|
سوريا؛ آخر المعاقل العلمانية..؟
عماد يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 10:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم نسأل في سوريا يوما عن دين محافظ المدينة. ولم نسأل عن انتماء رئيس بلدية، ولم نهتم في يوم من الأيام، لا في جيلي ولا الأجيال التي سبقتني عن دين أو طائفة الأستاذ الذي يعطينا الدرس. ولا ما هو انتماء مدير المدرسة، الديني أو القومي. لطالما تفاجئنا بقومية الأستاذ أو المدير عندما كنّا نعرف أنه كردي، أو تركماني، أو مسيحي أو آشوري أو خلاف ذلك..؟! لم نكن نهتم في يوم من الأيام بهذا أو ذاك. لم يفكر أحد في سوريا في دين رئيس الدولة، أو طائفته، إلاّ قلّة قليلة من الذين يريدون تغيير الواقع العلماني لسوريا. فمن يراقب جيداً ما ُيسمى" بالمجلس الانتقالي السوري المؤقت " هذا الخديعة الكبرى، يرى جيداً التوزيع الطائفي، والديني، والإثني فيه، فهو مدروس بعناية كبيرة، حيث الأكثرية من الأكثرية، والأقلّية من الأقلية!! حزب البعث في عام 1963 كان عابراً للانتماءات بكل أطيافها وأشكالها. والدليل على ذلك وصول قلّة قلية من المجتمع السوري من الأقلّيات إلى هرم السلطة في تلك الأيام. و كان سلاحهم الوحيد ايمانهم بأمتهم العربية وضرورة نهضتها، لذلك لم يجدوا من يعارضهم لأنهم طرحوا مشروعاً قومياً، حداثوياً، لا فئوياً، وليس فيه محاصة لكل طائفة وإثنية. كنا نأمل من زعماء الثورة السورية " المزعومة" أن يكونوا أكثر تطوراً وعلمانية من فكر ميشيل عفلق وأكرم الحوراني وذكي الأرسوزي في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الفائت ؟ لم ُيفكر نور الدين الأتاسي، سليل الأسرة الحمصية المدنية العريقة أو أمين الحافظ المدني الحلبي أو ميشيل عفلق أو أكرم الحوراني سليل العائلة الإقطاعية الحموية، من يكون صلاح جديد القادم من أرياف الساحل ولا حافظ الأسد القادم من ريف اللاذقية، أوعبد الكريم الجندي القادم من السلمية، وسليم حاطوم القادم من ريف السويداء وأحمد المير وغيرهم. كانوا أكثر تطوراً ممن يسمّون أنفسهم اليوم " زعماء الثورة في سوريا ". كلّهم طائفيون، من رياض الشقفة إلى رياض الترك، الذي تحول حزبه إلى أكثرية سنيّة ساحقة في السنوات الأخيرة " ومن يشكك، ما عليه سوى التأكد من كوادر هذا الحزب نفسه " ؟ أو يمكنه سؤال رياض الترك الذي ضيّق على كوادره من الطوائف الأخرى حتى غادرته طواعية بعد نضالات دامت عشرات السنين. رفاق حافظ الأسد في حركته التصحيحية هم؛ مصطفى طلاس، عبد الله الأحمر، ناجي جميل، حكمت الشهابي، عبد الكريم الجندي، وغيرهم . لا حقاً ربما حصلت بعض الانحرافات هنا وهناك، وكان ذلك بسبب حرب الإخوان المسلمين المسلحة مع السلطة والمجتمع الذي كانت تقتل منه المئات بالتفجيرات و المذابح اليومية التي كانت تحصل في أنحاء سوريا..؟ كانوا السبب المباشر في التحول القمعي الذي تحولته السلطة بعد عام 1980. حتى ذلك التاريخ كان هناك هوامش من الحرّيات السياسية لا ُيستهان بها، وأكبر دليل على ذلك أن التجمع الوطني الديمقراطي نفسه تأسس عام 1979. اليوم، ليس هناك مشروع يشبه مشروع حزب البعث الذي تأسس في 7 نيسان 1947. هناك ما ُيطلقون عليه ديمقراطية علمانية، لكنها للأسف مبّطنة بآلاف العقد الطائفية لأنها تفتقد إلى مشروع تحمله، وتفتقد إلى التجانس في عقيدتها وفكرها السياسي ، فعلم السياسة ليس بعض المصطلحات نطلقها هنا وهناك، حرّية، ديمقراطية، تداول سلطة، وغير ذلك. دروس العراق ولبنان. مؤخراً مصر ماثلة أمامنا؟ ما جاءت به الكلمات والمصطلحات لا يبني سوى الكلمات والمصطلحات. أمّا ما تأتي به المشاريع فيبني أوطاناً بالتأكيد وإن تخللها أخطاء كثيرة بعد حين ..؟ يتذرع البعض بالثورة الفرنسية، وأن الثورات تحتاج إلى مدى استراتيجي. ولهؤلاء نقول بأن الثورة الفرنسية وغيرها أتت تحمل مشروعاً. وكان كبار المفكرين في فرنسا وأوروبا في حينها هم منظرو الثورة. وكان المجتمع الفرنسي مجتمعاً متجانساً، وقضيته واحدة، وتحكمه أغلبية في حركة تاريخية نادرة في ذلك الزمن، تلك التي أسست للتحول الإنساني كلّه. وكل ّ نلك الشروط التي أدت إلى استقرار الثورة من عام 1789 إلى عام 1848، ليست متوفرة في أي من المجتمعات العربية التي حصلت فيها الثورات، والثورة البلشفية في روسيا في أكتوبر 1917ما كان ليكتب لها النجاح لولا أنها حملت مشروعاً عملاقاً في ذلك الحين. ما يحصل في مصر، وتونس، وليبيا، و اليمن ُيثبت بأن عنصراً هاماً وشرطاً أساسيا من شروط الثورات ليس له مكان في هذه المعادلة، ألا وهو، المشروع، الذي تحمله هذه الثورة أو تلك، لذلك نجحت كلّ التحولات العربية في القرن الماضي باتجاه الحزب الواحد الشمولي، بينما نشك اليوم في نجاح الثورات العربية الحالية في تحقيق نتائجها المرجوة.؟ قد تحصل تغييرات هنا، وتبدلات هناك، ولكن تبقى البنى المجتمعية، وعلاقات الإنتاج، والانتماءات الما قبل وطنية سائدة، والحامل الاجتماعي لهذه الثورات غير مكتمل النضوج. وربما أخطأ الكثير من المفكرين عندما ظنّوا أنَّ الشباب قد صنعت ثورة، فأطاحت رمزاً هنا، وبقي نظام، وصارعت زعيماً هنا، وما جنت سوى أنهاراً من الدماء كما يحصل في ليبيا، وتناضل في اليمن لكسر شوكة أعداد كبيرة من المؤيدين لنظام عبد الله صالح . وتصارع فئات قليلة في سوريا، ولن تجني غير الرفض المجتمعي بغالبيته، والتوزيع الديمقراطي الطائفي مثل العراق نموذجاً في أحسن أحوالها، إذا نجحت، لكنها لن تنجح؟ .بسبب افتقادها للكثير من الشروط الحتمية للتغيير، أهمها؛ الحامل الاجتماعي . وفقدانها لمشروع يستمد منه التغيير مشروعيته، في خصوصية وتنوع المجتمع السوري والظرف المعقد الذي يعيشه إقليميا وعربياً وصراعه مع إسرائيل. وأيضاً افتقاد كافة أطياف المعارضة السورية في الخارج والداخل إلى الانسجام وسيطرة الصراعات عليها، والتناحر فيما بينها. والشك في مرجعياتها، ثم خسارتها لمصداقيتها في الشارع السوري. ومن ثم فئوية هذا الحراك الذي لا يمثل سوى نسبة قليلة جداً من الشارع. وأخيراً وليس آخراً هو نضوب عامل الوعي السياسي من المجتمع على حساب العلاقات البنيوية الأهلية التي حكمت علاقتها بالسياسة على أساس علاقة الوصاية، أو ولي الأمر الذي ُتقدّم له الو لاءات ويتحدد موقعك من الدولة من خلال قرب أو بعد عائلتك عن مراكز القوى والسلطة في الدولة والحكومة ؟! لذلك؛ ُيمكن القول بأن أفضل تغيير، هو ذاك التغيير الصادق الذي تقوم به السلطة نفسها، ليس من موقعها كسلطة بل من موقعها كحزب علماني يبني حكمه على أسس ديمقراطية حقيقية. ُيساهم خلالها بإعادة إنتاج المجتمع من جديد، ويتخلى طواعية عن الحال الشمولية التي أدخل الدولة والمجتمع في أتونها على مدى ما ُيقارب الخمسين عاماً. وبذلك يكون قد أسس لمرحلة جديدة يكون شعارها التعددية السياسية والمشاركة المجتمعية الواسعة تحت مظلّة الديمقراطية. فيسجّل نقلّة نوعية في تاريخ سوريا، وهذا بحد ذاته مشروع بناء حقيقي سيجد حاملاً اجتماعياً عريضاً، وبما أن السلطة تمتلك كافة الأدوات والوسائل اللازمة لتحقيق هذا المشروع، فهو سيكون ثورة حقيقية يسجل التاريخ الفضل فيها لهذا الحزب صاحب التاريخ النضالي .؟!
كاتب سوري
#عماد_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-الشرط المجتمعي السوري للتغيير- لم ينضج بعد!
-
ممنوع من السفر
-
واقع التغيير السياسي العربي
-
سقوط مفهوم النخب السياسية العربية
-
دعاء إلى الفيس بوك والتويتر
-
العمل الحزبي العربي وآفاقه النضالية
-
مفهوم الاستلاب العقلي، الفكري والثقافي رؤيا في نهج الاستلاب
-
الرفاق الطيبيين أسرة الحوار المتمدن
-
ما بعد شافيز وموراليس وأورتيغا ؟؟
-
حرب أكتوبر والحرب السادسة - العرب بين الحربين -
-
اليسار العالمي يولد من جديد ...؟!
-
هل يمكن التعايش مع إسرائيل حقاً ؟!
-
بعيداً عن ما يسمى بالإنتماء الوطني والقومي...!
-
آن الأوان لإزاحة الأقنعة عن الوجوه..
-
الإخوان المسلمين والشرط المجتمعي السوري
-
العالم يتجه إلى الدمار تحت راية الأصولية الدينية
-
عندما تخطىء السياسة الأمريكية في قراءة الشرق الأوسط
-
عندما تقوم بعض أطراف المعارضة السورية بتعرية ذاتها
-
تحرير الأرض أم تحرير العقل - قطاع غزة بين الصحوة والحلم ..!
-
صراع أمريكا وسوريا في الشرق الأوسط - من يحارب من - ؟
المزيد.....
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|