيف؟)و(متى)؟ كان هذا بالطبع منطقيا فلا زالت دعوات القومية العربية والتحرر القومي العربي التي انطلقت في نهاية العهد العثماني تملأالأسماع والاغاني والاناشيد بل وكل يدعي انه يحمي القومية ويرفع دعوتها .وكانت وفود الشعب الفلسطيني تتقاطر عليهم ويعطوها من طرف اللسان حلاوة ومزيدا من الوعود بدلا من المال والسلاح.
وكانت جماهير الامة العربية ضاغطة على الحكام وتتحفز للمشاركة مع الفاسطينيين كفاحهم ,والنظم تقف حائلا دون ذلك ما وسعها الامر او تساهم بشكل تقليدي وبعد فوات الاوان .
هذه اللوحة تؤشر على التجربة الفلسطينية في الفترة القريبة قبل عام 1948 م .وبعد تقسيم فلسطين نتيجة الحرب تغير ظاهر الامر واصبحت الزعامة التقليدية الموصوفة المقيمة في الضفة الغربية والشرقية ركيزة من ركائز النظام الاردني وظل الحاج امين الحسيني مقيما في بيروت ورئيسا للهيئة العربية العليا ولديه مندوب في جامعة الدول العربية ويصدر البيانات والنشرات ويسمع به وبدوره قليل من ابناء الشعب الفلسطيني, الى ان جاءت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من النظام العربي الرسمي الذي كانت تتزعمه مصر الناصرية.
تؤشر لنا هذه اللوحة ان تركيبة المجتمع الفلسطيني الاقطاعية الفلاحية المتخلفة افرزت زعامة تقليدية متخلفة وبالكادوعت المأزق الذي عاشته منذ دخل الانجليز البلاد.فهي بالاضافة الى تعاملها الجاهل مع الاخطار المحدقة بفلسطين,وحفاظا على منزلتها عند السلطان ,لم تطرح الدور الانجليزي في مأساة الشعب الفلسطيني بشكل تحريضي, مع انه كان الدور المقررفي هذه المأساة ,وظلوا على حد زعمهم يسعون لاكتساب الانجليز الى جانبهم ضد اليهود ,بل ان احدهم(كاظم الحسيني) وقد حصل على منشورات للحزب الشيوعي قد حملها الى الانجليز ليثبت لهم ان اليهود شيوعيون لا تجب مناصرتهم وبمايفيد انه كشف للانجليز سرا خطيرا سيقلب موقفهم رأسا عل عقب .كان موقف الزعامة التقليد ية مرنا جدا مع الانجليز وبما يحفظ منزلتها عندهم وعند المجتمع واحيانا كانوا يلعبون دور الوساطة بين حركة الجماهير في انتفاضاتها المتكررة وبين السلطات البريطانيةمقابل التهدأة.هكذا وعت طبقة الاقطاع البائدة ظروفها وقدمتها على الظروف الوطنية .
يجب ان لا يفهم من هذا ان البرنامج الصهيوني كان سريا او ان جمهرة الشعب الفلسطيني لم تكن تتحسس الخطر المحدق بها .لقد كانت تتحسس الخطر وبحجمه الهائل و وقدعبر طلائعيوها ومنذ ثمانينات القرن التاسع عشر وبكل السبل عن هذا الوعي وتصدت الصحف الوطنية المحلية والعربية بحملات توعية متصلة وصلت اعماق اعماق الجماهير الفلسطينية و كانت حركات الاحتجاج للسلطات العثمانية وحركات المجابهة مع المستوطنين متصلة منذ العهد العثماني.كما ان حال الصهيونية كان مرئيا للعيان والدور الانجليزي المساند على المكشوف للبرنامج الصهيوني وراعيا له كان واضحا وجليا.
لقد درست الثورة الفلسطينية المعاصرة تجربة اسلافهم ونقدوها نقدا عميقا بدراسات متعددة ولكنهم وقعوا في معظم اخطائها لذلك لم تختلف النتائج كثيرا.
الانسياق مع الحكام العرب والارتهان الى وساطتهم عند الامريكان والدول الاوروبية والنظر الى الامريكان كوسيط نزيه يمكن اكتسابه الى جانبنا ,وتقديم التنازلات تلو التنازلات كجواز مرور للنظام العربي والعقلية الاوروبية وفضح الصهيونية وممارساتها بالاستيلاء على الاراضي دون وجه حق والقتل والاعتقال واثبات انها تخالف المواثيق الدولية...ثم وصلوا في نهاية الثمانينات الى مرحلة شبيهة بالزعامة التقليدية التي تحتل منزلة القيادة ولا تقود النضال وتحافظ على منزلتهابين الدول وفوق اكتاف الشعب الفلسطيني .
اذا اجرينا مقارنات بين دور القيادة ما قبل 1948 وما بعدها سنجد قواسم مشتركة كبيرة وسنلاحظ هذا في الخطاب السياسي والمواقف بل ما هو اسوأ من ذلك بكثير .ومنذ ما بعد بيروت اعتصمت القيادة الفلسطينية في مكاتبها واعلنت منظمة التحرير دولة لها وتصرفت باموال طائلة وحصلت على امتيازات معنوية وبروتوكولية كبيرة من الحكام العرب ومثلت فلسطين دون منازع منذ النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي,وفي سياق هذه المنزلة خفضت سقف شعاراتها من العمل على تحرير كل فلسطين من النهر الى البحر قبل عام م1974 الى المطالبة بدولة في اراضي 1967 –الضفة والقطاع- ثم القبول بقرار 242 الذي كان مرفوضا بشدة ,ثم الاعلاان عن اعتماد الوسائل السياسية ومن خلال مساندة الاشقاء العرب ودعم الراي العام العالمي ومناصرة عددا من الدول الاوروبية وتكرار المطالبة بتطبيق قرارات الامم المتحدة ذات الصلة .خاضعة بهذا لضغوطات الانظمة العربية التي اعترفت باسرائيل واصبحت تضغط على قيادة المنظمة للنزول الى مستواها كي يكون الكل في الهم شرق.
ثم حصل الزلزال الكبير حصل اتفاق اوسلو وهو هبوط كبير باماني واحلام الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية .فقد كبرت منزلة القيادة واصبحت تدير دولة موعودة وتشغل كل مناصبها ورتبها والقابهاومؤسساتها,وظل كذلك الاحتلال الاسرائيلي يتحكم بالهواء والسماء والارض –فوق الارض وتحت الارض.
اذن لا بد من وقفة في مناسبة الخامس عشر من ايار وقفة تمثل ما هو اكثر من خطب انشائية يلقيها المسؤولين في الاحتفالات والمهرجانات والمسيرات .هناك حاجة قبل كل شيء لوقفة مراجعة تعيد دراسة مسار القضية الفلسطينية دراسة نقدية ,تقف امام دور القيادات والفصائل وكل ماله اثر في مسار القضية الفلسطينية من عوامل داخلية وخارجية ذاتية وموضوعية. ودور الانظمة العربية في هذا المسار في كل مراحل واطوار القضية. والابتعاد عن عقلية التقديس وكيل المديح . فلم يعد هناك ما نقدسه غير فلسطين وشعب فلسطين .
ان شعب فلسطين لم يتوقف عن التضحية من اجل تحرير الوطن, وقدم عشرات الاف الشهداء ولا زال مستعدا للنضال بمعين لا ينضب .ولكن كيف والى اين المسير؟ وبالتاكيد ليس مع نتائج اوسلو وافرازاته والعقلية التي قادت اليه. والشعب الفلسطيني مستعد للتخلص من ثقافة مرحلة اوسلو باتجاه ثقافة وطنية تقدمية تعيد بناء الشخصية الوطنية على قاعدة الكفاح التحرري وحمل الحلم الوطني بالعودة الى الديار حرة من كل قيد, بقيادة تاخذ شرعيتها من النضال والصدق مع الجماهير والاخلاص للقضية حتى النهاية دون تفريط او تراجع ودون ان تخضع لضغوطات الانظمة الرجعية العربية التي فرطت بالقضية .
#محمود_فنون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟