|
ثورة و متى تنتهي...!!
كريمة مكي
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 15:03
المحور:
المجتمع المدني
ينتابني الحزن و الأسى على مآل هذه الثورة و أنا لا أسمع هذه الأيام سوى صوت البكاء على أيام الأمن و الأمان زمن بن علي... اليوم التقيت أمام مدرسة ابني امرأة مسنة كنت أراها يوميا ترافق حفيديها من و إلى منزلها القريب من المدرسة...من دون أن أسألها و ما كنا قد تبادلنا من قبل حديثا بادرتني متنهدة: "بالله قولي لي أين هذا الذي سيحمينا الآن؟ من يقدر أن يخرجنا من -هالخُوضى- "الفوضى" بعد أن صار الخطف و النهب في النهار و القايلة!!" فاجئني يأسها و إن لم يفاجئني فحالنا من بعد الثورة واحد و نحن في الحيرة و الخوف قد صرنا بعد سواء... قلت كما لأخفف عنها حجم الخيبة التي طالتنا جميعا حتى أحبطت عزم أشد المتفائلين منا...:" في كل الثورات لا بد من التضحيات فلنصبر قليلا..." و لم أكن أدري أن صبرها على الثورة نافذ و قلبها من الخوف راجف -علام الصبر يا بْنيتي و اليوم الذي يأتي لا يزيدنا إلا رعبا و ارتعادا من المجهول -"إن شاء الله مستقبل أبناءنا يكون أفضل... لنتحمّل من أجلهم" قلت و أنا أتصنع تفاؤلا أنا أوّل المكذبين به. -و الله قلبي على أبنائي و أحفادي يبكي دما... أي مصير سيكون مصيرهم؟ -إن شاء الله ما ثمة كان الخير يا حاجّة! -ان شاء الله يا بنيتي... لكن لو تعلمي الذي حلّ بنا منذ الثورة...إنه شيء مفزع... شيء لا يصدق... كأنه كابوس و لا يريد أن ينجلي... ابني الذي أسكن معه أغلق شركته السياحية و جلس في البيت عينه على التلفزيون و أذنه على الراديو و فمه على السجائر فما أصاب غير اكتئاب حاد. زوجته التي تعمل في أحد البنوك وسط العاصمة تعرضت أول الأسبوع لعملية سلب في وضح النهار من طرف شابين وضعا تحت رقبتها سكين و هي الآن منهارة بعد أن كادت تُشل بفعل الصدمة...وأنا ها أني كما ترين صرت أرابض أمام المدرسة عوض أن أكون الآن في فراشي بسببب الروماتيزم الذي يعيق أطرافي. لقد صرت مرتعبة من حكاية اقتحام المدارس من طرف المخربين التي تحدث هنا و هناك كل يوم... -مع الأسف يا حاجّة هذه هي حال أكثر التوانسة اليوم -و لكن ما ذنبنا فلا نحن طرابلسية و لا نحن تجمعيين؟ -إنها الثورة يا حاجّة عندما تقوم تجرف معها الأخضر و اليابس -بلاشي منها ها الثورة إذا كانت هكة... و الله أنا عاصرت الاستعمار و معركة الاستقلال و ما أدراك و ما شهدت شيئا كهذا الذي يجري في تونس اليوم...انه الجنون بعينه...ماذا جرى لهم هؤلاء المجانين و أين كانوا عندما كان لهم زين العابدين بالمرصاد... آه لو يرجع لهم و لو ليوم واحدا... -أتحنّين لعهد الزين يا حاجّة؟ -طبعا و هل عندك شك على الأقل في وقته كنا مطمئنين على أنفسنا و أموالنا أما الآن فزيادة عن الخوف الذي يعقد مصاريننا من كثرة ما نسمع عن مداهمات البيوت و المحلات بالليل و النهار فقد صرت محرومة حتى من رؤية ابنتي التي تسكن في إحدى ضواحي العاصمة... لقد صارت تخشى زيارتي من كثرة الكمائن في الطريق هي التي كانت دائما تأتيني بعد العمل و تعود بسيارتها إلى البيت حتى بعد منتصف الليل...آه... كان هذا على عهد الزين...ليْتهم تركوه... -لكنه سارق يا حاجّة...ألم تري كل تلك المجوهرات و كل تلك النقود و العقارات...تلك كانت أموالنا التي أخفى ؟ -فليسرق.. المهم أننا كنا معه آمنينا...لنعتبر أننا كنا ندفع له أجرة ليحمينا... و الآن وقد ذهب ها نحن لا أمن و لا مال و لا ذهب...!! كان هذا كلام الحاجّة التي لم أعرف اسمها فقد تحدثنا دون سابق معرفة بعد أن وحّدنا الخوف و سهّلت الثورة تعارفنا و قد كنا قبلها لا يعرف الجار من جاره العاصمي غير تحية الصباح الباردة في أفضل الأحوال و الحقيقة أن الثورة في بداياتها أحيت فينا أحاسيس رائعة فاتحدنا عفويا من أجل إسقاط دكتاتور و إعادة بناء وطن و لكن...بعد شعارات الكرامة و الحرية و المساواة و مشاعر التضامن و الألفة التي وحدتنا في البداية صار الخوف هو موحدنا و صرنا لا نلتقي نحن الأغلبية الصامتة إلا لنشكو لمن نعرف و من لا نعرف هواجس الرعب التي تلازمنا من وضع بلد صار بكل المقاييس خارج السيطرة: هيبة الدولة صارت بعد في مهب الفوضى... إضرابات و اعتصامات و احتجاجات سريالية في كل وقت و في كل مكان، عمليات تخريب تطال المعهد و المصنع و مركز الأمن و لا يُعرف لها فاعل، هروب آلاف المساجين إلى الشارع و هروب عشرات الآلاف من شبابنا إلى أوروبا، مسئولون جدد في الولايات و الوزارات يعزلون بكلمة واحدة من الجماهير الهادرة، أحداث دامية في ملاعب الكرة، كفاءات و كوادر عليا تُقصى من خدمة البلد دون جريمة أو محاكمة...غوغاء بأتم معنى الكلمة و المراهقون السياسيون ممن أسالت الثورة لعابهم لالتهام كعكة الحكم في مناوراتهم ماضون... هذا يتهم و هذا يدين و ذاك بأصابع مأجورة يشعل في البلد الفتيل. ثورة تونس الرائعة الجميلة التي كتبت تاريخا جديدا في العالم بأسره آن لها أن تنتهي ليبدأ التأسيس لما بعد الثورة...ثورة تونس تشوّهت حتى صارت عورة و قد آن لها تختفي...أربعة أشهر و الفوضى تغرس أنيابها في جسد هذا البلد الأمين و الحكماء منا عاجزون أمام من فتنتهم شهوة الحكم عن حب الوطن...أربعة أشهر من الخوف كثير علينا يا أولي الألباب...كثير جدا على اقتصاد على شفى الانهيار و نفوس بدأت تدنو شيئا فشيئا من الانتحار... الأمن أولوية الأولويات يا أيها الفاعلون حتى لا يصير التحسر على عهد بن علي الفاشستي هو النحيب الصامت لأغلبيتنا الصامتة و يا لخيبة هذه الثورة و يا لرزية تونس فينا...!!
#كريمة_مكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قد آن لهذه الثورة أن تقوم...
-
عندما يكره التوانسة السيدة الفاضلة...
-
- برصاص الورد الأبيض-
-
حديث نساء
-
تشتري إخلاصا... والرجال تبيع‼
-
**امرأة و إن نجحت**
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|