جاسم الحلفي
الحوار المتمدن-العدد: 3363 - 2011 / 5 / 12 - 08:49
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تشكل ظاهرة عسكرة المجتمع في العراق اليوم إحد معوقات بناء النظام السياسي الجديد. فلا يمكن تصور مجتمع مستقر فيما تجري عسكرته، كما لا تنسجم المزاعم حول التحول الديمقراطي مع وجود تشكيلات ذات نزعة عسكرية تحت تسميات مختلفة، وان كانت من دون سلاح. فعدم التسلح في هذه الحالة لا يعني ان تلك التشكيلات مدنية، لأن السلاح ليس بعيدا عن متناول الأيدي، وهو متوفر أكثر من الخبز!
وظاهرة التسلح في المجتمع العراقي واسعة، باتساع الرغبة الجامحة في امتلاكه، تحت هاجس حفظ الأمن الشخصي. وهذا من نتائج فقدان الثقة بالأجهزة الأمنية، التي يفترض ان تكون حماية المواطن وأمنه في مقدمة أولوياتها.
ويؤسس انتشار السلاح واتساع نطاق حيازته، الى جانب عوامل أخرى، لظاهرة عسكرة المجتمع، ويرفدها بعناصر الديمومة. وبهذا المعنى فهو يعيق بناء مؤسسات الدولة المدنية، ويعرقل انطلاقتها، ويزعزع الثقة بالمؤسسات الدستورية.
كانت المعارضة العراقية التي قارعت النظام الدكتاتوري السابق قد اضطرت الى حمل السلاح، حيث ان ذلك النظام لم يترك لها خيارا آخر. اما الآن، والحديث يدور حول برامج التحول الديمقراطي، فان من الضروري غلق الأبواب امام أي توجه نحو عسكرة المجتمع، دع عنك ضرورة إنهاء ملف المليشيات بمختلف تسمياتها وأنماطها وإشكالها ودوافعها. فالعسكرة تنسف الديمقراطية، لأنها تشكل قيدا عليها بل ومصادرة لها.
في ضوء ما تقدم يمكن القول ان عسكرة المجتمع تمثل تعبيرا عن أزمة مركبة، سياسية اقتصادية اجتماعية ثقافية. كما انها تشكل تهديدا للنسيج الاجتماعي، وتقويضا للأمن الاجتماعي،مثلما هي خطر داهم على السلم الأهلي. إضافة الى كونها من مفاهيم النظام الدكتاتوري السابق ومن ارثه البغيض، حيث تجارب "الطلائع" و "الفتوة " مرورا بـ " الجيش الشعبي "، التي كانت تفعل وتمارس تأثيرها السلبي والمدمر على المجتمع. والغريب ان البعض يستل من تلك الحقبة المريرة تجربة عسكرة المجتمع تحت ذرائع شتى، ويدعي أهمية اعتمادها بذريعة تحديها لقوى الإرهاب، فهي "المعادل للإرهاب" كما يراد تصويرها وترسيخها في أذهان الناس، تمهيدا لقبولها كواقع لا مناص منه.
ان مكافحة الإرهاب تعدُ واحدة من مهمات الدولة، ومن واجبات مؤسساتها الأمنية التي يفترض ان تبنى على أساس الكفاءة والمهنية والخبرة ومبدأ المواطنة، وليس على أساس الاثنية والطائفية والمحاصصة الحزبية.
وفي المقابل فان واجب حفظ الأمن هو أول واجبات الدولة، منذ نشوء فكرة الدولة في التاريخ السياسي للبشرية. لذلك تعد الدولة - أي دولة – فاشلة، إذا ما سادها الاضطراب والعنف، واستشرت الفوضى الأمنية، وكثرت الجرائم وعصابات الجريمة.
#جاسم_الحلفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟