الفساد في عيد ميلادي

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 11:44
المحور: حقوق الانسان
    

قال لي مرة أحد الشيوخ بأن الاحتفال بأعياد الميلاد حرام , وأنا أقول اليوم بأن الاحتفال بأعياد الميلاد ليس حراما وإنما فسادا طالما أنني أأكل قطعة كيك بعشرة قروش وزجاجة بيبسي كولا بعشرة قروش وبنفس الوقت الناس تموت وهي تدافع عن الحرية وحقوق الانسان, فهذا هو الفساد بعينه وأنا ضد الفساد ولستُ فاسدا وكما يقولون, أبقى قليل أصل وبلا شرف إذا احتفلتُ هذا العام بعيد ميلادي, وأبقى قليل أدب إذا اشتريت من السوق قالب كيك بدينار أردني ووضعتُ عليه الشموع وأطفأتهن بينما الناس تتظاهر في الشوارع من أجل الحرية ونيل الكرامة ومكافحة الفساد, يعني تخيلوا معي منظري وأنا جالس بقميص أزرق وبنطال كحلي اللون وأأكل قطعة كيك بينما الناس يأكلون الزفت والهوى ويموتون بالعشرات جراء مطالبتهم بأن نعيش جميعا حياة كريمة, تخيلوا معي كيف سيكون منظري وأنا أراقب بأناس من بعيد يدافعون عني وعن كرامتي المسلوبة والمهدورة وأنا بنفس الوقت أأكل الكيك واشرب زجاجة بيبسي بعشرة قروش أردنيات, يا فضيحتي يا عزارتي, وبسبب سوء الأحوال وسوء المناخات السياسية في الوطن العربي قررتُ هذا العام عدم الاحتفال بعيد ميلادي, فلا أريد من التاريخ بأن يسجل عليّ نقطة سوداء وبأن يذكر التاريخ وكتب التاريخ جهاد العلاونه وبيده زجاجة بيبسي بعشرة قروش وقطعة كيك بعشرة قروش, كما تتحدث كُتب التاريخ اليوم عن البذخ الذي كان يبذخه الخلفاء والملوك العرب الفاسدين, فليس من المعقول أن تتم مقارنتي بالمستقبل بملك المغرب أو بملك تونس, كأن يأت أحد ويقول: كان زين العابدين فاسدا وكان جهاد العلاونه فاسدا يأكل في عيد ميلاده قطعة كيك بعشرة قروش ويشرب زجاجة بيبسي بعشرة قروش والناس يموتون وهم يدافعون عن حرية الرأي والتعبير والكرامة الإنسانية.

ولا أريد بأن يأت في المستقبل مخرج سينمائي ذكي جدا يصور جهاد العلاونه جالسا يأكل قالب كيك مع أولاده بدينار أردني أو قالب طرطه التي لم أأكلها في حياتي وبيد كل طفل من أطفالي زجاجة بيبسي, وبنفس الوقت يأت المخرج بمشاهد أخرى عن شعب آخر يموت من رصاص القناصة ورصاص المدافعين عن أنظمة الفساد ويأت كاتب آخر ساخر أكثر مني ليكتب تعليقا فوق الصورة قائلا: فساد الكتاب العرب, ولهذا السبب قررتُ عدم الاحتفال بعيد ميلادي وإخواني يموتون أثناء مسيرهم في المظاهرات السلمية, فهذا بحقي عيب وخجل ويجب أن لا يصدر هذا السلوك من مثقف مثلي يحترم حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين.

ولكن حدث أمر طارئ جعلني أعيد النظر في قراري وأن أشتري قالب كيك بدينار أردني أو أن نشتري مواده بنصف دينار أردني وبأن نصنعه في منزلنا على نارنا الهادئة وبأن أشتري أيضا عشر زجاجات بيبسي كولا وأن أحتفل بعيد ميلادي ولن يهمني ما تقوله أو ما ستقوله وسائل الإعلام عن فسادي ففي مثل هذا اليوم من كل عام أحتفل بعيد ميلادي لوحدي وهذا العام كما قلتُ لكم قررت أن لا أحتفل بعيد ميلادي, لولا أنني تفاجأت من الصديقة الرائعة (وداد) وهي تقدم لي باقة ورد من مدينة( بروكسل) لتقول لي : عام جميل وحلو يا أبو علي وألقت بالتحية على (علي) وهو نائم وتمنت لو تقبل علي وبرديس ولميس وبتول, وبالكاد كدت أن أثبّت قدماي على الأرض من هول المفاجأة, فهذه أول مرة في حياتي أتلقى فيها بطاقة تهنئة بعيد ميلادي قبل أن تبدأ مراسم العيد ب 20 ساعة على الأقل, وهذا معناه أن هنالك شخص ما من هذا الكون يحبني ويشعر بي ويراقبني عن قرب وعن بعد, وجميل جدا أن تجد في هذا الزمان شخصا يهتمُ بك وبحركاتك ما عدى أمك وأبوك.
الشعور كان جميلا جدا, والإحساس بالشعور كان أجمل من كل إحساس فهذا أول عيد ميلاد في حياتي أشعر به بنشوة عيد الميلاد الحقيقي, نعم, لقد كنت قد قررت عدم الاحتفال بعيد ميلادي بسبب الأوضاع السيئة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج, ولا أريد بأن يقول عني أحد بأنني أحتفل بعيد ميلادي بينما العرب في ليبيا يموتون وفي سوريا وفي العراق وفي مصر وتونس واليمن الشقيق, لا أريد أن أصنع قالب كيك في منزلي لآكله مع أولادي بينما الناس في ليبيا وفي كافة أرجاء الوطن العربي يموتون من القهر ومن سلب الإرادة ومن فقدانهم للحرية الشخصية, فلا يجوز لرجل مثلي أن يحتفل بعيد ميلاده الواحد والأربعين بينما يموت كل يوم واحد وأربعين رجلا من المطالبين بالحرية وبالعدالة وبتوزيع الثروة بشكل عادل.

وكيف آكل الكيك مثلا وبعض الناس لا يجدون الخبز, فهذا أيضا عيب بحقي ولا يجوز أن يصدر عن مثقف مثلي ولا يجوز أن أرقص وأدبك على أنغام أغنية مجنونة بينما الناس ينوحون على موتاهم في اليمن وفي العراق وفي ليبيا وتونس ومصر والبحرين, هذا عيب ولا يصدر إلا عن إنسان معدوم الحس ومعدوم الضمير ومعدوم الوجدان, وأظن بأن الدول العربية وكافة الناس الآن يفعلون ما أفعله فلا يخرجون للرقص ولا للسهر ويوفرون تلك النقود من أجل إطعام الغلابة والمساكين والدراويش أمثالي, أنا حزين في هذا العيد مع أن (وداد) صديقتي أدخلت النشوة والفرحة إلى قلبي, وأنا كئيب بسبب سوء أحوال حقوق الإنسان في الوطن العربي.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات