|
حق الاختلاف فلسطينياً
وسام الفقعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 3361 - 2011 / 5 / 10 - 11:34
المحور:
القضية الفلسطينية
عجت الساحة الفلسطينية بعد عام 1967م، عام النكسة/الهزيمة، بعشرات الفصائل والتنظيمات ذات المشارب الفكرية المتعددة، من ماركسية وعلمانية وقومية ووطنية، فإلى جانب السجل النضالي الحافل لتلك القوى، فإنها شكلت حالة من السجال الفكري والسياسي، ارتباطاً بخلفياتها الفكرية والسياسية، وبعيداً عن حدود الاتفاق أو الاختلاف عن مدى رصانة أو متانة أو تملّك تلك الفصائل والتنظيمات لخلفياتها الفكرية أو لفكر سياسي واضح، إلا أنها خلقت حالة ومساحة كبيرة من التعدد والاختلاف الفكري والسياسي، المحكوم بسقف المصلحة الفلسطينية والمضبوط لثوابتها، وداخل المؤسسة "المتفق والمختلف عليها" في آن منظمة التحرير الفلسطينية. لقد فتحت هذه التعددية مساحة واسعة للحوار والاتفاق والاختلاف والتخاصم، ومن خلال كل ما سبق فتحت مجال للتطور والإبداع في جوانب عديدة من العملية النضالية، والعمل البحثي، والفن بمختلف أشكاله، والعمل الاجتماعي. هذا التطور والإبداع الذي أنتج "بوعي شعبي عفوي"، الانتفاضة الفلسطينية الكانونية الكبرى، بعد أن انسدت الأفق أمام منظمة التحرير الفلسطينية وقيادتها أثر الخروج من بيروت عام 1982م. شكلت الانتفاضة محطة نوعية جديدة في مسار النضال الوطني الفلسطيني "جورج حبش"، ووضعت النضال الفلسطيني في مرحلة متقدمة على الصعيد الشعبي والرسمي العربي والدولي، من خلال خلقها لميكانيزمات استمرارها والدفاع الموحد عنها من داخلها، فكنا أمام القيادة الوطنية الموحدة (متعددة المشارب الفكرية والسياسية)، ولجانها الشعبية، النضالية، والتعليمية، والصحية والاجتماعية... لقد أبدع الجيشان الشعبي المنتفض ومعه قيادته الموحدة، أشكال للتواصل والاستمرار والتكاتف والتكافل، بمعنى أدق أبدعت ما يمكن تسميته باسترجاع "قيم الثورة" المرتبطة بمرحلة التحرر الوطني. التي لم يكن لها أن تعيد انتاجها بهذا التوافق الشعبي الكبير عليها، بعد فترة طويلة من غيابها، لولا هذه التعددية و"حرية الفكر" التي كرستها، وحق حفظ الاختلاف، دون تحويله "لخلاف يفسد للود قضية"، بعكس ما برز حين نوت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الاستثمار السريع للانتفاضة، في ظل متغيرات ومستجدات اقليمية ودولية، أقل ما يقال عنها أنها ليس في صالح الأهداف التي رفعتها الانتفاضة (الحرية الاستقلال). بدأ صعود نجم قوى الإسلام السياسي "الجهاد الإسلامي وحماس"، يبرز بشكل كبير وسريع على الساحة الفلسطينية، مع اندلاع شرارة الانتفاضة الكانونية، حيث أخذت حركة حماس التي كانت بالأمس القريب دعوية من حيث الفكرة والتنظيم "المجمع الإسلامي"، الالتحاق بالانتفاضة تحت ضغط الشباب داخلها، الذين رأوا في الانتفاضة محطة جديدة لبروز جديد ومختلف للحركة، التي كانت تريد أن تدخل "الجنة في المناضلين من القوى العلمانية واليسارية الفلسطينية"، حيث أخذت من اليوم الأول تمايز نفسها عن الكل الوطني من خلال رفضها الدخول في إطار القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة، واكتفائها بالتنسيق الميداني، إلى جانب إعلانها لأيام مواجهات شعبية، وإضرابات مستقلة. لا يمكن لأحد أن ينكر الدور النضالي والزخم الكبير الذي أعطاه دخول حركة حماس على خط المواجهة المباشرة مع الاحتلال الصهيوني، من بوابة الانتفاضة الشعبية، ولكن في المقابل لنا أن نلحظ محاولة التمايز المقصود، والمثبت في ميثاق الحركة الصادر عام 1988م، عن الفصائل الأخرى، وبالأخص فصائل منظمة التحرير، سواء على صعيد الخطاب الإسلامي أو النضالي، وبعيداً عن الدخول في نقاش "هل يحق لحركة سياسية أن تدعي امتلاكها الحصري للمقدس؟" الذي ليس مجاله هنا، إلا أن ما أريد قوله أن هذا التمايز، أدخل الساحة الفلسطينية وفي غمرة الجيشان الشعبي الفلسطيني، في حالة استقطاب داخلي وظِفت فيه الأيديولوجيا، كما وظفت فيه الفئوية الحزبية التي بدأت تطفو على السطح، وصولاً لتوظيف سلاح العنف الداخلي، على حساب توظيفه في المعركة الرئيسية مع الاحتلال الصهيوني. وبدأت تدخل قيم ومفاهيم وممارسات "إقصائية وإلغائية وتكفيرية وتخوينية"، على الساحة الفسطينية، أخرجت طابع السجالات التي كانت تجري من "مضمونها" الفكري والسياسي، إلى مضمون أقرب إلى "صراع الديكة" إذا جاز التعبير. إن استمرار هذه الحالة من الصراع، بعد ولوج قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في نهج التسوية، وتوقعيها اتفاق إعلان المبادئ "أوسلو"، لم يَخسرنا قدرة المواجهة الموحدة لذلك النهج وقيادته، بل فيما أعتقد، ترك مجال أكبر لتعزيزه واستمراره، وانغراس قيمه في الوعي العام الفلسطيني، بما يمكن تسميتها "بقيم السلطة"، من فساد، ومحسوبية، واستزلام، وبحث عن الذات، واستهلاكية مترفة.. وفي المقابل تضخيم الذات الفصائلية حتى أصبحت أكبر من المشروع الذي تأسست من أجله "تحرير فلسطين" بالدرجة الرئيسية، وصولاً لاحتدام الصراع على السلطة وفيها، وما نتج عنه من انقسام طال مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والجغرافية، إضافة لأضراره الفادحة على نضال وصورة شعبنا. لقد "فرحنا" موضوعياً بتوقيع المصالحة الفلسطينية، وكنا نأمل أن يكون هذا الفرح ليس فصائلياً "للديكة الكبار"، بل شعبياً بكل ما للكلمة من معنى، وسنفرح أكثر عندما نجد نتائج هذه المصالحة تطبق على الأرض، حافظة حقوق ومصالح وثوابت وأهداف شعبنا. ومدخل هذا هو الحوار المبني على حرية الفكر. إذ لا حواراً حقيقياً، بدون حرية الفكر، الذي تحميه. وفي الفكر، لا توجد مقدسات، واحتكار للحقيقة، وإن اقتنع كل طرف بصوابيته المطلقة. ليكن لنا من التجربة المريرة التي عشناها ولا زلنا، عِبر ودروس مستفادة، لنمتلك جرأة وشجاعة وصراحة الحوار وطرح الأفكار، وحتى وإن كنا مختلفين حتى التناقض "الذي فيه حياة"، ولنطلق العنان للحوار مع الفكر الآخر لعل فيها الكثير يتلاقح، بما يفتح للبحث الدائم عن الحقيقة، والاجتهاد، والتجدد، والإبداع طريقاً، لأن عكس ذلك يعني التدمير المستمر للذات.
#وسام_الفقعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المصالحة بين الإشهار وحقائق الواقع
-
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بين تجديد الذكرى والانطلاق نحو
...
-
دقوا جدران الخزان
المزيد.....
-
-جزيرة إنستغرام-.. أكثر من 200 زلزال يضرب سانتوريني في اليون
...
-
-لم أتوقف عن البكاء-.. رصاصة تخترق جدار منزل وتصيب طفلًا نائ
...
-
تشييع جثمان حسن نصرالله وهاشم صفي الدين في 23 فبراير.. وهذا
...
-
-9 آلاف مجزرة وأكثر من 60 ألف قتيل- في غزة.. أرقام مرعبة يكش
...
-
الرئيس الكولومبي يصعّد انتقاداته لسياسات الهجرة الأمريكية وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يفجر 23 مبنى سكنيا في مخيم جنين
-
كيف نطق الإنسان؟ أهم الفرضيات حول أصل لغة البشر
-
ملك الأردن يلتقي ترامب بواشنطن في 11 فبراير
-
نائبة أيرلندية: إسرائيل دولة فصل عنصري والعالم بدأ يدرك ذلك
...
-
دفعة ثانية من الجرحى والمرضى تغادر قطاع غزة عبر معبر رفح
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|