|
النابلسي و العرب و العراق
نجيب المدفعي
الحوار المتمدن-العدد: 1003 - 2004 / 10 / 31 - 09:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يتحفنا الأستاذ شاكر النابلسي بآرائه الجريئة و الواقعية من خلال وسائل الأعلام و الاتصال المختلفة. إلا أن مقالا للنابلسي بعنوان (ما هي مصلحة العرب من هزيمة الإرهاب في العراق؟) نشره مؤخرا أرعبني كثيرا بسبب الإيحاءات التي وردت فيه، و التي لا أظن الأستاذ النابلسي يتقصدها. فبعد أن يتحدث عن الأسباب التي دفعت بأمريكا لفعل ما فعلته في العراق و بطريقة واقعية، و التي يجملها في النفط أولا و مصالح أمريكا الاقتصادية والغرب معها عموما ثانيا، و ثالثها الديمقراطية و العولمة و الأسواق الحرة. ينتقل الأستاذ النابلسي للحديث عن فائدة العرب من القضاء على الإرهاب في العراق؟ و لا ادري هل إن الجزء الأخير من السؤال (في العراق) يُـقصد به أن يكون العراق ساحة الحرب على الإرهاب بشكل قصدي أم هو عنصر المصادفة الذي وضع العراق و أهله في هذه المحنة. و لا أظن إن الجزء الأول هو ما قصده الأستاذ النابلسي.
لقد كان العراق ـ على ما أزعم ـ أكثر الدول العربية التي قدمت خسائر تحت شعارات "الأصولية القومية"، كما يطلق عليها الأستاذ النابلسي، في صراعات لم تقدم للعراقيين مجتمعا أكثر تطورا. إلا أن جزء كبير مما مرّ به العراق يتحمل العالم العربي مسؤوليته. فالعجز الذي يميز الفرد العربي، لأسباب لسنا في معرض الحديث عنها، يجعله يجنح إلى أحلام اليقظة و ما يعرف بالإنكليزية بال wishful thinking و الحاجة إلى من يجسد له أحلامه. أضف إلى ذلك حاجة الأنظمة العربية لجهة تـُنفـّس عن حالة الاحتقان التي تنتاب الشارع العربي تجاه مشاكله القومية. لقد نجح صدام في التقاط هذه الخيوط و اللعب عليها لصنع شخصية "القائد القومي" أو شخصية (الشاطر حسن) الذي سيخلص هذه الأمة من واقعها المزري.
إلا أن صدام أستـُغـِل أسوء استغلال من قبل أطراف عربية و دولية لخوض صراعات بالنيابة عنها و لتـُجنـََََّب نفسها ويلات هذه الصراعات. و لم تكتف هذه الأطراف ـ و خاصة العربية ـ بذلك بل صارت تمد صدام بكل احتياجاته لإدامة المطحنة التي راحت تهرس العراق و العراقيين، و فوق هذا و ذاك وقفوا مصفقين و مشجعين لصدام في أعماله، و في أضعف الأيمان التزموا الصمت. و لم يكتف الأخوة العرب عند هذا الحد بل استمروا بذلك حتى بعد الإطاحة بصدام و نظامه، فنجدهم راحوا اليوم يتوافدون على مدرجات الملعب العراقي و هم يصفقون و يهللون لمباراة الدم التي تجري على أرض الملعب، مشجعين الفريق المعادي للشعب العراقي. و البعض الآخر فضّل السكوت و مراقبة المباراة عبر الفضائيات حين يسأم من مشاهدة ـ الكليبات ـ الغنائية و المسلسلات الرمضانية.
يقول الأستاذ النابلسي"...فجاء غزو العراق كنذير للأنظمة العربية لكي تصلح من حالها، فإما اعتدلت وإما اعتزلت، كما قلنا في عنوان مقال سابق. وبدأ الاعتدال. فالانتخابات التي كانت معطلة أُجريت، وأصوات الاصلاح التي كانت مكتومة سُمعت، وأعلام المعارضة التي كانت مُنكّسة رُفعت، والمناهج التي كانت مقدسة لا تُمسُّ ولا تُجسُّ عُدِّلت. وأصبح بعض الحكام يسابقون الشعوب إلى الإصلاح خوفاً من أن يتكرر ما جرى في العراق. وهذه اجراءات لا يريدها الأصوليون ولا يريدها الارهابيون، ولم يكن يتصوروا في يوم من الأيام أن تحصل على هذا النحو من السرعة والاستجابة..." و كأني بالعراق و أهله المصد الذي يجب أن يتحمل كل الضربات التي توجه للعرب، و هو الميدان الذي تـُخاض فيه معارك العرب العسكرية العبثية و الآن الإصلاحية، و هو المدرسة التي سيتم تعليم الأنظمة العربية فيها الدرس الجديد. و هو المختبر الذي ستـُجرى فيه التجارب لكي لا يصيب الأذى بقية بلاد العرب.
و الأستاذ النابلسي، من حيث يدري أو لا، يدعو الأنظمة العربية لدعم الحملة العسكرية الأمريكية في العراق و إلقاء من ينغص عليهم راحة بالهم، من المتطرفين، في المحرقة العراقية حين يقول"...والارهاب كحقيقة قائمة كما هي الآن، لا قبل للعرب بمحاربته والقضاء عليه. انظروا ماذا يفعل الارهاب بقوة عظمى حالية مع قوة عظمى سابقة في العراق؟ فإذا كانت هناك قوتان عظميان سابقة ولاحقة تقاوم الارهاب وتريد الخلاص منه وهي التي دفعت الآن كل هذه الأموال الطائلة والدماء الغزيرة، وبعد مضي أكثر من عام لم تقض عليه، فما بال العرب بامكاناتهم المحدودة..." فإلى متى على العراقيين تحمّل تحويلهم إلى مقلب قمامة لبلاد العرب؟ وأنا لا أنزه الدول العربية المحيطة بالعراق عن كونهم ينظرون لبلاد الرافدين كذلك. فتنفيق بضاعة الزرقاوي على أرض العراق خير من أن يكون ذلك على أرض بلده. و استهداف أنابيب النفط العراقي أفضل من استهداف غيرها و بالتالي تحقيق أرباح خيالية.
إلا أن ما يطرحه الأستاذ النابلسي في خاتمة مقاله مرعب، لأنه يعزز فكرة تصدي العراق لكل ما يزعج العرب و يديم المطحنة التي نُحي صدام عن إدارتها و ليستمر هرس العراقيين. فهو يقول"...والقضاء على الارهاب في العراق حيث يتجمع هناك ويتراكم يوماً بعد يوم هو استئصال للارهاب في العالم العربي كله. ودرس قاسٍ لكل بؤر الارهاب الأخرى، ولكل الأنظمة التي تحميها..." فالإرهاب يتجمع و يتراكم في العراق و العرب ـ كدأبهم ـ يتفرجون. و طالما كان العراق هو مقلب القمامة و المحرقة لكل من ينغص هناء العيش و رغده في بلاد العرب فلـِمَ نمنع إلقاء قاذوراتهم على العراقيين؟ و على العراق أن يتلقى كل أرهابيّ العالم العربي ـ و ربما الإسلامي ـ و يستقطبهم و يقدم الضحايا من أبنائه من أجل دوام راحة و هناء أنظمة حكم الدول التي يأتي منها سقط المتاع هؤلاء. و ليس أدل على تورط الأنظمة العربية و الإقليمية في ما يجري بالعراق، من هدوء الوضع في أفغانستان و اشتعاله في العراق، رغم تشابه الوضعين في العراق و أفغانستان كونهما مُحتلـَين. فالطلاب العرب المراد إعطائهم الدرس في المدرسة العراقية هم طلاب مشاكسون و مشاغبون لا بل و متمردون على الدراسة، و قرروا أن يجعلوا أنفسهم المعلمين، بأمل تلقين المعلم الكبير درسا لن ينساه. و هم سيبذلون في سبيل ذلك أخر نقطة دم عراقي.
ثم يقول"...وتحاول الأصولية الدينية في العراق أن تحلَّ محلَّ الأصولية القومية. فليكن، ففي ذلك نهايتها..." و "...لكن الأصولية الدينية لها خطابها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والقضاء عليها لا يتم إلا باتاحة الفرصة أمامها لكي تتولى الحكم. نعم دعوها تحكم في عالم القرن الحادي والعشرين بمنطق القرن السابع الميلادي، وسوف تكون نهايتها في حكمها. ولكي تحكم لا بُدَّ من انتخابات ديمقراطية في العالم العربي..." و يختم "...فدعوها تحكم وتكشف عوراتها..." يبدو أن على العراقيين أن يتحولوا إلى مختبر للتجارب و عليهم أن يجربوا (الأصولية الدينية) بعد أن جربوا (الأصولية القومية) على مدى أربعين عاما و ذاقوا ويلاتها. فإذا نجحت الأصولية الدينية في اعتلاء سُدة الحكم في العراق، و هو المكان الوحيد المتاح لهم فعل ذلك فيه، عندها ستتكشف لبقية العرب و المسلمين عورات الأصولية الدينية و لينبذوها. أليس في ما حصل في أفغانستان وإيران ما يكفي من كشف للعورات أم يريدونها معسكرا للعراة؟ إذ قد ينتفع العرب من التجربة العراقية الجديدة التي ستسحق أعدادا أخرى من أهل العراق إكراما لعيون العرب. و هذا الكلام يذكرني بموضوع يقول كاتبه إن الثورة الفرنسية و ما نتج عنها من اضطرابات، راقبتها بقية دول أوربا و لتستخلص منها درسا بحتمية التغيير و أن يكون هذا التغيير هادئا و متدرجا خير من أن يكون عنيفا و حادا. و ما أشبه اليوم بالبارحة، و لكننا هنا في العراق لا نريد أن نكون فرنسا العرب فلقد تكشفت عوراتنا و هتكت أعراضنا و تفرج علينا العالم و ضحكوا علينا طوال أكثر من أربعين عاما. كل ما نريده هو أن يتركونا نعيش بسلام فلقد سئمنا الكفاح المسلح، و عذرا للأستاذ شاكر النابلسي.
#نجيب_المدفعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عباس المستعجل
-
رأس الدولة والقانون..حكاية من العهد الملكي
-
انطباعات حول جلسة التحقيق الأولى مع صدام
-
أعطوا الناس فرصة...ثم احكموا
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|